دراسات التابع

دراسات التابع تعنى بتقديم قراءة تاريخية تركّز على "صوت" الفئات المهمشة أو التابعة في المجتمعات كبديل عن وجهة نظر المثقفين.[1] وتعتبر جزءاً من الخطاب ما بعد الكولونيالي إذ أنها تبحث عن آثار الاستعمار على الثقافات والشعوب التي عانت من الحكم الكولونيالي، وتربط ما بين تشكيل المعرفة وعلاقات القوة والسلطة في المجتمعات. دراسات التابع بدأت ضمن إطار مجموعة عمل أنشأها مثقفون من الهند وتعنى بدراسة تاريخ شرق آسيا ولكنها أصبحت اليوم مقاربة نقدية لكتابة التاريخ قائمة بحد ذاتها.

يعرف آلن ميخائيل دراسات التابع بأنها اتجاه أكاديمي ساد بأوساط المؤرخين المعنيين بتاريخ شبه القارة الهندية والمهتمين بدراسة " التابع"، أي كل اللذين ليس لديهم أي تاريخ مكتوب أو رسمي أو معروف مثل الفلاحين والعمال والفقراء، أو باختصار كل اللذين ينتمون إلى الطبقات الدنيا. واضافة إلى هؤلاء ممكن أن يشتمل مصطلح "التابع" النساء واللاجئيين والمثليين وغيرهم من الفئات الاجتماعية المهمشة التي قلما يتناولها التاريخ الرسمي . وكان الهدف الأساسي لدراسات التابع هو إعطاء التابعين فرصة التعبير عن أنفسهم وتجاربهم وأدوارهم في التاريخ.

من هو التابع

يعود أصل كلمة تابع بالإنكليزية Subaltern [الإنجليزية] إلى القرن السادس عشر وتعني العريف في الجيش البريطاني دون رتبة الضابط، أي من يتبع الأوامر وفق سلم التراتبية العسكرية. المثقف والفليسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي إسخدم هذا المصطلح في كتاباته السياسية وذلك للإشارة إلى الفئات الأقل مكانة في مجتمعاتها، أكانت فئة إثنية، أو دينية، أو جنسية، أو عرقية، ألخ. إذا ً التابع هو الفرد الذي يعيش ضمن مجموعة مهمشة غير قادرة على التعبير عن حاجاتها أو تطلعاتها أو رؤيتها.

تاريخ


نشأت دراسات التابع في مطلع الثمانينيات من خلال مجموعة من الباحثين الهنود سعوا إلى قراءة نقدية للتاريخ الهندي من خلال دراسة أوضاع المهمشين أو التابعين. ورأوا أن التاريخ في الهند كتب من منظار النخبة التي تخرجت من النظام التعليمي البريطاني ويحمل في طياته حس قومي. المفكر الهندي راناجيت غوها هو أحد رائدي دراسات التابع، إن لم نقل الأب المؤسس، حيث قام بوضع أسس هذا المجال مع مجموعة من طلابه في جامعة ساسيكس البريطانية في سيتينايات القرن الماضي خاصة مع بروز مقال نشره في "دراسات التابع الجزء الأول" ومن ثم في كتابه "الجوانب المبدئية لتمرد الفلاحين في الهند تحت الحكم الكولونيالي". وفي منتصف التسيعينات بدأت دراسات التابع بدخول الدراسات الأنثوية، والأفريقية، والأميركية اللاتينية ما جعلها المقاربة للتاريخ قائمة بحد ذاتها لا تقتصر على منطقة جغرافية محددة.

ارتبط ظهور مدرسة التابع بظهور حركات ديمقراطية متعددة في شبه القارة الهندية، ولكنه كان أيضاً امتداداً للمذهب التاريخي المنتشر على نطاق واسع في الجامعات البريطانية والذي يُعرف باسم "التاريخ من الأسفل".

