الإنسان الأول
الإنسان الأول في نطاق الحديث عن الإنسان الأول يفترض المرء أن يكون قد ظهر بين الكائنات التي لم تكن جديرة بحمل هذا الاسم ذلك الكائن الحي الأول الذي استحق اسم إنسان فما هي إذا النقطة الأساسية الجديدة والميزة الهامة لتحديد المشكلة؟ اننا بايجاز نفترض قدرتنا على التاكيد بان جماعة ما اثبت علماء ما قبل التاريخ ان افرادها بشر ولنفترض ان هذه الجماعة تمتاز فقط عن سواها بسعة جمجمية أكبر بوضوح: سيكون الإنسان الأول سيكون الفرد الأول الذي بلغت جمجمته هذه السعة حتى ولو لم يترك اثارا تبرهن عن انتسابه إلى الإنسان سواء اختص الامر بجماعة انتسبت أو لم تنتسب إلى الإنسان أو بتوضيح ان ميزة ما تبدلت هي وحدها في هذه الجماعة أو بالتفتيش خاصة عن الافراد الذي بوجودهم سبقو اولئك الذين كشفنا عن متحجراتهم فان الحقيقة تبدو أكثر تعقيدا بكثير مما نعتقد فلو تم اكتشاف لحد يعود إلى القرون الوسطى أو حتى إلى زمن الرومان أو الإغريق لن يشك أحد انه لرجل لان هيكله العظمي لا يتميز البتة عن هيكل الإنسان الأوروبي اليوم عندما تم اكتشاف إنسان نياندرتال كان الشبه كبير إلى حد لم يشك معه أحد بانه إنسان وربما غير طبيعي إلا أن حقيقته غير قابلة للجدال اما إنسان جاوه أو السينانتروب فيختلف هيكله العظمي عن هيكلنا ولكي تتاكد نسبته إلى الإنسان يجر يالبحث عن مقاييس أخرى. نكتشف هنا ان الانتماء إلى الجنس البشري ليس مسالة هيكل عظمي أو بكلام ادق انه إذا وجد هيكل عظمي شبيه بهيكلنا سيبقى هناك مجال للافتراض ان هيكلا أكثر أو اقل شبها لا يسمح بحسم نقاش لا يدور حول هذا الشان.
التعرف إلى الهيكل العظمي للإنسان
تناولت تمثيلية لفركور مثلت لأول مرة في كركاسون في تموز 1963 هذه المشكلة ولكن مبسطة إلى أقصى حد لان المسالة لم تكن تختص بمتحجرات بل بكائنات حية يمكن مراقبتها.
وموضوع التمثيلية هو التالي: «وجد في اوقانيا مجموعة من البيرانتروب المنتصبين على قدمين اتفق على تسميتهم تروبس والسؤال هل هم بشر ام حيوانات؟ وقد رفض الجميع اتخاذ قرار حول هذا الموضوع عندئذ أخذ صحفي على عاتقه إخراج المسالة من الطريق المسدود فحصل على طفل وذلك بتلقيح انثى تروبس اصطناعيا في جنينة للحيوانات وعند ولادته عمده ثم قتله ونادى الطبيب ليثبت من الوفاة ورجال الأمن ليتاكدوا من الجريمة»
ولكن هل هذا الامر جريمة؟ عنوان التمثيلية «علم الحيوان» أو الفيلنتروب المجرم وقعت المحكمة في حيرة فاستدعت جميع الاخصائيين الذين تمكنت من الاتصال بهم وقد قررت انه إذا كانت الانثى امراة يكون في الامر جريمة يجب معاقبة مرتكبها في حين ان العدا آلة لا يمكنها مطلقا الاهتمام بمقتل قرد. ولكن كيف يمكن التعرف إلى الإنسان؟ جميع الاثباتات الكلاسيكية قدمت ونوقشت للدلالة على ان الشك ما زال باقيا. الا يدفنون امواتهم؟ صحيح انها ليست اضرحة هم يرمون امواتهم في حفرة صخرية ويغطونهم بالحجارة. وقيل بعد ذلك بقليل: الا يعرفون النطق؟
ما اللغة؟ انها مجموعة رنات تتالف منها الكلمات كم رنة؟ كم كلمة؟ لدى الصينيون اربعين الف كلمة لدينا ثلاثون الف كلمة لدى قيدى سيلان في اسفل السلم مائتان أو مائتان وخمسون كلمة يتلفظون بها على التوالي بدون اية بنية نحوية هل هذه أيضا لغة؟ عند البينانتروب تمكن ان يحدد حتى الآن مائة وثمانية عشر صوتا أو تغيرات صوتية مختلفة لكل منها معناه هل هذا كافي للتاكيد انهم يتكلمون؟ أو انه يلزم مائة وخمسين؟ أو انه يمكن الاكتفاء بمائة؟ تمكن غارنر ان يميز عند الشمبانزي أكثر من ستين صوت مختلف هل يتكلم؟ يمكن تمييز اربعين صوت عند الغراب ها نحن في هذا المجال تتحكم بنا مزاجية كاملة.
المشكلة هي معرفة ما إذا كان بالإمكان اعتبار هذه الرنات صراخا أو كلمات إذ انه يوجد صراخ له معنى معين.
سئل أستاذ في علم التشريح عن هذه المشكلة فوجدها على عكس ما يظن في غاية البساطة:
«الوضع المستقيم يدل على الإنسان إذ يرتكز كل شيء على شكل كعب الكاحل فاذا كان ضيقا ورقيقا فدلالة على ان صاحيه قرد وإذا كان سميكا وعريضا فدلالة على ان صاحبه إنسان» وتدخل أستاذ اخر فصرح ان الصفة الأساسية والمميزة للإنسان ليست في سماكة الكعب انما هي في شكل رجل الإنسان إذ انها من ناحية التطور أكثر بدائية من قائمة القرد الامامية. «وهكذا ان للتروبيس اربع اياد ليست ولا يمكن ان تكون من نسلنا حتى ولو انتصب اصحابها على قدمين فلا يمكن ان يكونوا اناسا بل قردة» وفي هذا الاتجاه يتدخل خبير اخر: ان التروبيس ليسوا بشر لان ليس لديهم من تلك الاشياء التافهة التي لا تصلح لشيء ولكنها تعتبر تعويذات ورموز لا يوجد إنسان لا يملك بعضا منها. وبعد جدل طويل تداخلت فيه جميع البراهين وناقض بعضها البعض الآخر وصلنا أخيرا إلى البرهان الذي حظي بالاجماع وختم الجدل الإنسان حيوان بنتفض على طبيعته وحالته الحيوانية والمشكلة الوحيدة هي في معرفة ما إذا كان ظهرت بطريقة اية كانت إشارة دينية أو مضادة للدين أو عن روح تمرد وبالإضافة إلى ذلك ليس من ضرورة ان تكون تلك الإشارة قد صدرت عنهم جميعا ولكن يكفي ان تكون قد بدرت عن بعضهم للتمكن من الحكم على كامل المجموعة وبما ان بعضهم والحال هذه قد تمرد في هذا الجانب أو ذاك من سلوكهم يجب الإقرار والقبول بانهم بشر وتنتهي التمثيلية بالتاكيد على ان الصحفي قد ارتكب جريمة برئ منها لنها ارتكبت ثلاثة أشهر قبل أن تقرر المحكمة ان التروبيس هم بشر
المراجع
الإنسان الأول كارلس، جوش منشورات عويدات،بيروت،1988
- بوابة علم الإنسان
- بوابة علم النفس
- بوابة علم الاجتماع
- بوابة طب