الخيزران بنت عطاء

الخيزران بنت عطاء الجرشية (توفيت 173هـ/789م)هي زوجة الخليفة العباسي المهدي ووالدة الخليفتين الهادي وهارون الرشيد. تحولت من الفقر للثراء ومن العبودية للسيادة. عرفت بإدارة شؤون الدولة بحكم الأمر الواقع من عام 158هـ/775م وحتى 173هـ/789م وذلك في عهد زوجها وأبنيها. رغم عدم سيطرتها الرسمية إلا أنه كان للخيزران حضور في قصر الحكم في زمن المهدي ثمّ في زمن ولده الهادي ثمّ في زمن هارون الذي توفيت في خلافته، وكانت تتصرف بشؤون القصر وترسل الهبات والأعطيات للناس وتكافئ المحسن وتقتصّ من المذنب، وكان الناس يطلبون ودّها كي تزكّيهم أو يصلوا من خلالها إلى الخليفة، وذكر المؤرخون أنّ من الناس من كان يرسل لها الهدايا كي تزكّيه عند الخليفة كما مر سابقًا من صاحب المئة وصيف الذين يحملون جام الذهب.[1]

الخيزران بنت عطاء
معلومات شخصية
الميلاد القرن 8 
المدينة المنورة
الوفاة الجمعة 27 جمادى الآخرة 173هـ
20 نوفمبر 789م
بغداد
مكان الدفن مقبرة الخيزران
الإقامة بغداد
العرق عربية
الديانة مسلمة سنية
الزوج أبو عبد الله محمد المهدي 
الأولاد موسى الهادي، هارون الرشيد، عيسى
إخوة وأخوات
سلسل بنت عطاء  
الحياة العملية
المهنة شاعرة،  وكاتِبة،  وحاكم،  وسياسية 
مجال العمل شعر 

كانت الخيزران أيضًا أول امرأة لديها بيروقراطية ومحكمة خاصة بها وتقبل المَعارِيض وتستمع للمسؤولين والأهالي، وتأمر وتنهي في الخلافة. واكتسبت ثروة هائلة مستقلة عن خزينة الدولة من خلال إقامة علاقات تجارية واسعة مع البلدان الأخرى. بينما كان المهدي يقضي معظم وقته في الصيد والمرح كانت تعقد اجتماعات في منزلها لإدارة الدولة بسبب دورها الهام في الدولة. وحتى بعد وفاته، واصلت ممارسة قوة وتأثير نفوذها خلال فترة خلافة أبنيها.

وقت وفاة المهدي المفاجئة تولت الخيزران شؤون الحكومة في العاصمة (بغداد) وأخفت خبر وفاته وقامت بدفع رواتب ضباط الجيش، وأمنت مبايعة الجنود لابنها الهادي ليصبح الخليفة الجديد. لكن كان الهادي يعارض مشاركة والدته في السلطة التي لا جدال فيها بالخلافة، وبعد خلافات شديدة بينهما دبرت مكيدة لقتله، وأحضرت هارون الرشيد إلى السلطة، وقد كان عكس أخيه فلم يعارض والدته وسلم كل السلطة إلى والدته رسميًا واعتمد على نصائحها.

حياتها

كانت الخيزران من قرية جرش التي تقع بالقرب من مدينة بيشة الحالية في المملكة العربية السعودية. وقد خطفها أحد البدو من منزلها ثم باعها في سوق للعبيد قرب مكة للمهدي أثناء الحج.

