تعسف

يُعرّف التعسّف (بالإنكليزية Arbitrariness) بالحالة التي يُحدد بها الشيء بناءً على صدفة، أو نزوة أو اندفاع، عوضاً عن الضرورة، أو المنطق، أو المبدأ. [1]

لا تتماثل القرارات التعسفية بالضرورة مع تلك العشوائية، فعلى سبيل المثال، خلال أزمة حظر النفط 1973، سُمح للأمريكيين بشراء البنزين حصراً في الأيام المُرقّمة بعدد فردي إذا حملت لوحة رخصتهم رقماً فردياً، وفي الأيام ذات العدد الزوجي، بالمقابل، إذا كان رقم لوحة رخصتهم زوجياً، وبالتالي كان هذا النظام محدداً بعناية وغير عشوائي، ومع ذلك كان تقسيم الناس تعسفياً، لأن أرقام لوحات الرخصات لا تتعلق بتاتاً بأهليّة الشخص لاقتناء البنزين، ومن الأمثلة الأخرى، ترتيب طلّاب المدارس هجائياً وفق أسماء عائلاتهم، فهي ليست منهجيّةً عشوائية ولكنها تعسفية، على الأقل في الأمور التي لا تتعلق باسم العائلة.

في القانون

يعود مصطلح «تعسفي» (بالإنكليزية: Arbitrary) للكلمة اللاتينية (arbitrarius)، وهي المصدر من (arbiter) أي الشخص الموكل بالحكم في أمر ما،[2] ويُعد الحكم القانوني التعسفي قراراً مبنياً على تقدير القاضي نفسه، وليس مفروضاً في القانون،[3] وتنص دساتير بعض الدول على منع التعسف، إذ تتجاوز المادة 9 من دستور سويسرا نظرياً حتى بعض القرارات الديموقراطية منعاً للإجراءات الحكومية التعسفية.[4]

كما ألغت محكمة الولايات المتحدة الأمريكية العليا قوانين لم تمتلك أساساً منطقياً برأيها، وتقترح دراسة حديثة عن نظام اللجوء الأمريكي أن التعسفية في صنع القرار قد تكون سبب وجود فوارق الكبيرة في النتائج بين المحكّمين المختلفين، وهي ظاهرة تُعرف بروليت اللاجئين.

وتعرِّف المادة 330 من قانون العقوبات الروسي التعسف كجريمةً محددةً، لكنها أبقت هذا التعريف واسع المجال بحيث يشمل أي إجراء يناقض الأوامر التي يفرضها القانون.[5]

في الفلسفة

تتعلق الأفعال التعسفية كثيراً بالغائية؛ أي دراسة الغاية، فالأفعال التي تفتقر للهدف تكون تعسفية بالضرورة، ودون وجود حد فاصل للقياس، لا توجد معايير مطبقة على الخيارات، وبالتالي تُعتبر جميع القرارات سواسية، مع العلم أن المنهجيات التي تُعد تعسفية أو عشوائية بالمفهوم المعياري لما هو «تعسفي»، قد لا تُصنّف كخيارات تعسفية بالمعنى الفلسفي إذا كانت قد اتُّخذت تحقيقاً لهدف أكبر، كالحفاظ على النظام في المدارس وتجنب الازدحام في محطات الوقود، تعقيباً على الأمثلة المذكورة أعلاه.

تعتقد الفلسفة العدمية بعدم وجود أي هدف للكون، وأن جميع الخيارات في الحقيقة تعسفية،[6] إذا لا يمتلك الكون أية قيمة، وفقاً لهذه الفلسفة، وبالتالي لا يحمل أي معنى بالضرورة، ولأن الكون بجميع مكوناته لا ينطوي على هدف أسمى ليصنع منه البشر أهدافاً فرعية، تُعتبر جميع جوانب الحياة البشرية وتجاربها تعسفية بالمطلق، فلا يوجد قرارات، أو أفكار أو ممارسات صحيحة أو خاطئة، ومهما كان خيار الفرد، فإنه فارغ وعديم الجدوى مثل حال جميع الخيارات الأخرى التي كان ليتخذها.

