ريتشارد الأول ملك إنجلترا

ريتشارد الأول (8 سبتمبر 1157 - 6 أبريل 1199) ملك إنجلترا منذ 6 يوليو 1189 وحتى وفاته. كما حكم كدوق لنورماندي (باسم ريتشارد الرابع) ودوق أقطانية وغاسكونية وسيد قبرص وكونت أنجو ومين ونانت وسيد عموم بريتاني على فترات أثناء عهده(1). وقد عُرف بلقب ريتشارد قلب الأسد، حتى قبل تتويجه بفضل سمعته كقائد عسكري ومحارب عظيم.[5] وسمّاه المؤرخون المسلمون ملك الانكتار.[6]

ريتشارد قلب الأسد
ريتشارد الأول ملك إنجلترا
(بالإنجليزية: Richard the Lionheart)‏، و(بالفرنسية: Richard Cœur de Lion)‏ 
ريتشارد الأول بريشة ميري بلونديل 1841، قصر فرساي، فرنسا.

ملك إنجلترا
فترة الحكم
6 يوليو 1189 – 6 أبريل 1199
نوع الحكم ملكي
تاريخ التتويج 3 سبتمبر 1189
وصي العرش إليانور آكيتيان، ويليام لونغشامب (أثناء الحملة الصليبية الثالثة)
هنري الثاني ملك إنجلترا
جون ملك إنجلترا
معلومات شخصية
الميلاد 8 سبتمبر 1157(1157-09-08)
قصر بومنت، أكسفورد، مملكة إنجلترا
الوفاة 6 أبريل 1199 (عن عمر ناهز 41 عاماً)
شالو، دوقية أقطانية
(الآن في ليموزا، فرنسا)
سبب الوفاة غنغرينا 
مكان الدفن دير فونتفرود، أنجو، فرنسا
مواطنة مملكة إنجلترا 
اللقب ريتشارد قلب الأسد
الديانة مسيحي روماني كاثوليكي
الزوجة برنجاريا النافارية
الأولاد فيليب الكوجناكي (ابن غير شرعي)[1]
الأب هنري الثاني ملك إنجلترا
الأم إليانور آكيتيان
إخوة وأخوات
جون ملك إنجلترا[2]،  وهنري الملك الشاب[2]،  وجيوفري الثاني دوق بريتاني،  وويليام التاسع، كونت بواتييه ،  ومورغان  ،  وإليانور الإنجليزية[2]،  وجوان ملكة صقلية،  وماتيلدا من إنجلترا، دوقة ساكسونيا [2]،  وأليس من فرنسا،  وماري من فرنسا، كونتيسة شامبانيا 
عائلة بلانتاجانت
الحياة العملية
المهنة شاعر،  وملحن[3]،  وعاهل 
اللغات اللاتينية[4]،  والفرنسية القديمة[4]،  والقسطانية 
الخدمة العسكرية
الرتبة فارس 

في عمر السادسة عشرة، قاد ريتشارد جيشه، وأخضع التمردات على عرش أبيه هنري الثاني ملك إنجلترا في بواتو.[5] كما كان ريتشارد القائد الرئيس خلال الحملة الصليبية الثالثة، بعد أن رحل فيليب الثاني ملك فرنسا، وحقق انتصارات معقولة على منافسه المسلم صلاح الدين الأيوبي، بالرغم من عدم استطاعته الاستيلاء على القدس.[7]

تحدث ريتشارد لهجة (Langues d'oïl) وهي لهجة غالو رومانسية، إضافة إلى القسطانية وهي لغة أيضًا رومانسية كانت منتشرة في جنوب فرنسا والمناطق القريبة منها.[8] لم يُمض ريتشارد وقتًا طويلاً من حياته في مملكة إنجلترا، حيث عاش في دوقية أقطانية في جنوب غرب فرنسا، مفضلاً جعلها حائط صد لحماية مملكته.[9] كان أتباعه يعتبرونه بطلاً تقيًا. كما أنه من الملوك القلائل في إنجلترا، الذي غلب لقب شهرته (ريتشارد قلب الأسد) على لقب ترتيبه (ريتشارد الأول)، كما يعتبر من أيقونات إنجلترا وفرنسا.[10]

نشأته واعتلاء عرش أقطانية

عائلته وشبابه

خاتم ريتشارد الأول عام 1189

ولد ريتشارد في 8 سبتمبر 1157،[11] من المحتمل في قصر بومونت،[12] في أكسفورد بمملكة إنجلترا، وهو الشقيق الأصغر لويليام التاسع كونت بواتييه وهنري الملك الشاب وماتيلدا دوقة ساكسونيا.[13] ولكونه الابن الشرعي الثالث للملك هنري الثاني ملك إنجلترا، لم يكن متوقعًا أن يعتلي العرش.[14] كما كان شقيقًا أكبر لجيوفري الثاني دوق بريتاني وإليانور ملكة قشتالة وجوان ملكة صقلية وجون ملك إنجلترا الذي خلفه على عرش إنجلترا. أيضًا كان أخًا غير شقيق أصغر لماري كونتيسة شامبانيا وأليكس كونتيسة بلوا.[13] توفي ويليام أكبر أبناء هنري الثاني وإليانور آكيتيان عام 1156، قبل مولد ريتشارد.[13] غالبًا ما كان ريتشارد يوصف بأنه الابن المفضل لأمه إليانور آكيتيان.[15] والده هنري نورماني-إنجوي ينحدر من نسل ويليام الفاتح. وقد نسب المؤرخ المعاصر لتلك الفترة رالف الديسيتوي عائلته إلى ماتيلدا ملكة إسكتلندا والملوك الأنجلوساكسونيين لإنجلترا ولألفريد العظيم، حتى نوح ووودن. ووفقًا للأسطورة الأنجوية، فإنه تجري في عروقهم دماء شيطانية.[12]

على الأرجح أنه في الوقت الذي كان أبوه يتنقل بين أراضيه من إسكتلندا إلى فرنسا، كان ريتشارد يقضي طفولته في إنجلترا. ويرجع تاريخ أول وثيقة توثق زيارته للقارة الأوربية إلى مايو 1165 م، عندما صحبته أمه إلى نورماندي.[16] رضع ريتشارد من امرأة تدعى هوديرنا، التي منحها معاشًا كريمًا عندما أصبح ملكًا.[17] ولا يعرف الكثير عن تعليمه.[18] ورغم أنه ولد في أوكسفورد وتربى في إنجلترا إلى عمر الثامنة، إلا أنه من غير المعلوم إلى أي مدى استخدم أو فهم الإنجليزية. بينما من المعروف أنه كتب الشعر باللهجة الليموزية إحدى لهجات القسطانية، كما كتب بالفرنسية.[19] تكهن عدد من المؤلفين أن ريتشارد لم يكن يعرف الإنجليزية،[20] إلا أن الأدلة المتاحة للمؤرخين لم تكن قاطعة في هذا الشأن. ولا توجد كتابات معاصرة لتلك الفترة تذكر أن ريتشارد كان يجهل اللغة. وبالتأكيد، أثناء أسر ريتشارد استخدم شقيقه جون الإنجليزية في تعاملاته مع الأجانب لإنهاء سلطة مستشار ريتشارد ويليام لونغشامب النورماني. وفي إحدى التهم التي وجهها هيو نونات أسقف كوفنتري ضد لونغشامب، أنه لا يتحدث الإنجليزية. وهذا يدل على أنه بحلول نهاية القرن الثاني عشر، أصبح واجبًا على من في السلطة في إنجلترا، أن يكون على دراية باللغة الإنجليزية.[21][22]

