العلمانية في تونس

العلمانية في تونس هي أيديولوجية أوْ بالأحرى حركة سياسية تهدف إلى تحديد العلاقة بين الدين والدولة ومكانة الدين في المجتمع من خلال نظرية التحديث. ينصُّ الدستور التونسي لسنة 2014 على أنّ تونس هي دولة مدنية تقوم على المواطنة. كما أعلن أنّ الإسلام هوَ الدين الرسمي في البلاد.[1] لذلك فالحكومة التونسية تعتبرُ كل منْ رأس السنة الهجرية، المولد النبوي، عيد الفطر وعيد الأضحى أعيادًا وطنية.[2]

التاريخ

بحلول عام 1956؛ حصلت تونس على استقلالها من الحماية الفرنسية. يُعدّ الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية حيثُ حكمها في الفترة ما بين 1956-1987. واصلت الحكومة التونسية ما بعد استقلالها برنامج العلمنة.[3] أصبحَ بورقيبة في وقتٍ ما واحدا من أكثر داعمي العلمانية في العالم العربي،[4] حيثُ عملَ على تعديل القوانين المتعلقة بالأوقاف كما عملَ على علمنة عدّة مجالات بما في ذلك التعليم وتوحيد النظام القانوني؛ حيث «مكّن» جميع التونسيين من الخضوع لِمحاكم الدولة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. من الناحية التعليمية كانت جامعة الزيتونة من بينِ قلائل الجامعات في تونس والتي تقوم على ربطِ التعليم بالدين لكنّ تم الاستعاضة عنها بكلية اللاهوت المتكاملة في جامعة تونس. حظرت الدولة التونسية فرض الحجاب على المرأة ومكّنت النساء من الكثير من الحُقوق كما عملت على تقليص نفقات صيانة المساجد ورواتب الدعاة أو تمكين تنظيمات وجمعيات أخرى من هذه المسألة.[5] وعلاوة على ذلك؛ فقد ظهرت مجلة الأحوال الشخصية التي سنّت مجموعة منَ القوانين التي تنظم المسائل المتعلقة بالأسرة بما في ذلك الزواج والوصاية على الأطفال والميراث والأهم من ذلك إلغاء تعدد الزوجات وجعل الطلاق خاضعًا للمراجعة القضائية.[6] حاولَ بورقيبة تقويض المؤسسة الدينية من خلال السيرِ في خطى ثابتة نحوَ علمنة الدولة على الرغم من أنه كان حريصا على تحديد هذه التغييرات في إطار من الحداثة دون تجاوزٍ لثوابت الإسلام أو صُنعِ قطيعة معه.

بعد زيادة المشاكل الاقتصادية وظهور الحركات الإسلامية في عام 1970؛ أعيد إحياء التعليم الديني في العديدِ من الجامعات وعلى رأسها جامعة الزيتونة التي نشطَ فيها الكثيرُ منَ أعضاء جماعة الإخوان المسلمون القادِمين من دولتي مصر وسوريا.[7] تأثرت الدولة التونسية كذلك بحزب التحرير الذي ضمّ من بين أعضائه محرري مجلة الزيتونية «الإسلامية».[8] قلّت علمنة الدولة بعد ظهور حركات إسلامية قويّة نوعًا ما؛ ليس هذا فقط فقد لعب بعض الزعماء والقادة السياسيين دورًا مهمًا في مكافحة هذه الأيديولوجية مثل راشد الغنوشي الذي تحوّل إلى أحد أشد مُعارضي الحكومة فيما يخص محاولتها علمنة البلد.[9] في أعقاب النضال ضدّ بورقيبة ثم ضدّ زين العابدين بن علي؛ برزَ الإسلاميون لكنّهم تعرضوا للقمع والمعارضة كما تمّ مضايقتهم وتعريض أعضائهم للتعذيب والنفي.[10]

