فتاة الخدر
«فتاةُ الخِدرْ» هي قصيدة من الشعر الجاهلي للمُنَخَّل اليشكُري، يُقال أنه ألقاها في عام 597 لزوجة الملك المُلقبة بالمتجردة.[1][2] القصيدة من بحر مجزوء الكامل، يُشار للقصيدة أيضًا باسم «فتاة القصر» أو «فتاة في القصر».[arabic-abajed 1] الخِدرْ هو مكان الستر، لذلك كان العرب يطلقون على مجلس المرأة بالخدر، وخدرت الفتاة أي استترت.[3] حسب الحكايات القديمة وما ورد عن الأصفهاني، فقد قال المُنَخَّل القصيدة بالملكة ملويّة ابنة زهير بن جذيمة بن رواحة العَبْسي،[4] وهي زوجة الملك النعمان بن المنذر المُلقبة بـ«المتجردة» بعد أن أقام علاقة غرامية معها واكتشف النعمان العلاقة في النهاية مما أدى إلى اختفائه ووفاته.[5] استطاع المُنَخَّل بهذه القصيدة أن يعيش في ذاكرة الشعر العربي؛ حيث تعتبر القصيدة مختلفة عن باقي القصائد التي كانت في ذلك الوقت، ذُكِرَت القصيدة في عدة قصائد أخرى وقلدها الكثير من الشعراء.[6]
فتاةُ الخِدرْ | |
---|---|
الاسم | فتاةُ الخِدرْ |
المؤلف | المنخل اليشكري |
تاريخ التأليف | العصر الجاهلي، بين نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع، في عام 597 حسب أغلب الروايات.[1] |
اللغة | العربية |
موقع السرد | الحيرة |
البلد | منطقة الحيرة، المناذرة العراق (حالياً) |
الموضوع | الحب، الغزل |
النوع الأدبي | شعر جاهلي |
عدد الأبيات | 24 |
البحر | بحر مجزوء الكامل المرفل |
ويكي مصدر | |
رغم بساطة القصيدة وقصرها وسهولتها الشديدة إلا أنها تركت آثاراً عميقة في قصائد العديد ممن حاولوا استلهام الروح الحية لدى المُنَخَّل اليشكري وقدرة المُنَخَّل الفريدة على التصوير بأبسط الألوان والظلال.[7]
خلفية
أُقيمت على حدود شبه الجزيرة العربية من جهة شمال مملكتي الغساسنة والمناذرة، وكلاهما من العرب الذين هاجروا من اليمن بعد انهيار سد مأرب في أواخر القرن الأول قبل الميلاد.[8] سكن المناذرة في العراق واتخذوا الحيرة عاصمة لهم، وكانوا حلفاء للفرس، وامتدت مملكتهم إلى أطراف بلاد الشام والبحرين وعُمان. اعتاد ملوك المناذرة على تشجيع الشعر وتزويد الشعراء بالهدايا. كانت الحيرة مركزًا علميًا مهمًا تجمع فيها العديد من الشعراء وأُقيم لهم العديد من المهرجانات، وكان الملك النعمان بن المنذر يجمع الشعراء في قصر الخورنق ويقيم لهم مهرجانًا أدبيًا، وكان المُنَخَّل من بين الشعراء الحاضرين في المهرجانات. كما ورد عن الأصفهاني، «المُنخّل» هو المُنَخَّل بن عمرو، ويُقال: المُنَخَّل بن مسعود - بن أفلت بن عمرو بن كعب بن سواءة بن غنم بن حبيب بن يشكر بن بكر بن وائل، وذكر أبو محلم النسابة عنه:«أنه المُنَخَّل بن مسعود بن أفلت بن قطن بن سوءة بن مالك بن ثعلبة بن حبيب بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر»، وقال أبو عبد الله بن الأعرابي هو المُنَخَّل بن الحارث بن قيس بن عمرو بن ثعلبة بن عدي بن جشم بن حبيب بن كعب بن يشكر.[9]