ريتشارد قلب الأسد

يقال أن ريتشارد كان جذابًا للغاية، وقد كان شعره بين الأحمر والأشقر، كما كانت عينيه براقة مع بشرة شاحبة. ويرجح أن طوله كان أعلى من المتوسط، فوفقًا لكليفورد بروير، فقد كان طوله نحو 192 سم،[23] غير أنه لا دليل على تحديد طوله على وجه الدقة. ومنذ صغر سنه، أظهر ريتشارد قدرات سياسية وعسكرية، بدت ملحوظة وواضحة عندما قاتل النبلاء المتمردين في أراضيه. وقد تُوّج أخاه الأكبر هنري ملكًا على إنجلترا بالمشاركة مع أبيه في حياة أبيه.[24]

كان التحالف عن طريق الزواج شائعًا بين الأسر الملكية، فكانت تمهد للتحالفات السياسية ومعاهدات السلام، وتفتح الباب أمام مطالبات الأسر بحق وراثة العرش في ممالك الآخرين. تزوج هنري أخو ريتشارد الأكبر من مارغريت ابنة لويس السابع ملك فرنسا في 2 نوفمبر 1160.[25] كان هذا الزواج سببًا في بعض الصدامات التي كانت بين أسرتي بلانتجانت وكابيه ملوك فرنسا. وفي عام 1168، كان تدخل البابا ألكسندر الثالث ضروريًا لعقد هدنة بينهما، بعد أن غزا هنري الثاني بريتاني وسيطرت على جيزور وفيكسين، اللتان كانتا جزءً من مهر مارغريت.[26] قبل ذلك بأعوام، كان من المقترح أن يتزوج ريتشارد من أليس كونتيسة فيكسين رابع بنات لويس السابع، وبسبب النزاع بين ملوك إنجلترا وفرنسا، عارض لويس الزواج. عقدت معاهدة سلام في يناير 1169، وتمت الموافقة على خطبة ريتشارد لأليس.[27] قرر هنري الثاني تقسيم أراضيه وأراضي زوجته على أبنائه، الذين كان عددهم ثلاثة في ذاك الوقت، فأصبح هنري ملك إنجلترا، وسيطر على أنغو ومين ونورماندي، بينما حصل ريتشارد على أقطانية من والدته وأصبح كونت بواتييه، فيما حصل جيوفري على بريتاني من خلال زواجه كونستانس ولية عهد بريتاني. وخلال حفل خطبته لأليس، جعل هنري ولاء أقطانية لملك فرنسا، وبذلك وطّد أواصر العلاقات بين البلدين.[28]

في عام 1170، نفذ هنري الثاني خطته بتقسيم أراضيه على أبنائه عندما أحس بأن مرضه اشتد به، مع احتفاظه بسلطته الكاملة على أبنائه وأراضيهم. وفي عام 1171، غادر ريتشارد إلى أقطانية مع والدته، ومنحه أباه دوقية أقطانية بناءً على طلب والدته[29] بدأ ريتشارد وأمه جولة في أقطانية لاستمالة السكان المحليين.[30] ثم أسسا دير القديس أوغسطين في ليموج. وفي يونيو 1172، تم الاحتفال بتنصيبه دوقًا على أقطانية في بواتييه، وأعيد في ليموج حيث ارتدى خاتم القديس فاليري شفيع أقطانية.[31]

الثورة على هنري الثاني

وفقًا للمؤرخ رالف الكوجيشالي، فإن هنري الملك الشاب كان المحرض على التمرد ضد هنري الثاني، فقد أراد أن يحكم بشكل مستقل الأراضي التي وعده إياها أباه، وكسر أغلال تبعيته لأبيه والسيطرة على الخزانة.[32] ويعتقد جان فلوري المؤرخ المتخصص في فترة القرون الوسطى، أن إليانور شجعت أبنائها على الثورة ضد أبيهم.[33] مما دفع هنري الملك الشاب لترك أبيه، والذهاب للبلاط الفرنسي سعيًا وراء حماية لويس السابع. ثم سرعان ما لحقه أشقائه الأصغر سنًا ريتشارد وجيوفري، بينما ظل جون البالغ من العمر 5 سنوات مع أبيه. دعم لويس الأبناء الثلاثة، وجعل ريتشارد فارسًا، ليجعلهم من أتباعه.[34] مما جعل جوردان فانتوسمي الشاعر المعاصر لتلك الأحداث يصف التمرد بأنه «حرب بلا حب».[35]

القلعة التي انسحب إليها ريتشارد، بعدما أسرت قوات هنري الثاني ستين فارسًا وأربعمائة راميًا من رجاله الذين قاتلوا معه في سانتس.[36]

أقسم الأشقاء الثلاثة في البلاط الفرنسي أنهم لن يعقدوا أي اتفاقات مع هنري الثاني دون الرجوع للويس السابع والبارونات الفرنسيين.[37] وبدعم من لويس، جذب هنري الملك الشاب العديد من البارونات لصفه، بعد أن وعدهم بأراض وأموال. كان للأشقاء مؤيديهم في إنجلترا المستعدين للثورة، بقيادة روبرت دي بومونت إيرل ليشستر وهيو بيغود إيرل نورفولك وهيو دي كيفيلوك إيرل شيستر وويليام الأول ملك إسكتلندا. نجح التحالف في البداية، وبحلول يوليو 1173، حاصروا أومالي ونوف-مارشيه وفرنويل، كما سيطر هيو دي كيفيلوك على مدينة دول في بريتاني.[38] ذهب ريتشارد إلى بواتو لمساندة البارونات الموالين له ولأمه في تمرده على أبيه. ثم سقطت أمه في الأسر، فاضطر ريتشارد لمواجهة مؤيدي أبيه في أقطانية وحده. فتوجه للاستيلاء على لا روشيل، إلا أن سكانها رفضوه، فانسحب إلى مدينة سانتس التي اتخذها قاعدة تنطلق منها حملاته.[39][40]

في الوقت نفسه، جهز هنري الثاني جيشًا من 20,000 من المرتزقة لمواجهة التمرد.[38] فتوجه نحو فرنويل، فانسحب لويس بقواته. ثم استولى على دول وسيطر على بريتاني. عندئذ، قدّم هنري الثاني عرضًا للسلام مع أبنائه، إلا أنهم بنصيحة من لويس رفضوا العرض.[41] استولى هنري الثاني بعدئذ على سانتس وأسر معظم حاميتها، وفر ريتشارد في مجموعة صغيرة من الجند. ثم لجأ إلى قلعة تيليبورغ باقي الحرب.[39] خطط هنري الملك الشاب وكونت الفلاندرز للرسو بقواتهم في إنجلترا لدعم قوات إيرل ليشستر. ولتوقعه ذلك، عاد هنري الثاني لإنجلترا مع 500 جندي وأسراه (بما في ذلك إليانور وزوجات أبنائه وخطيباتهم)،[42] ولكن عند وصوله وجد أن التمرد قد انهار بالفعل. فقد أسر ويليام الأول ملك إسكتلندا وهيو بوغارد في 13 و 25 يوليو على التوالي. فعاد هنري الثاني إلى فرنسا حيث رفع حصار روان، فلحق هنري الملك الشاب بلويس السابع بعد أن تخلى عن خطته لغزو إنجلترا. وبهزيمة لويس، تم التوقيع على معاهدة سلام مونتلويس[43] في سبتمبر 1174.[41]

عندما دخل هنري الثاني ولويس السابع في الهدنة يوم 8 سبتمبر 1174، استثني ريتشارد من الهدنة على وجه الخصوص.[42][44] وبعد أن هجره لويس، وخوفًا من مواجهة جيش والده في معركة، ذهب ريتشارد إلى بلاط هنري الثاني في بواتييه في 23 سبتمبر، وتوسل طالبًا المغفرة وبكى وسقط تحت أقدام هنري، الذي منح ريتشارد قبلة السلام.[42][44] وبعد عدة أيام، سعى إخوة ريتشارد سعيه في مصالحة والدهم.[42] قبل الأشقاء الثلاثة بشروط صلح أقل سخاءً من تلك التي عرضها عليهم أبيهم من قبل،[37] مُنح ريتشارد قلعتين في بواتو ونصف دخل أقطانية، ومُنح هنري الملك الشاب قلعتين في نورماندي، وجيوفري نصف دخل بريتاني. بينما ظلت إليانور أسيرة هنري الثاني حتى وفاته، كتأمين لضمان التزام ريتشارد بالصلح.[45]

تحت حكم هنري الثاني

عملة فضية سُكّت عندما كان ريتشارد كونتًا لبواتييه.

