السيلحين
السَيلحين هي أرض ذات نخل وزرع، ونهر عليه جسر.[1] وقريبة من بلد الصنين الذي في ظاهر الكوفة، والصنين كان من منازل المنذر وبه نهر ومزارع ابتاعه عثمان بن عفان من طلحة بن عبيد الله وكتب به كتاباً مشهوراً مذكورا عند المحدثين.[2] كما جاء ذكر السيلحين في هذا الحديث، «قال محمد بن عقبة السدوسي: نا سعيد بن سماك بن حرب قال: كنا جلوسا في مسجد بني ربيعة إذ دخل علينا محارب بن دثار، فقال لأبي: حدثنا ذاك الحديث. قال: نعم، إن عثمان قال لبشير بن الخصاصية: أقطعك السيلحين؟ قال: وما السيلحين؟ قال:أرض ذات نخل وزرع».[3]
وتسمى سَيلحون: بفتح أوله، وسكون ثانيه، وفتح لامه ثم حاء مهملة، وواو ساكنة، ونون، وقد يعرب إعراب جمع السلامة فيقال: هذه سيلحون، ورأيت سيلحين، ومررت بسيلحين، ومنهم من يجعله اسما واحداً يعربه إعراب ما لا ينصرف فيقول: هذه سيلحين ورأيت سيلحين ومررت بسيلحين. وذكر سيلحين في الفتوح وغيرها من الشعر يدل على أنها قرب الحيرة ضاربة في البر قرب القادسية، ولذلك ذكرها الشعراء أيام القادسية مع الحيرة والقادسية. فقال سليمان بن ثمامة حين سير امرأته من اليمامة إلى الكوفة:
فمرت بباب القادسية غدوة | وراحتها بالسيلحين العبائر | |
فلما انتهت دون الخورنق عادها | وقصر بني النعمان حيث الأواخر | |
إلى أهل مصر أصلح الله حاله | به المسلمون والجهود الأكابر | |
فصارت إلى أرض الجهاد وبلدة | مباركة والأرض فيها مصائر | |
فألقت عصاها واستقر بها الثوى | كما قر عينا بالإياب المسافر |
فهذا يدل على أن السيلحين بين الكوفة والقادسية، وقال الأشعث بن عبد الحجر بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وكان شهد الحيرة والقادسية وتلك المشاهد فعقرت ناقته فقال:
وما عقرت بالسيلحين مطيتي | وبالقصر إلاّ خشية أن أعيرا | |
فباست أمريء يبأى علي برهطه، | وقد سادا أشياخي معدا وحميرا |
وقال عمرو بن الأهتم:
مافي بني الأهتم من طائل | يرجى ولا خير به يصلحون | |
لو لا دفاعي كنتم أعبدا | مسكنها الحيرة والسيلحون | |
جاءت بكم عفرة من أرضها | حيرية ليس كما تزعمون | |
في ظاهر الكف وفي بطنها | وشم من الداء الذي تكتمون |
وقال النابغة الجعدي:
وإذ رأيت السيلحين وبارقا | أغنين عن عمرو وأم قبال | |
ملك الخورنق والسدير ودانها | ما بين حمير أهلها وأوال |
ومما يقوي أن السيلحين قرب الحيرة قول هاني بن مسعود حين يرثي النعمان بن المنذر، ويذكر قتل كسرى إياه، قال:
إن ذا التاج، لا أبا لك، أضحى | وذرى بيته نحور الفيول | |
إن كسرى عدا على الملك | النعمان حتى سقاه أم البليل | |
قد عمرنا وقد رأينا لدى | الحيرة في السيلحين خير قتيل |
وهذه غير سيلحون التي باليمن. وقد ذكر شعراء الجاهلية كالأعشى وغيره هذا الموضع، وكتاب الخراج قد ذكروا أن الطريق من مدينة السلام إلى السيلحين أربعة فراسخ، ومن السيلحين إلى الأنبار ثمانية فراسخ.[4] ويجعلون السيلحين طسوجا[5] برأسه من كورة[6] بهقباذ[7] الأسفل من الجانب الغربي، قال الأعشى:
فداك وما أنجى من الموت ربه | بساباط حتى مات وهو محرزق | |
وتجبى إليه السيلحون ودونها | صريفون في انهارها والخورنق |
وبين هذه الناحية وبغداد ثلاثة فراسخ، وقد نسب اليها قوم من أهل العلم وقيل إنها سميت سيلحون لأنه كانت بها مسالح لكسرى. وهم قوم بسلاح يرتبون في الثغور والمخافات، وأحدهم مسلحي، والعامة تقول مصلحي وهو خطأ.[8]
المصادر
- يذكر الطبري تحركات المسلمين أيام القادسية فيقول: «وسروا حتى جازوا السيلحين وقطعوا جسرها يريدون الحيرة، فسمعوا جلبة وأزفلة فاحجموا عن الإقدام وأقاموا كمينا حتى يتبينوا فما زالوا كذلك حتى جازوا بهم فإذا خيول تقدم تلك الغوغاء فتركوها فنفذت الطريق إلى الصنين، وإذا هم لم يشعروا بهم وإنما ينتظرون ذلك العين لا يريدونهم ولا يأبهون لهم إنما همتهم الصنين»، انظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، ج 3، ص 494.
- ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، معجم البلدان، الناشر، دار صادر، بيروت، ط 2، 1995م، ج 3، ص 431.
- الذهبي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز، تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق محمد نعناعة، ومسعد كامل، وأيمن سلامة، الناشر، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط1، 2004م، مج8، ص 383.
- قدامة بن جعفر، الخراج وصناعة الكتابة، تحقيق، الدكتور محمد حسين الزبيدي، الناشر، دار الرشيد للنشر، الجمهورية العراقية، 1981م، ص 115.
- طسوج : لفظة فارسية، تعني المنطقة الزراعية، أو الأرض المزروعة، وتعني الناحية. انظر:ابن منظور، لسان العرب، ج 2، ص 141. انظر أيضاً: ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج2، ص141.
- الكورة: الصقع. والبقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال. والجمع : كور. انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1379هـ-1960 م، مادة (الكورة)، ص 804.
- بهقباذ: بالكسر ثم السكون، وضم القاف، وباء موحدة، والف، وذال معجمة : اسم لثلاث كور ببغداد من أعمال سقي الفرات، منسوبة إلى قباد بن فيروز والد أنوشروان بن قباذ العادل، منها: بهقباذ الأعلى سقيه من الفرات، وهو ستة طساسيج : طسوج خطرنية وطسوج النهرين وطسوج عين التمر والفلوجتان العليا والسفلى وطسوج بابل، والبهقباذ الاوسط وهي أربعة طساسيج: طسوج سورا وطسوج باروسما والجبة والبداة وطسوج نهر الملك، والبهقباذ الأسفل خمسة طساسيج: الكوفة وفرات بادقلي السيلحين وطسوج الحيرة وطسوج نستر وطسوج هرمزجرد. انظر:ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج1، ص516.
- ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج3، ص298-299.
- بوابة العراق
- بوابة النجف
- بوابة التاريخ الإسلامي