قصيدة ترجمة شيطان
قصيدة ترجمة شيطان، هي قصيدة للشاعر والأديب والمفكر المصري عباس محمود العقاد، نظمها في اعقاب الحرب العالمية الأولى، وقال في تقديمه لها وكأنها «لفحة من نار الحرب وغيمة من دخانها» وقد ضمنها العقاد ديوانه الثالث «أشباح الأصيل» سنة 1921 وهي قصيدة تزيد عن ثلاثمئة بيت شعر وقد صور فيها حياة الشيطان فيقول، وقد نشرت أيضا في ديوان شعره بعنوان «ديوان من الدواوين».[1]
موضوع القصيدة
يدور موضوع القصيدة حول سيرة شيطان كفر بالشر بعد أن فتن الخلق بصورة الحق، وإن شيطانًا يكفر بالشر لأشقى من ملك يكفر بالخير؛ لأن الملك بعد الكفران بالخير قد يجرب الشر فيرى للحياة معنى في هذه التجربة، ولكن الشيطان الذي يزيف الحق بيديه، ثم يكفر بالشر يخبط في حياة ليس لها معنى على الحالين، ويمضي غير حافل بالخلق محقين أو مبطلين، وغير مكترث لهم ولا لنفسه في هداية ولا ضلالة.[2]
قيل عن القصيدة
أشاد بقصيدة ترجمة شيطان كثير من الأدباء والنقاد والمفكرين مثل طه حسين وقال بإنه لم يقرأ مثلها لشاعر في أوروبا القديمة وأوروبا الحديثة، ويومها قال طه حسين: «ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه».[3] وقال عنها الدكتور زكي نجيب في كتابه «مع الشعراء»: «ترجمة شيطان للعقاد علامة بارزة في شعرنا الحديث، فهي تتجاوز النطاق "المحلي" إلى نطاق "إنساني" رحب ولعلها لا تقل أهمية عن قصيدة ت.س.اليوت "الأرض اليباب" أو غيرها من الأعمال الإنسانية الخالدة، ولست أشك لحظة واحدة في أنه لو كانت هذه القصيدة قد نُظمت بالإنجليزية أو الفرنسية واتخذت موضعها من تاريخ الأدب الأوربي لما ذكرت تلك الآثار بما بينها من طابع مشترك إلا وتذكر في طليعتها قصيدة "العقاد" لأنها منطبعة بالطابع نفسه عسرا وعمقا واتساعا وانطوائية تزدري أن تتوجه بالخطاب إلى عامة القراء فهي وحيدة نوعها في الشعر العربي كله، وهي آية فريدة تستطيع أن تجمع حولها خيوط عصرها، كما هي الحال دائما بالنسبة إلى الآثار الأدبية الكبرى، فانظر كم قيل عن "يولسيز" وما دار حولها وحول "الأرض اليباب" في أدب العصر، فهكذا كان ينبغي أن يكون الأمر بالنسبة إلى قصيدة العقاد "ترجمة الشيطان" لو أن حركة النقد عندنا سارت عن بصيرة وعن هدى».[4]
مطلع القصيدة وبعض من أبياتها:[5]
صاغه الرحمن ذو الفضل العميم | غسقَ الظلماء في قاعِ سقَرْ | |
ورمى الأرضَ به رمي الرجيم | عبرةً فاسمع أعاجيب العِبَرْ |
خِلْقَةٌ شاء لها الله الكنودْ | وأبى منها وفاء الشاكرِ | |
قدر السوء لها قبل الوجود | وتعالى من عليمٍ قادرِ |
قال كوني محنةً للأبرياءْ | فأطاعت يا لها من فاجِرَة! | |
ولو اسطاعت خلافًا للقضاء | لاستحقَّت منه لعن الآخرة |
