فواز بركات الزعبي
الشيخ فواز باشا بركات الزعبي (1875م - 14/1/1931 م) هو شيخ الرمثا والزعبية ومن مشايخ حوران، ولد في الرمثا عام 1875م، وهي مدينة أردنية حدودية مع سورية تقع في شمال الأردن.
فواز بركات الزعبي | |
---|---|
معلومات شخصية | |
الميلاد | سنة 1875 (العمر 146–147 سنة) |
نشأته وشبابه
ولد الشيخ فواز بن بركات بن موسى بن مصطفى بن اشريدة بن إبراهيم بن مصطفى بن عماد الدين علي الزعبي في مدينة الرمثا عام 1875م، وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم على يد شيوخ المساجد، وفي كتاتيب خاصة يُدرس فيها شيخ المسجد أطفال القرية حتى سن العاشرة، ثم يلتحقون بالمدارس الحكومية، ومن بعدها إلى مدارس دمشق. كانت رجولته مبكرة عززها عمه الشيخ (فندي الزعبي) يقول الدكتور محمود الزعبي : « وقد رعاه عمه فندي الزعبي، الذي كان يعد من وجوه منطقة حـوران، وأحد شيوخها في ذلك الوقت وقد كان يرافقه منذ صباه إلى كافة المحافل العائلية والعشائرية والرسمية إبان الحكم المحلي العثماني، حيث كان للشيخ في ذلك الوقت مكانته المرموقة على الصعيدين الرسمي والشعبي وهو الذي كان يقوم بحل المشاكل في القرية، كما كان يقوم بالإشراف على جمع الأموال والضرائب المترتبة على الفلاحين وتقديمها للدولة حسب المقتضى، إضافة إلى ذلك فقد كان من مسؤولياته حفظ النظام، وكان الناطق الذي يمثل أهل المنطقة أمام الدولة الحاكمة ». هذه الأمور ترسخت في ذهن فواز البركات من خلال مرافقته عمه إضافة إلى ما كان يسمعه من أعمامه ممن كان في رعايتهم من عشيرة الزعبية، وكانت زعامة حـوران وزعامة الزعبية لوالده الشيخ بركات، فشب فواز برعايتهم، وعلموه أصول الزعامة والمشيخة، ولم يتجاوزوه بل نصبوه زعيما وشيخا.
وأشار الزعبي إلى مكانة الشيخ فواز عند السلطان العثماني عبد الحميد وعند والي دمشق إسماعيل باشا « ولكن بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد سنة 1908م، على يد حزب الاتحاد والترقي المدعوم من الماسـونيـة ويهود تركيا، لم يعد صديقا للأتراك الحكام الجدد، بل داعية للثورة عليهم، وكان في طليعة الذين انتسبوا للجمعية (المحمدية) التي دعت إلى عودة السلطان عبد الحميد للعرش العثماني ». وأشار المؤرخ أحمد عطا الله في كتابه (صور مشرقة من نضال حـوران) إلى مكانة الشيخ فواز، فهو من الزعماء الذين وردت أسماؤهم في كتاب (النحاس) في استنابول، يقول عطا الله في كتابه صفحة (45) ما يلي :« حصل فواز باشا الزعبي على عدة اوسمة من الدولة التركية، واسمه مدرج في كتاب النحاس في استـانـبول، كما حصل على عدة أوسمة من جلالة الملك عبد الله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، واشترك بالثورة العربية الكبرى، واستطاع الاستيلاء على مدافع وأسلحة وذخيرة من الجيش التركي وهذه المدافع استخدمها ثـوار حـوران ضد القوات الفرنسية عام 1920م وقابل الملك فيصل بن الحسين والأمير زيد، والشريف جميل بن ناصر في درعا ».
الشركس والدروز الأطرش والمقداد
سهلت له شخصيته القوية والمحبوبة بناء علاقات فاعلة وظفها في خدمة الصالح العام، وجعل من سهل حـوران (حـوران - الجولان - جبل العرب) القدوة في التعايش والانسجام على الرغم من الصعوبات التي واجهها لتحقيق هذا التعايش، وذلك بسبب المحاربات العشائرية بين الشركس والدروز أولا، وبين أهل جبل العرب وحوران ثانيا، وليس أخيرا لان مشاكله مع العشائر البدوية كانت كثيرة وكثيرة جدا. لقد تمكن الشيخ فواز البركات من تنظيم الاجتماعات للزعامات العشائرية في الجولان، وذلك بناء على طلب الشيخ موسى مريود (والد أحمد مريود) ومشايخ الشركس من (آل باغ) وذلك لوضع حد للمحاربة بين الطرفين (الشركس والدروز) وتم اختيار الشيخ فواز لحياديته، فهو ليس من الشركس ولا من الدروز مثل ما هو موسى مريود أيضا. ان الشيخ فواز البركات بالتعاون مع آل مـريـود تدخل لفك الاشتباك عندما أشعل الأتراك نار الفتنة بين عوائل الشركس وعوائل الدروز قبل الحرب العالمية الأولى بقليل، وقد حاول أن يرمي بَرْدَه وسلامه على نار الفتنة، إلا أنه فشل في بادئ الأمر ونجح أخيرا ولكن بعد إراقة الدماء الكثيرة بين الطرفين ». وكان رأي الشيخ فواز « ان يبعد المنطقة عن دسائس المستعمرين ويحميها من ظواهر الجاهلية الممثلة بالغارات والثارات والقتل على الهوية العرقية والمذهبية ». ولولا حكمة مشايخها من أمثال فواز البركات، لاستمرت تلك المحاربات، ولكنه مع أصحاب النخوة العربية من مشايخ حوران، حولوا الاقتتال بين الأخوة إلى القتال المشرف في جيش الثورة العربية الكبرى.. ». يقول الدكتور علي سلطان في كتابه (تاريخ سورية) صفحة (108) : « فعادت الحوادث الداخلية لتظهر من جديد في سورية، غير مكترثة بقوة الدولة، وكثرت حوادث التعدي والسطو وقطع الطرق والإغارة على القرى وسيطرة البدو على الريف، إلا أن ثورتين قامتا في سنة 1910م في حوران والكرك وكانتا من القوة والعنف إلى حد اضطرت معه الدولة إلى إرسال الجيش لقمعهما، وكان من أسباب ثورة حوران سيادة العقلية القبائلية والعشائرية والطائفية، وكان هناك بين الدروز والحوارنة نوع من العداء التقليدي وبخاصة بين زعماء الفئتين، عائلة (الأطرش) بين الدروز وعائلة (المقداد) بين الحوارنة » وفي بداية الأحداث لعبت عشيرة الزعبية دور الوسيط، ولكن الدروز اتهموا الشيخ فواز البركات بالانحياز إلى عائلة المقداد، باستثناء سلطان باشا الأطرش الذي اتهم الأتراك بتحريك الفتنة بين الجيران، لبسط سيطرتها على الجميع، وانه والشيخ فواز والشيخ إسماعيل الحريري، والشيخ ياسين الرجب، اكتشفوا لعبة الفتنة، ولكن حماس الشباب تغلب على حكمة الشيوخ، ويذكر الاطرش في مذكراته التي نشرتها مجلة (بيروت المساء) العدد (98) تاريخ 23 كانون الأول 1975م عن هذه الحوادث بقوله:« أما السبب المباشر فهو أن الجبل أصبح منذ مطلع القرن حمى الأحرار العرب من كل حدب وصوب». وقد اتهم الوالي إسماعيل فاضل باشا بالانحياز إلى الحوارنة، ولذلك فسر الشيخ فواز هذا الانحياز بأنه لزيادة التوتر بين السهل والجبل أي بين سهل حوران وجبل الدروز، وذلك بعد ما اتهم الوالي الإنجليز بأنهم حرضوا الدروز على الحوارنة، وجاء في الوثائق الفرنسية، الملف رقم (2) ورقم (9) تاريخ 8 تشرين الثاني 1910:«ان الدروز بإغارتهم على قافلة الجمال بين غصم ومعربا قتلوا (23) مسلما منهم أربع نساء ومسيحيان وكرديان» ونقلا عن الوثائق الفرنسية يقول الدكتور علي سلطان: « رفض الوالي إسماعيل باشا تدخل الشيخ إسماعيل الحريري وشكيب ارسلان، وفواز البركات، لان الوالي كان يعتقد أن الإنجليز هم الذين شجعوا