استثمار أموال الزكاة

استثمار أموال الزكاة في الدين الإسلامي وتنميتها بطرق التنمية المشروعة بحيث تحقق النفع لمستحقي الزكاة وفق تعاليم الدين الإسلامي، هي مسألة نازلة من نوازل الزكاة المعاصرة، وقد بحثتها جهات ومراكز فقهية متعددة، واختلفت آراء المختصين فيها، فمنهم من أجازها، وآخرون منعوها، وخلاصة ذلك: عدم جواز الاستثمار من قبل مالك المال أو وكيله، وجواز استثمارها من قبل ولي أمر المسلمين أو من ينوب عنه، ولكن يكون الاستثمار وفق ضوابط معينة، تحقق الأنفع والأحوط لأموال الزكاة ومستحقيها.

معنى الاستثمار لغة

قال ابن فارس: الثاء والميم والراء أصل واحد، وهو شيء يتولد عن شيء متجمعا، ثم يحمل عليه غيره استعارة. وثمّر الرجل ماله: أحسن القيام عليه. ويقال في الدعاء: «ثمّر الله ماله» أي نمّاه.[1]

واستثمر المَال: ثمّره، والاستثمار: استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم والسندات.[2]

معنى الاستثمار في الإسلام

لم يرد لفظ الاستثمار في استعمال أهل الاختصاص في الفقه الإسلامي، وإنما ورد عندهم بألفاظ أخرى، مثل التنمية، والاتجار، وهما بمعنى الاستثمار. وقد عرف الاستثمار الشرعي بعض المختصين فقالوا: استغلال المال بقصد نمائه وتحقيق ربح لصاحبه، دون مقارفة ما نهي عنه بنص صريح أو ما في حكمه، وحسب القواعد الكلية للشريعة الإسلامية.[3]

مفهوم استثمار أموال الزكاة

المراد باستثمار أموال الزكاة: العمل على تنمية أموال الزكاة لأي أجل، وبأي طريقة من طرق التنمية المشروعة، لتحقيق منافع للمستحقين.

وتتم هذه الطريق بإقامة مشاريع لاستثمارها لصالح المستحقين، بحيث ينتفعون بريع عائداتها، ليكون ذلك موردا دائما لهم بدلا من إعطائهم من أموال الزكاة نقدا أو عينا، التي سرعان ما يستهلكونها.[4]

استثمار أموال الزكاة من قبل صاحب المال

لا يجوز استثمار مال الزكاة من قبل مالك المال، لأن الزكاة يجب إخراجها فورا على الراجح، واستثمارها يفضي إلى تأخير إخراجها؛ لأن الاستثمار يحتاج وقتا طويلا، وليس هو من الضرورات أو الحاجات المعتبرة حتى يباح لأجلها. كما أن رب المال إذا استثمر زكاة ماله وربحت أرباحا طائلة فإن ذلك مما يُطمعه فيها، وقد يمنع إخراجها لأجل أن يستثمرها مع باقي ماله.[5]

استثمار أموال الزكاة من قبل وكيل مالك المال

يجوز لمالك المال أن يوكل من يراه لإخراج زكاة ماله عنه، ولكن ليس لهذا الوكيل أن يستثمر أموال الزكاة، للعلة ذاتها التي يمنع صاحب المال بسببها من استثمار زكاة المال، وهي أنه يؤدي إلى تأخير إخراج الزكاة عن وقتها، كما أن مالك المال لا يصح تصرفه في مال الزكاة بالاستثمار فكذلك وكيله لا يصح منه ذلك، وسواء كان الوكيل شخصا حقيقيا أو اعتباريا، كالجهات والهيئات الخيرية غير المكلفة من الإمام بجمع الزكاة وتفريقها، فهي تعتبر بمنزلة الوكيل عن صاحب المال، فتدخل في هذا الحكم.[6]

استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام أو نائبه

بحثت المجامع والهيئات الفقهية هذه المسألة وعقدت مؤتمرات لمناقشتها وقدمت فيها بحوثا مختلفة، وخلاصة ما خرجت به المؤتمرات أن في المسألة قولين للمختصين المعاصرين

القول الأول

جواز استثمار أموال الزكاة، وممن قال به: مصطفى الزرقا، ووهبة الزحيلي، وغيرهما، وهو اختيار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وأخذت به بعض الجهات الأخرى.