تعتقد أصناف عديدة من الألوهية؛ أي الاعتقاد بإله أو آلهة، بوجود هدف ما لكل شيء، وأنّ لا شيء تعسفّي في الحقيقة، فتشير هذه الفلسفات إلى أن الإله خلق الكون لسبب محدد، ومن ثم ينطلق كل حدث من هذا المبدأ، ولا يمكن أن تفلت حتى الأحداث التي تبدو عشوائية من يد الإله وغايته، ويتعلق هذا الاعتقاد بطريقة ما بمبدأ الحجّة تكمن في التصميم، وهي المحاججة بوجود الإله نظراً لإمكانية العثور على هدف في الكون.

ويتعلق التعسف أيضاً بالأخلاقيات، وهي فلسفة صنع القرار، فحتى إن امتلك الأفراد هدفاً، قد يختارون تحقيقه بطرق يمكن أن تُعتبر تعسّفية، بالمقابل تنصّ العقلانية على أن المعرفة تأتي بالحسابات والاستنباطات الفكرية، ويطبق العديد من العقلانيين (وليس كلهم) هذا المبدأ على الأخلاق أيضاً، إذ ينبغي أن تُتّخذ جميع القرارات بالعقل والمنطق، وليس بالنزوة أو ما قد «يشعر» الفرد بصحته، وقد تُقبل العشوائية في حالات نادرة كجزء من مهمة فرعية لتحقيق هدف أكبر، ولكن ليس بشكل عام. أما في علم العلامات؛ أو النظرية العامة للعلامات وأنظمتها وعملياتها، قدّم سوسور مفهوم التعسف الذي لا يوجد بموجبه أي ارتباط ضروري بين العلامة المادّية (الدّال) والكيان الذي تشير إليه على أنه معناها (المدلول) كمفهوم ذهني أو كينونة حقيقية.

في الرياضيات

تعني كلمة «تعسفي» في الرياضيات عادةً «أيّ من الخيارات»، كما في التقسيم التعسفي (الاعتباطي) لمجموعة ما، أو التبديل التعسفي لمتتالية ما، ويقتضي استخدامها العمومية ضمنياً، أي عدم انطباق عبارة رياضية ما على حالات خاصة فقط؛ وإنما على أي خيار مُتاح يُنتقى، ومن الأمثلة البسيطة على ذلك العبارة الرياضية: «باختيار عدد صحيح اعتباطياً (تعسفياً) وضربه بالعدد 2، سينتج عدد زوجي».

علاوة على ذلك، ستبقى عمومية العبارة قائمةً حتى إذا تم اختيار العنصر المشبوه، أي يترادف مصطلح «تعسفي» هنا بطرق معينة مع «الحالة الأسوأ».[7]

المراجع

  1. "arbitrariness"، مؤرشف من الأصل في 26 مايو 2019، اطلع عليه بتاريخ 21 أبريل 2018 عبر The Free Dictionary.
  2. Online Etymology Dictionary: "'deciding by one's own discretion,' from L. arbitrarius, from arbiter (see arbiter). The original meaning gradually to mean ‘capricious’ (1646) and ‘despotic’ (1642).” "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 11 أبريل 2016، اطلع عليه بتاريخ 23 ديسمبر 2017.{{استشهاد ويب}}: صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link)
  3. Curtis, Thomas. The London Encyclopaedia, page 565 (1829): “Arbitrary, and the words more immediately connected with it, signify that the decision of the arbiter is made in consequence of his own uncontrolled will, or in consequence of reasons which do not appear.” نسخة محفوظة 2 أكتوبر 2014 على موقع واي باك مشين.
  4. Federal Constitution of the Swiss Federation نسخة محفوظة 28 أغسطس 2020 على موقع واي باك مشين.. The Federal Authorities of the Swiss Confederation. "نسخة مؤرشفة" (PDF)، مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2015، اطلع عليه بتاريخ 20 ديسمبر 2018.{{استشهاد ويب}}: صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link)
  5. "Article 330. Arbitrariness"، The Criminal Code Of The Russian Federation، مؤرشف من الأصل في 22 يوليو 2018، Arbitrariness, that is the unauthorized commission of actions contrary to the order presented by a law or any other normative legal act,
  6. Magnus, Bernd (1971). "Nihilism, Reason, and "The Good"." The Review of Metaphysics. 25 (2):292–310.
  7. Tel, Gérard (2000). Introduction to distributed algorithms. Cambridge University Press. p. 245.

انظر أيضا

  • بوابة القانون
  • بوابة حقوق الإنسان
  • بوابة فلسفة
  • بوابة علم النفس
  • بوابة علم الاجتماع
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.