زنج

الزنج وتعني السُود،[1][2][3] وصفٌ أطلقه الجغرافيُّون المسلمون في العصور الوسطى على سكان جنوب شرق إفريقيا وخصوصاً سكان منطقة السواحلي Swahili coast وشعوب البانتو Bantu،[4] وأصبح هذه المصطلح أصلاً لأسماء عديدة مثل زنجبار وبحر الزنج لاحقاً.

سكان منطقة السواحلي
سكان منطقة بانتو

مصطلح زنكي Zangī هو بالأصل مشتق من كلمة الصدأ، ولكنَّه يستخدم في اللغة الفارسية بشكل مشابه لكلمة زنجي وكذلك الأمر بالنسبة للمصطلح العربي المماثل «زنجي» zanjī والمصطلح التركي zencî.[5]، أُطلق المصطلح اللاتيني Zingium قديماً على ساحل جنوب شرق إفريقيا المعروف اليوم باسم كينيا وتنزانيا، تميَّزت هذه المستوطنات بنوع خاص من الهندسة والعمارة وهي حالياً موضوع بحثٍ من قبل دراسات تاريخيَّة وحضاريَّة متعدِّدة،[6][7] لقرونٍ طويلة كانت هذه المستعمرات الساحليَّة مصدراً هاماً للعاج والذهب والعبيد سواءٌ للمناطق الداخلية المجاورة لها أو حتى لدول المحيط الهندي البعيدة.[8]

تقسيم الساحل الإفريقي

عبر التاريخ قسَّم الجغرافيُّون الساحل الشرقي لإفريقيا لعدة مناطق على أساس سكان كل منطقة، أشارت المصادر التاريخيَّة العربيَّة والصينيَّة للمنطقة التي تقع جنوب مصر، وإلى الحبشة، والصومال: باسم الزنج.[9]

كانت بلاد الزنج أو بلاد السود تقع في منطقة جنوب شرق إفريقيا وتسكنها شعوب تتحدث لغة البانتو Bantu،[4][9][10] المنطقة الأساسية التي سكنها الزنج تمتد من رأس كامبوني Ras Kamboni جنوباً[11] إلى جزيرة بيمبا Pemba في تنزانيا التي تقع شمال الموزامبيق، منطقة بانغاني في تنزانيا كانت تشكل الحدود الشماليَّة وأمَّا المنطقة وراء الموزامبيق كان يُطلق عليها: العالم المجهول أو بلاد الواق واق Waq-Waq،[12][13] يصف المؤرِّخ والرحَّالة العربي الشهير أبو الحسن المسعودي منطقة صوفالا Sofala في الموزانبيق بأنَّها أبعد حدود منطقة الزنج ويذكر أنَّ لقب ملكها مفالم Mfalme وهو وصفٌ من لغة البانتو.[4]

إقليم الزنج

التاريخ

كان الزنوج يتاجرون مع العرب والفرس والهنود، ولكنَّ هذا التبادل التجاري كان محليَّاً فقط بحسب بعض المصادر لأنَّ الزنوج لايملكون أي سفن تجارية قادرة على الإبحار عبر المحيطات،[4] في حين أكَّدت مصادر أخرى أنَّ شعوب البانتو كانوا يملكون وبكثرة سفناً تجاريَّة تصل إلى الجزيرة العربية وبلاد فارس وحتى إلى دول الشرق الأقصى كالهند والصين،[14][15][16] هذه التجارة خلقت جوَّاً من الاندماج وتزوَّج العرب من نساء البانتو، كلُّ ذلك أدى في نهاية المطاف إلى نشوء اللغة والثقافة السواحلية Swahili والتي هي في الأصل مشتقَّة من لغة وثقافة البانتو مع تأثُّرٍ كبير بالعناصر الأجنبيَّة كالملابس والمصطلحات التجاريَّة.[17]

شمل إقليم الزنج العديد من المستوطنات والمدن الهامة مثل مالينديا Malindi وجيدي Gedi ومومباسا Mombasa، ووصل عدد المدن التجاريَّة السواحليَّة في أواخر العصور الوسطى إلى 37 مدينة تمتَّع العديد منها بثروةٍ ورخاءٍ كبيرين، وعلى الرغم من ذلك لم تندمج هذه المجتمعات في كيان سياسيٍّ واحد أبداً، حيث أنَّ إمبراطوريَّة الزنج لم تظهر حتى آخر القرن الثامن عشر.