بعد انتهاء التمرد، بدأت عملية تهدئة الأوضاع في المقاطعات التي تمردت على هنري الثاني، فسافر إلى أنجو لهذا الغرض وتعامل جيوفري مع بريتاني. وفي يناير 1175، تم إرسال ريتشارد لأقطانية لمعاقبة البارونات الذين قاتلوا من أجله. وفقًا للمؤرخ روجر الهوديني مؤرخ عهد هنري، أعيدت معظم القلاع التي استولى عليها المتمردون إلى الحالة التي كانت عليها قبل 15 يومًا من اندلاع الحرب، بينما كان لا بد من نسف بعضها.[46] كان من الشائع في تلك الفترة بناء القلاع من الحجر، وقد قام العديد من البارونات بتوسيع أو تحصين قلاعهم، وهي مهمة لم تكن سهلة.[47] ونظرًا لنجاحه في حملته تلك،[46] اكتسب ريتشارد لقب «ريتشارد قلب الأسد».[47] كانت أولى نجاحاته حصار قلعة سور أجين، التي عرفت بأنها من القلاع القوية، ولكن بعد حصار مدته شهرين، استسلم المدافعون لريتشارد.[48]

في عامي 1181-1182، واجه ريتشارد تمردًا في مقاطعة أنغوليم، ولجأ خصومه إلى فيليب الثاني ملك فرنسا للحصول على الدعم، ودار القتال في ليموزا وبيريغورد. اتهم ريتشارد بارتكاب أعمال وحشية ضد رعاياه، بما في ذلك الاغتصاب.[49] ولكن مع دعم أبيه وشقيقه هنري الملك الشاب، نجح ريتشارد في إخضاع التمرد. وفي يونيو 1183، توفي هنري الملك الشاب. وبوفاة هنري الملك الشاب، أصبح ريتشارد الابن الأكبر ووريث التاج الإنجليزي.

ولتقوية مركزه، في عام 1187، تحالف ريتشارد مع فيليب الثاني، ابن زوج أمه السابق لويس السابع ملك فرنسا. وقد كتب المؤرخ روجر الهوديني قائلاً:

أصابت ملك إنجلترا دهشة كبيرة، وتسائل ما معنى ذلك [يعني التحالف]، واتخذ احتياطاته المستقبلية، فأرسل رسلاً إلى فرنسا لاستدعاء ابنه ريتشارد الذي تظاهر بميله للسلام واستعداده للقدوم إلى والده، واتخذ طريقه إلى شينو، وبدلاً من توجهه بعهدته من الكنوز الكثيرة إلى والده، وتحصينه القلاع في بواتو. رفض أن يذهب إلى والده.[50]

وعمومًا، تناول الهوديني بالدرجة الأولى العلاقات السياسية بين ريتشارد والملك فيليب. فيما تناول المؤرخ جون جيلينغهام نظريات تشير إلى وجود علاقة جنسية بينهما، مستدلاً بوثيقة تشير - كرمز للوحدة بين البلدين - إلى كون الاثنان كانا يناما في سرير واحد. وصف جيلينغهام ذلك بأنه «فعل مقبول سياسيًا، لا يمت للاتصال الجنسي بصلة؛... تمامًا كالتقاط الصور في العصر الحديث.»[51] كما قدم ريتشارد ولائه لفيليب في نوفمبر 1188.[52] وفي العام التالي، حاول ريتشارد الوصول لعرش إنجلترا من خلال الانضمام إلى حملة فيليب على إنجلترا.[53] وفي 4 يوليو 1189، هزم ريتشارد وقوات فيليب جيش هنري الثاني في بالانز. فوافق هنري مع رضا جون، على تسمية ريتشارد خليفة له.[54] وبعد يومين، توفي هنري الثاني في شينون، وخلفه ريتشارد كملك على إنجلترا وكدوق لنورماندي وكونت لأنجو .

ريتشارد ملكًا والحملة الصليبية

التتويج الملكي والعنف ضد اليهود

ريتشارد خلال تتويجه في دير وستمنستر

أعلن ريتشارد رسمياً دوق نورماندي في العشرين من يوليو عام 1189 ثم توّج ملكاً في دير وستمنستر في الثالث من سبتمبر من نفس العام.[55] منع ريتشارد جميع اليهود والنساء من حضور مراسم التتويج. على الرغم من ذلك، حضر بعض قادة اليهود مقدمين له الهدايا.[56] وفقاً للمؤرخ رالف ديكيتو، قام أتباع ريتشارد بضرب وجلد اليهود وتجريدهم مما بحوزتهم ومن ثم طردهم إلى الخارج.[57]

انتشرت شائعة بأن ريتشارد قد أمر بقتل جميع اليهود. فقام سكان لندن بارتكاب مجزرة بحقهم.[57] تعرض الكثير منهم للضرب حتى الموت، وللسرقة، كما حرق بعضهم أحياء.[57] هدمت العديد من منازلهم، وتعرض بعضهم للتعميد قسراً.[57] اتخذ بعضهم من برج لندن ملاذاً، بينما فرّ الآخرون للحفاظ على حياتهم. ادّعى البعض أن مرتكبي هذه الجرائم كانوا مجرد مواطنين غيورين ومتعصبين، وأن الملك ريتشارد قام بمعاقبتهم. كما قام بالسماح لليهود الذين أجبروا على ترك دينهم بالعودة إلى اليهودية. يشار إلى أن مشاركة ريتشارد في الجرائم ضد اليهود لم يثبت قط.[58]

شعر ريتشارد بأن هذه الاعتداءات قد تزعزع من استقرار مملكته قبيل رحيله للمشاركة في الحملة الصليبية الثالثة. لذلك أمر ريتشارد بإعدام المسؤولين عن أفظع جرائم القتل والاضطهاد. من ضمنهم من أحرق بعض منازل المسيحيين عن طريق الخطأ.[59] وأصدر مرسوماً ملكياً يطالب بترك اليهود بشأنهم وعدم الاعتداء عليهم. على الرغم من ذلك، استمرت الاعتداءات في شهر مارس مثل مجزرة يورك التي وقعت في 16 مارس 1190 والتي تعتبر واحدة من أبشع المجازر وأشرسها.

التجهيز للحملة الصليبية

تمثال لريتشارد الأول (حوالي 1199) في دير فونتفرود ، أنجو.

