تدخل إنساني

عُرف مصطلح التدخل الإنساني أنه استخدام دولة ما للقوة العسكرية ضد دولة أخرى بهدف إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدولة المستهدفة.[1] قد يكون هذا التعريف ضيقًا إلى حدٍّ ما؛ إذ أنه يستثني الأشكال غير العسكرية للتدخل مثل المساعدات الإنسانية وفرض العقوبات الدولية، وفي سياق هذا الفهم الواسع يجب أن يتغير مفهوم التدخل الإنساني ليشمل... الوسائل غير المعتمدة على القوة، خصوصًا التدخل الذي لا يستخدم القوة العسكرية لتخفيف المعاناة البشرية واسعة النطاق ضمن حدود دولة مستقلة ما.[2]

لا يوجد معيار واحد أو تعريف قانوني للتدخل الإنساني؛ إذ عادةً ما يؤثر التحليل (مثل الحقوق والأخلاق والسياسة) على التعريف الذي يتم اختياره. يتضمن الاختلاف في التعريف حالات مختلفة كعدم موافقة الدولة المستهدفة، أو إذا كان التدخل الإنساني محصورًا بالعقوبات، أو محصورًا في الحالات المسبوقة بتفويض صريح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،[3] بالرغم من ذلك كله يوجد إجماع عام على عدد من الصفات الأساسية للتدخل الإنساني:[4]

  1. يشمل التدخل الإنساني التهديد باستخدام القوة العسكرية، واستخدامها كصفة أساسية مميزة.
  2. يعتبر تدخلًا لأنه يتضمن التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما، من خلال إرسال قوى عسكرية إلى أراضي دولة مستقلة أو مجالها الجوي دون قيام هذه الدولة بأي نشاط عدواني ضد الدولة الأخرى المسؤولة عن التدخل.
  3. يكون هذا التدخل الإنساني ردًا على مواقف لا تمثل بالضرورة خطرًا مباشرًا على المصالح الاستراتيجية للدولة المتدخلة، إنما يكون الدافع الإنساني هو الأساس وراء القيام بهذا التدخل.

يعود المفهوم التقليدي للتدخل الإنساني في القانون الدولي إلى هوغو غروتيوس والسياسة الأوروبية في القرن السابع عشر. بقي موضوع التدخل الإنساني مسألة مثيرة للاهتمام في مجال السياسة الخارجية، خصوصًا منذ تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كوسوفو عام 1999، فقد أكد هذا التدخل على النزاع بين مبدأ السيادة الدولية -وهو ركيزة أساسية في نظام الأمم المتحدة والقانون الدولي- من جهة، وبين الأعراف الدولية المتجددة والمتعلقة بحقوق الإنسان واستخدام القوة من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك،[5] أثار مفهوم التدخل الإنساني كثيرًا من الجدالات التجريبية والمعيارية حول قانونيته وأخلاقيات استخدام القوة العسكرية استجابة لانتهاكات حقوق الإنسان، ومتى يجب القيام بهذا التدخل، ومن يحق له التدخل، والفائدة الملموسة التي سيفضي إليها.[6][7]

يمثل التدخل الإنساني بالنسبة لمناصريه نشاطًا في غاية الأهمية في وجه انتهاكات حقوق الإنسان وتفضيلها عن حقوق سيادة الدول، أما بالنسبة للمعارضين، فيُنظر إلى التدخل الإنساني بصفته ذريعة للتدخل العسكري الذي يفتقر غالبًا إلى تبرير قانوني، إضافة إلى كونه يطبق بشكل انتقائي ولا يؤدي إلى نتائج فعالة.[8]

أدى الاستخدام المتكرر للتدخل الإنساني بعد نهاية الحرب الباردة إلى إعطاء انطباع للكثيرين بأنه نمط جديد من التدخل العسكري الإنساني، بدأ بالظهور والانتشار في مجالات السياسة الدولية. بالرغم من أن البعض يجادل الآن أنّ أحداث 11 سبتمبر 2001 أوصلت حقبة التدخل الإنساني إلى نهايتها، فقد قدم البروفيسور جيمس باتيسون حجة مضادة مفادها أن تدخل حلف الناتو في ليبيا عام 2011 يكسر هذه الفكرة السائدة. [9]