وحرضوا الدروز على القيام بالتمرد على الدولة الذي ادى إلى قتل (17) مسلما من منطقة درعا كانوا يدافعون عن بصرى الحرير، حتى ابيدت أسرة من عائلة المقداد المسلمة.. وان القنصل البريطاني وضابطا من الجيش الهندي ظهرا في حوران، وكانا يحرضان الدروز - حسب رواية الوثائق الفرنسية - ولهذا قرر الصدر الاعظم ان ينهي أعمال العصابات». كان الشيخ فواز يرمي من وراء تحركه ضد هذه الفتنة « ان لا توضع المبررات بين الأتراك لضرب الطرفين المتنازعين » ومن هنا جاء اتصاله بالسيد شكيب ارسلان للعمل معا لتهدئة الأوضاع بين الطرفين، ولكن لقد فات الاوان ولم تنفع كل الوساطات لان قرار الصدر الأعظم قد اتخذ لمهاجمة جبل الدروز بحملة كبيرة يقودها الضابط العربي سامي باشا الفاروقي. والذي حدث ان وفدا من زعماء الدروز قابل الفاروقي، وعرض عليه مشاكلهم مع الحوارنة وبخاصة مع عائلة المقداد، فقال الفاروقي بانه يقصد من حملته سيادة القانون وإعادة الطمأنينة والهدوء إلى المنطقة، وتطبيق القانون كنزع السلاح من الأهالي وتجنيد الشباب وبالمقابل ذهب إلى درعا واجتمع بشيوخها، واقسم الا يمس إنسانا باساءة، ولا يقوم جيشه بأي تخريب، ولكن الشيخ فواز اكتشف ان نوايا الفاروقي غير سليمة وبخاصة عندما طلب بالقوة (1500) جمل من الحوارنة، ووعد أيضا بتسليح الحوارنة لحماية انفسهم من الدروز والبدو، وحذر الشيخ فواز من نوايا الفاروقي الذي يقود (27) لواء من جنود من مختلف الولايات العثمانية، وقال للشيخ إسماعيل الحريري : « اليوم في الجبل وغدا في حوران، وبعد غد ربما في فلسطين» فذهب إلى دمشق والتقى بالأمير علي باشا الجزائري للتوسط بين الدولة والدروز ولكن فات الاوان، فالفاروقي خدع الدروز وخدع الحوارنة، فقصف الجبل بالمدافع، وقتل أكثر من الف رجل وصادر (15) الف بندقية، واعدم شنقا ستة أشخاص، من بينهم والد سلطان باشا الاطرش، ولم يكتف الفارقي بتدمير الجبل، بل زحف بقواته إلى الجنوب الأردنـي، وقمع ثورة في الكـرك، حيث كانت ثورة الشهيد قدر بن صالح المجالي.. وإذا لم يفلح الشيخ فواز بالمصالحة بين الحوارنة والدروز عام 1910م، فقد نجح في عام 1916 حيث وقف الجميع إلى جانب الثورة العربية الكبرى.
جبل الدروز وحوران
عام 1910 اشتدت الخلافات بين الدروز والحوارنة، فقامت الحكومة حملة عسكرية قوامها سبعة وثلاثين طابوراً بقيادة سامي باشا الفاروقي للقضاء على الفتنة وتوطيد الأمن والنظام، وقد قامم الدروز دخول الحملة وجرى قتال بين الطرفين، كان من نتائجه أن ألقى رجال الجيش القبض على زعماء الدروز وأحالوهم للمحاكمة العرفية، فاعدم من أعدم وسجن من سجن، وعندما لاحظ سامي باشا نجاح خططه في جبل الدروز وحوران أراد أن يقوم بنفس الإجراءات في لواء الكرك، وأرسل برقية إلى متصرف الكرك (ظاهر بك) وهو من أصل عربي من أجل جمع السلاح وتحير الأراضي والأملاك نفوس السكان، وعند دعوته هيئة مجلس الإدارة وهيئة المحكمة وشيوخ البلاد كان المعارض الوحيد لدخول قوات سامي باشا (قـدر المجـالي) اما البقية فقد خافوا مغبة رفض دخول القوات وتفعل بهم ما فعلت بدروز حوران..)
لقد امتلك فواز بركات الزعبي كل مقومات الزعيم والكلام فيه وعنه يعذب للنفوس التي عرفته أو التي اطلعت على سيرته المفعمة بالرجولة والشجاعة والقيم العربية وما عرفت فيه الا الإخلاص العميق لقضايا الوطن، وهو طويل التفكير، ناهض بالعمل، لا يستقيم الأمر الا إذا رعاه وكأن شأنا لن يصل إلى غايته الا إذا عاناه بنفسه وقام عليه. على الرغم من كبر سنه ولكنه كان في روح الشباب عندما يتحدث، وفي شجاعة الفرسان عندما يتأبط بندقية النضال، وخوض المعارك فكان المجاهد يبحث عن الموت بالشهادة ولكن كان الموت يهرب منه.
السياسة والجمعيات السرية
لقد بلغ تدهور الأوضاع في البلاد العربية مستواه الأقصى، وأصبح الحكم العثماني في ظل (حزب الاتحاد والترقي)منذ سنة 1908م، كارثة في الإجهاز على ما تبقى من حيوية الأمة العربية. ولم تعد الدولة اداة استهلاك فحسب، ولم تكن تسعى لإنعاش البلاد أو تتدخل لمعالجة أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، بل كانت تسعى لدفع حركة التدهور دفعا قويا، وفي آن واحد جرى عزل البلاد العربية عن أوروبا التي كانت قد بدأت تسير في طريق التقدم والنهضة الصناعية والثقافية.. والأعظم من كل ما ذكر من مصائب، سياسة التتريك لكل الفكر القومي العربي، لغة وتاريخا وحضارة. وعليه قامت جمعيات سرية نتيجة هذا الأمر كمعارضة عربية : وفي مقدمة هذه الجمعيات (الجمعية القحطانية) التي تأسست عام 1909م أي بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد بأشهر قليلة، وكان من بين أعضائها الأوائل الأمير شكيب ارسلان والدكتور عزت الجندي، ومحمد كرد علي، وعارف الشهابي، وعلي النشاشيبي، وبشر لها ولاهدافها في منطقة حوران الموحدة آنذاك (الأردن - الجنوب السوري) الشيخ فواز بركات الزعبي، وإسماعيل الحريري، وسعد الدين المقداد (عضو مجلس النواب العثماني) وتوفيق المجالي (عضو مجلس النواب العثماني) وغيرهم.. ومن أهداف هذه الجمعية « مجابهة التيار العنصري التركي بتيار قومي عربي ينازعه السيطرة على الدولة وعلى مؤسساتها في الولايات العربية ». يقول المجاهد فايز الغصين في مذكراته، حيث ورد حديثه في كتاب (نضال حوران) للأستاذ أحمد عطا الله صفحة (35) ما يلي :« ان ما فرضه الاتراك على أهل حوران يعني وجوب الدفع دون استثناء حتى ولو كان المدفوع هو لقمة العيال، لقد تحولت حوران إلى ثكنات للجيش التركي الذي اعد العدة لاجتياز ترعة السويس وصادر كل ما وقع تحت يده ليصبح ملكا له.. فتحركت قوى المعارضة المسيسة بأهداف الجمعيات العربية السرية، وقاد زعيم حوران فواز البركات حركة الرفض لمتطلبات الجيش التركي، والتي كادت تؤدي إلى الجوع والتشريد وقطع معظم الأشجار». ومن الاتجاه العربي الإسلامي، بدأ يتكون في حوران جمهور من الشباب واخذوا يعقدون اجتماعات خاصة تتحدث عن حكم (حزب الاتحاد والترقي) المستبد، ويبحثون في ضعف الحكومة الظاهر أمام الأوروبيين، وكانت (العربية الفتاة) أهم جمعية سرية عربية، حيث كان الشيخ فواز البركات من قادتها ومن ممثليها في منطقة حوران، فقادت الاتجاه القومي العربي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1911م نشط انصار السلطان المخلوع عبد الحميد وقد سموا (بالارتجاعيين)، ثم أصبح اسم تجمعهم (الحزب المحمدي) أي (درويش وحدتي محمد) وكانت غاية هذا الحزب : القيام بثورة مضادة ضد الاتحاد والترقي، وقد نشط هذا الحزب في حوران ردا على حملة سامي الفاروقي على جبل العرب وحوران والكرك، التي جرت عام 1910.