بعد أن أصبح ريتشارد ملكًا، وافق هو وفيليب، على الذهاب في الحملة الصليبية الثالثة، لأن كليهما خشي أن يغتصب الآخر أراضيه في غيابه.[60] وبدأ في تجهيز الجيش الصليبي الجديد، فأنفق معظم ما في خزانة والده (الممتلئة بالأموال التي جمعتها عشور صلاح الدين)، وزاد الضرائب، وحتى وافق على إطلاق سراح الملك ويليام الأول ملك إسكتلندا نظير قسمه بأن يدفع لريتشارد 10,000 قطعة فضية. ولجمع المزيد من الأموال، باع العديد من الألقاب الرسمية والامتيازات والأراضي للراغبين.[61] كما اضطر من يحملون ألقابًا بالفعل لدفع مبالغ ضخمة للاحتفاظ بمناصبهم. فدفع ويليام لونغشامب أسقف إيلي ومستشار الملك 3,000 قطعة فضية للاحتفاظ بمنصبه كمستشار للملك.[62]

كما قام ريتشارد بعض الترتيبات النهائية في أراضيه في القارة،[63] فعيّن ويليام فيتزرالف حاكمًا على نورماندي. وفي أنجو، أقال ستيفن التوري من منصبه كحاكم، وسجنه مؤقتًا لسوء إدارته المالية، واستبدله بباين دي روشفور. وفي بواتو، عيّن بيتر بيرتن حاكمًا، وفي غاسكونية، اختار لها هيلي دي لا سيل حاكمًا. ثم انطلق في الحملة الصليبية في صيف 1190.[63] وعيّن هيو دي بوسيه أسقف دورهام وويليام دي ماندفيل إيرل إسكس كأوصياء على العرش، لكن سرعان ما توفي الأخير وخلفه مستشار ريتشارد ويليام لونغشامب،[64] وهي القرارات التي لم ترض جون شقيق ريتشارد.

انتقد بعض المؤرخين ريتشارد لقضاء ستة أشهر فقط من حكمه في إنجلترا، ومصّ موارد المملكة لدعم حملته. فيقول المؤرخ ويليام ستابس:

كان ملكًا سيئًا. إلا أن مآثره العظيمة كمهارته العسكرية وسخائه وتذوقه للشعر وروحه المغامرة، لم تشفع له ليتعاطف معه شعبه. لم يكن إنجليزيًا، لكن ذلك لا يعني أنه منح نورماندي أو أنجو أو أقطانية الحب أو الرعاية التي حرم منها مملكته. كان طموحه كمحارب: أن يقاتل من أجل أي شيء أيا كان، لكنه على استعداد لأن يبيع أي شيء قاتل من أجله. كان المجد الذي سعى خلفه هو النصر لا الفتح.[65]

تذرع ريتشارد بأن إنجلترا «باردة والسماء تمطر دومًا»، وعندما كان يجمع الأموال لحملته، قال أنه «على استعداد لبيع لندن لمن يشتري.»[66] ومع ذلك، على الرغم من إنجلترا مثلت قيمة كبيرة وجزءً كبيرًا من أراضيه، وبالأخص لأنها منحته لقب ملكي جعله على قدم المساواة مع الملوك الآخرين، لم توجه إنجلترا له أي تهديدات داخلية أو خارجية كبيرة خلال فترة حكمه، على عكس أراضيه في القارة، لذا لم تتطلب حضوره الدائم هناك. وكمعظم ملوك بلانتاجانت قبل القرن الرابع عشر، لم يكن في حاجة لاستخدام اللغة الإنجليزية على نطاق واسع. وبتركه البلاد في أيدي عدة مسؤولين (بما فيهم والدته)، أصبح ريتشارد أكثر قلقًا على أراضيه الفرنسية الواسعة. وبعد كل تجهيزاته تلك، أصبح لديه جيشًا من 4,000 رجل مثقل بالأسلحة، و 4,000 جندي مشاة وأسطولاً من 100 سفينة.

احتلال صقلية

توج تانكريد ملكاً على صقلية عام 1189 بعد وفاة ويليام الثاني على الرغم من أن كونستانس زوجة الإمبراطور هنري السادس كانت الوريثة الشرعية للحكم. زج الملك تانكارد الملكة جوان بالسجن ورفض إعطائها ميراثها المستحق، وهي أرملة ويليام وشقيقة ريتشارد. وفي سبتمبر 1190، وصل كل من ريتشارد وفيليب إلى جزيرة صقلية.[67] وفور وصول ريتشارد طالب تانكارد بإطلاق سراح أخته وإعطائها الميراث. خرجت جوان من السجن في 28 سبتمبر ولكن تانكارد رفض إعطائها ميراثها.[68]

شعر سكان مسينا بالضيق نتيجة تواجد قوات أجنبية على أرضهم، فثاروا مطالبين بخروجهم.[69] فهاجم ريتشارد مدينة مسينا واستولى عليها في الرابع من أكتوبر عام 1190.[69] وبعد سلب ونهب وحرق المدينة، أسس ريتشارد قاعدة له فيها. خلق هذا العمل حالة من التوتر بين ريتشارد وفيليب. بقي ريتشارد في صقلية حتى وافق تانكارد أخيراً على توقيع معاهدة. تم توقيع المعاهدة في 4 مارس 1191 بين كل من ريتشارد وفيليب وتانكارد.[70] كانت شروطها الأساسية:

  • تحصل جوان على 20,000 أونصة من الذهب تعويضاً لها على الميراث الذي لم يعطها إياه تانكارد.
  • أعلن ريتشارد رسمياً ابن أخاه آرثر دوق بريتاني ولي عهده ووريث حكمه، وعلى تانكارد أن يعده بتزويج آرثر إحدى بناته عندما يبلغ سن الرشد.

بقي ريتشارد وفيليب في صقلية بعضاً من الوقت، مما أدى إلى زيادة حدة التوتر بينهما، حتى أن فيليب أراد التآمر مع تانكارد على ريتشارد.[71] لكن الخصومة انتهت عند لقائهما حيث توصلا إلى اتفاقية تضمنت إنهاء خطبة ريتشارد لأليس شقيقة فيليب.[72]

غزو قبرص

الشرق الأدنى إبّان الحملة الصليبية الثالثة (قبرص بارزة باللون البنفسجي)

في أبريل 1191، خرج ريتشارد بأسطوله الكبير من مسينا متوجهاً إلى عكا.[73] لكن الأسطول تعرض إلى عاصفة أدت إلى تفريقه. وبعد البحث، اكتشف ريتشارد أن القارب الذي أقلّ أخته وخطيبته برنجاريا قد رسى على الساحل الجنوبي لجزيرة قبرص جنباً إلى جنب مع حطام بقية السفن. وتعرض الناجون من الحادث للأسر من قبل الحاكم إسحاق كومنينوس.[74]

وصل أسطول ريتشارد في الأول من مايو عام 1191 إلى ميناء ليماسول في قبرص.[74] طلب ريتشارد من إسحاق إطلاق سراح السجناء،[74] إلّا أن طلبه قوبل بالرفض. ردًا على ذلك، استولى ريتشارد على ليماسول.[75] ثم وصل عدد من الأمراء إلى ليماسول، وكان من ضمنهم غي دي لوزينيان. وأعلن الجميع دعمهم لريتشارد الذي قام بدوره بدعم غي دي لوزينيان ضد غريمه كونراد من مونفيراتو.[76]

نبذ البارونات المحليون إسحاق، الذي اعتبروه صانع السلام مع ريتشارد والذي وافق على المشاركة في الحملة الصليبية وعلى تزويج ابنته من ريتشارد.[77] لكن إسحاق غير رأيه وحاول الهرب. أما ريتشارد فبدأ حملة الاستيلاء على الجزيرة بأكملها مستعينًا بقواته تحت قيادة غي دي لوزينيان، فاستسلم إسحاق. ومع حلول الأول من يونيو، كان ريتشارد قد سيطر على قبرص بأكملها. ثم باع ريتشارد الجزيرة لفرسان الهيكل، ثم أصبحت قبرص في عام 1192 تحت حكم غي دي لوزينيان الذي جعل منها مملكة إقطاعية مستقرة.[78]

