جمعية اليد السوداء

جمعية اليد السوداء هي إحدى التنظيمات المسلحة غير النظامية التي نشات في مصر من أجل مقاومة الإحتلال البريطاني، تأسس من رحم الجهاز السري التابع لثورة 1919 بقيادة عبد الرحمن فهمي، كانت تعرف باسم جماعة الإغتيالات، كانت أولى مهمات تلك الجماعة هى قتل رئيس مجلس الوزراء محمد سعيد باشا، والذى كان يمثل خطر لهم فى ذلك الوقت.

جمعية اليد السوداء
صورة تجمع سعد زغلول مع عد من أعضاء الجمعية السرية

تاريخ التأسيس 1918
المؤسس سيد باشا
الاهتمامات النضال ضد الإستعمار الإنجليزي
منطقة الخدمة  مصر
الرئيس عبد الرحمن فهمي
الانتماء الجهاز السري لحزب الوفد

كانت فترة ثورة 1919 شهدت حالة من الحراك الوطني في مصر، حيث تأسست حركة "اليد السوداء" و"القمصان الزرقاء" اللتين كانتا يتبعان حزب الوفد، وجماعة "القمصان الخضراء" التي كانت تتبع مصر الفتاة، وبدأت الجماعة السرية مع ثورة 1919 واستلهمت اسمها من تنظيم اليد السوداء الذي أنطلق في صربيا إبان الحرب العالمية الأولى، وتم تشكيل مجلس أعلى للإغتيالات وتكوين لجنه رئيسية تضم أعضاء من أهمهم أحمد بك ماهر وعبد اللطيف الصوفانى ، مهمتهم تحديد الشخصيات التى من المقرر إغتيالها.

كانت حادثة إغتيال السير لي ستاك بمثابة أكبر ضربة قاصمة للجماعة بعد أن ثبت تورط عدد من أعضاء الجمعية في الحادث وتسببت في مشاكل لحكومة الوفد برئاسة سعد زغلول والتي كانت أول حكومة وطنية وتسبب الحادث في استقالتها، قام البوليس المصري بعدها بعدد من الإعتقالات وهرب العديد من أعضائها بينما بقى الكثير منهم في الخفاء ولم يتم الكشف عنها إلا بعدها بسنوات طويلة.[1][2]

تأسيسها

لم يستدل المؤرخون على وقت تأسيس جمعية اليد السوداء حيث لا يوجد أي وثائق تاريخية تثبت ذلك لأنها كانت تعمل في الخفاء، تشير بعض المصادر أن اسم الجمعية "يد السوداء" مستوحى من تنظيم سري حمل نفس الاسم تأسس في عام 1911 في صربيا على يد الضباط السريين الذين قتلوا الملك ألكسندر الأول وزوجته في بلغراد سنة 1903، وهي الجمعية ذاتها التي كان ينتسب إليها الطالب الصربي غافريلو برينسيب الذي تسبّب اغتياله لولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته أثناء زيارتهما لسراييفو في 28 يونيو 1914 في اندلاع الحرب العالمية الأولى.

كانت تلك الجمعية تحت رئاسة المحامي عبد الحليم البيلي وأبو شادي بك والشيخ مصطفي القاياتي والشيخ محمود أبو العيون وعدد من الطلبة، وكانت تلك الجمعية ترسل خطابات التهديد إلى السياسيين الرجعيين كيوسف وهبة باشا رئيس وزراء مصر من 19 نوفمبر 1919 حتى 20 مايو 1920 الذي أرسلت إليه الجمعية خطاب تهديد مكتوب بالحبر الأحمر القاني وعليه علامة اليد السوداء ومدفع وكلمة الفدائيين.[3]

وبحسب كتاب (أبطال الجهاز السري لثورة 1919) للكاتب صبري أبو المجد أن هُناك طالب يُدعى «سيد باشا» درس بمدرسة المعلمين وانضم مع زملائه إلى جماعة ثورية عقب القبض على سعد زغلول وأنه كان مؤسس جماعة "اليد السوداء"، وكان سبيلُه في ذلك عقد الصداقات مع عدد من عمال السكة الحديد، ليستخدم ورش ومصانع السكة الحديد في تصنيع قنابل بدائية تمامًا، يمكنها العمل من خلال وضع مواد كيماوية تؤدى إلى الانفجار.