تأمين الحماية للتجار والحجاج في الرمثا
بعد ثورتي جبل الدروز والكرك، سادت حالة من الفوضى في المنطقة، والمتضرر الأكبر قوافل الحجاج والتجار، التي كانت تخرج من تركيا وسورية عبر الرمثا ومنها إلى الجنوب الأردنـي، وكانت الحكومة العثمانية تضطر إلى تأمين سلامتها وتوفير ما يلزم لها على الطريق حتى تصل الديار الحجازية.. ونظرا لموقع الرمثا المهم كمعبر للقوافل، قام الشيخ فواز بالتعاون مع زعماء المنطقة بتنظيم الحماية للقوافل أولا وحماية القرى الفلاحية ثانيا، ومساعدة قوى الأمن الحكومية أخيرا، من غارات قطاع الطرق وغالبيتهم من أشقياء البدو، أو من المطرودين من عشائرهم البدوية لمخالفاتهم العادات البدوية.. يقول الدكتور محمود الزعبي : « لم تحاول الدولة العثمانية ان تؤسس جهاز فاعلا، بل اكتفت بين الحين والاخر بتسيير حملات عسكرية إلى المنطقة التي يحدث فيها اضطرابات حيث تضرب أهلها بلا رحمة ولا شفقة، وللأسباب الأخيرة (اعتداءات قطاع الطرق) كانت تكثر الغزوات غير المبررة تارة بين القبائل بعضها ضد بعض، وبعضها على القرى الآمنة الأمر الذي اضطر الكثيرين من أهالي القرى إلى دفع ما يسمى بالخاوة وهي ضريبة تدفع على شكل حبوب أو ماشية أو نقود من أهل القرى الذين يجاورون تلك القبائل، وذلك مقابل كف اعتداءاتهم والسماح لهم بممارسة زراعة أراضيهم.. ».
فواز البركات واشتراك تركيا في الحرب العالمية الأولى
لم تنخرط تركيا في الحرب مباشرة، إذ حافظت على الحياد حوالي ثلاثة أشهر، أي إلى يوم 3 تشرين الثاني 1914، حيث اعلنت اشتراكها بالحرب إلى جانب ألمانيا، واعلن السلطان التعبئة العامة.. وعلى الرغم من العلاقة غير الصافية بين العرب والحكام الأتراك، وقف (رجال الإصلاح العرب) موقفا طيبا مع الدولة، وتناسوا خلافاتهم معها. وجه المجاهد أحمد مريود رسائل إلى زعماء حوران والشمال الأردني يخبرهم بموقف (جمعية العربية الفتاة)، والمتضمن قرار الجمعية التالي نصه : « ينتج عن دخول تركيا الحرب، ان مصير الأجزاء العربية في الدولة باتت مهددة بخطر شديد، فيجب بذل أقصى جهد لضمان تحريرها واستقلالها، وقد تقرر ذلك انه في حالة ظهور مطامع أوروبية في هذه الأجزاء، ينبغي على الجمعية ان تعمل إلى جانب تركيا في سبيل مقاومة النفوذ الأجنبي مهما كان نوع شكله». ويذكر السيد أحمد الخطيب في اوراقه ان اجتماعا عقد في دار البكري بدمشق، حضره مجموعة من زعماء (الحركة الوطنية العربية)، لمناقشة دعم الحكومة في إنجاح التعبئة العامة، وحضر الاجتماع : الأمير محمود الفاعور بني العباس - أحمد مريود - فاضل المحاميد - عز الدين التنوخي - إسماعيل الترك (الحريري) - فواز بركات الزعبي - نبيه العظمة وقرأ أحمد الخطيب على المجتمعين رسالة رشيد رضا، (صاحب مجلة المنار) واحد الأعضاء البارزين في (حزب اللامركزية العثماني) رسالة إلى زعماء بلاد الشام، التي يطلب فيها منهم وجوب الوقوف إلى جانب الدولة، وفي 28 تشرين الأول 1914، وفي هذا الاجتماع تم الاتفاق على تنفيذ كل ما تطلبه الدولة من زعماء ووجهاء بلاد الشام. وفي 13 تشرين الثاني 1914، عقد زعماء حوران وزعماء الشمال الأردني اجتماعا في درعا بالسرايا الحكومية، حضره : فواز بركات الزعبي وعكاش سالم ذياب السلامات، وقاسم الشرع، وطالب الشرع، وعبد الكريم عقاب الحشيش، وفاضل المحاميد وإسماعيل الحريري وشحادة بجبوج، ومحمد فياض المذيب وكايد المفلح، وسليمان السودي، ومحمود فنيش نصيرات، وشحادة التل، وعبد القادر التل، ومنصور القاضي وغيرهم، وقد اشار الكاتب أحمد عطا الله في كتابه «صور مشرقة من نضال حوران» إلى حماسة الشيخ فواز البركات للتطوع في القتال دفاعا عن الخلافة الإسلامية التي ا صبحت في خطر إذا تمكنت بريطانيا وفرنسا من هزيمة تركيا، ودعا إلى التعبئة العامة في حوران، وقد اشاد الشيخ فواز بموقف رئيس جمعية العهد القائمقام عزيز علي المصري على الرغم من كل المصائب التي لاقاها من الاتراك، وذلك بعد أن قرأ متصرف حوران رسالة المصري إلى الضباط العرب في الجيش التركي والتي تضمنت العبارة التالية : « عليكم الا تكونوا اداة للقيام بأي عمل فدائي ضد الدولة العثمانية إذا كان دخولها الحرب يعرض البلاد العربية للغزو الأوروبي، فعليكم ان تقفوا إلى جانب تركيا حتى تحصلوا على كافة الضمانات القومية حيال الأهداف الأوروبية في تلك البلاد.. ». وقد اشاد متصرف حوران بالصحافة العربية التي تبشر باشتراك الشريف الحسين بن علي بالحرب، وانه سيكون قريبا في دمشق يحمل راية الرسول، وكانت (صحيفة الاتحاد العثماني) التي تصدر من بيروت قد نشرت خبرا « أن الأمير عبد الله بن الشريف حسين قد تطوع للعمل في سبيل الجهاد ومعه فرقة كبيرة من رجال القبائل الحجازية، وبوسعنا الآن ان نؤكد ان شريف مكة قد أعلن الجهاد في جميع أنحاء الحجاز ملبيا في ذلك رغبة الخليفة وان القبائل يستجيبون من كل ناحية لهذه الدعوة بأسلحتهم الكاملة ». استبشر الشيخ فواز ومشايخ حوران خيرا بمقدم الشريف وولده عبد الله، وان راية الرسول ستمر من الرمثا ودرعا.. ولكن جاءت الأمور غير ذلك، فلم يحصل أي منها.. ® صفحة 26 : (في أواخر سنة 1911 أعلنت الحكومة العثمانية العفو عن السجناء من أهل الكرك وجبل الدروز وحوران أخلت سبيلهم.. وذلك من أجل تحسين علاقتها مع العرب.. وقد كان الشيخ قدر المجالي من الملاحقين ذاك الوقت ولم يتمكنوا من القبض عليه وذلك لآن الأهالي كانوا يحبونه ويحترمونه فلم يش به أحد منهم، وقد شمله العفو العام سنة 1912 الذي أعلنته الحكومة فعاد إلى الكرك وبعد مدة تمت دعوته من قبل - محمد جمال باشا - إلى دمشق وتوفي فيها على أثر التسمم عن طريق فنجان قهوة وذلك ما أكده (سلمان السعيد) أحد عبيد قدر المجالي الذي كان يرافقه في دمشق...... وقيل أن الأتراك دسوا له السم في طعامه...)
