تسمية القادسية الحديثة

في معركة القادسية؛ كان الاشتباك الحاسم بين جيش المسلمين العرب والجيش الفارسي الساساني في الفترة الأولى من التوسع الإسلامي الذي نتج عنه فتح المسلمين العرب لبلاد فارس. وفي القرون التي تلت المعركة، أصبحت القادسية راسخة في الذاكرة الجمعية للمسلمين نبراساً للظفر الإسلامي في تاريخه المبكر. قال ياقوت الحمويوالأشعار في هذا اليوم كثيرة لأنها كانت من أعظم وقائع المسلمين وأكثرها بركة“.[1] ثم في أيام الحروب الصليبية، تذاكرَ المسلمون معركةَ القادسية وتغنّوا بها.[2][3] كشفت الدراسات الأكاديمية لروايات القادسية وغيرها من المعارك الإسلامية المبكرة عن العديد من الموضوعات التي تشكل مخططاً مفاهيمياً مشتركًا للفتوحات الإسلامية. يبدو أن جيل هذه الطبقات الأدبية قد بدأ على الفور، حيث قام رواة القصص بتزيين سردهم من أجل إنشاء قصة مسلية أو لتمجيد الأسلاف.[4]

فئة ال25 ديناراً من العملة العراقية المطبوعة في زمن صدام، تظهر فيها خيول معركة القادسية

القادسية في العصر الحديث

افتتح قوس النصر " في شهر آب سنة 1989

في العصر الحديث، حدثَ إحياءٌ لاسم القادسية، وخاصةً بعد بداية التوتر الذي أدّى إلى الحرب الإيرانية العراقية، إذ بدأ صدام حسين ونظام حزب البعث في العراق بإكثار التذكير بالمعركة التاريخية، سعياً إلى تصوير الصراع المعاصر بكونه نتيجة طبيعية لعداء متأصل عابر للتاريخ بين العرب والفرس،[5] وللتواصل مع المعاني التي تحملها قادسية العرب الأولى وتيمّناً بها.[6] وفي 22 أيلول سنة 1981 سُمّيتْ الحرب "القادسية الثانية أو قادسية صدام" في الخطاب العراقي الرسمي،[7] قيل إنّ الحرب سُمّيتْ أولاً "قادسية العرب الثانية" فوَجدَ أكراد العراق حرجاً في تلك التسمية التي لا ينتسبون إليها، فتغيّرَ الاسم إلى "قادسية صدام"، فأصبح اسم القادسية مضافاً إلى صدام وهو رئيس الدولة التي ينتمي إليها الأكراد، وذلك يجعل مشاركتهم في الحرب منطقية،[8] وعززت الدولة هذا الخطاب ضمن منظومة واعية من التسميات، بتسمية القادسية على مناطق وصحف وكتائب عسكرية وجوائز، وإصدار عملات وطوابع وميداليات تصور المعركة، وبإنتاج فيلم عربي بعنوان القادسية.[9][10][11] كما استُعملَ اسم قادسية صدام في المجلات والمنشورات العراقية خارج العراق، كمجلة رسالة بغداد في باريس، ومجلة أور في لندن، ومجلة دجلة في مدريد.[12] قال ماهر عبد الرشيد قائد الفيلق الثالث في سبب الحرب لأنهم مجوس تأمروا على محمد وقتلوا علياً والحسين ونحن نثأر لأجدادنا.[13]

أحد أشهر الأمثلة لاستعمال اسم القادسية هو قوس النصر، الذي هو نصب تذكاري عراقي شيّده نظام صدام لإحياء ذكرى "انتصاره" في الحرب الإيرانية العراقية. فاز النحّات العراقي خالد الرَحّال بمهمة تصميم وتنفيذ بناء الأقواس التي يتكوّن تصميمها من يدين ضخمتين خارجتين من الأرض، تحمل كل منهما سيفًا طوله 43 مترًا، مشابهاً للسيف المتخيل الذي استعمله أمير معركة القادسية. ترتفع سارية العلم الصغيرة فوق النقطة التي يلتقي فيها السيفان، عند عُلوّ حوالي 40 متراً فوق سطح الأرض. اتخذ النحّات قالب الصور والجبس من ساعِدَي صدام كنموذج لتصميم اليَدين، وحين توفيَ النحّات عام 1986، قبل أن يكتمل النصب، قامَ مقامَهُ زميلُه الفنان محمد غني حكمت وأخذ النحّاتُ محمد طبعةً حقيقيةً لإبهام صدام حسين، وأضيفت البصمة الناتجة إلى قالب إبهام أحد القوسين. وقريب من قوس النصر يقع النصب التذكاري للجندي المجهول، الذي يضم في متحفه سلاح صدام الناري الشخصي مجاوراً للسيف المنسوب إلى سعد بن أبي وقاص أمير معركة القادسية.[14][15][16] وفي مقابل قادسية صدام، كانت كربلاء الخميني، إذ اتخذت حكومة الخميني اسم "كربلاء" للتحريض على القتال وتشجيع جنودها بالأناشيد، قال حميد هوشنكي، الذي كان نائبا لكمال خرازي في لجنة الإعلام الحربي إن الأناشيد الدينية التي تمجّد كربلاء "جعلت الجنود أقل خوفاً وأكثر استعداداً للذهاب إلى الحرب، وكانوا يرون أن كربلاء ليست بعيدة، وكانوا مستعدين للشهادة"، وقال "إن الدعاية الحربية ارتكزت أيضا على الوطنية الإيرانية "لكن الإسلام كان الحافز الأقوى. خصوصا أن النظام العراقي لم يدّع يوما أنه نظام إسلامي".