كانت الجماعة تعمل على توريد القنابل والأسلحة لكثير من عمليات الجهاز السري للثورة، كان عبارة عن مسدس ثم تطور الأمر إلى 4 مسدسات و4 قنابل، ولكن ذلك لم يكُن كافيًا لمواجهة التطور الإنجليزي الهائل آنذاك.

لم تقتصر مهمة "سيد" على التوريد، بل استطاع صُنع أول سلاح في الثورة، لسدّ ثغرة المقاومة أمام الانجليز، حيث شكَّل لجنة برفقة أحمد عبد الحي كيرة، وفكروا في زيادة الأسلحة عن طريق تصنيع القنابل كيميائيًا، فأحضروا كتابًا باللغة الانغليزية، وعكفوا على دراسته وترجمته، ثم أحضروا المواد اللازمة لتصنيع أول قنبلة في ثورة 1919.

نشاطها

فى ترجمة المؤرخ أحمد قاسم لعلي الحدّاد أحد أعضاء التنظيم أنه كان لصيقًا باثنين هما النقراشي وأحمد ماهر والأخير كان مساعد عبد الرحمن فهمي مؤسس ومدير الجهاز السري وكان من أدوار أحمد ماهر  تجنيد الشباب وإلحاقه باليد السوداء، التي صعدت من نشاطها بتدبير الإغتيالات السياسية عقب إصدار المحكمة العسكرية إحكامًا بالإعدام على 51 مصريًا فى المنيا وأسيوط، ونفذت الحكم 34 منهم بينهم البكباشي محمد كامل المأمور الذي قاد ثورة أسيوط، بالإضافة لإعدام 3 مصريين قادوا ثورة الوسطي بالفيوم.

قال مصطفى أمين: ليس فى مراسلات سعد زغلول مع عبد الرحمن فهمي، ما يدل أن سعد هو الموعز بهذه الإغتيالات، ولكن فى الوقت نفسه لا نجد فى تعليمات سعد زغلول السرية كلمة واحدة عن إنه لا يوافق على هذه الإغتيالات، بل أن صيغة الرسائل السرية التي كان يرسلها عبد الرحمن فهمي تدل على أنه يحمل بشري سارة إلى قائد ثورة 1919، وأنه يطلق على الذي حاول إغتيال رئيس الوزراء بأنه يتقد حمية وطنية.

كانت جماعة اليد السوداء تقوم بإرسال خطابات التهديد للسياسيين ـــ الذين إعتبرتهم الثورة موالين للإنجليز، ومولت اليد السوداء أنشطتها بجمع الأموال، فقد كان للجمعية نظامًا منظمًا ضد الإنجليز، وكون أعضاء اليد السوداء لجان داخلية، وتوعدت اللجنة الأولي وهددت الموظفين والتجاّر بالقتل إذ لم يشاركوا فى الإضراب بغلق متاجرهم.

التنظيم الداخلي

كان لجماعة اليد السوداء عدة لجان وهي لجنة الدفاع الوطني، واللجنة المستعجلة حيث تتولى كتابة منشورات سريعة بأمر من عبد الرحمن فهمى، واللجنة التنفيذية العليا والذي يتكون من لجنة رئيسية مهمتها تحديد الشخصيات التى من المقرر إغتيالها.

أشهر أعضائها

أشتهر الجماعة بإنضمام العديد من الشخصيات المعروفة أو التي صارت معروفة فيما بعد، ومن أبرزهم زعيم الجماعة عبد الرحمن فهمي وأحمد ماهر والنقراشي وإبراهيم عبد الهادي الذين صاروا رؤساء وزارات في مصر لاحقاً، كما أنضم أيضاً صحفيون ومنهم عباس العقاد، هناك أيضاً أعضاء من الجماعة نالوا قدراً من الشهرة ومنهم: أحمد عبد الحي كيرة ودولت فهمي و عبد القادر شحاتة والذي برز أسمهم في كتب وأعمال فنية.