كان الغزو السريع لقبرص مهماً جداً بالنسبة للأوروبيين، لكونها تحتل الجزيرة موقعاً استراتيجياً واقعاً على الممرات المائية على طريق الأراضي المقدسة، والتي كان من المستحيل احتلالها بدون الدعم القادم من البحار.[78] وقد ظلت قبرص معقلاً للمسيحية حتى معركة ليبانتو عام 1571.[79][80] وقد ساهم غزو ريتشارد لجزيرة قبرص في زيادة شهرته، كما أنه أمده بمكاسب مالية كبيرة.[79] ثم غادر ريتشارد مع حلفائه إلى عكا في الخامس من شهر يونيو عام 1191.[79]

الزواج والحياة الجنسية

قبل مغادرة قبرص، تزوج ريتشارد من برنغاريا الابنة الكبرى لـ سانشو السادس ملك نافارا(2)، التي تعرف عليها ريتشارد في بادئ الأمر من خلال مسابقة كانت قد أقيمت في موطنها نافارا.[81] عقد حفل الزفاف في 12 مايو 1191 في كنيسة القديس جورج في مدينة ليماسول القبرصية، بحضور أخته جوان التي كان قد أحضرها ريتشارد من صقلية. كان حفل الزفاف ضخماً، وغايةً في الروعة والفخامة، محتوياً على الكثير من الولائم والأطعمة، ووسائل التسلية. كما تبعه احتفالات ومسيرات عامة، من ضمنها التتويج الملكي المزدوج، حيث توّج ريتشارد ملكاً على قبرص، وتوجت برنجاريا ملكةً على كل من قبرص وإنجلترا. أراد ريتشارد هذا الزواج من أجل الحصول على نافارا وجعلها إقطاعية، كما حصل أبوه على أقطانية بزواجه من إليانور. كما أن والدته دعمت زواجه من برنجاريا، من أجل تأمين حدود أقطانية الجنوبية حيث تقع نافارا. وبعد الزواج بوقت قصير، ذهب ريشارد إلى الحملة الصليبية برفقة زوجته الجديدة، لكنهما عادا بشكل منفصل. وقد واجهت برنجاريا صعوبات جمة في طريق العودة كما حدث مع ريتشارد. ولم ترَ إنجلترا إلّا بعد وفاته. وبعد إطلاق سراح ريتشارد من الأسر الألماني، أبدى ريتشارد بعض الأسف على ما فعله سابقاً لكنّه مع ذلك لم يعد إلى زوجته.[82] ولم ينجبا أطفالاً من هذا الزواج.

منذ خمسينيات القرن الماضي، أصبحت قضية حياة ريشارد الجنسية مثيرة للاهتمام والجدل. مع أنه من النادر ما عالج المؤرخون الفيكتوريون والإدوارديون هذه المسألة، إلّا أن المؤرخ جون هارفي تحدى عام 1948 ما كان ينظر إليها على أنها مؤامرة الصمت التي تحيط بشذوذ ريتشارد الجنسي.[83] اعتمدت تلك الفكرة في المقام الأول على الوثائق التاريخية التي تخص سلوك ريتشارد، حيث تؤكد بعض السجلات التاريخية أن ريتشارد قام بالاعتراف والتوبة مرتين. كما أنه لم ينجب أطفالاً طيلة فترة زواجه من برنجاريا.[84]

ويتحدث المؤرخ روجر الهوديني عن راهب كان قد حذّر ريتشارد من خطر اللواط وطلب منه عدم القيام بالأعمال غير المشروعة، وبناءً على ذلك كان ريتشارد قد حصل على الغفران، فعاد إلى زوجته التي هجرها زمناً طويلاً، وابتعد عن الفاحشة التي كان يقوم بها، وظلّ مخلصاً لزوجته حتى أصبحا كالجسد الواحد.[85] لكن هذه النظريات تناقض حقيقة أن ريتشارد أنجب طفلاً غير شرعي واحد على الأقل (فيليب)، وكذلك تناقض المزاعم التي تفيد بأن ريتشارد أقام علاقات جنسية مع النساء المحليات خلال الحملات التي كان يقوم بها.[86]

وما زال المؤرخون حتى اليوم منقسمين حول هذه القضية،[87] حيث يوجد بعض المؤيدين لنظرية جون هارفي،[88] في حين هناك مؤرخون لا يوافقونه مثل جون غيلينغهام،[89] الذي يعتقد أن ريتشارد كان طبيعياً.[90] أما المؤرخ جان فلوري، فيقول بأن معظم المؤرخين في الوقت الحاضر يعتقدون بأن ريتشارد كان مثلي الجنس،[88][91] مستدلاً بذلك على توبة ريتشارد (عام 1191 وكذلك 1195)، التي يقول فلوري أنها كانت توبة من اللواط.[92] كما يقول فلوري بأن ريتشارد أقام علاقات مع النساء بالقوة.[93] ويعتقد جون فلوري أن ريتشارد أقام علاقات مع كل من النساء والرجال خلال مراحل مختلفة من حياته.[94] إلّا أن فلوري يوافق غيلينغهام بعدم تصديق الإدّعاءات التي تقول بأن ريتشارد كان على علاقة مع فيليب الثاني ملك فرنسا، والتي يصدقها بعض المؤرخين في الوقت الحاضر.[95]

في الأرض المقدسة

تصور لريتشارد (يسار) وصلاح الدين (يمين) يعود للفترة بين عامي 1250-1260.

رسى ريتشارد بقواته في عكا في 8 يونيو 1191.[96] وقدّم دعمه لابن مقاطعته البواتوي غي دي لوزينيان، الذي أرسل له الجنود لمساعدته في قبرص. كان غي زوجًا لأرملة ابن عم أبيه سيبيلا ملكة أورشليم، وكان يحاول المحافظة على مملكة أورشليم، وبوفاة زوجته أثناء حصار عكا في العام السابق. نافسه كونراد من مونفيراتو زوج إيزابيلا شقيقة سيبيلا وابن عم لويس السابع والد فيليب الثاني في المطالبة بالعرش. تحالف ريتشارد مع هيمفري الرابع لورد تورون زوج إيزابيلا الأول الذي أرغم على تطليقها عام 1190. كان هيمفري يدين بالولاء لغي ويتحدث العربية بطلاقة، فاستخدمه ريتشارد كمترجم وكدليل.

ساهم ريتشارد وقواته في الاستيلاء على عكا، رغم مرضه الشديد. في النهاية، تفاوض كونراد من مونفيراتو مع صلاح الدين على شروط الاستسلام ورفع رايات الملوك على المدينة. اختلف ريتشارد مع ليوبولد الخامس دوق النمسا حول مشاركة إسحاق كومنينوس حاكم قبرص في الحملة الصليبية. رفع ليوبولد رايته في مستوى الرايتين الإنجليزية والفرنسية. ففسر ذلك ريتشارد وفيليب أنها غطرسة، فليوبولد تابع للإمبراطور الروماني المقدس (على الرغم من أنه الزعيم الأعلى رتبة من بين القوات الإمبراطورية). مزق رجال ريتشارد الراية، ورموها في خندق عكا. فغادر ليوبولد الحملة الصليبية الثالثة فورًا. ثم غادر فيليب بعد ذلك بوقت قصير، وهو في حالة صحية سيئة، وبعد مزيد من النزاعات مع ريتشارد حول وضع قبرص (طالب فيليب بنصف الجزيرة) وتملك أورشليم. ليجد ريتشارد نفسه فجأة، بلا حلفاء.