اعتقال الشيخ فواز ونفيه إلى الهند
بعد عشرة أيام من دخول تركيا الحرب، حدث ان أنور باشا وزير الحربية ناشد جمال باشا باسم الوطن، ان يتقلد قيادة الجيش الرابع في سوريا، لشن حملة على قناة السويس، مع احتفاظه بمنصب وزير البحرية، وقد وافق جمال باشا، وغادر استنابول في 21 تشرين الثاني، ووصل دمشق في 5 كانون الأول 1914، وحكم هذا الرجل السفاح بلاد الشام لمدة ثلاث سنوات وقد حل محل القائد (زكي باشا الحلبي) كما أن الحزب الحاكم (الاتحاد والترقي) يريدون بدله رجلا قويا في سورية، يخضعها للدولة تمام الخضوع ويقضي على الأفكار العربية، ويكون كفؤا وقادرا على تنفيذ حملة السويس. كان الشيخ فواز البركات من بين زعماء البلاد الذين استقبلوا جمال باشا وقد وصف جمال استقبال زعماء البلاد له بالرائع حيث أن غالبية العرب، لا تحجم عن بذل ما يطلب منها من التضحيات في تلك الحرب لتحرير الخلافة الإسلامية. جمع جمال قواته من سورية من الجيش والمتطوعين، وكان الشيخ فواز - على الرغم من كبر سنه - من المتطوعين، حيث أنه اصر على مرافقة الجيش الرابع والاف الرجال من المتطوعين، يقول الدكتور محمود ساري الزعبي : « وقد اعلمني أحد الاخوان من عائلة الحريري، ان فواز الزعبي كان المدني الكبير الذي غامر بحياته في رحلة قناة السويس والتي أدت به للأسر بالرغم من نصائح الشيخ إسماعيل الحريري له ». واضاف الدكتور الزعبي ان الشيخ فواز بنى علاقات جيدة مع الضباط العرب وفي مقدمة هؤلاء الضباط، القائمقام علي خلقي الشرايري ومحمد علي العجلوني، وخلف محمد التل (قائد سرية الإمداد والتموين في حملة السويس) والقائد محمد جلال القطب، والنقيب محمد مريود المهيدات وغيرهم من الضباط الذين شاركوا في حملة السويس، وقال : « كان لهؤلاء الضباط الدور المصير في تفعيل حالة النهوض القومي بين الضباط العرب في الجيش العثماني والذي تم تسريب أفكارهم إلى الشيوخ القادة من أمثال فواز الزعبي... وكانت الرابطة القومية عندهم هي الأساس وقتالهم في صفوف الجيش التركي كان ينطلق من وحي دفاعهم عن دولة إسلامية، هم شركاء بها لا أجراء في قوتها وقواتها ومؤسساتها، لذلك كانوا ينطلقون من مبادئ أخلاقية تعلموها من تقاليدنا وقيمنا الروحية ». لقد أبلى العرب بلاء حسنا في معركة السويس، ويعترف جمال باشا بدورهم البطولي، وجاء في مذكراته - كما ذكر عزيز بك في كتابه (الاستخبارات والجاسوسية في الدولة العثمانية) صفحة (48)، يقول جمال باشا :« وقد ساد بين رجال الحملة - لا فرق بين الأتراك والعرب - شعور العطف الأخوي ولم يكن بينهم من يضن بحياته دفاعا عن إخوانه. والواقع ان الحملة الأولى على القناة كانت برهانا ساطعا، على أن غالبية العرب الساحقة انضموا إلى الخلافة بقلوبهم وجوارحهم.. اما العرب الذين تألفت منهم الفرقة الخامسة والعشرون، فقد ادوا واجبهم بمنتهى الاهتمام، والإخلاص ». وقد امتدح جمال باشا القائد خـلف الـتــل في مذكراته صفحة (264) وصفحة (280) عندما قال :« ولكن مسألة المسائل التي تعتبر على جانب عظيم من الأهمية، هي انه لم تحدث حادثة فرار واحدة بين القوة العربية الذين تكونت منهم وحدة المؤونة والإمداد »، وكان خلف التل هو قائد تلك الوحدة خلال الحملة على السويس. يقول المؤرخ (محمد كرد علي) في كتابه (خطط الشام - الجزء الثالث) صفحة (136) حول حملة السويس ودور العرب فيها ما يلي : « ان الفرقتين اللتين حشدهما جمال باشا على القناة، قد نصبتا الجسور عند الإسماعيلية، لكن ستة طرادات إنجليزية فتحت النار وأغرقت الجسور وقتلت - حسب أقوال جمال باشا - (192) رجلا، وجرحت (381) وأسرت (727) وجدير بالذكر أيضا ان معظم الجنود الذين عبروا القناة كانوا من العرب بقيادة اللواء علي خلقي الشرايري ». اما التقرير البريطاني رقم (32528/2485/371، المؤرخ يوم 16 اذار 1915، فقد ذكر «ان خسائر الجيش العثماني في غزوة قناة السويس كانت (1100) قتيل و(800) أسير و(7000) جريح، وقد فشلت الحملة، وانسحبت القوات إلى بئر السبع. ويشير الأستاذ الباحث محمود سعد عبيدات حول أسر الشيخ فواز قائلاً : (اما اللواء علي خلقي الشرايري الذي أسـر في (كوت بغداد) ولم يؤسـر في السويس فذكر مجموعة من الضباط كانوا برفقته في معتقل الهنـد، من بينهم ناصر فواز البركات ولم يذكر ان الشيخ فواز كان في الأسر، فأرجح مشاركته في الحملة، واستبعد أسرة ونفيه إلى الهند والوثائق الحورانية المحفوظة لدى آل مقداد في درعا لم تشر إلى أسرة، إلا أن الدكتور محمود الزعبي اكد بأسره مع مجموعة من الضباط والجنود، ولكنه عاد إلى الرمثا عام 1916 بعد وساطة من الشريف حسين، لحشد كل الطاقات العربية بما فيهم الذين كانوا في معسكرات الاعتقال في الهند حيث جاءوا عن طريق الإسكندرية إلى العقبـة وكان عددهم أكثر من (800) مقاتل، فانضموا جميعهم إلى الجـيش العربي الشمالي).
أحداث ما قبل الثـورة العـربيـة
بعد فشل الحملة على السويس وهزيمة الأتراك في العراق، أرسل الشريف حسين ولده الأمير فيصل إلى دمشق، وأرسل الأمير علي إلى المدينة المنورة، وبقي الأمير عبدا لله ملازما لوالده ليساعده على إعداد خطط الثورة التي كان لا بد من إعدادها في مكـة.. ولكي يغطي جمال باشا هزائمه وفشله في السويس، بدأ مسلسل الإرهاب والقمع والقتل والنفي بحق زعماء البلاد الشامية وقد صدم الأمير فيصل بالإجراءات التركية فقد وجد أن الفرق العربية قد نقلت إلى الأناضول وحل محلها الفرق التركية، كما تم نفي عدة مئات من الرجال البارزين من البلاد إلى الأناضول.. ® صفحة 78 : (وقد قبض الأتراك على عدد من المسلحين العرب قتلوا منهم واعدموا ونفوا.. منهم : اعدموا : أحمد الكايد (شقيق أديب الكايد وهو من عشيرة العواملة).. مصلح الفاضل الربيع (من عشيرة القطيشات).. وآخر من عرب التعامرة.. نفي عدد من وجهاء السلط : صالح خليفة، مطلق المفلح، خليفة عبد المهدي، يعقوب سكر ،صالح البخيت واخوانه الثلاثة، مفضي النجداوي.. نفي عدد من وجهاء الكرك : عودة القسوس، خليل العكشة، عبد الله العكشة وغيرهم.. مادبا :يعقوب الشويحات، إبراهيم جمعان، إبراهيم الطوال، يوسف معايعه، وسليم مرار وغغيرهم.. نفي عدد من وجهاء معان : عبد الرحمن ماضي، أحمد ماضي، محمد عبد الجواد، وغيرهم إلى مدين حماة، وكانت تهمة المنفيين من معان ان لهم اتصالات مع جيش الأمير فيصل. وضرب الأتراك مدينة السلط بقنابل المدفعية وكادوا ان يدمروها تدميراً كاملاً.. لولا تدخل جمال باشا شخصياً..!! ونهب الأتراك قرية الفحيص.....) واستناداً للأستاذ محمود سعد عبيدات يقول : وبعد أن أقدم جمال باشا على إعـدام : عبد الحميد الزهراوي (عضو المبعوثين)، وشفيق المؤيد (عضو المبعوثين) والأمير عمر الجزائري، وشكري العسلي (عضو المبعوثين)، وعبد الوهاب المليحي، ورشدي الشمعة (عضو المبعوثين) ورفيق رزق سلوم، والعقيد سليم الجزائري، والعقيد أمين لطفي الحافظ، وعبد الغني العريسي (صاحب جريدة المفيد) والشيخ أحمد طبارة (صاحب جريدة الاتحاد العثماني) والأمير عارف الشهابي، وتوفيق البساط، وسعيد عقل (رئيس تحرير جريدة النصير) وجلال البخاري وسيف الدين الخطيب وبترو باولي ومحمد الشنطي وجرجي الحداد، والدكتور علي عمر النشاشيبي والشاعر عمر حمد وغيرهم، قرر زعماء البلاد فك ارتباطهم نهائيا بالدولة العثمانية، وتداعت الزعامات الوطنية للاجتماع سرا بالأمير فيصل في أوائل ايار 1916م في دار البكري أصدقائه في القابون، وكان هذا أول لقاء للشيخ فواز البركات مع الأمير فيصل، ويومها قال الأمير فيصل للحاضرين : « طاب الموت يا عرب »، وأرسل نسيب البكري رسالة إلى الشريف حسين يشرح له فيها بوضوح أكثر من رسائل فيصل الحالة في بلاد الشام، وأهمية فيصل بالنسبة للحركة القومية فيها، ووجوب بقائه على رأسها في دمشق. وتوزعت الأدوار بين الحاضرين، واستعد الشيخ فواز على تجنيد المئات للثورة ،وقد جددت الروابط مع زعماء الدروز الذين اشترطوا ان تشترك قبائل البدو في الثورة، وكانت التوجيهات التبشير بالثورة القادمة، وجاء في مذكرات يوسف الحكيم صفحة (143) : « ان الأمير فيصل اجتمع بالشخصيات الوطنية مثل : الشيخ بدر الدين الحسيني، كبير علماء الإسلام في دمشق، والفريق المتقاعد علي رضا الركابي، رئيس بلدية دمشق، واحمد قدري والشيخ فواز البركات من زعماء حوران، ولم يغادر دمشق، الا ودخل عن طريقه في جمعية الفتاة كثير من زعماء الدروز والحوارنة والبدو حتى غدت الجمعية قوية بهم ».... ® صفحة 10 : (مجلس المبعوثان ومجلس الولاية) : بعد الانقلاب العثماني سنة 1908 جرت أول انتخابات لمجلس المبعوثان وانتخب توفيق المجالي مبعوثاً عن لواء الكرك وهو الأردني الوحيد الذي حصل على عضوية ذلك المجلس، أما لواء حوران فقد مثله سعد الدين المقداد.. وهذا المجلس بمثابة مجلس نواب خاص لإدارة الولاية ينتخب أعضاؤه من قبل مجالس الإدارة في الأقضية، وقد جرت الانتخابات لعضوية المجلس عل فترتين، فانتخب عن شرقي الأردن في الفترة الأولى السادة :
- عودة القسوس عن الكرك..
