حمامات بغداد العامة
حمامات بغداد العامة حمّام جمعها حمّامات ويسمى الدُّيماس أيضاً.[2] يعتبر الحمام العام من الوسائل التي يستخدمه الإنسان عموماً، ووسيلة أساسية عند المسلم لتأمين طهارته التي يتمكن من خلاله تأدية واجباته الدينية. وهذا ما يفسر رغبة الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور في بناء المساجد والحمامات معاً.[3] وكانت مقترنة بحقول النشاط العام، حيث أنها احتلت مكاناً مهماً في حياة البغداديين اليومية، لكون الحمامات تعتبر مكاناً إجتماعياً يجمع أبناء المحلات المتقاربة، ان الحمامات العامة تتميز بفوائد عديدة إضافة على الإغتسال والنظافة، فهي تعد منتجعاً للترفيه والطبابة والتعارف والإسترخاء وحتى الغناء إثباتاً للموهبة والهواية.
نبذة تاريخية
شيدت الحمامات في بغداد بناءً على طلب من الخليفة المنصور،[4] بالرغم من تحرج رجال الدين المتشددين من المسلمين من دخول الحمامات العامة.[5] مع إنها بنيت إلى جانب المساجد، كما ذكرت بعض كتب المصادر أنه أقيم عند مشرعة الروايا مسجد وبالقرب منه حمام.[6][7] وذكر ابن الأثير أنه في حوادث سنة (332ه)، وعلى أثر فيضان، تعطل كثير من الحمامات والمساجد والأسواق والعقارات.[8] وألف إبراهيم الحربي الزاهد (ت 285ه) كتاباً في الحمام وآدابه.[9][10] وقيل إن الحمامات البغدادية قد بلغ عددها في القرن الثالث ستين ألفاً.[11] وكان عددها في زمن الخليفة المقتدر بالله عشرة آلاف حمام.[12] وقيل حسب رواية أخرى، أن عددها بلغ سبعة وعشرين ألف حمام. وأجري إحصاء لحمامات بغداد في عهد معز الدولة (334-356ه) فكان عددها سبعة عشر ألفاً، وبلغ عددها سنة (383ه) خمسة آلاف حمام.[13][14] وذكر ابن بطوطة المتوفي سنة (779ه/1377م) أن الجانب الغربي من بغداد هو الذي عُمر أولاً، وهو الآن خراب أكثره، وعلى ذلك فقد بقي منه ثلاث عشرة محلة، كل محلة كأنها مدينة بها الحمامان والثلاثة.[15] وجاء أيضاً في (رحلة المنشئ البغدادي) التي كتبت سنة (1237ه/1822م) أنه كان في بغداد 24 حماماً كبيراً.[16] ومن الناحية الاقتصادية كانت الحمامات من أنواع الاستثمار المجزية.[17] وكذلك كانت مسرحاً لمظاهر اجتماعية، فقد كانت تزين بالصور، وتزدحم يوم الجمعة،[18] وكان العيارون يأوون إليها وينامون فيها.[19] وهنا لابد من الإشارة إلى ان هناك بعض من أهالي بغداد لا يمكنهم من الإغتسال في الحمامات العامة لعدم قدرتهم على دفع اجرة الحمام، فلذلك استحدثت حمامات أقامتها الحكومة يغتسل الناس فيها باجور زهيدة وتسمى حمامات الشعب.[20]
المواصفات
لقد وضع أبو الفضل الدمشقي مواصفات لأفضل الحمامات، كأن تتوسط المدينة، وأن تكون مصارف الماء فيها واسعة مستقلة، وأن تكون بيوتها متوسطة مكتنزة.[21] وفي إعلان عن جودة أحد الحمامات، ذكر أنه ساخن واسع الأبواب.[22] وكان أصحاب الحمامات يتنافسون، ويستخدمون الشعراء في إعلانهم، ووصف حمام بوران في بغداد بأنه حمام جيد ويقبل عليه الزبائن ويغل غلة جيدة.[23] وذكر الشيزري أن خير الحمامات ما قدم بناؤه واتسع هواؤه وعذب ماؤه، وقدَّر الوقاد وقاده بقدر مزاج من أراد وروده، واعلم أن الفعل الحقيقي للحمام هو التسخين بهوائه والترطيب بمائه.[24] وقد أُعجب ابن بطوطة بحمامات بغداد الكثيرة ومواصفاتها، فذكر أنها من أبدع الحمامات، وأكثرها مطلي بالقار، حيث يخيل لرائيه أنه رخام أسود، وفي كل حمام منها خلوات كثيرة مفروشة بالقار، مطلي نصف حائطها مما يلي الأرض به والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض. وفي داخل كل خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبتان، إحداهما تجري بالماء البارد، فيدخل الإنسان الخلوة فيها منفرداً لايشاركه أحد إلا إذا أراد اصطحاب أحد معه. وكان في كل خلوة حوض آخر للاغتسال فيه أنبوبتان تجريان بالماء الحار والبارد.[25] ويبدو أن فرش الحمامات بالرخام كان شائعاً، فقد نقل عن أعرابي أنه دخل حماماً فزلق على رخام الحمام وأشج رأسه.[26] ويذكر ابن الجوزي في أخبار سنة (533ه) أن علي بن أفلح كان قد بنى داراً كبيرة وجعل فيها حماماً عجيباً، ضم بيت مستراح فيه بيشون، إن فركه الإنسان يميناً خرج الماء حاراً وإن فركه شمالاً خرج الماء بارداً.[27] وشيدت الحمامات على نظام يضمن للمستحم عدم تعرضه للإيذاء بالانتقال السريع من البرد إلى الحر أو العكس، فقد كانت تشمل على عدة بيوت أولها مبرد مرطب، وثانيها مسخن، والثالث مسخن مجفف.[28]