حكاية القصيدة
وُرِد ذكر المُنَخَّل وحكاية القصيدة في أمهات الكتب التراثية، إذ قيل عنه أنه اتهمه ملك المناذرة النسطوري النعمان بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي بامرأته «المتجردة»، وكانت المتجردة جذّابة وضاحة المُحيا ذا جمال فتاك. وتشير الدلائل أن النعمان حاكم مستبد، مشجع للشعراء، زير نساء مغرم بالخمر والغناء.[10] كان النعمان على عكس الملكة، فقد كان «قصيراً دميماً أبرش»، وكان المُنخَّل من أجمل فتيان العرب وأحسنهم في الشعر. بينما كان يحبها الملك، كانت المتجردة تُحب غيره. ولأجلها غضب النعمان من الشاعر النابغة الذبياني بعدما قال قصيدة وصف فيها جمالها، صادف النابغة الملكة فجأة عندما كان في القصر، حيث انحنت لتلتقط نصيفها الذي سقط على الأرض،[11][12] فتحدث عن جمالها وهو مخمور وقال في قصيدته الشهيرة التي تقول بدايتها:[13]
سَقَطَ النّصيفُ، ولم تُرِدْ إسقاطَهُ | فتناولتهُ واتقتنا باليدِ | |
كالأقُحوانِ، غَداة غِبّ سَمائِه | جفَّتْ أعاليهِ، وأســفلهُ نديِ |
أراد النعمان بن المنذر قتله بعدما علم بالأمر فهرب من الحيرة إلى الشام ومكث فيها فترة حتى عفا عنه الملك وعاد إليه. لكن في الحقيقة أن الملكة والمُنخَّل اليشكري تبادلا الحب، ووصف في بعض أبيات القصيدة عندما كان يأتي إلى ملويّة زوجة النعمان في القصر.
وَلَقَـــدْ دَخَلْتُ عَلَى الفَتَاةِ | الخدْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ | |
الْكَاعِـبِ الْحَسْـنَاءِ تَرْفُلُ | فِـي الدِّمَقْسِ وَفِي الْحَرِيرِ | |
فَدَفَعْتُــــهَا فتَــدَافَعَتْ | مَشْـيَ الْقَطَـــاةِ إِلَى الْغَدِيـرِ |
أنجبت ملويّة ولدين جميلين يشبهان المُنخَّل، فكانت تتهامس العرب وضيوف الحيرة في حضرة النعمان أن أبناءه يشبهون المُنخّل، وأنهما منه. قال أبو عبد الله بن الأعرابي أنه خرج النعمان للصيد ولبعض غزواته لكنه بالحقيقة خرج متصيداً لهم،[14] وفاجأهم النعمان ذات يوم بكشفهم، لم يمكث النعمان طويلاً كما كان يفعل وأهملت الخادمة مراقبة حضوره للقصر لأن الوقت الذي يأتي فيه لم يكن قريبًا بعد، فذهب إليها ووجدها مع المُنخّل حيث كانت رجلها ورجله مقيدتين.[15] أمر الملك حارسه عِكَبّ التغلبي ليعذبه ويقتله،[16][17] قال المُنخّل يومها ليحرّض قومه على قتل عِكبّ:[18]
ألا من مبلغ الحيين عنـي | بأن القوم قد قتلوا أُبَيّا | |
فإن لم تثأروا لي من عِكَبٍّ | فلا روّيتـم أبداً صدِيّا |