- يوسف السكر عن السلط..
- عبد النبي النسعة عن معان..
- عبد المهدي محمود عن الطفيلة..
- عبد القادر التـل وعبد العزيز الكـايد (العـتوم) عن قضائي عجلون وجرش..
أما الفترة الثانية فقد مثل شرقي الأردن السادة : زعل المجالي، محمد الحسين، علاء الدين طوقان، خليل التلهوني، حس العطيوي، نجيب الشريدة، وشوكت حميد. عقد مجلس المبعوثان ثلاث مرات وكان مجلس عام 1908 قو المجلس الثاني أما المجلس الثالث فقد كان عام 1914 واستمر حتى نهاية الحرب الكبرى (1918) ومثل توفيق المجالي لواء الكرك في المجلسين الثاني والثالث).
ا لشيخ فواز والثورة العربية الكبرى
ويجب أن لا يسهو عن بال أي عربي أن تلك الثورة كانت تعبيرا عما كان يعتلج في قلوب المتنورين العرب من مختلف الديار والأمصار – من مشاعر قومية ومن رغبات استقلاليةً ،ولذلك كان القرار ان يتبنى الحجاز قضية العروبة ويقوم بالعبء كاملاً بعد أن عجز الأتراك عن خضد شوكة الأسـد الهاشمي في عرينه بمكة المكرمة. أعلنت الثورة في 9 شعبان 1334 (10 حزيران 1916).. شارك الشيخ فواز في معظم الاجتماعات السرية والعلنية التي عقدها الأمير فيصل في دمشق وجوبر، مع زعماء الحركة الوطنية العربية وقيادات الجمعيات العربية، وكان الشيخ فواز يمثل سهل حوران في تلك الاجتماعات، والتي كانت قبل إعلان الثورة العربية الكبرى بأشهر قليلة. يقول الدكتور محمود الزعبي : « كانت مهمة الشيخ فواز بركات الزعبي الذهاب إلى حوران وجبل العرب، واقليم البلان لتفعيل الثورة، واستقطاب العشائر الحورانية إلى صفوفها، ونجح نجاحا باهرا عندما شكل مجموعات مقاتلة ساعدت قوات التفجير في الاستيلاء على محطات سكة الحديد والجسور في درعا والزوية، واليادودة والتل السوري المحاذية لبلدة الشجرة والطرة شمالاً. كما تعامل مع شخصيات وطنية في جبل العرب لصالح الثورة من بينهم اسد الاطرش، ورشيد طليع (أول رئيس حكومة أردنية)، وبنى علاقات نضالية مع الشخصيات العشائرية في حوران ومن بينهم إسماعيل الحريري وفاضل المحاميد ومصطفى الخليلي، ومحمد فياض عبيدات (زعيم عشيرة العبيدات في حوران) وحرضهم نفسيا وقتاليا ضد القوات التركية المتواجدة في مواقع اليرموك وجنوب دمشق، وشكل مفارز عسكرية من عشائر حوران كانت تتسابق للانضمام للثورة وكان من بينهم أحمد المفلح العوض الزعبي واقاربه وجوه زعبية خربة غزالة، مما ساعد الجيش الشمالي المعروف بالجيش الفيصلي على دخول دمشق منتصرا لان الطريق كانت سالكة بفعل ثورة الحوارنة وعلى رأسها قوات الشيخ فواز..». امتدحه الشيخ عودة أبو تايه، واثنى على شجاعته مصطفى الخليلي، الذي اعتبر الشجاعة عند الشيخ فواز ملازمة لحياته منذ مطلع شبابه، وتفجرت الشجاعة في ميادين القتال، فقال :« اشتهر أبو ناصر بالشجاعة والرجولة والفروسية منذ شبابه ومع بداية الحرب الأولى والثورة الشريفية (الثورة العربية الكبرى)، وأصبحت الشجاعة عنده قضية وطنية وإنسانية، وظفها بكل اشكالها وألوانها لمصلحة العرب واستقلال العرب »، وكان يقول : « والمحارب مهما كان نوع الحرب التي يشارك بها، إذا انهزم خوفا من الموت يلحقه الخجل إلى الابد، ويرافق سيرته حتى ولو كان قد حقق المعجزات في معارك أخرى.... لذلك الخوف عند الشجاع هو غير الخوف عند المترددين.. وكان الشهيد طلال حريذن، يمثل الرجل الشجاع الذي يخاف من الهزيمة ولا يخاف من الموت، وتعلمنا منه ان الموت لا يأتي مبكرا عند المجاهدين الا للمترددين ». فواز البركات، الشجاع والمقاتل، خلال تحرير الشمال الأردني والجنوب السوري، والمعروفة جغرافيا وتاريخيا بمنطقة حوران، وكانت البداية في لقاء الأمير فيصل في منطقة الوجه عام 1917م.