الأرضية القانونية

يعتبر التدخل الإنساني مفهومًا قد يسمح باستعمال القوة في مواقف لا يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يصدر فيها قرارًا تحت البند التاسع من اتفاقية الأمم المتحدة، إما بسبب استخدام حق النقض «الفيتو» من قبل عضو دائم، أو بسبب عدم الحصول على 9 أصوات بالموافقة،[10] يسمح الفصل التاسع لمجلس الأمن باتخاذ القرار في الحالات التي يحدث فيها «تهديد للسلام، أو اختراق له، أو تصرف عدواني»، إلا أن أي قرار يصل إلى حيز التنفيذ يجب أن يكون مدعومًا من قبل الأعضاء الـ 5 الدائمين في مجلس الأمن «أو على الأقل ألا يقوم أي من هؤلاء الأعضاء باستخدام الفيتو ضده».[11]

تم اللجوء إلى مفهوم «الحق» في الحصول على التدخل الإنساني للمرة الأولى في سياق ما بعد الحرب الباردة عام 1990، من قبل مبعوثي المملكة المتحدة بعد فشل روسيا والصين في دعم إقرار منطقة حظر جوي فوق العراق، لذلك وبالإضافة إلى المهمات الإنسانية فقد صُمم هذا المبدأ للالتفاف حول مجلس الأمن من خلال اللجوء إلى هذا الحق، إلا أن منتقدي هذا المبدأ يرتكزون في حججهم على المفهوم الوستفالي للقانون الدولي، والذي ينص على سيادة الأمم وحقها في التصرف بحرية ضمن حدودها الخاصة، هذا الحق محفوظ في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، إذ يُذكر في المادة  2أن «لا شيء يمكن أن يبرر التدخل في الشؤون المحددة ضمن نطاق السيطرة المحلية لأي دولة».[12]

بالتالي وبما أن كلًّا من مناصري ومناهضي التدخل الإنساني يملك الأرضية القانونية في ظل ميثاق الأمم المتحدة، لا يزال هناك جدل واسع فيما إذا كانت الأفضلية لمبدأ سيادة الأمم أو للأسباب الإنسانية، كما أن الأمم المتحدة شاركت بشكل مستمر في المسائل المتعلقة بالتدخل الإنساني، وذلك مع تدخل الأمم المتحدة في عدد متزايد من النزاعات ضمن حدود عدد من الدول.[13]

أمثلة عن التدخل العسكري الإنساني

تتضمن بعض الأمثلة المحتملة عن التدخلات الإنسانية السابقة ما يلي:

  • قصف الجزائر (1816).
  • التدخل الروسي والبريطاني والفرنسي ضد السلطنة العثمانية في حرب الاستقلال اليونانية (1824).
  • الحملة الفرنسية على سوريا (1860 – 1861).
  • التدخل الروسي ضد السلطنة العثمانية في بلغاريا (1877).
  • الحرب الإسبانية الأميركية (1898).
  • احتلال الولايات المتحدة الأميركية لهاييتي (1915).
  • عملية الولايات المتحدة في الكونغو (1964).
  • تدخل الولايات المتحدة في جمهورية الدومينيك (1965).
  • تدخل الهند في شرق باكستان (1971).
  • تدخل فيتنام في كمبوديا (1978).
  • الحرب الأوغندية التنزانية (1979).
  • عملية توفير الراحة (العراق، 1991).
  • الوحدة الحربية الموحدة (الصومال، 1992).
  • عملية الحفاظ على الديمقراطية (هايتي، 1994).
  • مهمة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا UNAMIR (رواندا، 1994).
  • إدارة الأمم المتحدة الانتقالية في تيمور الشرقية UNTAET (تيمور الشرقية، 1999).
  • قصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليوغوسلافيا (1999).
  • التدخل العسكري البريطاني في الحرب الأهلية في سيرا ليون (2000).
  • التدخل العسكري للتحالف الدولي في ليبيا (2011).
  • التدخل العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) (2014 – حتى اليوم).[14]