استبقى ريتشارد 2,700 أسير مسلم كرهائن ضد صلاح الدين الأيوبي للوفاء بجميع شروط استسلام الأراضي حول عكا. وقبل أن يغادر فيليب، سلّم أسراه إلى كونراد، لكن ريتشارد أجبره على تسليمهم له. خشي ريتشارد أن يعرقله الأسرى عن التحرك بقواته من عكا، فأمر بإعدامهم جميعًا.[97][98][99][100] ثم اتجه جنوبًا، وهزم قوات صلاح الدين الأيوبي في معركة أرسوف في 7 سبتمبر 1191(3). وفي نوفمبر 1191، بعد الاستيلاء على يافا، تقدم الجيش الصليبي نحو القدس. وصل إلى بيت نوبا، على بعد 12 ميل من القدس. كانت معنويات المسلمين في القدس منخفضة جدًا خشية سقوط المدينة بسرعة. إلا أن الطقس الذي كان سيئًا باردًا مع أمطار غزيرة وعواصف، وهذا بالإضافة لخوفه من أن يحاصر جيشه في القدس، دفعاه للانسحاب والعودة إلى الساحل.[101] ثم حاول التفاوض مع صلاح الدين الأيوبي، إلا أنه لم ينجح في ذلك. وفي النصف الأول من عام 1192، حصّن هو وجنوده عسقلان.

اضطر ريتشارد بقبول كونراد كملك لأورشليم بعد أن تم انتخابه، ثم باع قبرص لغي دي لوزينيان.[78] وبعد أيام في 28 أبريل 1192، اغتيل كونراد على أيدي الحشاشين قبل تتويجه.[102] وبعد ثمانية أيام، تزوج ابن شقيقته هنري الثاني كونت شامبين من الأرملة إيزابيلا ملكة أورشليم، رغم حملها في ابن كونراد. لم يُعرف من وراء الجريمة، إلا أن المؤرخين يشتبهون في تورط ريتشارد.[103]

تقدم الجيش الصليبي مرة أخرى نحو القدس في يونيو 1192، ورغم أن المدينة كانت على مرمى البصر، إلا أنهم اضطروا للانسحاب بسبب الخلافات بين قادة الجيش. كان ريتشارد ومعظم قادة الجيش يريدون إجبار صلاح الدين الأيوبي على التخلي عن القدس من خلال مهاجمة قاعدة سلطانه مصر. في حين أصر قائد القوات الفرنسية هيو الثالث دوق بورجوندي على أن الهجوم المباشر على القدس يجب أن يتم. قسّم هذا الشقاق الجيش الصليبي إلى فصيلين، ليس في قدرة أحدهما فرض رأيه على الآخر. وقال ريتشارد أنه سيصاحب أي هجوم على القدس فقط كجندي بسيط، ورفض قيادة الجيش. ودون قيادة موحدة، اضطر الجيش للانسحاب والعودة إلى الساحل.[104]

بدأت فترة من المناوشات البسيطة مع قوات صلاح الدين في الوقت الذي تفاوض فيه ريتشارد وصلاح الدين الأيوبي على تسوية الصراع. كما علم ريتشارد بأن فيليب وشقيقه جون بدئا في التآمر ضده. ومع ذلك، أصر صلاح الدين على هدم تحصينات عسقلان، التي صنعها رجال ريتشارد، وعدد قليل من النقاط الأخرى. حاول ريتشارد محاولة أخيرة لتعزيز موقفه التفاوضي بمحاولة غزو مصر، لكنه فشل. في النهاية، نفد الوقت أمام ريتشارد، وأدرك أنه ليس بإمكانه تأجيل عودته. وتوصل مع صلاح الدين الأيوبي على تسوية في 2 سبتمبر 1192، اشتملت على هدم تحصينات عسقلان، والسماح للحجاج والتجار المسيحيين بدخول القدس،[105][106] كما تضمنت هدنة لمدة ثلاث سنوات.[106]

الأسر والعودة

تصور للإمبراطور هنري السادس وهو يسامح ريتشارد، تعود لنحو عام 1196.

أجبر الطقس السيئ سفينة ريتشارد على أن تحط في كورفو، في أراضي الإمبراطور البيزنطي إسحاق الثاني، الذي اعترض على ضم ريتشارد لقبرص التي كانت أرض بيزنطية مسبقًا. متنكرًا في زي فرسان الهيكل، أبحر ريتشارد مع أربع مرافقين من كورفو، غير أن سفينته تحطمت قرب أكيليا، مما أجبره على رحلة خطرة في وسط أوروبا. وفي طريقه عبر أراضي زوج شقيقته هاينريش الأسد، أسر ريتشارد قبل عيد الميلاد عام 1192 بوقت قصير قرب فيينا من قبل ليوبولد الخامس دوق النمسا، الذي اتهم ريتشارد بالترتيب لقتل ابن عمه كونراد من مونفيراتو. وعلاوة على ذلك، أهان ريتشارد ليوبولد شخصيًا بإنزال رايته من فوق أسوار عكا.

سجن ليوبولد ريتشارد في قلعة دورنشتاين،[107] وصل خبر تحطم سفينة ريتشارد إلى إنجلترا، إلا أن الأوصياء على عرشه ظلوا لعدة أسابيع غير متيقنين من مكان وجوده. أثناء وجوده في السجن، كتب ريتشارد أغنية "Ja nus hons pris" («لا يوجد رجل مسجون»)، التي وجهها إلى أخته غير الشقيقة ماري كونتيسة شامبين. كتبها بالفرنسية والقسطانية، للتعبير عن مشاعر الهجر من قبل شعبه وأخته. كان احتجاز المشاركين في الحملات الصليبية مخالفًا للقانون العام،[108][109] وعلى هذه الأسس حرم البابا سلستين الثالث الدوق ليوبولد كنسيًا.

أطلال قلعة دورنشتاين، حيث احتجز ليوبولد ريتشارد.

في 28 مارس 1193، تم تسليم ريتشارد للإمبراطور هنري السادس، الذي كان متضررًا من دعم أسرة بلانتيجانت لأسرة هاينريش الأسد، وأيضًا من اعتراف ريتشارد بتانكريد ملكًا على صقلية،[108] فسجنه في قلعة تريفلز. كان هنري السادس في حاجة للمال لتجهيز جيش للمطالبة بحقوقه في جنوب إيطاليا، فاحتجز ريتشارد لكي يحصل على فدية. مما دفع البابا سلستين الثالث لحرمان هنري السادس أيضًا كنسيًا لاحتجازه غير المشروع لريتشارد. رفض ريتشارد تقديم التحية للإمبراطور، وقائلاً: «لقد ولدت في رتبة لا تعترف بأن أحدًا يفوقها إلا الله.[110]» وعلى الرغم من شكواه، لم تكن ظروف احتجازه شديدة.

طلب الإمبراطور 150,000 قطعة فضية فدية لإطلاق سراح ريتشارد، وهو ما يعادل ما جمعته عشور صلاح الدين قبل ذلك بأعوام،[111] ومن 2–3 أضعاف دخل إنجلترا في ذلك الوقت، وهو ما قدره المؤرخ ديفيد بويل بحوالي ملياري جنيه إسترليني بأسعار عام 2011.[112] عملت أمه على جمع الفدية، حتى أنها صادرت بعض ممتلكات الكنائس. وفي الوقت نفسه، عرض شقيقه جون والملك فيليب الثاني ملك فرنسا على الإمبراطور 80,000 قطعة فضية لتأخير إطلاق ريتشارد حتى نهاية سبتمبر 1194، لكن الإمبراطور رفض العرض. أرسلت أموال الفدية مع سفراء الإمبراطور عبر ألمانيا، وفي 4 فبراير 1194، أطلق سراح ريتشارد. فأرسل فيليب إلى جون قائلاً: «انتبه إلى نفسك، فقد أطلق الشيطان.[113]»

السنوات اللاحقة والوفاة

ريتشارد وفيليب، مخطوطة فرنسية من عام 1261

في الفترة التي غاب فيها ريتشارد، ثار أخوه جون بمساعدة فيليب الثاني، الذي كان قد استولى على نورماندي بينما كان ريتشارد في السجن.[114] غفر ريتشارد لجون على فعلته عندما التقيا مرة أخرى; تماشياً مع الضرورة السياسية. كما جعل جون وريثه بدلاً من ابن أخيه آرثر.