شكَّل المهاجرون العرب والفرس الطبقة الحاكمة المتحضِّرة والمسيطرة على التجارة في هذه المستوطنات السواحلية، في حين كانت شعوب البانتو التي تسكن هذه المناطق تعيش وفق مجموعات عائلية بدائيَّة.[4]

مصطلح زنجي shenzi كان يستخدم بكثرة في الساحل الشرقي لإفريقيا وهو مشتق في الأصل من كلمة زنجي السواحليَّة ولكنَّه في المناطق الريفيَّة الداخلية كان يستخدم ليصف أي شيء أسود بشكل مهين، ومازال هذا المصلح يطلق اليوم على سلالة كلاب شينزي السوداء shenzi dog مشيراً للكلاب الأصليَّة.

كان الزنوج لقرون طويلة يتمُّ بيعهم كعبيد من قبل التجار العرب إلى جميع دول المحيط الهندي، واستخدم الخلفاء الأمويون والعباسيُّون بعضهم كجنود مرتزقة، وفي عام 696 م قام هؤلاء العبيد الزنوج بعدة ثورات على أسيادهم العرب في العراق كما سيأتي لاحقاً، كذلك ذكرت بعض الوثائق الصينيَّة القديمة أنَّ سفراءً من مملكة سري فيجايا الهندوسية Sri Vijaya في جاوة قُدَّموا عبيداً زنوج (Seng Chi) كهدايا للإمبراطور الصيني، وأشارت مصادر أخرى لتدفُّق العبيد الزنوج من الممالك الهنديَّة إلى الصين.

يبدو أنَّ مصطلح الزنج لم يعد شائع الاستخدام بعد القرن العاشر، ومع ذلك فهناك اسنثناءات، ففي عام 1861 عندما فصل البريطانيُّون جزءاً من زنجبار التي يسيطر عليها السلطان العربي عن عُمان كان يُشار إليها باسم منطقة الزنج، كذلك كان البحر قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا يعرف ببحر الزنج والذي يحوي جزر مدغشقر وماسكارين، وخلال النضال ضدَّ نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا اقترح البعض تسمية دولة جنوب إفريقيا أزانيا Azania اقتباساً من مصطلح «زنج» القديم.

أوصاف معاصرة

كانت الأوصاف العربيَّة للزنج متناقضة ومتباينة في كثيرٍ من الأحيان، فنجد مثلاً في كتاب البديع في التاريخ للرحَّالة العربي شمس الدين المقدسي الوصف السلبي التالي:

الزنج هم ناسٌ ذوو لون أسود وأنوفٍ مسطحة وشعرٍ غريب وفهمٍ وذكاءٍ قليل.

في عام 1331 زار الرحَّالة والمستكشف ابن بطوطة سلطنة كيلوا في إقليم الزنج والتي كان يحكمها السلطان حسن بن سليمان[18] وأشار ابن بطوطة إلى أنَّ هذا الحاكم العربي كثيراً ما يقوم بغاراتٍ على الزنوج المحليِّين للحصول على العبيد والغنائم، ووصف الزنوج: بأصحاب اللون الأسود الغامق والوشوم على وجوههم.[18]

يقول ابن بطوطة في كتابه الشهير:

كيلوا واحدةٌ من أجمل مدن العالم، وقد بُنيت بدقَّةٍ متناهية، الأمطار فيها غزيرةٌ جداً، والناس منخرطون في جهادٍ مقدَّس ضدَّ الزنوج الوثنيِّين الذين يجاورونهم، يتصف شعب كيلوا بالتقوى والولاء المطلق وهم يتبعون المذهب الشافعي، عندما وصلتُ كان يحكمهم السلطان أبو المظفَّر حسن بن سليمان، وكان كثيراً ما يقوم بالغزوات على بلاد الزنج ويعود بالغنائم التي يأخذ خمسها ويقسِّم الباقي وفق تعاليم القرآن الكريم.[19]

ثورة الزنج

كانت التمرُّد الزنجي المشهور تاريخيَّاً عبارةً عن سلسلة من الانتفاضات التي حصلت بين أعوام 869 – 883 م بالقرب من مدينة البصرة في العراق مركز الخلافة الإسلاميَّة في العصر العباسي.