عادة ما يهتم النخاسون بالجواري اللواتي عندهم من تعليم وتثقيف ليعلو ثمنها ويتضاعف سعرها عن سعر باقي الجواري، فكان النخاس يعلم الجارية الشعر والأدب وعلوم الشريعة والحديث الشريف والغناء والرقص وحتى العزف على الآلات الموسيقيّة، فالخيزران من الجواري، وكانت تقرض الشعر ولها أشعار محفوظة على قلّتها، قد تعلّمت الأدب وقرض الشعر وإنشاده، ولها علم بعلوم الشريعة والدين، لها علم واسع بتاريخ العرب والرسل والملوك، وتحفظ كثيرًا من آداب العرب وأيّامهم وما كان من أمرهم منذ الجاهلية وإلى ما بعد الإسلام.[2][3]

في عهد المهدي

وصفت الخيزران بأنها جميلة، وذكية وموهوبة وقد اشتهرت الجاريات في ذلك الوقت بتثقيف أنفسهن بالموسيقى والغناء، وعلم التنجيم والرياضيات واللاهوت لتلبية أهتمام أسيادهن، وأخذت الخيزران دروساً منتظمة في الشعر والأدب وعلوم الشريعة والحديث الشريف وكذلك الفقه. انتقلت الخيزران مع النخّاس الذي كان يمتلكها إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية آنذاك نظرًا لكونها محط الرّحال ومجتمع صفوة الدولة وأثريائها وتجّارها والوزراء والقادة أصحاب المناصب الرفيعة في دولة الخلافة، فمرّ بها موكب الخليفة المهدي، فرآها وأعجبته، غير أنّه نظر إلى ساقيها فوجدهما نحيلان فلم يعجبه ذلك، ولكنّها استطاعت إقناعه ببيانه وحسن منطقها أنّ ذلك لا يشكّل عيبًا، فأعجبه منها ما قالت فأمر بشرائها وحملها إلى قصر الخلافة.[4]

بعد تولي المهدي الخلافة عام 158هـ/775م، تمكنت من إقناعه بتحريرها والزواج منها، وبالتالي أخذت من زوجته الأولى الأميرة ريطة ابنة الخليفة السفاح امتيازاتها كما أقنعته بحرمان ابنه التي من زوجته الأولى من منصب وريث العرش، وبدلاً من ذلك يكون لأبنيها الحق بالخلافة، بالرغم من أن العادة في ذلك الوقت لا تسمح لأبناء العبد بتولي المنصب. من تلك اللحظة أصبحت المرأة الأكثر نفوذاً في قصر الحكم، وكلما ذهب الخليفة إلى قصر الحكم رافقته. وكانت الخيزران تجلس خلف الستار لسماع التقارير، وكانت دائمًا تتحدث مباشرة مع الخليفة لساعات في كل مرة، وكانت اقتراحاتها دائما تنفذ، مثل الشفاعة ومسامحة المجرم أو تخفيف أحكام الإعدام؛ وكذلك تعطي توصيات لأفراد تتم ترقيتهم من قبل الخليفة.[3]

وصل شأن الخيزران في عهد زوجها إلى وضع غير مألوف للمرأة؛ ناقشت وساعدت في اتخاذ القرارات بشأن جميع الشؤون العسكرية وشؤون الدولة، سمح لها المهدي بالجلوس في قصر الحكم منفصلة واستمعت لقادة الجنرالات، السياسيين والمسؤولين، وناقشت في شؤون الدولة وكانت تأمر وتنهى في أي أمر بمحض إرادتها. كان قصرها مثل قصر الخليفة، يحرسه جنود، وامتدت أراضيها إلى أطراف العاصمة، وكانت تمتلك مئات العبيد والخدم، كان دخلها السنوي ثلث الدخل السنوي للخليفة، أيّ تضاعفت خلال خلافة أبنيها الهادي والرشيد. عاشت حياة مترفة. كما سمح لها المهدي بلقاء السفراء الأجانب وحتى في توقيع الأوراق الرسمية لإدارة الدولة. وتعتبر كل هذه الإجراءات غير مناسب ثقافيًا للمرأة، وهذت يفسر مكانتها المؤثرة والقوية في الدولة.[3] استدعت والدتها وشقيقتيها وشقيقان إلى قصر الحكم، وزوجت شقيقتها «سلسل» من الأمير جعفر وعينت شقيقها الغطريف واليا لليمن.[3]