فتح سقوط قلعة غيزور (بالفرنسية: Château de Gisors)‏ بيد القوات الفرنسية عام 1196 فجوة في الدفاعات النورماندية. بحث ريتشارد عن موقع جديد يبني فيه قلعة جديدة من أجل الدفاع عن دوقية نورماندي، ولاستخدامه كقاعدة يبدأ منها حملته لاستعادة مقاطعة فيكسين من الفرنسيين.[115] واختير هذا الموقع على ضفاف نهر السين، في قصور أنديلي. بموجب شروط صلح اللوفر بين ريتشارد وفيليب في ديسمبر عام 1195، لم يكن مسموحاً لكلا الملكين بتحصين هذا الموقع. على الرغم من ذلك، أراد ريتشارد بناء قلعة غايّار (بالفرنسية: Chateau Gaillard)‏ هناك.[116] حاول ريتشارد الحصول على تلك القصور من خلال المفاوضات، لكن رئيس الأساقفة والتر دي كوتانس كان متردداً في بيعها، حيث كانت تلك القصور إحدى أكثر الأبرشيات ربحاً للأموال. كما أن بقية الأبرشيات كانت قد تعرضت للدمار خلال الحروب.[116] وعندما حاصر فيليب الثاني منطقة أومال في نورماندي، نفذ صبر ريتشارد واستولى عليها،[116][117] على الرغم من معارضة الكنيسة لذلك.[118] أصدر والتر دي كوتانس حرماناً بحق دوقية نورماندي ومنع من تقديم الخدمات الكنسية فيها. يقول المؤرخ روجر الهوديني: «ظلت جثث الموتى ملقاة في الشوارع دون أن تدفن في مدن نورماندي». لكن الحرمان ألغي من قبل البابا سلستين الثالث في شهر أبريل من عام 1197 بعدما قدم ريتشارد هدايا لوالتر كان من ضمنها أبرشيتين وميناء كبير في دييب.[119][120]

في عهد ريتشارد، انخفض الإنفاق الملكي على بناء القلاع مقارنة بعهد والده هنري الثاني، ويعزى ذلك إلى تركيز إنفاق الموارد على حروب ريتشارد مع ملك فرنسا.[121] إلّا أن بناء قلعة غايّار كلّف 15-20 ألف جنيه إسترليني في الفترة ما بين 1196-1198، فكانت بذلك واحدة من أكثر القلاع كلفة في ذلك الوقت،[122] حيث كانت تكلفة القلاع التي بناها ريتشارد في إنجلترا حوالي 7 آلاف جنيه إسترليني، وهي بذلك أقل من نصف تكلفة قلعة غايّار.[123] كما أن سرعة بنائها لم يسبق لها مثيل، حيث بنيت في عامين تقريبا، بينما كان بناء القلاع الأخرى يستغرق حوالي العقد من الزمان.[122] ووفقًا للمؤرخ الإنجليزي ويليام بارفوس، أنه في شهر مايو من عام 1198 هطل على ريتشارد والعاملين بالبناء مطر غزير من الدم; فظنّ البعض أنه نذير شؤم، إلّا أن ريتشارد لم يأبه به.[124] يقول ويليام[125] «لم يتأثر الملك بما حصل، ولم يسمح بالتهاون في العمل ولو بمقدار ذرة، بل واصل عمله بسعادة. وإن لم أكن مخطئًا، حتى لو نزل ملك من السماء ليؤخر البناء لاضطر للعن ريتشارد لأنه لن يوافق على ذلك.»

مظهر بانورامي لقلعة غايّار

لم يذكر شيء عن المشرف على عملية بناء القلعة. تقول المؤرخة ألين براون أن المشرف على البناء كان الملك ريتشارد بنفسه; يدعم هذا الرأي الاهتمام الذي أبداه ريتشارد خلال زياراته المتكررة للقلعة أثناء بنائها.[126] أصبحت القلعة في سنوات ريتشارد الأخيرة مكان إقامته المفضل. وكانت قلعة غايّار سابقة لعصرها، متضمنة ابتكارات اعتمدت في عمارة القلاع لقرن تلاها من الزمان.[127] وصفتها المؤرخة ألين بأنها أحد أفضل قلاع أوروبا في زمانها.[127] يقول المؤرخ العسكري البريطاني تشارلز أومان:[128] «تعتبر قلعة غايّار تحفة عصرها. ستبقى سمعة ريتشارد كمهندس عسكري عظيم ثابتة بسببها. لم يكن ريتشارد مجرد مقلد لما رآه في الشرق، بل ابتكر بنفسه تفاصيل أدخلها على بناء هذه القلعة.»

عزم ريتشارد على مقاومة أطماع فيليب الثاني بالأراضي المتنازع عليها مثل مقاطعة فيكسين، حيث أخرج كل ما في جعبته من خبرة عسكرية وموارد هائلة في وجه ملك فرنسا. فقام ريتشارد بصنع تحالف ضد فيليب مكون من بالدوين التاسع كونت فلاندرز، ورينو كونت بولوني، وسانشو السادس ملك نافارا الذي داهم أراضي فيليب من الجنوب. والأهم من ذلك كله، استطاع ريتشارد تأمين ميراث فلف في ساكسونيا لابن أخته أوتو حاكم بواتو، الذي أصبح إمبراطوراً رومانياً مقدساً (باسم أوتو الرابع) عام 1198. ونتيجة لهذه التحالفات وغيرها من المكائد، انتصر ريتشارد على فيليب في عدة مناسبات. فرّ فيليب من فريتفال (الواقعة في وسط فرنسا) عام 1194 فور عودة ريتشارد من الأسر تاركاً أرشيفاً كاملاً من المراجعات المالية والوثائق التي حصل عليها ريتشارد. وفي معركة غيزور (تسمى أيضاً بمعركة كورسيل) عام 1198، اتخذ ريتشارد من عبارة الرب وحقي (بالفرنسية: Dieu et mon Droit)‏ شعاراً له (وهو ما زال مستخدماً كشعار للملكية في المملكة المتحدة).

في شهر مارس من عام 1199، قام ريتشارد بقمع الثائرين في ليموزا. وعلى الرغم من أن ذلك الوقت كان وقت الصوم الكبير، إلّا أن ريتشارد «دمّر الأرض بالنار والسيف».[129] ثم حاصر قلعة شالو شابرول التي كانت ضعيفة ومنزوعة السلاح تقريباً. يقول بعض المؤرخين أن ريتشارد حاصرها لأنّ أحد الفلاحين المحليين كان قد أخبره عن وجود كنز مدفون من الذهب الروماني،[130] الذي ادّعى ريتشارد أحقيته في الحصول عليه بصفته سيداً أعلى على الإقطاعية.