الطاقم
كان طاقم العاملين في الحمام يتألف من خمسة أو ستة رجال، وهم حمامي، وقيم، وزبال، ووقاد، وسقاء، وذكر هلال الصابئ أن العاملين في الحمام هم: صاحب الصندوق، والقيم، والوقاد، والزبال، والمزين، والحجام.[11][29] وقد فرض المحتسب شروطاً على طاقم الحمام.[30] ففرض على قامة الحمامات العامة من اللذين يديرونها واجب غسلها وكنسها وتنظيفها بالماء الطاهر، ودلك البلاط بالأشياء الخشنة. حيث كان وقود الحمام يتألف من الزبل والشوك اليابس.[31][32] كما فرض شروطاً صحية أخرى، ومنع دخول المجذوم، والأبرص.[33][34] ويظهر أن الحمامات كانت تترك الأوساخ التي تجري في الطرقات العامة وتسبب أذى للناس مما حمل فخر الدولة حاكم بغداد. سنة (467 ه) على أن يأمر المحتسب بمنع الحمامين من إجراء مياه الحمامات إلى نهر دجلة وأن يلزمهم بحفر آبار تجتمع فيها المياه.[35]
المرأة
إن دخول المرأة إلى الحمام قد لاقى التشجيع، حيث أن المرأة كانت تتفنن في تبرجها في الحمام، مما أدى إلى توجيه بعض الانتقادات إليها بسبب دخولها الحمام بغير مئزر أو بمشاركة نفس المكان مع غيرها من النساء المستحمات معها.[36] [37] فيبدو أن الحمامات قد خضعت لرقابة صارمة من قبل الدولة باعتبارها مؤسسة صحية وذلك عن طريق تفقدها المستمر من قبل المحتسب، الذي كانت رقابته تتركز على جانبين أساسيين هما: الجانب الصحي والذي أشرنا إليه سابقاً، والجانب الأخلاقي فعمله في مراقبة كل مايدخل ضمن الإطار الأخلاقي مثل كشف العورة التي كان يعاقب عليها أشد العقوبات، ومنع الرجال من دخول حمام النساء.[38] وفي الفترات المتأخرة ببغداد كان هنالك حمامات خاصة للمومسات اللواتي يجري عليهن الفحص الطبي أسبوعياً ولمرة واحدة من خلال طبيب حكومي للتأكد من خلوهن من الأمراض الجنسية المعدية. وكان من أشهر الحمامات النسوية في بغداد حمام جسومة،[39] وقيل هو (حمام أسومة) في شارع دكان شناوة بمنطقة الفضل.[40] وكانت الحمّامات العمومية في السابق تلعب دوراً هاماً بالنسبة لحياة المرأة بسبب عدم توفر صالونات التجميل والمسابح والنوادي الرياضية والساونا، كما هو أليوم.
صور من الداخل
يعطينا أبو الطيب الوشاء صورة عما يجري داخل الحمامات، فمنهم من ينظر إلى سوءات غيره، ومنهم من يدلي رجله في البئر التي ينصب إليها الماء، ومنهم من يتمرغ على حرارة أرض الحمام ومنهم لايتزر، ومنهم من يضطجع داخل الحوض.[41] وفي سنة (457 ه) أمر المحتسب بأن يمنع الناس من دخول الحمام من دون ميازر.[42] وترك بديع الزمان الهمذاني لوحة اجتماعية ساخرة، تحكي تهافت عمال الحمام على رأس الزبون، فتنتهي المنافسة بأن احتسب صاحب الحمام رأس الزبون لنفسه.[43] وكانت ملابس الزبائن عرضة للسرقة داخل الحمام، حتى تخصصت جماعة من اللصوص بهذا النوع من السرقات. وكان من اللصوص من يراقب المستحم، حتى إذا ماخلع ثيابه ونزل إلى الحوض فر اللص بثياب المستحم، ومنهم من يبدل نعليه.[44] وذم الشاعر البغدادي ابن سكرة الهاشمي حمام ابن موسى في بغداد لتكاثر اللصوص عليه، بعد أن فقد نعليه،[45] حيث قال:[46]
إليك أذم حمّام ابن موسى | وإن فاق المنى طيباً وحرّا | |
تكاثرت اللّصوص عليه حتى | ليحفى من يطيف به ويعرى | |
ولم أفقد به ثوباً ولكن | دخلت محمداً وخرجت بشرا |
حيث يشير في البيت الأخير إلى بشر الحافي الزاهد المعروف.[47] ونسجت المخيلة الشعبية معتقدات وأساطير خرافية حول الحمام، بعضها يقول بأن الحمامات يسكنها الجن، والبعض الآخر يقول إن الشياطين تنتشر في الحمامات بين العشائين وقريباً من الغروب.[48][49]
قائمة حمامات بغداد القديمة
|
|
|
المصادر
- وكالة الأنباء العراقية نسخة محفوظة 31 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
- معجم معاني الجامع نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
- اليعقوبي، كتاب البلدان، ليدن، 1892م، ص242.