ذات مرة عندما كانت الخيزران في شقتها محاطة بنساء الدولة دخل خادمها يقول: بالباب امرأة ذات حسن وجمال في ثياب رثة تأبى أن تخبر باسمها وشأنها غيركن، وتريد الدخول عليكن، فقالت الخيزران للخادم: ائذن لها، فدخلت امرأة ذات بھاء وجمال في ثياب رثة، فتكلمت فأوضحت عن بیان، فقالوا لها: من أنت، قالت: «أنا مزنَة امرأة مروان بن محمد» (آخر خلفاء بني أمیة). أثارت قصتها قلب الخيزران لدرجة أنها رتبت لها العطايا. عندما تناولت الخيزران مع زوجها المهدي العشاء في ذلك المساء أخبرته بما حدث وأشاد بما فعلت، ومن وقتها تمتعت مزنة برعاية ملكية حتى وفاتها في عهد هارون الرشيد.[5]

في عهد الهادي

في عام 169هـ/785م توفي المهدي أثناء رحلة صيد مع ابنه هارون، حيث هرع عائدا إلى بغداد ليبلغ والدته بهذا الخبر. وكان ابنها الآخر غائبا عن المدينة، ولتؤمن الخلافة لابنها، دعت الوزراء وأمرتهم بدفع أجور الجيش لتأمين النظام، وتجعلهم يبايعون ابنها ليكون خليفتهم الجديد إثناء غيابه.[3]

فلمّا تولى الهادي الخلافة انفردت الخيزران بكثير من أمور الحكم وصارت تستقبل الوفود والأمراء وتجمع حاشية القصر وتأمرهم وتنهاهم، فساء ذلك الهادي فأنّبها وأغلظ لها القول فانتقمت منه بأن دسّت له السم في الطعام،[1] وقيل بل غضبت منه لمّا أراد خلع أخيه هارون عن ولاية العهد وقتله، وكان المهدي قد عقد ولاية العهد لابنيه من بعده، فأرسلت له جواري قتلنَه وهو في مرضه الأخير.[6] قيل لم يكن هنالك خلاف ولم تكن تكرهه بل هو عندها في المنزلة مثل أخيه هارون، وإنّما كانت وفاته بسبب قرحة أصابته توفي على إثرها، وقد صلّى عليه أخيه هارون وتسلّم الخلافة من بعده، وقد كانت منزلة الخيزران عنده مثل منزلتها عند المهدي بل وأكثر من ذلك؛ كونها كانت والدته وحقّها عليه ليس كحق الزوجة على زوجها.[7]

في عهد الرشيد

كان ابنها الثاني الخليفة هارون الرشيد على عكس أخيه، لم يعارض مشاركة والدته في شؤون الدولة، بل اعترفت صراحةً بقدرتها السياسية ووثق بنصائحها علنًا، وحكم الدولة بجانبها.[3] كان فخورا ولم يجد سبب يجعله يخجل من مشاركة سلطته مع أمه، التي كان لديها القدرة والتألق.[3]

رغم صعوبة تحديد القضايا التي أثرت على سياستها، إلا أنه من المؤكد أنها قد شاركت في صنع القرار الذي شكل سياسة الخلافة. وخلال هذا الوقت احتفظت الخيزران بكل السلطة وحكم فعليا الدولة بدلاً من الخليفة. كما أنها أضفت الشرعية على سلطتها الكاملة فوق ابنها بذكرها «حق الأم عند الله».[3]

إرث

لا يوجد روايات مفصلة عن إنجازات الخيزران السياسية، لكن تم ضرب العملات باسمها وسميت قصور لها، والمقبرة التي دفن فيها الخلفاء العباسيون اللاحقون تحمل اسمها، وكلها تشهد ليس فقط على المكانة ولكن أيضا على الهبات المدنية.[8]

يعتقد الكثير من المؤرخين الأدبيين أن الخيزران وشخصيتها القوية لها تأثير رئيسي على الشخصية الخيالية في ألف ليلة وليلة شهرزاد.[بحاجة لمصدر]

