خرق تناظر الشحنة والسوية
يلعب مفهوم التناظر في الفيزياء دوراً حاسماً في فيزياء الجسيمات. فكما أنّ قانوني بقاء أو انحفاظ الطاقة وانحفاظ الزخم الخطي أو كمِّية الحركة في الفيزياء الكلاسيكيّة (التقليدية) هما نتيجة لتناظرات المكان والزمان، كذلك فإن النموذج المعياري في الفيزياء الذي يهتم بالتفاعلات بين الجسيمات، يرتكز هو أيضاً على أشكال من التناظرات تدعى معياريّة، قياسيّة. ويظهر عدم بقاء التناظر المتّحد CP، أو ما يعرف بانتهاك قاعدة بقاء الندية، في التآثرات الضعيفة.
تناظرالشحنة والسويّة
في فيزياء الجسيمات، تُعتَبر كل من تناظرات الشحنة والسَويّة أساسيّة في عمليات تحويل المادة؛ فاقتران الشحنة (Charge) أو C هي عملية تحويل الجسيمات إلى جسيمات مضادة والعكس.[1][2][3] على سبيل المثال، تحويل الإلكترون ذو الشحنة السالبة إلى بوزيترون موجب. أمّا السويّة (Parity) أو P تقلب أحداثيات الفضاء، كأنْ تضع مرآةً أمام الشيء، فمثلاً، تتحوّل اليد اليمنى إلى يسرى. أضف إلى هذين التناظرين، تناظراً آخَراً هو الزمان (Time) أو T بمعنى أنَّ عكس الوقت لا يُغيّر القوانين التي تحكم سيرورة الظواهر الفيزيائية. إنّ عمليَّة قلب الشحنة C والسويّة P لا تؤثر على مسار أي من الظواهر الفيزيائية الكهرومغناطيسية التقليدية (أو الكمّية)، فالإلكترون ومضاده مثلاً تحكمهما نفس القوانين الفيزيائية، كما أنّ التآثرات الشديدة في النموذج المعياري لا تتأثّر بأي من هذه العمليات. حتى بداية الخمسينيّات، ساد الاعتقاد بأن هذه التناظرات ثابتة وبأن القوانين الفيزيائية لا تتغيّر مع أي من تلك العمليّات السابق ذكرها.
خرقُ تناظرالسَويّة
يُحكى عن تناظر السَوية إذا بَقيت القوانين الفيزيائية ذاتها حتى بعد قلب أو عكس أحداثيات الفضاء. في عام 1956، أكتشف كل من «لي ويانغ» بأن لا دليل على بقاء تناظر السويّة في التآثرات الضعيفة. وفي العام التالي ظهر بالتجربة أنّ هذا التناظر مخروق، فالتآثرات الضعيفة تتباين بشدة عند اختلاف يمنة ويسرة الجسيمات، والجسيمات اليسرى وحدها، وليست الجسيمات اليمنى، هي التي تتفكك بوساطة القوة النووية الضعيفة، ليُكتشَف بعدها أن التناظر C مخروق أيضاً (أي تناظر الشحنة مخروق). كانت الفيزيائية شين شيونغ وو في عام 1957 قد أجرت تجربة برهنت فيها على اختلال التماثل الفراغي (خرق السوية) بعد أن تبيّن أن الإلكترونات الناتجة عن اضمحلال بيتا لذرات الكوبالت 60 تسلك منحى مفضلاً إذ أنها كانت تشع في معظمها إلى الخلف، في الناحية المضادة لاتجاه اللف، في نظام القياس ذي الالتفاف اليميني.
خرقُ تناظرالشحنة
إنّ العمليّة C التي تحوّل الأعداد الكموميّة للجُسيم إلى الأعداد الكموميّة للجُسيم المضاد تقضي أن يُحَوّل النوترينو الأيسر إلى نوترينو مضاد أيسر والنوترينو المضاد الأيمن إلى نوترينو أيمن. أنظر ما يلي:
إلا أنه، واستناداً إلى التجربة، فإنّ النوترينوهات المضادة ليست يسرى بل يمنى، كما أنه لا وجود لنوترينوهات يمنى، وعليه يقال أن القوة النووية الضعيفة أو التآثرات الضعيفة تَخرَق تناظر الشحنة.