لكن منذ ذلك اليوم لم يرى أحد المُنخّل ومن هنا جاء المثل العربي «حتَّى يَؤوب المُنَخَّل»، ومما قاله المُنخّل قُبيل قتله:[19]
طُلَّ وسْطَ العباد قتلي بلا جر | مٍ وقومي يُنَتِّجون السِّخالا | |
لا رعيتم بطناً خصيباً ولا زُر | تم عدواً ولا رَزأتم قِبـالا |
كلمات القصيدة
فتاةُ الخِدرْ | ||
(المُنَخَّل اليشكُري) | ||
[من البحر الكامل] | ||
إِنْ كُنْتِ عَاذِلَتِي فَسِيرِي | نَحْوَ الْعِرَاقِ وَلاَ تَحُورِي | |
لاَ تَسْأَلِي عَنْ جُلِّ مَـا | لِي وَانْظُرِي حَسَبِي وَخِيرِي | |
وَفَـوَارِسٍ كَـأُوَارِ حَــ | ــرِّ النَّــارِ أَحْلاَسِ الذُّكُورِ | |
شَـــدُّوا دَوَابِــرَ بَيْضِهِمْ | فِــي كُــلِّ مُحْكَمَـةِ الْقَتِيرِ | |
وَاسْـتَلْأَمُــوا وَتَلَـبَّـبُـــوا | إِنَّ التَّـلَــبُّــبَ لِلْمُــغِيـرِ | |
وَعَلَــى الْجِيَادِ المُضْمَرا | تِ فَـوَارِسٌ مِثْـلُ الصُّقُورِ | |
يَخْرُجْـنَ مِـنْ خَلَــلِ الْغُبَا | رِ يَجِفْــنَ بِالنَّـعَـمِ الْكَثِيرِ | |
وَإِذَا الرِّيَــاحُ تَنَاوَحَتْ | بِجَوَانِــبِ الْبَيْـــتِ الكَسِيرِ | |
أَلْفَيْتِنِي هَـــشَّ النَّــدَى | بِشَــرِيجِ قِدْحِي أَوْ شَجِيرِي | |
أَقْرَرْتُ عَيْـــنِي مِـنْ أُولَـ | ـئِكَ وَالفَوَائِـــحِ بِالعَبِــيرِ | |
يَرْفُلْـــنَ فِــي المِسْـكِ الذَّكِـ | ـيِّ وَصَائِكٍ كَـدَمِ النَّحِيـرِ | |
يَعْكُفْــنَ مِثْــلَ أَسـاوِدِ الـ | تَّنُّــومِ لَــمْ تُعْـكَـفْ لِــزُورِ | |
وَلَقَـــدْ دَخَلْتُ عَلَى الفَتَـا | ةِ الخِـدْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ | |
الْكَاعِـبِ الْحَسْـنَاءِ تَرْ | فُلُ فِـي الدِّمَقْسِ وَفِي الْحَرِيرِ | |
فَدَفَعْتُــــهَا فتَــدَافَعَتْ | مَشْـــيَ الْقَطَـــاةِ إِلَى الْغَدِيـرِ | |
وَلَثَمْتُـــــهَا فَتَنَفَّسَــــتْ | كَتَنَفُّـــسِ الظَّبْـيِ الْبَـهِيـرِ | |
فَدَنَـــتْ وَقَالَـــتْ يَا مُنَـ | ـخَّلُ مَــا بِجِسْـمِكَ مِنْ حَرُورِ | |
مَا شَفَّ جِسْمِي غَـيْرُ حُـ | ـبِّكِ فَاهْدَئِي عَنِّـي وَسِـيرِي | |
وَأُحِــبُّـــــهَا وَتُحِـبُّــنِي | وَيُحِـــبُّ نَاقَــــتَها بَعِــيــرِي | |
يَا رُبِّ يَــــــوْمٍ لِلْمُنــــــ | ـخَّـــلِ قَــدْ لَهَا فِيــــهِ قَصِـيرِ | |
فَــــإِذَا انْتَـشَـــيْتُ فَإِنَّــنِي | رَبُّ الْخَوَرْنَــــقِ وَالسَّـدِيـــرِ | |
وَإِذَا صَحَــــوْتُ فَـإِنَّـنِــــي | رَبُّ الشُّــــــوَيْهَـــةِ وَالبَـعِـيرِ | |
وَلَقَــــدْ شَرِبْـــــتُ مِــنَ الْمُدَا | مَـــةِ بِالْقَـــلِيــــلِ وَبِالْكَثِيــرِ | |
يَا هِنْــــــدُ مَـــــنْ لِمُتَيَّـــــمٍ | يَا هِنْـــــدُ لِلْعَـــــانِي الأَسِيرِ |
مراجع وملاحظات
ملاحظات
- كما ورد ذكرها في بعض الكتب.