سُنةٌ لله فاقفوا إثرَها | عصبة السواس وامضوا راشدين | |
عَلَّمَ الأقيال قدمًا سرها | فأقاموا دينه في العالمين |
سنة الله وما أوسعها | رحمةً منه بجباري الأمم | |
ويحهم لو لم يكن أبدعها | كيف يدرون بأسرار النقم؟ |
فله الحمد على ما فقهوا | من دهاء الملك والكيد الحَذِرْ | |
فإذا راموا نكالًا شبهوا | من أرادوه بشيطانٍ قَذِرْ |
قال كوني محنةً للأبرياءْ | واخسئي أيتها النفس العقيمْ | |
أيها الشيطان أضللْ من تشاءْ | سوف تأويك وتأويه الجحيمْ |
فهوى الشيطان صفر الراحتينْ | خاوي الزاد ويا بئس السفَرْ | |
أين يمضي أين أفق الأرض أينْ | فرحاب الكون ملأى بالأكرْ؟ |
بيدَ أن الشَّرَّ ما زال أريبا | وسبيل الغيِّ ممهود الجناب | |
لن تراه حيث تلقاه غريبا | أبد الدهر ولا نزر الصِّحابْ |
ختام القصيدة
قال كن عبدي فلما أن أبى | قال كن صخرًا كما شئت فكان | |
لهبٌ طار فلولا أن خبا | لتغشَّى الكونَ نارٌ ودخان |
ولقد قال أناسٌ شهدوا | مصرع الشيطان هل طبعٌ يزولْ؟ | |
ناره تخبو فلا تتقد | وهو في الصخرة يستهوي العقول |
فإذا أبصرت من صخرته | دُميةً ساحرة أو صنما | |
فابتعد منه ومن رقيته | واتق الله وحوقل ندما |
وتعجَّبْ من شواظٍ رَدَّهُ | طارق اليأس صفاةً جلمدا | |
وتدبَّر كيف أبقى كيده | ومحا روحًا وأفنى جسدا |
ولقد أسمع فيما زعموا | نبأً من نحو إبليس أتى | |
قال لا تأسوا ولا تنتقموا | معشر الجن فما برَّ الفتى |
ما أرى هذا الفتى من دمِنا | ومتى استغوى الشياطين الشَّرَكْ؟ | |
أترى شيطانةً من قومنا | أغوتِ الأملاكَ فهو ابنُ مَلَكْ! |
ذاك أو كيف أطاشت فمه | غيرة منه على القول الصراح | |
أكبا الثرثار أم أسقمه | أرجُ الجنة أم ملَّ الكفاح؟ |
فتلاحى القومُ ثم استضحكوا | ودعا مازحهم شرَّ دعاء | |
قال فلتسلكه فيمن سلكوا | أيها المولى سبيل الشهداء! |
وتقضت بينهم سيرته | ومضى كالطيف أو رجع الصدى | |
باء بالسخط فلا شيعته | رضيت عنه ولا أرض الْعِدَى |
وكذا العهد بمشبوب القلى | عارم الفطنةِ جياش الفؤادْ | |
أبدًا يهتفُ بالقولِ فلا | يعجبُ الغيَّ ولا يرضى الرشادْ |
مراجع
- عماد؛ عبدالرؤوف أبوطالب (1994)، ترجمة شيطان للعقاد، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.
- "ترجمة شيطان"، هنداوي، مؤسسة هنداوي، مؤرشف من الأصل في 5 نوفمبر 2021.
- أنيس الدغيدي، غرام الكبار في صالون مي زيادة، مكتبة جزيرة الورد، ص. 133 – عبر كتب جوجل.
- الدكتور زكي نجيب (2021)، مع الشعراء، ص 22، مؤسسة هنداوي، مؤرشف من الأصل في 7 نوفمبر 2021.
- بدراوي, أ.د. حسام (05 ديسمبر 2017)، "قصيدة ترجمة شيطان للعقاد".
- بوابة مصر
- بوابة أدب عربي
- بوابة شعر