أشعارها

كانت الخيزران ذات علم وفقه وأدب، وكان لها علم بقرض الشعر وإن كان الذي ذكره المؤرخون قليلًا؛ إذ هي لم تكن شاعرة وإنّما كانت تستطيع قول الشعر في بعض المناسبات التي تستدعي قوله، فذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه في شهر رمضان سنة 161 هـ ذهبت الخيزران إلى مكة، واشترت الدار المعروفة باسمها وأضافتها إلى المسجد الحرام، وأقامت في مكة إلى موسم الحج وحجت، وقد استوحش الخليفة المهدي لفراقها فكتب إليها مع الحجاج يتشوق:[1]

نَحْنُ فِي غَايَةِ السُّرُورِوَلَكِنْ لَيْسَ إِلَّا بِكُمْ يَتِمُّ السُّرُورُ
عَيْبُ مَا نَحْنُ فِيهِ يَا أَهْلَ وُدِّيأَنَّكُمْ غُيَّبٌ وَنَحْنُ حُضُورُ
فَأَجِدُّوا فِي السَّيْرِ بَلْ إِنْ قَدَرْتُمْأَنْ تَطِيرُوا مَعَ الرِّيَاحِ فَطِيرُوا

فأجابته الخيزران بأبيات وقالت:

قَدْ أَتَانَا الَّذِي وَصَفْتَ مِنَ الشَّوْقِفَكَدِنْا وَمَا فَعَلْنَا نَطِيرُ
لَيْتَ أَنَّ الرِّيَاحَ كُنَّ يُؤَدِّينَإِلَيْكُمْ مَا قَدْ يُجِنُّ الضَّمِيرُ
لَمْ أَزَلْ صَبَّةً فَإِنْ كُنْتَ بَعْدِيفِي سُرُورٍ فَدَامَ ذَاكَ السُّرُورُ

وفاتها

توفيت الخيزران في خلافة ابنها هارون الرشيد، ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادي الآخرة عام 173هـ/789م، ولم يذكر سبب وفاتها مما يرجّح أنّها كانت وفاة طبيعية، وخرج الخليفة هارون الرشيد خلف جنازتها وعليه جبة وطيلسان، قد شد به وسطه وهو يحمل التابوت، حافياً يمشي في الطين، وصلى عليها ونزل في قبرها،[9][10] ودفنت في الأعظمية في بغداد في المقبرة التي سميت باسمها مقبرة الخيزران.

انظر أيضا

مصادر

  1. ابن كثير، البداية والنهاية، القاهرة:دار هجر للطباعة والنشر، صفحة 571، جزء 13. بتصرّف.
  2. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد وذيوله، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 431، جزء 14. بتصرّف.
  3. Mernissi, Fatima; Mary Jo Lakeland (2003). The forgotten queens of Islam. Oxford University Press. (ردمك 978-0-19-579868-5).
  4. ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 346، جزء 8. بتصرّف.
  5. Bobrick (2012)، The Caliph's Splendor: Islam and the West in the Golden Age of Baghdad، Simon & Schuster، ص. 23، ISBN 978-1416567622.
  6. شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيروت:مؤسسة الرسالة، صفحة 443، جزء 7. بتصرّف.
  7. ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، بيروت:دار التراث، صفحة 238، جزء 8. بتصرّف.
  8. Verde, Tom. 2016. "Malik I: Khayzuran & Zubayda". Saudi Aramco World. January–February 2016. Vol. 67, no. 1, page 44. نسخة محفوظة 11 نوفمبر 2021 على موقع واي باك مشين.
  9. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، دمشق:دار الرسالة العالمية، صفحة 441، جزء 12. بتصرّف.
  10. كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري نسخة محفوظة 2022-01-06 على موقع واي باك مشين.
  • بوابة السياسة
  • بوابة التاريخ
  • بوابة العراق
  • بوابة أدب عربي
  • بوابة الحديث النبوي
  • بوابة الإسلام
  • بوابة أعلام
  • بوابة المرأة
  • بوابة العالم الإسلامي
  • بوابة شعر
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.