حادثة السير لي ستاك

شهدت الساحة السياسية عام 1924 ذروة الاحتقان بعدما تكرر الصدام بين رئيس الوزراء سعد زغلول باشا والملك فؤاد الأول ، كانت المسألة السودانية هى الإطار الخلفى لهذا المشهد وكانت الجماهير الغاضبة فى السودان وقتها تهتف بوحدة مصر والسودان بينما كانت السلطات الإنجليزية ترغب في فصل مصر عن السودان، ولهذا تألفت حركة وطنية بالسودان لدعم موقف سعد زغلول فى مواجهة المحتل البريطانى للبلدين وحملت الحركة اسم «اللواء الأبيض» بقيادة الضابط السودانى على عبداللطيف، وتقول مجلة « اللطائف المصورة » إن الأزمة  بين سعد زغلول الذى رفض فصل مصر عن السودان من جانب وبين الملك والاحتلال من الجانب الآخر ، دفعت سعد إلى تقديم استقالته للملك فى 29 يونيو 1924، لكن الملك رفضها وتم اعتقال على عبداللطيف بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم وأودع المعتقل ، وتقول المجلة إن الحدث الأكبر الذى هز مصر وبريطانيا معا هو نجاح محاولة اغتيال السير « لى ستاك » سردار « قائد » الجيش المصرى وحاكم السودان فى 23 نوفمبر 1924 وقد وقع الحادث الجلل فى الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الأربعاء 19 نوفمبر بعدما خرج سردار الجيش المصرى وحاكم السودان من مكتبه بوزارة الحربية قاصدا بيته فى الزمالك بعد انتهاء عمله تربص له خمسة أشخاص فى شارع « الطرقة الغربية » - تغير اسم الشارع فيما بعد إلى شارع إسماعيل باشا أباظة - وألقوا قنبلة بالقرب من سيارته وأطلقوا 7 رصاصات أصابت السردار بجرح خطير فى بطنه ، وإصابة الياور والسائق بإصابات خطيرة ، وتوفى السردار منتصف الليلة التالية للحادث .. وكان الجناة قد فروا وتم القبض على سائق السيارة التى كانت تنتظرهم .