ومن أدلة هذا القول:

  1. أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يجعلون ما جمع من زكاة الأنعام في موضع خاص يسمى «الحمى» بحيث تكون محفوظة فيه، وترعى وتتناسل، ويجعلون معها الرعاة، فلم يقسموها مباشرة على المحتاجين، فهذا يدل على نوع من الاستثمار لها.
  2. ما جاء في الحديث: «أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: «ائتني بهما»، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: «من يشتري هذين؟» قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثا»، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: «اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به،»، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما»، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع)» [سنن أبي داود، المكتبة العصرية، رقم الحديث (1641)]
    قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد هذا السائل إلى ما فيه منفعة له واستثمر ماله المشغول بحاجاته الأصلية لصالحه، فيجوز للإمام استثمار أموال الزكاة قبل أن يشغلها المستحقون لها في حاجاتهم، وذلك من الإرشاد لهم إلى الأمر النافع لهم.
  3. قياس استثمار أموال الزكاة لصالح المستحقين على جواز استثمار مال اليتيم لمصلحته، وهو أمر متفق عليه، وعلى جواز استثمار أموال الأوقاف كذلك، وهو مال تعلق به استحقاق يقصد به التقرب إلى الله، والزكاة كذلك.
  4. أن الإمام له من النظر والتصرف في أموال الزكاة لصالح المستحقين ما ليس لغيره من أفراد العامة.

القول الثاني

عدم جواز الاستثمار، وممن قال به: محمد ابن عثيمين، وبكر أبو زيد، وهو اختيار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

ومن أدلتهم في عدم الجواز:

  1. أن مصارف الزكاة جاءت في القرآن محصورة في أصناف معينة، فاستثمار أموال الزكاة خروج عن تلك المصارف.
  2. أن استثمار أموال الزكاة يؤدي إلى تأخير صرفها للمستحقين، وهو أمر واجب على الفور عند الراجح من كلام المختصين، والاستثمار قد يطول زمنه، وذلك ينافي وجوب دفعها على الفور.
  3. أن استثمار أموال الزكاة فيه مخاطرة بها؛ إذ قد تستثمر في تجارات وخرج بخسائر كما هو الحال في التجارات، وبذلك يتضرر المستحقون للزكاة.
  4. أن الاستثمار يؤدي إلى صرف الزكاة إلى غير المستحقين، فقد تصرف لأعمال إدارية وجهات متابعة الاستثمار، وغير ذلك.[7]

وقد رجح الباحث صالح بن محمد الفوزان جواز استثمار أموال الزكاة بضوابط معينة، وذلك بعد دراسة المسألة والأقوال فيها، وعرض الأدلة ومناقشتها.[8]

ضوابط جواز استثمار أموال الزكاة من قبل ولي أمر المسلمين أو نائبه

الضابط الأول: مراعاة حاجات المستحقين للزكاة، فلو وجدت حاجة عاجلة للمستحقين لا يمكن تأخيرها – كالحاجة للغذاء مثلا – فلا يجوز تأخير صرف الزكاة لهم لأجل استثمارها في هذه الحالة.

الضابط الثاني: أن يتحقق باستثمار أموال الزكاة مصلحة حقيقية راجحة للمستحقين، بأن يكون احتمال الربح والنفع أعلى من احتمال الخسارة بحسب غلبة الظن.

الضابط الثالث: اتخاذ الاحتياطات والإجراءات الكفيلة ببقاء الأموال المستثمرة وأرباحها لصالح المستحقين، ومتى بيعت الأصول المستثمرة فيجب صرفها للمستحقين.

الضابط الرابع: المبادرة إلى تنضيض الأصول المستثمرة – ببيعها مثلا – إذا اقتضت حاجة المستحقين وصرفها لهم، كما في الأوقات الطارئة التي تتطلب أموالا وفيرة لسد ما  يستجد من حاجات لا تكفيها الأموال المصروفة دوريا.

الضابط الخامس: أن يتخذ قرار الاستثمار ممن له ولاية عامة، كولي الأمر أو من يقوم مقامه من ذوي الاختصاص في البلاد الإسلامية، أو من يراه المسلمون كفئا لهذا الأمر إن كانوا في بلاد غير إسلامية.

الضابط السادس: أن يسنَد أمر الاستثمار إلى أهل الخبرة والأمانة والاستقامة.

الضابط السابع: ألا يترتب على استثمار أموال الزكاة مخالفة للأحكام الخاصة بها.

الضابط الثامن: أن يكون الاستثمار في مجالات مشروعة، كالتجارة والصناعة والزراعة وغيرها، ولا يجوز استثمارها في أمور محرمة.[9]

انظر أيضا

المراجع

  1. مقاييس اللغة، ابن فارس، دار الفكر، (1/ 388)
  2. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، دار الدعوة، (1/ 100)
  3. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (46-47)
  4. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (62)
  5. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (78)
  6. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (108-110)
  7. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (115-147).
  8. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (147).
  9. استثمار أموال الزكاة وما في حكمها، صالح محمد الفوزان، كنوز إشبيليا، (159-181)
  • بوابة الفقه الإسلامي
  • بوابة علوم إسلامية
  • بوابة محمد
  • بوابة الإسلام
  • بوابة الحديث النبوي
  • بوابة القرآن
  • بوابة الاقتصاد
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.