اللقاء مع الأمير فيصل
تحول الموقف العسكري في الحجاز لصالح الثورة العربية، وأصبحت القوات التركية تحت السيطرة بعد استسلام قوات الطائف للجيش العربي الشرقي، وبعد حصار المدينة المنورة التي لم تسقط، بسبب الاستحكامات العسكرية القوية التي اشرف على بنائها اللواء علي خلقي الشرايري الحاكم العسكري للحجاز آنذاك وقبل انضمامه للثورة على يد صديقه القائمقام عزيز المصري تقدم جيش الأمير فيصل الشمالي من (ينبع) إلى (امليح) فاستولى عليها بسهولة، ثم تقدم باتجاه (الوجه) بعد أن ضربها الأسطول البريطاني، ولم يلق مقاومة تذكر بعد أن تراجع قائد القوات التركية إلى منطقة (العلا) فدخل الأمير وجيشه المنطقة بلا خسائر، وقيل ان زعيم الوجه الشيخ حمد بن رفادة، فر والتحق بالقائد التركي، ثم تقدمت القوات العربية باتجاه البلدة ولم تلبث حاميتها ان استسلمت بعد معركة قصيرة يوم 24 كانون الثاني 1917. بعد احتلال (الوجه) اتخذ الأمير فيصل موقعا استراتيجيا لقواته، فعسكر في منتصف المسافة بين الشاطئ وخط سكة الحديد. وفي هذا الموقع بدأ يستقبل زعماء العشائر، يقول المجاهد الحوراني فايز الغصين في مذكراته صفحة (117) : « بادر الأمير فيصل بن الحسين بإرسال رسله إلى شيوخ المناطق الشمالية، أي جنوب الأردن وشماله، ومناطق حوران وجبل الدروز والجولان يدعوهم للانضمام إلى صفوف الثورة، والإسهام في معركة الحرية ». ® صفحة 32 (احتل جيش الثورة الذي كان يقوده الأمير فيصل بن الحسين – بلدة (الوجه) على شاطئ البحر الأحمر بتاريخ 23 كانون الثاني 1917، وأصبح ذلك الجيش بعد تلك العملية يعرف باسم (الجيش الشمالي) تمييزاً له عن الجيوش الأخرى التي بقيت حول المدينة المنورة، وتدليلاً على المهمة التي سيقوم بتأديتها في سوريا الطبيعية، وفي الوجه أخذ الأمير فيصل يتصل بزعماء القبائل البدوية التي تسيطر على البادية في شرقي الأردن والصحراء السورية، وبدأ رسل الثورة ودعاتها يتغلغلون في المناطق الشمالية ويبشرون بالعروبة والحرية والاستقلال، ويدعون لخلع نير التركي ورفع رايات القومية العربية في فجرها الجديد). كان الشيخ فواز ونسيب البكري وفايز الغصين في مقدمة الشيوخ الذين توجهوا إلى الوجه واجتمعوا إلى الأمير فيصل وناقش وإياهم مسألة الخلافات القائمة بين القبائل والعشائر العربية، وهؤلاء الزعماء ومعهم الشريف ناصر استقبلوا أولا المجاهد عقلة القطامي زعيم الطوائف المسيحية في حوران، ثم استقبلوا عودة أبو تايه.. سأل الأمير فيصل الذين كانوا في حضرته عن السبل لحل المشكلات العالقة بين العشائر، فأجابوا جميعهم على أن المعركة هي الكفيلة بوحدة كل العشائر، فتحرير البلاد هو أهم من كل الخلافات، فتحدث المجاهد عقلة القطامي بالنيابة عن عشائر حوران فقال : « المشكلة ليست معقدة كما يراها سمو الأمير. نحن عرب وتقاليدنا مستوحاة من عقائدنا الدينية (الإسلامية والمسيحية) التي تلزمنا بالتوحد والتسامح، فأنا والشيخ فواز، وأخونا فايز (الغصين)، نكفل ذلك في حوران، ولا يوجد في عشائرنا من لا يرغب بالحرية والاستقلال.. توكل على الله، فلا خوف على مسيرتنا ». ® صفحة 43 : (ومن القادة والجنود العرب الذين التحقوا بصفوف الجيش بعد إعلان الثورة العربية : الزعيم حسن وفقي الدمشقي، رشيد المدفعي، جعفر العسكري، نوري السعيد، شاكر عبد الوهاب الشيخلي، علي جودت الأيوبي، تحسين علي، حميد الشالجي.. وممن وفد إلى العقبة للالتحاق بجيش فيصل : الشريف ناصر، علي الحارثي، الأمير زيد بن الحسين ومعه عدد من اشراف مكة ،الشرف عبد الله بن حمزة الفعر، ورجال قبيلة عتيبة وغيرها من قبائل الحجاز ولا يقل المجموع عن 500 نقاتل.. وجاء القائد علي خلقي قادماً من مصر على رأس ألف جندي وضابط من المتطوعين.. القائد مولود مخلص.. ومنهم : توفيق الجندي، سمير الرافعي، شوكت العائدي، صبحي العمري، محمود الهندي، عبد الوهاب الحكيم، شريف الزعبي، الدكتور معلوف، الدكتور ثابت ثابت، سعيد عمون، الشيخ فريد الخازن، حبيب جاماتي، اميل يزبك، اميا الخوري، وععد من آل البكري، فخري البارودي، فايز الغصين، صبحي الخضرا، محمد علي العجلوني، فؤاد سليم وغيرهم.. وممن التحق بجيش الثورة أيضاً : الحويطات (عودة وزعل بن مطلق وعودة بن زعل ومحمد بن دحيلان)، نوري الشعلان (أمير قبيلة الرولة)، اعراب اللياثنة بقيادة الشريف عبد المعين، عشائر الزوايدة والدراوشة والطقاطقة والزلابنة والدمانية، بني عطيه.. قبائل بني صخر(الشيخ نواف الفايز) والسراحين والسردية، الشيخ بركات المجالي، والشيخ سعود المجالي.) الشريف ناصر بن علي (أبو سيف) : من الأشراف الحسينية وهو شقيق الشريف شحات أمير المدينة من قبل الملك حسين.. كان رجلاً مقداماً عالي لهمة غادر المدينة مع فيصل منذ اليوم الأول لإعلان الثورة رغم أن شقيقة كان أمير المدينة، وهجر منزله وأهله والراحة والدعة، وابتدأ حياة جديدة مليئة بالمخاطر والمغامرات، لم تكن حملة إلا وكان على رأسها، كان من الطليعة الضاربة لجيش الثورة الشمالي وكان المثال الصادق النبيل لهذه الانطلاقة العربية الجبارة من الوجه إلى العقبة إلى دمشق، وحتى يوم أطلقت الطلقة الأخيرة على المسلمية شمالي حلب، وهو نفس اليوم الذي طلبت فيه تركيا الهدنة، وقد توفي في بغداد.
التعبئـة العامـة في حـوران
وتم الاتفاق في اجتماع (الوجه) (ان النقطة الأهم في الوصول إلى دمشق هي الرمثا ودرعا، فتحرير سورية يبدأ من حوران)، وكان رأي الشيخ فواز: « من حوران تلتقي الخطوط الحديدية الممتدة إلى القدس - حيفا - دمشق - عمان - معان - المدينة المنورة بالإضافة إلى أنها من أهم مراكز تجمع الجيوش التركية، وان حوران بمناطقها الثلاث تمتلك احتياطيا هائلا من المناوئين للاتراك ». واقترح الشيخ فواز ان يتم اللقاء الأول مع مشايخ حوران كنواة أولى للتعبئة وعن طريقهم سيتم الانتساب والتجنيد للجيش الشمالي، واقترح الأسماء التالية، كما اوردها المؤرخ أحمد عطا الله في كتابه (نضال حوران) صفحة (93) وهم : إسماعيل الترك (الحريري) - هلال موسى الزعبي - مهاوش الشنيور - محمد سالم البردان - سليم صالح الزعبي - محمد الزعل - مصطفى الخليلي - محمد كريم الزعبي - حسين الشاذلي - عرسان الحشيش - عبيد الشاعبين - خالد الحوراني - عيسى العقلة - سعد الدين المقداد - مبارك القهوجي - فرحان حسين الزعبي - صالح الشرع وغيرهم. وقد اجتمع هؤلاء في قرية (طفس) وترأس الاجتماع المجاهد فايز الغصين، بحضور فواز الزعبي وطلال حريذين، وكانت النتائج مفرحة للأمير فيصل حيث تم تجنيد (1500) مقاتل شاركوا في تحرير الشمال الأردني والجنوب السوري. ومن مناطق الرمثا ودرعا انتقل :..... فايز الغصين وفواز الزعبي إلى جبل العرب، ولحق بهم نسيب البكري وزكي الدروبي للعمل على بث روح الثورة في سوريا..، وعقدوا اجتماعا في قرية (المسيفرة)، حضره من الجانب الدرزي المشايخ : سلطان باشا الاطرش، وسليم الاطرش، ومحمد الزغيد. وجرت مناقشة مطولة حول العلاقات بين البدو والدروز، واشار سليم الاطرش إلى أنها علاقات غير ودية وان العلاقات منذ الآن ستكون في احسن أحوالها، لان الثورة ستوحد كل اخيار وشرفاء الوطن وكانت النتائج جيدة، فتم تجنيد المئات من أبناء جبل الدروز في الجيش الشمالي، بقيادة علي ناصر الدين، وخليل العموش، وامين ارسلان ولما علم الأمير فيصل بنجاح أبو تايه والزعبي والغصين في مهمتهم، اخبر والده الشريف حسين بمواقف الحوارنة والدروز المؤيدة للثورة وسر كثيرا، وكلف ولده الأمير علي بان يوجه تحياته إلى هؤلاء الزعماء، وقد اشار الدكتور حسين البعيني في كتابه عن (دروز سورية ولبنان) صفحة (57) إلى رسالة الأمير علي بن الحسين إلى خليل العموش يقول له : « متوجهين إلى دياركم لنكون نحن وإياكم يدا واحدة على أعداء العرب والإنسانية ».