نشرت الصحف تفاصيل الحادث ونص بيان سعد باشا زغلول الموجه للأمة الذى وصف فيه الواقعة بأنها من أشد الفظائع وأشنعها ومن أسوئها أثرا على سمعة البلاد وشهرتها ، وقد وضع الحادث حكومة سعد زغلول فى مأزق مما دفعه لأن يدلى بتصريح يدين الحادث ويقول فيه : « إن أسفى شديد جدا لهذه الجناية الفظيعة ، ولا أدرى إلى أيّة غاية رمى الجناة ، ولا إلى أيّة طبقة من طبقات الأمة ينتسبون ، ولا إلى أيّة هيئة سياسية أو حزب سياسى ينتمون ، ولكنى على كل حال أعتقد أن الذين ارتكبوا هذا الإثم الفظيع لم يرموا إلّا إلى الإخلال بأمن هذه البلاد و راحتها » ، وناشد المصريين بأن كل من يعرف شيئا عليه أن يقدمه إلى إدارة الأمن العام ، وليعلم كل فرد أن هذه تعد عملا وطنيا وخدمة جليلة للبلاد.. ويعلمون أن الالتجاء إلى العنف والإجرام أكبر خيانة للوطن ولقضيته المقدسة ، وتم القبض على سائق السيارة الأجرة التى كان يستقلها الجناة الذى ذكر أنهم ركبوا بصفتهم ركابا عاديين ، ونوه بيان النائب العمومى بشجاعة جندى كان قريبا من موقع الحادث وطارد مرتكبى الحادث الذين أطلقوا عليه النيران فأصابته رصاصتان فى يده ورأسه ، وتابعوا سيرهم إلى شارع موصل إلى دائرة السيدة زينب حيث تفرقوا ، و قال سعد باشا فى تصريح له : « إنّ الرصاصات التى قتلت السردار، هى رصاصات فى صدرى » ، وكان لمصرع السردار دوى هائل فى بريطانيا ومصر والسودان، فصدرت الأوامر لكل الإنجليز المقيمين فى مصر أو الزوار منهم بعدم السير فى الشوارع بدون سيارات ، وأصبح المحتلون فى قلب القاهرة وكأنهم فى ميدان قتال ليل نهار يتوقعون هجوما بين الحين والآخر، وتقول مجلة « اللطائف المصورة » إن المندوب السامى البريطانى « اللورد اللنبى » توجه بعد تشييع جثمان السير « لى ستاك » فى جنازة رسمية ، إلى رئاسة مجلس الوزراء فى مظاهرة عسكرية ، يتقدمها 500 جندى بريطانى والتقى بسعد باشا وقدم إليه إنذارا مهينا ينص على ان تقدم الحكومة المصرية الاعتذارات الكافية عن الحادث ، وأن تعمل بلا إبطاء على القبض على المنفذين وإنزال أشد العقوبة بهم دون النظر إلى أعمارهم ، وأن تمنع من الآن فصاعدا أى مظاهرات سياسية وتقمعها بشدة ، وأن تدفع إلى الحكومة البريطانية «غرامة» قدرها 500.000 جنيه مصرى فداء لرأس السردار، وأن تصدر خلال 24 ساعة الأوامر بعودة كافة الضباط المصريين ووحدات الجيش المصرى من السودان ، وأن تعدل مصر من الآن فصاعدا عن أى معارضة لرغبات الحكومة البريطانية فيما يتعلق بحماية المصالح الأجنبية فى مصر، وكان رد رئيس سعد باشا زغلول دبلوماسيا فقال إنه يقبل بثلاثة شروط فقط هى : الاعتذار، ودفع الغرامة ، والبحث عن الفاعلين لكن الطرف الإنجليزى لم يقبل فقدمت الحكومة المصرية استقالتها وقبلها الملك ، وترأس الوزارة الجديدة أحمد باشا زيور، وحمل فيها إسماعيل صدقى باشا حقيبة وزارة الداخلية التى اعلنت عن مكافأة 10 آلاف جنيه للإرشاد عن أى من المنفذين ، وتم إلقاء القبض على ثمانية أشخاص حكمت عليهم المحكمة بالإعدام شنقا ، وكان اول المشنوقين عبد الحميد عنايت الذى اعتلى آلة الإعدام رابط الجأش مالكا حواسه على رغم حداثته وقال : « انا مايهمنيش حاجة ، قمت بعملى أحسن قيام ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ربى أدخلنى جنة النعيم» ، اما المشنوق شفيق منصور فكان فى منتهى الضعف ولما أدخل غرفة الإعدام أخذ يزعق ويعربد وقال:  ياباشا اعمل معروف عاوز اشوف اختى ، والمشنوق الثالث ابراهيم موسى قال: «إن قلبى مطمئن بالإسلام » وكان رابط الجأش ، وكان المشنوق الرابع على ابراهيم محمد هادئا ثابتا واوصى بأن يتمسك أهله بالدين وان يتبرأوا ممن يخالف دين النبى ثم نطق بالشهادتين.  

المصادر

  1. "ساسة ومقاتلون: حركات العنف في مصر قبل ثورة 23 يوليو"، إضاءات، 07 مارس 2018، اطلع عليه بتاريخ 05 أغسطس 2022.
  2. الوفد، "عمدة صعيدي عضواً فى جماعة إغتيالات.. من ضحايا علي الحدّاد؟"، الوفد، اطلع عليه بتاريخ 05 أغسطس 2022.
  3. "الجمعيات السرية.. من «المدارس العليا» إلى «بلاك بلوك» | المصري اليوم"، www.almasryalyoum.com، اطلع عليه بتاريخ 05 أغسطس 2022.

مراجع

  • عبد العظيم رمضان، تطور الحركة الوطنية في مصر 1918-1936، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة.
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.