دير مارت مريم
'دير مارة مريم كان دير مارة مريم يقع بنواحي الحيرة، مشرف على النجف. قال أبو الفرج: هذا دير قديم، من بناء آل المنذر حسن الموضع، بين الخورنق والسدير، وبين قصر أبي الخصيب، مشرف على النجف، كان فيه قسّ يقال له يحيى خماراً وله ابن، يقال له يوشع، يألفه الفتيان الظرفاء، ويشربون عنده على قراءة النصارى، وضرب النواقيس. وله يقول بكر بن خارجة:
بِتنا بمارة مريمٍ | سَقياً لمارةَ مريمِ | |
ولقسنا يحيى المهيئم | بعد نومِ النُّوم | |
وليوشع ولخمره الحم | راءِ مثل العَنْدمِ | |
ولفتيةٍ حفّوا به | يعصُون لومَ اللُّوم | |
يَسقيهمُ ظبيٌ أغنُّ | لطيفُ خلق المِعصمِ | |
يَرمي بعينيه القُلُو | بَ كمثل رمي الأسهُمِ |
وقد حدّده الثرواني فقال:
بمارةَ مريمُ الكبرى | وظلِّ فنائِها فَقفِ | |
بقصر أبي الخصيب المُش | رف المُوفي على النَّجفِ | |
فأكناف الخورنق والسَّ | دير ملاعب السَّلفِ | |
إلى النَّخل المكمَّم | والحمائم فوقَه الهُتُفِ | |
فدعْ قولَ العذُول وبا | كرِ الصهباءَ في لَطَفِ |
ومن شعر الثرواني فيه:
دع الأيام تفعل ما أرادتْ | إذا جادت بندمان وكاسِ! | |
ومارت مريمٍ والصحنُ فيه | حديقتان من ورد وآسِ | |
وظبي في لواحظِ مقلتيه | نعاسٌ في فتورٍ لا نُعاسِ | |
وخِلٍّ لا يحول عن التصابي | ذكورٍ للمودة غير ناسي | |
ومحتضنٍ لطنبورٍ فصيحٍ | يغنيني بشعر أبي نواس: | |
وما اللّذات إلا أن تراني | صريعاً بين باطيةٍ وكاسي |
وفيه يقول بكر بن خارجة:
بمارة مريمٍ وبدير زكّى | ومر توما ودير الجاثليق | |
وبالإنجيل يتلوه شيوخٌ | من القسّان في البيتِ العتيقِ | |
وبالقربانِ والصُّلبان إلا | رثيتَ لقلبي الدَّنفِ المشوقِ | |
أجرني متُّ قبلك من همومٍ | وأرشدني إلى وجه الطريق | |
فقد ضاقت عليّ وجوه أمري | وأنت المستجارُ من المَضيقِ |
قال أبو الفرج: هذا الشعر يقوله في غلام امرئ نصراني من أهل الحيرة، يقال له: عشير بن البراء الصراف، وله فيه شعر كثير، يذكر فيه أعياد النصارى وبيعهم. وكان دعبل يستحسن قوله:
زناده في خصره معقود | كأنه من كَبِدي مقدُودُ |
ويقول: ليت هذين لي بمائة بيت من شعري! أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني ميمون بن هارون قال حدثني إسحاق الموصلي قال: لما خرجت مع الواثق إلى النجف درنا بالحيرة ومررنا بدياراتها، فرأيت دير مريم بالحيرة، فأعجبني موقعه وحسن بنائه، فقلت:
نِعَم الَمحلُّ لمن يسعى للذَّتِه | دَيرٌ لمريمَ فوقَ الظَّهر معمورُ | |
ظلٌ ظليلٌ وماءٌ غيرُ ذي أسنٍ | وقاصراتٌ كأمثالِ الدُّمى حُورُ |
فقال الواثق: لا نصطبح والله غداً إلا فيه، وأمر بأن يعدّ فيه ما يصلح من الليل، وباكرناه فاصطبحنا فيه على هذا الصوت، وأمر بمالٍ ففرق على أهل ذلك الدير، وأمر لي بجائزة.
المصادر
- كتاب الديارات للأصبهاني