إن حاول البعثيون في العراق إظهار معركة القادسية على أنها قتال قومي فارسي عربي، فقد استذكرت الحكومة الإيرانية إلى حد كبير القادسيةَ احتفالاً بانتصار المسلمين الذين أتوا بالإسلام إلى إيران.[17] تبيّنَ لباحثين أنّ اختيار صدام لاسم القادسية يكشف القوة العاطفية للتاريخ الديني في العالم العربي. إن استدعاء اسمها يوحي للمتلقي لاشعورياً بالمعنى القديم.[18] وما زال اسم القادسية يُستعمل في العالم العربي اليوم، حيث أطلق الإسلاميون والقوميون العرب اسم القادسية على مراكز تدريب ومحاكم، ومساجد، ويستذكرونها في خُطبهم.[19] بالإضافة إلى ذلك، تتجمّل بكلمة القادسية أسماءُ مدارس ونوادي رياضية وجسور وشركات ومرافق طبية في جميع أرجاء العالم العربي، بل في أوروبا.[20]

مسميات القادسية

حي القادسية، كان يحتوي على مجمع سكني خاص لكبار المسؤولين في حكومة صدام حسين
نادي القادسية الكويتي، سُميَ القادسية سنة 1960م

انظر أيضًا

المراجع

  1. سامي بن عبدالله (15 يوليو 2015)، أطلس الفتوحات الإسلامية، العبيكان للنشر، ISBN 978-9960-54-851-7، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  2. Muḥammad Sayyid (1984)، الحروب الصليبية واثرها في الادب العربي في مصر والشام، دار الفرجاني،، مؤرشف من الأصل في 10 فبراير 2021.
  3. Lewental, ‘Qādisiyyah, then and now’, p. 379.
  4. See Donner, Early Islamic conquests and Noth, Early Arabic historical tradition. See Lewental, ‘Qādisiyyah, then and now’, for a study of this process as it applies specifically to Qādisiyyah.
  5. Eric (2008)، مذكرات دولة، AIRP، ISBN 978-9953-36-242-7، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  6. Maḥmūd ʻAbd al-Jabbār (1988)، الدين والتراث في فكر الرئيس القائد صدام حسين، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الجمھورية العراقية،، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  7. عباس (2017)، مذكرات ضابط مندائي، Shams for publishing&media، ISBN 978-977-493-268-7، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  8. زيدي، (1990)، البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية، دار الروضة،، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  9. Lewental, ‘Qādisiyyah, then and now’, pp. 390–399
  10. Rida, ‘Qadisiyya’, 40–43
  11. Bengio, Saddam's Word, pp. 172–175.
  12. Ḥasan Muḥammad (1988)، Saddam Husayn wa-al-ra'y al-àmm، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  13. علي المؤمن، سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق، مركز دراسات المشرق العربي، ص. 306، مؤرشف من الأصل في 27 يناير 2021.
  14. Makiya, The Monument, pp. 1–6
  15. Lewental, ‘Qādisiyyah, then and now’, pp. 396–397
  16. Lewental, ‘Battle of al-Qādisiyyah’, online. نسخة محفوظة 2020-10-04 على موقع واي باك مشين.
  17. D. Gershon Lewental, "QĀDESIYA, BATTLE OF," الموسوعة الإيرانية, available at http://www.iranicaonline.org/articles/qadesiya-battle (accessed on 21 July 2014). نسخة محفوظة 2020-10-04 على موقع واي باك مشين.
  18. Lewental, ‘Qādisiyyah, then and now’, pp. 436, 470.
  19. Lewental, ‘Qādisiyyah, then and now’, pp. 453–457.
  20. Lewental, ‘Battle of al-Qādisiyyah’, online. نسخة محفوظة 2020-10-04 على موقع واي باك مشين.
  21. عالم الكتاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب.، 1987، مؤرشف من الأصل في 13 مايو 2021.
  22. Aḥmad Fayyāḍ (1989)، مسرح الثمانينات في العراق: المسرح في زمن المعركة، دار الشؤون الثقافية العامة "آفاق عربية"،، مؤرشف من الأصل في 09 مايو 2021.
  23. دار الكتاب، جامعة الموصل، موسوعة الموصل الحضارية، المجلد 5، ص5
  24. بشير يوسف، موسوعة المدن والمواقع في العراق - الجزء الثاني، E-Kutub Ltd، ISBN 978-1-78058-293-1، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020.
  25. "الإرهاب ولاية ودولة للحرس الثوري الإيراني (حامد الكيلاني)"، Lebanese Forces Official Website (باللغة الإنجليزية)، 14 أبريل 2017، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 04 أكتوبر 2020.
  26. "لا تتلاعبوا بأسماء المحافظات والمدن العراقية! لــ الكاتب / علي الكاش"، كتابات، 26 أغسطس 2017، مؤرشف من الأصل في 04 أكتوبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 04 أكتوبر 2020.

فهرس الكتب

  • بوابة الإسلام
  • بوابة العراق
  • بوابة العرب

وصلات خارجية

This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.