ركائز دراسات التابع

ينتقد باحثو دراسات التابع التحليل الماركسي للتاريخ الهندي ويتهمونه بالتركيز على دور النخبة المثقفة في تطوير الوعي السياسي لدى الشعب في مواجهة الاستعمار البريطاني. وعوضا ً عن ذلك يسعون إلى التركيز على دور غير المثقفين والهامشيين كوكلاء أساسيين في عملية التغيير السياسي والاجتماعي في الهند. ويركزون على ثلاثة محاور أساسية وهي: صوت المهمشين، الوكالة في إحداث التغيير، والتاريخ المجزء. الفئات المهمشة بحكم موقعها غير قادرة على إيصال صوتها أو التعبير عن نفسها، غير أنه مما لا شك فيه تلعب دورا هاما ً في التغيير التي تشهده المجتمعات. ومن هذا المنطلق يرى مثقفو دراسات التابع أن المؤرخين لم يلتفتوا إلى هذه الفئات ولم يوكلوا لها دوراً في صيرورة المجتمع. أما الركيزة الأخيرة فهي أن كتابة التاريخ لا يمكن أن يكون وفق رواية واحدة موحدة بل هو عبارة عن مجموعة من الروايات التي تجتمع لتعطي صورة أشمل عن التاريخ.

هل يمكن للتابع أن يتكلم

غاياتري شاكرافورتي سبيفاك أحد أبرز وجوه دراسات التابع قدمت عام 1988 نقدا ً لهذا المشروع، رغم أنها كانت تعمل ضمن إطاره، في مقالتها "هل يمكن للتابع أن يتكلم؟" المقالة شكلت منعطفا ً هاما ً في هذا التخصص وحاججت فيها سبيفاك أن التابع يتكلم "بلغة" قد لا يفهمها المنخرط في مشروع دراسات التابع الذي يعمل وفق منظومة فكرية مختلفة عن تلك التي يتمتع بها المهمشون. وتستخدم سبيفاك مثال النساء في الهند اللواتي يقمن بالساتي وهو طقس ديني عند الهندوس، تقوم فيه الأرملة بحرق نفسها مع جثة زوجها المتوفي. وقامت بريطانيا خلال انتدابها للهند بمنع هذا الطقس عام 1829، الأمر الذي يبدو لنا الآن قراراً صائباً. غير أن سبيفاك تقول إنه ومن خلال قيامهن بهذا الطقس، تعبر النساء المهمشات من الهندوس عن "صوتهن"، صوت نعتبره اليوم غير مفهوم أو غير منطقي.


يشتمل عمل سبيفاك الفكري الواسع والمؤثِّر على الماركسيّة، والتفكيكيّة، والنسويّة، وما بعد الاستعمار. وُلدت سبيفاك في كالكوتا في العام 1942، وانتقلت إلى الولايات المتحدة في العام 1961 لاستكمال دراساتها العليا في جامعة كورنيل. في العام 1967 ترجمت سبيفاك إلى الإنجليزية كتاب جاك دريدا Jacques Derrida “في علم الكتابة”، والذي تضمّن مقدّمةً مطوَّلةً للمترجمة، صارت نفسها، لاحقاً، موضعاً للبحث والنقاش. تفحص مقالة سبيفاك، الموسومة “هل يستطيع التابع أن يتكلم؟” 1988، الانتحار النسوي وإساءة فهمه في العائلة. فبعد تقديمها كمداخلةٍ في مؤتمر في العام 1983، أصبحت نصّاً أساسياً في دراسات ما بعد الاستعمار، وساعدت على تطوير وتعميم مفهوم “التابع” الذي سكَّه أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci في كتابه “دفاتر السجن” لوصف “المجموعات الاجتماعيّة على هامش التاريخ.”

أبرز المفكرين

رانجيت غوها، غيان باركاش، غياتري سبيفاك،هومي بابا، سوميت ساركار، فيناياك شاتورفيدي/ آلن ميخائيل

مراجع

  1. "معلومات عن دراسات التابع على موقع universalis.fr"، universalis.fr، مؤرشف من الأصل في 25 يوليو 2019.

المصادر

ديفيد لودن. قراءات في دراسات التابع. تاريخ نقدي، معان ٍ ملتبسة، وعولمة شرق آسيا 2001

فيناياك شاتورفيدي. خريطة دراسات التابع وما بعد الكولونيالية 2000

راناجيت غوها. الجوانب المبدئية لتمرد الفلاحين تحت الحكم الكولونيالي 1983

غياتري سبيفاك. هل يمكن للتابع أن يتكلم؟ 1988

ويد فرانيس. التابع يتكلم عبر الموت . 2021

  • بوابة علم الاجتماع
  • بوابة الهند
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.