الـبداية من الرمثا والمسيفرة
نظرا لكثرة القوات التركية المتواجدة في منطقة درعا والزوية، قرر الشيخ فواز بالاتفاق مع المجاهدين طلال حريذين وفايز الغصين على نقل المتطوعين من الرمثا وقراها إلى منطقة (اللجاة) وبالتحديد إلى اطراف قرية (المسيفرة) وفي هذه البلدة عقد اجتماع سري للمجاهدين لتوزيع خطة المناوشات مع الثكنات العسكرية التركية. حكومة الرمثا المحلية بموجب اتفاقيات التقاسم الاستعمارية المبرمة بين بريطانيا وفرنسا ابان الحرب العالمية الأولى، أصبحت الأردن ضمن المناطق الخاضعة للنفوذ البريطاني، وبمجرد سقوط الحكومة العربية (الفيصلية) ونشوء فراغ سياسي وإداري في شرقي الأردن شجعت بريطانيا قيام حكومات محلية تعمل تحت امرة واشراف ضباط المخابرات البريطانية. وكانت أول خطوة اتخذتها الحكومة البريطانية هي البرقية التي بعثها هربرت صموئيل، المندوب السامي البريطاني في فلسطين إلى الملك فيصل، في 16 آب 1920م، حيث كان فيصل يقيم مؤقتا في حيفا، فالحكومة البريطانية تميل في هذه الحالة إلى تعيين عدد قليل من الضباط لمساعدة أهل الأردن على تنظيم انفسهم في حكومات محلية مناطقية.. لذلك كانت أنظار الحوارنة ودروز جبل العرب تتجه نحو شرقي الأردن باعتبارها لم تحتل لا من قبل الفرنسيين ولا من قبل البريطانيين، وان فكرة الحكومات المحلية ستتحول إلى مشروع وحدوي، تؤسس من خلاله حكومة وطنية مستقلة، لذلك كان التحرك سريعا من قبل الحوارنة بالاتصال مع الشريف الحسين بن علي لايفاد أحد انجاله ليتسلم مقاليد الحكم في الأردن، ولتكون الساحة الأردنية بؤرة النضال القومي لتحرير سورية من الاحتلال الفرنسي وتكون الأردن أيضا الممثل الشرعي بمطالبة تحرير فلسطين من الانتداب البريطاني، وإذا تحقق ذلك، فان الحكم العربي سيعود من جديد، لذلك قال الأمير عبد الله بن الحسين : بان حركته تهدف إلى وحدة بلاد الشام وتحرير سورية من الاحتلال الفرنسي. في 21 آب 1920م، وبعد مؤتمر السلط بين الزعامات الأردنية والمندوب السامي تشكلت حكومات السلط والكرك واربد وكان أن عين اللواء علي خلقي الشرايري رئيس حكومة اربد المحلية على حوران بكاملها، وكانت الرمثا من بينها، وكان الشيخ فواز بركات الزعبي زعيما على الرمثا وحوران معا، ولكن في ظل تلك الظروف، كان اسد الاطرش من جبل الدروز وفواز الزعبي ونجله ناصر من الرمثا، وإسماعيل الحريري من درعا، يسعون إلى أن تكون مناطقهم تابعة إداريا إلى شرق الأردن من منطلق انها غير محتلة ويستندون في ذلك على خطاب ® صفحة 101 : (صموئيل في السلط الذي قال فيه : « ان الحكومة البريطانية تريد تأسيس إدارة منفردة تساعدكم على حكم أنفسكم..».) وفهم من ذلك ان الأردن ستكون دولة حرة مستقلة تحت امرة أمير عربي ولكن المؤامرة البريطانية الفرنسية كانت أكبر من احلامهم، فأصبح الجبل وحوران في دائرة الانتداب الفرنسي، اما الرمثا فقد الحقت بقضاء عجلون يوم 15 كانون الثاني 1921م باتفاق ما بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية وأصبحت الرمثا وقراها ناحية مستقلة لم يفلح علي خلقي بضمها إلى حكومة اربد، فشكل فواز الزعبي حكومة محلية في ناحيته، وعاصمتها الرمثا، ونصب ابنه ناصر الفواز رئيسا لهذه الحكومة المحلية، بالإضافة إلى منصبه الإداري (مدير ناحية الرمثا)، وأصبحت الرمثا بعيدة عن الاحتلال الفرنسي، واخذ الشيخ فواز حريته في دعم المقاومة الوطنية الحورانية ضد الانتداب الفرنسي، وأصبحت الرمثا قاعدة للمجاهدين ولعائلاتهم. وعن دور حكومة الرمثا المحلية في دعم الثورة الحورانية، يقول أحمد الزعبي في كتابه (صور مشرقة من نضال حوران) صفحة (253) ما يلي : « وبقيت عشائر الرمثا عند عهدها للثورة والثوار.. فبعد معركة (المسيفرة) التي كان سلاحها من شيخ الرمثا فواز البركات، هاجر اهلها - بعد تدميرها - إلى الرمثا وكانوا في رعاية أخوية اشرف عليها شخصيا الشيخ فواز ولمدة عامين، ويشهد على ذلك الشيخ عبد الرحمن الصالح من أهالي المسيفرة الذي اكد على أن الشيخ فواز أمر بعقد اجتماع طارئ للوقوف إلى جانب سكان المسيفرة، وباقتسام لقمة العيش بين المهجّرين وأهالي الرمثا، وهذه واحدة من وقفات فواز مع أهل حوران، حيث لم يستطع أهل المسيفرة العودة إلى قريتهم الا بعد سنتين، وقد فقدت القرية نصف سكانها، إذ انه في يوم واحد دفن أكثر من (90) شخصا وتم نقل (30) جريحا إلى الرمثا، كانوا برعاية اخوية مثالية توزعوا لمعالجتهم على منازل الرمثاوية».
الاتصالات مع الحجـاز
العلاقات ما بين الشريف الحسين بن علي وزعماء حوران، علاقات تاريخية، بدأت قبل الثورة العربية الكبرى، وبالتحديد في نهاية عام 1912م، وكانت الزعامات الحورانية ترى في الشريف الرجل المؤهل لقيادة الأمة وإنقاذها من الظلم الاستبدادي الذي يمارسه حزب الاتحاد والترقي على البلاد الشامية، وكان الشريف يرى في هؤلاء القادة الإخلاص للوطن والأمة والدين، واحتفظ بذاكرته لهؤلاء الزعماء من سهل حوران من خلال مكاتبتهم له، ومن اللقاء الذي جمعهم في جدة في نفس العام... ومن بين هؤلاء الزعماء : إسماعيل الحريري، طلال مرعي حريذين، سليم الصالح، مطلق المذيب، سعيد الحلقي، محمد العائدي، عرسان الحشيش، محمد رجا المسالمة، فواز بركات الزعبي، فاضل المحاميد، عبد الرحمن المحاميد، وطالب الشرع وغيرهم. .. وعندما انطلقت الثورة الحورانية عام 1920م تجددت المكاتبات واللقاءات بين الشريف وقيادة الثورة الحورنية، وكلف الشريف حسين الشريف علي الحارثي بمتابعة الأوضاع والثورة في حوران، وقبل أن تتعرض الثورة الحورانية للانتكاسة واعتقال بعض قادتها ومنهم إسماعيل الحريري، اجمعت القيادات العشائرية والسياسية والحزبية من الأردنيين والسوريين على إرسال برقيات إلى الشريف حسين، يطلبون منه ايفاد أحد انجاله كي يتزعم حركة المقاومة العربية ضد الاحتلال الفرنسي» واحياء روح الثورة الحورانية، والوقوف إلى جانب الاهلين في حوران والاخذ بيدهم، بالدعم والمساندة المالية والبشرية والعسكرية. وكانت البرقيات الأولى مرسلة وموقعة من قبل: سعيد خير، عادل ارسلان، محمود الهندي، غالب الشعلان، فواز بركات الزعبي، وتبعها برقيات موقعة من زعماء اربد والشمال الأردني، وفي ايلول ارسلت برقية استغاثة من زعماء الرمثا وقراها وقعها بالنيابة الشيخ فواز البركات الزعبي ثم تبعها برقية مؤثرة وقعها : فواز البركات ومصطفى المقداد، وموسى العقلة، ومطلق المذيب ومصطفي الخليلي، الذي نقل البرقية إلى الشريف علي الحارثي». وصلت تلك الاستغاثات إلى الشريف الحسين بن علي، فارسل برقية إلى الجنرال (اللنبي) المندوب السامي البريطاني في القاهرة، بتاريخ 15 ايلول 1920م، قال له فيها:«ان الرسائل التي تلقيتها من زعماء القبائل السورية تنذر بالكوارث والأخطار.. وحيث انني اخشى مغبة النتائج السيئة، ابادر لاحاطتكم علما بما جرى على امل ان تتخذوا الإجراءات التي ترونها ملائمة لمنع المصيبة، خاصة وانتم تعرفون اننا دعونا السوريين إلى الثورة ومنيناهم بالوعود..».