استُخدِم الزنوج في الشرق الأوسط في الأعمال الزراعيَّة الشاقَّة[20] وعملوا في استخراج محاصيل متنوعة كقصب السكر، خصوصاً في جنوب العراق في المنطقة الزراعية التي تشمل حوضي دجلة والفرات، هذه الظروف شديدة القسوة أشعلت ثلاث ثورات كبيرة بين القرنين السابع والتاسع، وكان أكبر هذه الثورات وأخطرها ما يُعرف اليوم بثورة الزنوج.[21]

المراجع

  1. "Zanj dictionary definition | zanj defined"، www.yourdictionary.com (باللغة الإنجليزية)، مؤرشف من الأصل في 3 أغسطس 2018.
  2. "Zanj - WordSense.eu"، www.wordsense.eu (باللغة الإنجليزية)، مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2020.
  3. Deutsche Morgenländische Gesellschaft, Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft, Volume 131 (Kommissionsverlag F. Steiner, 1981), p. 130.
  4. F. R. C. Bagley et al., The Last Great Muslim Empires (Brill: 1997), p. 174.
  5. El-Azhari, Taef (2016)، Zengi and the Muslim Response to the Crusades: The Politics of Jihad، Routledge، ص. 20، ISBN 1317589394، مؤرشف من الأصل في 28 يناير 2020، اطلع عليه بتاريخ 03 يناير 2017.
  6. Nezar AlSayyad,Hybrid Urbanism: On the Identity Discourse and the Built Environment, (Greenwood Publishing Group:2001), p.39
  7. Pollard, E., Fleisher, J., & Wynne-Jones, S., Beyond the Stone Town: Maritime Architecture at Fourteenth–Fifteenth Century Songo Mnara, Tanzania., (Journal of Maritime Archaeology:2012), p.1-20.
  8. Roland Oliver, Africa in the Iron Age: c.500 BC-1400 AD, (Cambridge University Press: 1975), p.192
  9. Raunig, Walter (2005)، Afrikas Horn: Akten der Ersten Internationalen Littmann-Konferenz 2. bis 5. Mai 2002 in München، Otto Harrassowitz Verlag، ص. 130، ISBN 3-447-05175-2، مؤرشف من الأصل في 11 أكتوبر 2017، ancient Arabic geography had quite a fixed pattern in listing the countries from the Red Sea to the Indian Ocean: These are al-Misr (Egypt) -- al-Muqurra (or other designations for Nubian kingdoms) -- al-Habasha (Abyssinia) -- Barbara (Berber, i.e. the Somali coast) -- Zanj (Azania, i.e. the country of the "blacks"). Correspondingly almost all these terms (or as I believe: all of them!) also appear in ancient and medieval Chinese geography.
  10. Bethwell A. Ogot, Zamani: A Survey of East African History (East African Publishing House: 1974), p. 104.
  11. Timothy Insoll, The Archaeology of Islam in Sub-Saharan Africa (Cambridge University Press: 2003), p. 61.
  12. Chittick, Neville (1968)، The Coast Before the Arrival of the Portuguese, Chapter 5 in Ogot, B. A. and J. A. Kieran, eds., "Zamani: A Survey of East African History"، ص. 100–118.
  13. Stefan Goodwin, Africa's Legacies of Urbanization: Unfolding Saga of a Continent (Lexington Books: 2006), p. 301.
  14. Hybrid urbanism: on the identity discourse and the built environment By Nezar AlSayyad نسخة محفوظة 12 مايو 2014 على موقع واي باك مشين.
  15. Kilwa Kisiwani. Medieval Trade Center of Eastern Africa, By K. Kris Hirst نسخة محفوظة 22 ديسمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  16. Vijay Prashad, Everybody Was Kung Fu Fighting: Afro-Asian Connections and the Myth of Cultural Purity (Beacon Press: 2002), p. 8.
  17. David Westerlund, Ingvar Svanberg, Islam Outside the Arab World (Palgrave Macmillan: 1999), p. 11.
  18. Randall Lee Pouwels, African and Middle Eastern world, 600-1500, (Oxford University Press, 2005), p. 156. نسخة محفوظة 15 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  19. Philip J. Adler, Randall L. Pouwels, World Civilizations: To 1700, (Cengage Learning, 2007), p. 176. نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  20. Islam, From Arab To Islamic Empire: The Early Abbasid Era نسخة محفوظة 01 مايو 2018 على موقع واي باك مشين.
  21. "Hidden Iraq"، "ويليام كوب"، مؤرشف من الأصل في 17 فبراير 2012.
  • بوابة أفريقيا
  • بوابة التاريخ
  • بوابة المحيط الهندي
  • بوابة ثقافة
  • بوابة جغرافيا
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.