تفويض (فلسفة وأديان)

التفويض مصطلح يستخدمه علماء الفلسفة والكلام في الدين الإسلامي بعدة معانٍ، ومن معانيه المشهورة صرف اللفظ عن ظاهره، مع عدم التعرض لبيان المعنى المراد منه، بل يترك ويفوض علمه إلى الله تعالى.[1]

ويرى القاضي أن للتفويض ركنين: (الأول: اعتقاد أن ظواهر النصوص السمعية يقتضي التشبيه، حيث لا يعقل لها معنى معلوم إلا ما هو معهود في الأذهان من صفات المخلوقين، وبالتالي فإنه يتعين نفيه ومنعه. وهذه مقدمة مشتركة بين مذهب التفويض

والتأويل.

الثاني: أن المعاني المرادة من هذه النصوص مجهولة للخلق، لا سبيل للعلم بها، بل هي مما استأثر الله بعلمه، ولا يمكن تعيين المراد بها لعدم ورود النص التوقيفي بذلك. وهنا يفترق مذهب التأويل عن مذهب التفويض.[2]

وهذا المصطلح يعتبر من المصطلحات التي يدور الخلاف فيها خاصة في إطلاقه على صفات الله تعالى، وقد احتدم في هذه المسألة الصراع بين المدارس الفكرية العقدية المختلفة منذ القرن الرابع الهجري [3]، فالقائلون به بإطلاق من الأشاعرة كالجويني والغزالي إنما حملهم على ذلك الفرار من تشبيه الله تعالى بخلقه، ومن قال بالتفويض من السلف كابن الماجشون وأحمد بن حنبل فإنما قصد به تفويض الكيفية لا المعنى، فالصفة يجب إثباتها لله تعالى كما أثبتها لنفسه على مراد الله تعالى.

تعريف التفويض لغة

تدل هذه المادة في اللغة على عدة معانٍ، هي:

- الرد إلى الشيء والتحكيم فيه والتوكيل.

- التساوي.

- الاشتراك والمساواة.

- المجاراة.[4]

- التفرق.[5]

التفويض عند المتكلمين

التفويض عند المتكلمين، هو: صرف اللفظ عن ظاهره، مع عدم التعرض لبيان المعنى المراد منه، بل يترك ويفوض علمه إلى الله تعالى، بأن يقول: الله أعلم بمراده.[1]

التفويض عند أهل السنة والجماعة

التفويض عند أهل السنة والجماعة هو: تفويض العلم بالشيء إلى الله، وهو ينقسم إلى قسمين:

الأول: تفويض الكيفية مع إثبات المعاني، فلا يصرف اللفظ عن ظاهره كما عند المتكلمين، بل يثبت المعنى مع تفويض الكيفية، أي: عدم الخوض في تحديد كيفية الصفة على الحقيقة.

الثاني: تفويض المعنى، وهذا هو مذهب المتكلمين، ولا يقول به أهل السنة والجماعة، ونصوصهم في التفويض إنما تدور حول تفويض الكيفية، فأهل السنة السلفية يثبتون لله معاني الصفات ولا يصرفونها عن ظاهرها.[6]

وفي هذا تنقل السلفية قول الإمام مالك حين سئل عن قوله تعالى: قال: " الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب" [7] فهو قد أثبت المعنى، وقال: معنى الاستواء معلوم للناس، لكن كيفيته مجهولة وهي التي تفوض.

وفي هذا يقول ابن تيمية: "فقول السائل: كيف ينزل؟ بمنزلة قوله: كيف استوى؟ وقوله: كيف يسمع؟ وكيف يبصر؟ وكيف يعلم ويقدر؟ وكيف يخلق ويرزق؟ وقد تقدم الجواب عن مثل هذا السؤال من أئمة الإسلام مثل: مالك بن أنس، وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ فإنه قد روى من غير وجه أن سائلاً سأل مالكاً عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] : كيف استوى؟ فأطرق مالك حتى علاه الرُّحَضَاء [8] ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء؛ ثم أمر به فأخرج.

ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك، وقد روي هذا الجواب عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ موقوفًا ومرفوعًا، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة، قولهم يوافق قول مالك: في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب، فنعلم معنى الاستواء، ولا نعلم كيفيته، وكذلك نعلم معنى النزول، ولا نعلم كيفيته، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة، ولا نعلم كيفية ذلك، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك، ولا نعلم كيفية ذلك".[9]

ويستدل أهل السنة على أن التفويض لا يمكن أن يكون في المعاني بأن الله أنزل القرآن الكريم لمعرفة معانيه، ولتدبره، وتفويض معاني كلمات في القرآن الكريم هو عدم تدبر لها وبحث عن معانيها.[10]

الصفات التي طالها التفويض عند المتكلمين

للمتكلمين تقسيمات متنوعة للصفات، فمنهم من يقسمها إلى قسمين: نفسية ومعنوية، ومنهم من يجعلها ثلاثة أقسام: ذاتية ومعنوية وفعلية، ومنهم من يجعلها أربعة: نفسية وسلبية وصفات معان وصفات معنوية، ومنهم من يحيط بذلك فيجعلها ستة أقسام: نفسية وصفة معنى وصفة معنوية وصفة فعلية وصفة سلبية وصفة جامعة. ومع اختلافهم في أصل التقسيم وفي إلحاق بعض الصفات ببعض الأقسام دون بعض لكنهم متفقون على أن الصفات السمعية الموهمة للتشبيه فيما يرون ليست على ظاهرها، فيسلكون حيالها أحد مسلكين: التأويل أو التفويض، أما ما حكم العقل بإثباته كصفات المعاني السبع فإنهم يثبتونه بالمعنى الذي دل عليه اللفظ.[11]

أركان التفويض

التفويض ينبني على ركنين:

الأول: اعتقاد أن ظواهر النصوص السمعية يقتضي التشبيه، حيث لا يعقل لها معنى معلوم إلا ما هو معهود في الأذهان من صفات المخلوقين، وبالتالي فإنه يتعين نفيه ومنعه. وهذه مقدمة مشتركة بين مذهب التفويض والتأويل.

الثاني: أن المعاني المرادة من هذه النصوص مجهولة للخلق، لا سبيل للعلم بها، بل هي مما استأثر الله بعلمه، ولا يمكن تعيين المراد بها لعدم ورود النص التوقيفي بذلك. وهنا يفترق مذهب التأويل عن مذهب التفويض.

[2]

أنواع التفويض

التفويض نوعان، قال ابن تيمية: "وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم: إن الأنبياء جاهلون ضالون، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء. ثم هؤلاء منهم من يقول: المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم، ولا يعرف أحد من الأنبياء والملائكة والصحابة والعلماء ما أراد الله بها، كما لا يعلمون وقت الساعة. ومنهم من يقول: بل تجري علي ظاهرها، وتحمل علي ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله، فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وقالوا ـ مع هذا ـ إنها تحمل علي ظاهرها، وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخه القاضي أبي يعلى في كتاب ذم التأويل".[12]

اللوازم الباطلة التي تلزم مذهب التفويض

- القدح في حكمة الله تعالى.

- الوقوع في التعطيل المحض.

- الطعن في القرآن الكريم.

- غلق باب التدبر لكتاب الله.

- مصادمة النصوص الدالة على الإثبات.

- تجهيل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الأولين.

- مخالفة طريقة السابقين الأولين وسبيل المؤمنين.[13]

المؤلفات في موضوع التفويض

- علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين، الدكتور رضا بن نعسان معطي، دار الهجرة، الرياض، الطبعة السادسة، 1416هـ.

- مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات عرض ونقد، أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان القاضي، دار العاصمة.

- القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام، سيف بن علي العصري، دار البشائر الإسلامية – دار الفقيه.

- مقالة التفويض بين السلف والمتكلمين، وفيه رد على كتاب (القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام)، الدكتور محمد بن محمود آل خضير، مركز تكوين، الطبعة الثانية، 1437هـ.

- عقيدة الحافظ ابن كثير بين التفويض والتأويل، عبد الآخر الغنيمي، دار الأخلاء بالدمام، الطبعة الأولى 1415هـ.

انظر أيضا

التأويل

ابن عقيل

فلسفة إسلامية

  1. النظام الفريد بتحقيق جوهرة التوحيد، لمحمد محيي الدين عبد الحميد، (ص: 128)
  2. مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات، أحمد القاضي، دار العاصمة (ص: 155-156)
  3. مشكل الحديث وبيانه، ابن فورك، عالم الكتب (ص 496)
  4. الصحاح، الجوهري، (3/ 1099)
  5. تاج العروس، الزبيدي، (5/ 71)
  6. مقالة التفويض، دار تكوين، محمد بن محمود آل خضير (ص: 69- 79)
  7. موطأ مالك، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، مالك بن أنس (1/253)
  8. أي: العرق
  9. شرح حديث النزول، المكتب الإسلامي، أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (ص: 32)
  10. درء تعارض العقل والنقل، دار الكتب العلمية، أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (1/ 278)
  11. مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات، أحمد القاضي، (ص: 153-154)
  12. درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (1/ 15-16)
  13. مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات، أحمد القاضي، دار العاصمة (ص: 501-512)
  • بوابة الإسلام
  • بوابة علوم إسلامية
  • بوابة فكر إسلامي
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.