قدوم الأمير عبد الله إلى الأردن
تأثر الأمير عبد الله كثيرا بالرسائل والبرقيات التي ارسلت إلى والده، وبخاصة من الرسائل التي حملها الشريف علي الحارثي من زعماء الجنوب السوري وزعماء الأردن، وقد اشار الأمير إلى تلك الرسائل التي حركت مشاعره القومية، خلال استقباله للشيخ فواز البركات في الديوان الأميري، عندما منحه لقب الباشوية وقال له: «تأثرت كثيرا عندما قرأت رسالتكم التي تقولون فيها، ان حوران تتعرض لمذبحة جماعية، وان معظم قراها قد دمرت فاستأذنت والدي ان اذهب إلى معان، وتأثر أخي الأمير علي وطلب من الوالد ما طلبته أيضا واخيرا وقع الخيار عليّ، وكنت ممتنا لكم كثيرا عندما كنتم في طليعة الاستقبال والتجاوب مع دعوتي..». وصل الأمير عبد الله مدينة معان يوم 21 تشرين الثاني 1920م، واخذ يوجه الرسائل إلى زعماء الأردن عن طريق الزعيم الوطني خلف محمد التل، وإلى زعماء حوران عن طريق المجاهد فايز الغصين، وأحيانا عن طريق مصطفى الخليلي، وإلى زعماء الجبل والجولان عن طريق اسد الاطرش والقائد العسكري أحمد مريود المهيدات. ولما كانت الرمثا تابعة إلى حوران آنذاك، كان فواز البركات من ضمن زعماء حوران وجبل الدروز والجولان الذين وجهت لهم رسائل الأمير عبد الله، وجاء في الوثائق الحورانية، ان الذين ذهبوا إلى معان للسلام على الأمير عبد الله والترحيب بمقدمه هم : أحمد مريود - كامل البديري - خليل ظاظا - نور الدين البزرنجي - اسد الاطرش - عبد الله الطحان - فواز بركات الزعبي - ناصر فواز بركات الزعبي - محمد فياض عبيدات (زعيم وقائد الثورة في الشجرة السورية وبلدة تسيل) - مصطفى الخليلي - صالح عايد أبا زيد - خلف مقبل المحاميد - خلف عواد الجوابرة - موسى أبو قويدر - صالح قناة - عبد الله عبد الرحمن أبا زيد - عبد الله عقيل السوبدان..». وقد اشار الأمير عبد الله في (الآثار الكاملة) صفحة (26) وعنه نقل سليمان الموسى في كتابه (إمارة شرقي الأردن) صفحة (76) إلى أن الأمير عبد الله اوضح لهم ان من أهم أسباب قدومه « تحرير سورية من الاحتلال الفرنسي، وقد وصلت بطلب ملح ممن قام بالحركة الثورية بخربة غزالة، التي أدت إلى قتل بعض الوزراء السوريين، وبطلب من عمان ومعان ورجالاتها موجهة إلى والدي بالاذن لاحد أبنائه بترؤس الحركة..». وصل الأمير عبد الله إلى عمان يوم الأربعاء 2 اذار 1921م وكان الشيخ فواز من زعماء البلاد الذين كانوا باستقباله وبعد تشكيل أول حكومة أردنية مركزية برئاسة المجاهد رشيد طليع. بدأت مشكلة الحدود بين الأردن والجنوب السوري، وكان القصد من اثارتها، الحد من المقاومة العربية ضد القوات الفرنسية، ولكن الشيخ فواز وقف مع قيادة حزب الاستقلال الذي حارب فكرة ترسيم الحدود حاليا، واقترح على زعماء المنطقتين ان تحل مشكلة الأراضي المشتركة (مناطق الرعي) بعيدا عن التدخل الفرنسي والبريطاني، وكان الأمير عبد الله ضد ترسيم الحدود «لانه كان يطمح بجبل العرب وحوران ويعتمد في ذلك على أسد الاطرش في الجبل، وعلى الزعبي في حوران ». وقد فشلت الاجتماعات الأولى لحل المشكلة، وسبب الفشل يعود إلى غياب بعض مشايخ الأردن كما يقول الدكتور حسين البعيني في كتابه عن الدروز في العهد الفرنسي، صفحة (135)، وذكر في كتابه : « لم يستطع مشايخ شرق الأردن ومشايخ الجبل التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود وقد نبه أحمد مريود من مخاطر هذا الخلاف الذي صنعه (بوله) الفرنسي، لينعكس هذا الخلاف على التنظيم الجهادي ضد الانتداب الفرنسي، واشغالهم بالمسائل الهامشية على حساب المسائل الوطنية النضالية، وقد اكد على أن فكرة ترسيم الحدود جاءت لاضعاف العلاقات التاريخية والنضالية بين أبناء سهل حوران الموحد عبر التاريخ الذي يضم الشمال الأردني والجنوب السوري وقد ايد الشيخ فواز بركات الزعبي شيخ الرمثا أفكار المجاهد أحمد مريود وتمنى ان لا تكون مسألة الحدود فرصة يستغلها الجانب الفرنسي والبريطاني لاضعاف العلاقات الأخوية بين الأهل والجيران». السنوات الأخيرة من حياة الشيخ فواز كان هم الشيخ فواز بعد استكمال مؤسسات الدولة الأردنية، حل الخلافات العشائرية بشكلها النهائي، ما بين العشائر البدوية وعشائر الرمثا، حيث بدأت المصالحة في 19 تشرين الأول 1920م، في مضارب بني حسن في رحاب برئاسة الشيخ (امكازي)، ولكن لم تشارك في هذا الصلح عشيرة السرحان، وظل الخوف قائما من تجدد المحاربة والغزو بين الطرفين فأحداث البركة الحمراء في الرمثا، والطرة وطفس والشلالة والجبيل وام الهوى والطوال والرميث (موقع جامعة العلوم) ما زالت في ذاكرة الناس.. فأراد الشيخ فواز ومعه أيضا الشيخ حديثة الخريشا، ان يضعا حدا للخلافات وعقد الصلح مع عشيرة السرحان، فنجحت المساعي عندما تدخل الأمير عبد الله بالأمر، فانتدب الشريف عقاب بن حمزة الذي كان يعمل قاضيا للعشائر في منطقة جرش، وبهذا تم الصلح، وانتهت كل اشكال المحاربة. شارك الشيخ فواز في معظم المؤتمرات الوطنية، وكان آخر نشاطه السياسي، مشاركته في المؤتمر الوطني الثالث الذي عقد في مضافة آل التل بزعامة الوجيه الوطني عبد القادر التل، في الخامس والعشرين من شهر أيار 1930م، وكان من أبرز المتحدثين في هذا المؤتمر. ان الشيخ فواز باشا الزعبي كان من رجالات المرحلة الانتقالية ما بين أواخر العهد العثماني، وبدايات تأسيس الإمارة حتى عام 1939م، وتولى المسؤولية من بعده الشيخ ناصر الفواز، وسار على نهج والده، كزعيم سيبقى في ذاكرة الوطن.. وعند وفاته نعاه الأمير عبد الله، وكانت جنازته تليق بمقامه، شارك في مراسمها المئات من أعيان ومشايخ الأردن وفلسطين وسورية.