الكايونات وخرق CP
يبدو أن تحويلات الشحنة Charge وال Parity معاً، والمعبَّر عنها ب CP، تعيد التناظر إلى عمليات C و P منفردة، بيدَ أنها لا تعتبر تناظراً لكل التآثرات الضعيفة. في ما يلي، توضيح لذلك:
في عام 1917 برهنت الرياضياتية الألمانية «ا. نوثر» أنه إذا كان لنظام ما تناظراً فإن ذلك يقتضي وجود كميّة ما منحفظة. مثلاً، إن كميّة العزم الحركي أو الزاويّ هي الكميّة المنحفظة بالنسبة للمكان الذي يحمل تناظراً دورانياً. لذا لا بد، في حال وجود التناظرCP، ان تكون الكميّة (العددية) CP منحفظة. إنّ تطبيق العملية C مرتين متتاليتين على جُسيم ما، يعيدنا إلى الجُسيم نفسه. كذلك فإن تطبيق العملية P مرتين متتاليتين يعيدنا إلى الحالة الأساسية للجُسيم. يرمز إلى هذين الإجرائين ب لذا فإن التكافؤ CP يأخذ إحدى القيمتين . إذا تغيرت إشارة الدالّة الموجية لجُسيم ما، أو لمجموعة الجسيمات الناتجة عن إضمحلال ما، عند عكس الشحنة وأحداثيات الفضاء فإن التكافؤ الناتج يكون وإذا لم تتغير الإشارة تكون .
إذا ظلّت إشارة الداّلة الموجية لمجموعة الجسيمات الناتجة عن اضمحلال جُسيم ما مساوية لإشارة دالة نفس هذا الجسيم الأصلي، عندها يكون قد حُفظ التكافؤ وبقي التناظر. وبحسب مبرهنة نوثر لا يمكن لحالة فيزيائية ذات تناظر أن تتحول من قيمة معينة إلى القيمة العكسية مثلا من إلى وإلا فإن التناظر لا يبقى.
تحدد بالتجربة وجود نوعين من الكايونات المحايدة تبعا لفترة حياة كل منهما ()، احداهما أكبر من الأخرى ويرمز لهذين الكايونين ب
و. يتفكك ذو العمر القصير إلى زوجين من البايونات المشحونة ويتفكك إلى بايون محايد إضافة إلى بايونين المشحونين:
في عام 1964 أجرى الفيزيائيان «ف. فيتش» (V. Fitch) و«ج. كرونن» (J. Cronin) تجربة في مختبر بروكهافن الوطني على هذه الكايونات المحايدة ولاحظوا وجود كايونات تضمحل إلى بايونين مشحونين وذلك على مسافة بعيدة عن مركز تصادم الجسيمات حيث أُنتَجت الكايونات ما يعني أن عددا من الكايونات (بنسبة %0.2) تضمحل إلى بايونين مشحونين كما الكايونات التي لا يمكن ان تظهر ابعد من عدة سنتيمترات من المركز. لقد بيّنت هذه التجربة عن خرق التناظر عند اضمحلال الكايونات.
وصلات إضافية
مراجع
- The Fitch-Cronin Experiment نسخة محفوظة 24 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- Christenson, J. H.؛ Cronin, J. W.؛ Fitch, V. L.؛ Turlay, R. (1964)، "Evidence for the 2π Decay of the K0
2 Meson System"، Physical Review Letters، 13 (4): 138، Bibcode:1964PhRvL..13..138C، doi:10.1103/PhysRevLett.13.138. - LHCb Collaboration (2014)، "Measurement of CP asymmetry in D0→K+K− and D0→π+π− decays"، JHEP، 7 (7): 41، arXiv:1405.2797، Bibcode:2014JHEP...07..041A، doi:10.1007/JHEP07(2014)041، مؤرشف من الأصل في 31 مايو 2019.
- بوابة ميكانيكا الكم
- بوابة الفيزياء