- نفس المصدر، ص343.
- تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، القاهرة، 1324ه، ج2، ص131.
- محمد بن عبد الملك الهمذاني، تكملة تاريخ الطبري، ص130.
- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج11، ص347.
- ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، ج8، ص418.
- ياقوت الحموي، معجم الأدباء، ج1، ص45-46.
- ابن شاكر الكتبي، فوات الوفيات، ج1، ص16.
- الخطيب البغدادي، مصدر سابق، ج1، ص117.
- التنوخي، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، بيروت، 1971م، ج1، ص128.
- هلال الصابئ، رسوم دار الخلافة، مطبعة العاني، بغداد ، 1964م، ص21.
- الخطيب البغدادي، مصدر سابق، ج1، ص118.
- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ص158.
- المنشئ البغدادي، رحلة المنشئ البغدادي، ص31.
- أبو منصور الثعالبي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، دار نهضة مصر، القاهرة، 1966م، ص318.
- التنوخي، الفرج بعد الشدة، ج3، ص218.
- books.google_العامة في. بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجري نسخة محفوظة 2020-05-24 على موقع واي باك مشين.
- جلال الحنفي، الصناعات والحرف البغدادية، السلسلة الثقافية 11، بغداد، 1966م، ص132.
- أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي، الإشارة إلى محاسن التجارة، مطبعة المؤيد، بيروت، 1318ه، ص81.
- الثعالبي، مصدر سابق، ص318.
- المصدر نفسه.
- عبد الرحمن بن نصر الشيزري، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، القاهرة، 1943م، ص86.
- ابن بطوطة، المصدر السابق، ص158.
- أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ج1، ص226.
- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج10، ص80-81.
- الشيزري، مصدر سابق، ص86.
- هلال الصابئ، مصدر سابق، ص19.
- ابن بسام المحتسب، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، مطبعة المعارف، بغداد، 1968م، ص68-71.
- الجاحظ، البخلاء، ص44.
- المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص509.
- الشيزري، مصدر سابق، 87-88.
- ابن الأخوة القرشي، معالم القربة في أحكام الحسبة، لندن، 1983م، ص155-156.
- المنتظم، مصدر سابق، ج8، ص294.
- ابن الجوزي، تلبيس إبليس، ص400.
- ابن الاخوة القرشي، مصدر سابق، ص157.
- books.google_الخدمات الوقفية نسخة محفوظة 2020-05-24 على موقع واي باك مشين.
- ملاحق جريدة المدى نسخة محفوظة 27 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
- مجلة التراث الشعبي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2009م، مج40، ع3-4، ص119.
- محمد بن إسحاق الوشاء، الموشى أو الظرف والظرفاء، عالم الكتب، بيروت، 1986م، ص287.
- المنتظم، مصدر سابق، ج8، ص294
- بديع الزمان الهمذاني، مقامات بديع الزمان، دار المشرق، بيروت، ط6، ص171.
- المصدر نفسه، ص159-161.
- المنتظم، مصدر سابق، ج7، ص187.
- أخبار الظراف والمتماجنين_ابن الجوزي نسخة محفوظة 2019-07-21 على موقع واي باك مشين.
- مجلة التراث الشعبي (العراق). نسخة محفوظة 4 يونيو 2020 على موقع واي باك مشين.
- المنتظم، مصدر سابق، ج6، ص51.
- ابن الاخوة القرشي، مصدر سابق، ص155.
- مجلة التراث الشعبي، مصدر سابق، ص121
- انور عبد الحميد الناصري، سوق الجديد:محلة مضييئة من الجانب الغربي ببغداد، ص8.
- محمود شكري الآلوسي، مساجد بغداد، مطبعة دار السلام، بغداد، 1346هـ/ 1927م، ص 73-74.
- مجلة التراث الشعبي، مصدر سابق، ص122.
- مجلة البلاغ، الجمعية الإسلامية للخدمات الثقافية، الكاظمية-العراق، 1970م، مج3، ص29.
- مجلة التراث الشعبي، مصدر سابق، ص121.
- نفس المصدر، ص120.
- هاشم مصطفى الدباغ، الأعظمية والأعظميون، بغداد، 1984م، ص105.
- مجلة البلاغ، الجمعية الإسلامية للخدمات الثقافية، الكاظمية-العراق، 1970م، ص29.
- بوابة بغداد
- بوابة عمارة