أشار بعض الأكاديميين إلى هذه الحالات باعتبارها تدخلات إنسانية،[15][16] إلا أن هذا الأمر في بعض الحالات يكون مجرد تصنيف لاحق لمجموعة من الأعمال التي حدثت نتيجة مجموعة من الدوافع، مثل احتلال فيتنام لكمبوديا على سبيل المثال، والذي بُرّر في ذلك الوقت على أنه نشاط في سياق الدفاع عن النفس وليس لدوافع متعلقة بحقوق الإنسان، ولم يُصنف كمثال محتمل للتدخل العسكري الإنساني إلا بعد مرور فترة من الزمن.

المراجع

  1. Marjanovic, Marko (2011-04-04) Is Humanitarian War the Exception?, معهد ميزس نسخة محفوظة 16 أكتوبر 2014 على موقع واي باك مشين.
  2. Scheffer, David J. “Towards a Modern Doctrine of Humanitarian Intervention.” University of Toledo Law Review Vol 23. (1992): 253-274.
  3. Jennifer M. Welsh. Humanitarian Intervention and International Relations. Ed. Jennifer M. Welsh. New York: Oxford University Press, 2004.
  4. Alton Frye. 'Humanitarian Intervention: Crafting a Workable Doctrine.' New York: Council on Foreign Relations, 2000.
  5. Shashi Tharoor and Sam Daws. "Humanitarian Intervention: Getting Past the Reefs." World Policy Journal 2001.
  6. Eaton, Jonah (2011). An Emerging Norm - Determining the Meaningand Legal Status of the Responsibility to Protect. (Michigan Journal of International Law vol. 32, iss. 4 (2010-2011), p. 765-804). “The idea of sovereignty as an instrument for the protection of the life and safety of subjects is at least as old as Hugo Grotius, who made "the first authoritative statement of the principle of humanitarian intervention - the principle that exclusiveness of domestic jurisdiction stops when outrage upon humanity begins."”
  7. Koh, Harold Hongju (02 أكتوبر 2013)، "Syria and the Law of Humanitarian Intervention (Part II: International Law and the Way Forward)"، Just Security (justsecurity.org)، مؤرشف من الأصل في 27 فبراير 2019، اطلع عليه بتاريخ 22 أكتوبر 2016.
  8. A. Cottey. "Beyond Humanitarian Intervention: The New Politics of Peacekeeping and Intervention." Contemporary Politics 2008: pp. 429–446.
  9. James Pattison, “Introduction to Roundtable on Libya, RtoP, and Humanitarian Intervention.” "Ethics & International Affairs" 2011: 251–4. دُوِي:10.1017/S0892679411000189
  10. James, Paul؛ Friedman, Jonathan (2006)، Globalization and Violence, Vol. 3: Globalizing War and Intervention، London: Sage Publications، ص. xxii، مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2019.
  11. Townley, Edward (2002)، Mussolini and Italy، Heinemann، ص. 107، ISBN 978-0435327255، مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 09 أكتوبر 2014.
  12. Wynne William H. (1951)، State insolvency and foreign bondholders vol. 2، Yale University Press، ص. 284، ISBN 9781587980459، مؤرشف من الأصل في 14 مارس 2020.
  13. Stavrianos, The Balkans since 1453, pp. 288–289
  14. Farrell, Theo (23 سبتمبر 2014)، "Are the US-led air strikes in Syria legal - and what does it mean if they are not?"، مؤرشف من الأصل في 25 يوليو 2019.
  15. Hilpold, Peter, 'Humanitarian Intervention: Is there a Need for a Legal Reappraisal?', European Journal of International Law, 12 (2002), pp. 437–467
  16. Abiew, F. K., The Evolution of the Doctrine and Practice of Humanitarian Intervention, Kluwer Law International (1999)
  • بوابة القانون
  • بوابة علاقات دولية
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.