مراجع
- Keith؛ Bosley (1979)، Poetry of Asia: Five Millenniums of Verse from Thirty-three Languages (باللغة الإنجليزية)، Weatherhill، ص. 260، ISBN 978-0-8348-0139-4.
- A. Kh؛ Kinany (1951)، The Development of Gazal in Arabic Literature, Pre-Islamic and Early Islamic Periods (باللغة الإنجليزية)، Syrian University Press، ص. 73.
- "تعريف وشرح ومعنى خدر بالعربي في معاجم اللغة العربية معجم المعاني الجامع، المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصرة، الرائد، لسان العرب، القاموس المحيط - معجم عربي عربي صفحة 1"، www.almaany.com، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 10 أكتوبر 2020.
- أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (01 يناير 2008)، الأغاني 1-15 مع الملحق والفهارس ج11، ص. 6، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- الأصفهاني, أبو الفرج (01 مارس 2020)، كتاب الأغاني (ط. الثانية)، بيروت، لبنان: دار الفكر، ص. 5، (أخبار المنخل ونسبه)، ج11.
- اليوسف, سمير؛ العجلوني, إبراهيم (01 مارس 2020)، إبراهيم العجلوني – مرايا الحضور، عمّان، الأردن: دار الخليج للتوزيع والنشر، ص. 79–84، ISBN 978-9957-67-499-1، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- شوشة, فاروق (01 مارس 2020)، أحلى 20 قصيدة حب، عمّان، الأردن: الدار العربية للتوزيع والنشر، ص. 13–22، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- فكري, وليد (01 مارس 2020)، تاريخ شكل تاني، الرواق للنشر والتوزيع، ص. 40–41، ISBN 978-977-5153-33-3، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (01 يناير 2008)، الأغاني 1-15 مع الملحق والفهارس ج11، ص. 1 (أخبار المنخل ونسبه)، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- رينولد نيكلسون (18 يناير 1937)، مجلة الرسالة/العدد 185/تاريخ العرب الأدبي، ترجمة حسن حبشي، القاهرة، مصر: مجلة الرسالة، ص. تاريخ العرب الأدبي، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- زياد بن معاوية بن سعد بن ذبيان (24 نوفمبر 2016)، الدكتور عمر الطباع (المحرر)، ديوان النابغة الذبياني، بيروت، لبنان: دار الارقم بن ابي الارقم، ص. 12، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- عابدين, أشرف، "لم يغلب الحب لا روم ولا عرب!"، www.aljazeera.net، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 10 أكتوبر 2020.
- زياد بن معاوية بن سعد بن ذبيان (24 نوفمبر 2016)، الدكتور عمر الطباع (المحرر)، ديوان النابغة الذبياني، بيروت، لبنان: دار الارقم بن ابي الارقم، ص. 10، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (01 يناير 2008)، الأغاني 1-15 مع الملحق والفهارس ج11، ص. 7، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- عبد الحليم محمود (1975)، القصة العربية في العصر الجاهلي، القاهرة، مصر: دار المعارف، ص. 194.
- أبي محمد يوسف بن الحسن السيرافي (01 يناير 2010)، شرح أبيات إصلاح المنطق لابن السكيت، دار الكتب العلمية، ص. 434، ISBN 978-2-7451-6580-0، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (01 يناير 2008)، الأغاني 1-15 مع الملحق والفهارس ج11، ص. 8، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2020.
- محمود عبد الله، شعر رثاء النفس: حتى نهاية العصر العباسي : دراسة موضوعية وفنية، جامعة ميشيغان.
- أبو محمد الهمداني، كتاب قصيدة الدامغة، ص. 8.
- بوابة أدب عربي
- بوابة أدب
- بوابة شعر
- بوابة اللغة العربية
- بوابة العرب
- بوابة الجاهلية