ما بعد تطورات الربيع العربي

خلال ثورات الربيع العربي؛ حصلَ تغيير كبير في الحكومة التونسية مما أدّى إلى اعتماد دستور عام 2014 وذلكَ بعدَ جدل كبير بين المجموعات الإسلامية والعلمانية فضلا عن باقي الحركات السياسية.[11] بحلول 1 آذار/مارس من عام 2011؛ انهارَ نظام زين العابدين بن علي الذي يُوصفُ بالدكتاتوري والعلماني وذلك في أعقاب الثورة التونسية. تم تشكيل الحكومة المؤقتة من قِبلِ حركة النهضة وهو حزب سياسي إسلامي.[12][13][14][15] منذ ذلك الحين؛ أصبحت حركة النهضة حزبًا سياسيا أكبر وأكثر تنظيما كما صارَ من بين أشهر الأحزاب السياسية في تونس هذا فضلا عن منافسته الشرسة لباقي الأحزاب من مُختلف الأيديولوجيات. أُجريت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي 2011 وتعدّ هذه الانتخابات هي أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد. حصل حزب النهضة على نسبة 51.1% من مجموع أصوات الناخبين كما فازَ بـ 89 مقعدًا من أصل 217 وهو ما يُمثل 41%؛ أكثر بكثير من أي طرف آخر.[16][17][18][19][20] بحلول عام 2016؛ حصلَ بعض التغيير في حركة النهضة حيث طالب بعضٌ من أعضاء الحركة بضرورة الفصل بين الدين والسياسة.[21][22][23][24]

حقوق المرأة

أقر البرلمان التونسي في يوليو/تموز 2017 قانون القضاء على العنف ضد المرأة. في السابق لم يكن هناك أيّ قانون يُحدّدُ العنف المنزلي. تضمّنَ القانون الجديد أحكاما بشأن التحرش في الأماكن العامة والتمييز كما ألغى قانون زواج المُغتَصِب من مُغتَصَبَتِه.[25] جدير بالذكر هنا أنّ بعض الفقهاء من داخله تونس وخارجها يعتقدون أن ضرب الزوجة في حالة ما خالفت الأوامر جائز وهذا ما يتعارض معَ ما جاءَ في القانون. منذ سبتمبر/أيلول 2017؛ بات يُسمح للآنسة التونسية بالزواج من شخص غير مسلم[arabic-abajed 1] بعدما كان هذا محظورًا منذ عام 1973. حسبَ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي؛ فإنّ هذا الحظر ينتهكُ الدستور التونسي هذا ناهيكَ عن تقوضيه للمساواة الفعلية بين الرجال والنساء.[27]

بالإضافة إلى ذلك؛ فالبرلمان التونسي يعملُ على تغيير حقوق الميراث من خلال المساواة بين الرجال والنساء وكذا الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام نهائيًا والدعوة كذلك إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية وفسخ الصداق. أثارت هذه التغيرات السريعة والتعديلات ردّ فعل عنيف من الإسلاميين والمحافظين وحتى بعض المعتدلين الذين يعتبرون أن الخروجَ عن القيم الإسلامية أمرٌ غير مرغوب فيه.[28]

الدولة المدنية

حاولَ راشد الغنوشي مواجهة محاولة علمنة الدولة فاقترح مفهوم الدولة المدنية الذي يقومُ على دمج الدولة العلمانية والدولة الإسلامية.[29] خلالَ مُقابلة معه في تركيا في عام 2011 ذكرَ راشد:

«نحن بحاجة إلى الديمقراطية والتنمية في تونس ونحن نعتقد بقوة بالتوافق بين الإسلام والديمقراطية، بين الإسلام والحداثة. لذلك نحن لسنا بحاجة للعلمانية في تونس.[30]»

انظر أيضًا

ملاحظات

  1. حسبَ الشريعة الإسلامية؛ لا يٌسمحُ للمرأة بالزواج من شخصٍ غير مُسلم.[26]

المراجع

  1. 2014 Constitution of Tunisia adopted on 26 January 2014 نسخة محفوظة 29 يوليو 2018 على موقع واي باك مشين.
  2. Country profile: Tunisia, The United States Department of State, September 2012. نسخة محفوظة 11 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  3. Elizabeth Shakman Hurd. Secularism and Democracy in the Middle East, Center for the Study of Islam & Democracy (CSID), May 16, 2003. نسخة محفوظة 20 فبراير 2008 على موقع واي باك مشين. "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 20 فبراير 2008، اطلع عليه بتاريخ 5 سبتمبر 2019.
  4. Nazih N. Ayubi. Political Islam: Religion and Politics in the Arab World. Routledge, 1991. (ردمك 9780415054423) نسخة محفوظة 24 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  5. Nazih N. Ayubi, p. 113.
  6. Laurie A. Brand. Women, the State and Political Liberalization: Middle East and North Africa Experiences, p. 178.
  7. Nazih N. Ayubi, p. 114.
  8. Azeytouna Magazine نسخة محفوظة 25 يناير 2016 على موقع واي باك مشين.
  9. An Introduction to International Relations, ed. by Richard Devetak, Jim George, and Sarah Percy. Cambridge University Press, p. 365. نسخة محفوظة 24 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  10. John L. Esposito, p. 167.
  11. George Sadek, Senior Legal Information Analyst. The Role of Islamic Law in Tunisia’s Constitution and Legislation Post-Arab Spring, The Law Library of Congress, May 2013. نسخة محفوظة 04 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  12. "Tunisia legalises Islamist group Ennahda"، بي بي سي نيوز أون لاين، بي بي سي نيوز أون لاين، 01 مارس 2011، مؤرشف من الأصل في 18 أغسطس 2019، اطلع عليه بتاريخ 24 يونيو 2011.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة CS1: postscript (link)
  13. Khalaf, Roula (27 أبريل 2011)، "Tunisian Islamists seek poll majority"، FT.com، FT.com، مؤرشف من الأصل في 02 مايو 2011، اطلع عليه بتاريخ 24 يونيو 2011. {{استشهاد بخبر}}: الوسيط |عمل= و|صحيفة= تكرر أكثر من مرة (مساعدة)صيانة CS1: postscript (link)
  14. "Tunisian leader returns from exile"، قناة الجزيرة الإنجليزية، 20 يناير 2011، مؤرشف من الأصل في 27 أكتوبر 2011، اطلع عليه بتاريخ 24 يونيو 2011.{{استشهاد ويب}}: صيانة CS1: postscript (link)
  15. Kaminski, Matthew (26 أكتوبر 2011)، "On the Campaign Trail With Islamist Democrats"، The Wall Street Journal، مؤرشف من الأصل في 13 يوليو 2018، اطلع عليه بتاريخ 26 أكتوبر 2011.{{استشهاد بخبر}}: صيانة CS1: postscript (link)
  16. ISIE, High and Independent Instance for the Elections. (2011)، Decree of 23 Nov. 2011 about the Final Results of the National Constituent Assembly Elections، مؤرشف من الأصل في 26 يوليو 2013، اطلع عليه بتاريخ أغسطس 2020 {{استشهاد}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)
  17. Feldman, Noah (30 أكتوبر 2011)، "Islamists' Victory in Tunisia a Win for Democracy: Noah Feldman"، Bloomberg، Bloomberg، مؤرشف من الأصل في 21 يناير 2014، اطلع عليه بتاريخ 31 أكتوبر 2011.
  18. Tunisia's New al-Nahda Marc Lynch 29 June 2011 نسخة محفوظة 03 ديسمبر 2013 على موقع واي باك مشين.
  19. Bay, Austin، "Tunisia and its Islamists: The Revolution, Phase Two"، مؤرشف من الأصل في 03 أبريل 2019، اطلع عليه بتاريخ 22 مارس 2012.
  20. Totten, Michael، "No to America and No to Radical Islam"، مؤرشف من الأصل في 24 مارس 2012، اطلع عليه بتاريخ 22 مارس 2012.
  21. Monica Marks. How big were the changes Tunisia’s Ennahda party just made at its national congress?, The Washington Post, May 25, 2016 نسخة محفوظة 22 يوليو 2018 على موقع واي باك مشين.
  22. Hussein Ibish. ‘Islamism Is Dead!’ Long Live Muslim Democrats, The New York Times, June 2, 2016. نسخة محفوظة 05 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  23. Sharan Grewa. From Islamists to Muslim Democrats: How Living in Secular Democracies Shaped Tunisia’s Ennahda, Department of Politics, Princeton University, July 8, 2017. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 24 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  24. Neba Saleh. Tunisia’s Nahda party ditches Islamist tag, Financial Times, May 22, 2016. نسخة محفوظة 05 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  25. Tunisia: Landmark Step to Shield Women from Violence | Human Rights Watch نسخة محفوظة 04 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
  26. Quran 2:221, 60:10 نسخة محفوظة 28 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
  27. Tunisian Muslim women allowed to marry non-Muslims for first time in decades | The Independent نسخة محفوظة 28 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
  28. Tunisia’s next political battle: equal inheritance rights نسخة محفوظة 29 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
  29. Nader Hashemi. Islam, Secularism, and Liberal Democracy. Toward a Democratic Theory for Muslim Societies. Oxford University Press, 2009. (ردمك 9780195321241) نسخة محفوظة 24 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  30. İpek Yezdani. No need for secularism in Tunisia: Ghannouchi, Hürriyet Daily News, December 24, 2011. نسخة محفوظة 05 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  • بوابة مجتمع
  • بوابة تونس
  • بوابة السياسة
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.