وفي مساء اليوم الخامس والعشرين من مارس عام 1199، كان ريتشارد يتجول حول محيط القلعة بدون ارتداء درعه، يتحقق من وضع جنوده المتواجدين فوق جدران القلعة. كان الملك ريتشارد يقضي وقتاً ممتعاً وهو ينظر إلى أحد الجنود الذي كان يحمل القوس والنشاب بيد واحدة. صوّب هذا الجندي القوس تجاه ريتشارد، وقد لاقى هذا الفعل استحساناً من قبل الملك. إلّا أن رجلاً آخر رمى الملك بسهم ضرب كتفه الأيسر بالقرب من عنقه. أٌدخل الملك خيمته وقام الجرّاح (الذي وصفه البعض بالجزّار) بإزالة السهم بطريقة غير احترافية على الإطلاق، ما أدى إلى تحول الجرح بشكل سريع إلى غنغرينة. يقال أن ريتشارد طلب إحضار قاتله إليه الذي اختلف في اسمه، فقيل بيير أو بيتر، وقال البعض أن اسمه جون.[131][132] وعندما وقف بين يدي ريتشارد، اتضح له (وفقاً لبعض المصادر وليس جميعها) أنه مجرد صبي. ادّعى هذا الصبي أن ريتشارد كان قد قتل أباه وأخويه؛ فأراد قتل ريتشارد انتقاماً لذلك. اعتقد الصبي أنه سيتعرض للإعدام، لكن ريتشارد أراد أن يكون رحيماً وهو على وشك توديع الحياة، فسامح الصبي على فعلته وقال له: أكمل حياتك، وبفضلي سترى نور الغد. وقبل إطلاق سراح الصبي، أمر بإعطائه 100 شلن.[133] قام ريتشارد بتوريث جميع أراضيه لأخيه جون، أما المجوهرات فورثها لابن أخته أوتو.

الملك ريتشارد الأول

توفي ريتشارد في السادس من أبريل عام 1199 في أحضان والدته. وصفت وفاته بمصطلح الأسد الذي قٌتل من النملة وذلك يعزى إلى طريقة قتله. يقول أحد المؤرخين:[134] «أثبت ريتشارد في آخر أعماله أن الشهامة كانت غير مثمرة خلال العصور الوسطى بهمجيتها ووحشيتها. حيث قام المرتزق الشائن ميركادير بسلخ جلد قاتل ريتشارد وتعليقه على القلعة فور وفاة ريتشارد.»

دُفن قلب ريتشارد في روان في نورماندي. ودُفنت أحشاؤه في شالو (المكان الذي توفي فيه). أما باقي جسده فدُفن في كنيسة فونتفريد في أنجو بجانب أبيه.[135] في عام 2012، قام العلماء بتحليل ما تبقى من قلب ريتشارد واكتشفوا أنه قد تم تحنيطه باستخدام عدة مواد من ضمنها اللبان، وهي مادة ذات أهمية رمزية وذلك لأنها قُدمت عند ولادة المسيح وتحنيطه تم وفقاً للمسيحية.[136]

المظهر

وفقاً لكتاب خط سير رحلة الملك ريتشارد (باللاتينية: Itinerarium Regis Ricardi) الذي يسرد أحداث الحملة الصليبية الثالثة:

كان طويل القامة، مثالي البنية. كان شعره ما بين الأحمر والذهبي، وكانت أطرافه مرنة ومستقيمة. أما ذراعاه فكانتا طويلتين متناسبتين مع سيفه عند إشهاره إياه، وكانت ساقاه طويلتين متوافقتين مع بقية أجزاء جسده.

الإرث

تمثال ريتشارد الأول أمام قصر وستمنستر في لندن.

تقلبت سمعة ريتشارد عبر الزمن «بعنف». الصورة المعاصرة لريتشارد هي صورة الملك الفارس.[137] عرف بكونه قائد عسكري ومقاتل باسل وكريم. إلا أن سمعته تضررت على مر العصور، وحددت النظرة الشعبية لريتشارد.[137] فقد ترك بصمة لا تمحى على الخيال حتى وقتنا الحاضر، بسبب مآثره العسكرية. انعكس ذلك على تعليق المؤرخ ستيفين رونسيمان على ريتشارد الأول: «كان ولدًا عاقًا وزوج سيء وملك سيء، إلا أنه كان جندي باسل ورائع.» كما كتب عنه المؤرخون المسلمون خلال فترة الحروب الصليبية[138] «لم نواجه قط خصمًا أكثر جرأة وبراعة منه.[138]»

رغم ذلك، كانت هناك صور سلبية عن ريتشارد. خلال حياته، تعرض لانتقادات من قبل المؤرخين لجمعه الضرائب من رجال الدين سواء للحملة الصليبية أو لفديته، في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة ورجال الدين عادة مُعفَون من الضرائب.[139] شهد العصر الفكتوري انقسام حول ريتشارد، فقد أعجب به الكثيرون على اعتبار أنه بطل صليبي ورجل الله، وشيدوا له تمثالاً بطوليًا أمام برلمان المملكة المتحدة؛ وعلى الجانب الآخر، يصفه المؤرخ ستابس بأنه «ولد عاق، وزوج سيء، وحاكم أناني، ورجل خبيث.» وعلى الرغم من مولده في أكسفورد، فلم يتحدث الإنجليزية. وخلال عهده الذي دام عشر سنوات، لم يمكث في إنجلترا لمدة تزيد عن ستة أشهر، وغاب عنها تمامًا في الخمس سنوات الأخيرة.

لم يكن لريتشارد ورثة شرعيين، فقط لديه ابن غير شرعي هو فيليب الكونجاكي. لذا، خلفه شقيقه جون ملك إنجلترا.[1] ومع ذلك، رفضت أراضيه الفرنسية خلافة جون له، وفضلت ابن أخيه آرثر الأول دوق بريتاني ابن شقيقه الراحل جيوفري. كان عدم وجود وريث مباشر لريتشارد الخطوة الأولى تجاه حل الإمبراطورية الأنجوية. ورغم أن ملوك إنجلترا ضغطوا للمطالبة بأراضيه في القارة، إلا أنهم لم يتمكنوا أبدًا من حكمها مرة أخرى.

فلكلور العصور الوسطى

في حوالي منتصف القرن الثالث عشر، نشأت عدد من الأساطير حول أسر ريتشارد، فقالوا أن المغني بلوندل دي نيسل جاب أوروبا من قلعة إلى قلعة، وهو يصيح بأغنية لا يعرفها سوى اثنين هو وريتشارد.[140] إلى أن وصل في النهاية إلى المكان الذي كان ريتشارد محتجزًا فيه، فسمع ريتشارد الأغنية، وأكمل باقي الأغنية، فعرف بلوندل مكان سجنه. كانت القصة الأساس الذي أوبرا أندريه غريتري ريتشارد قلب الأسد، ويبدو أنها كانت ملهمة لريتشارد ثورب في مقدمة الفيلم السينمائي إيفانهوي عام 1952. لكنها لا تبدو قصة حقيقية تتناسب مع بلوندل المنشد الأرستقراطي. كما لا تتوافق مع الواقع التاريخي، حيث لم يخف آسري الملك حقيقة أسره، بل على العكس، فقد أعلنوا ذلك.[141]

وبحلول القرن السادس عشر، بدأت قصص روبن هود في الظهور، التي صورته كمعاصر ومؤيد للملك ريتشارد قلب الأسد، مما اضطر روبن للخروج عن القانون خلال حكم جون شقيق ريتشارد الشرير، في الوقت الذي كان فيه ريتشارد بعيدًا في الحملة الصليبية. وعلى الرغم من أن هذه القصة تزايدت شعبيتها، إلا أنها بالتأكيد لم تكن شائعة في القصائد التي عاصرت تلك الفترة.

في الأعمال الفنية المعاصرة

الشعار الذي استخدمه ريتشارد الأول في نهاية عصره.

ظهر ريتشارد كشخصية رئيسية أو ثانوية في العديد من الأعمال، سواء المكتوبة أو السمعية البصرية. فظهر مرتبطًا بشخصية روبن هود في رواية والتر سكوت ايفانهو والعديد من الأعمال المبنية على الرواية، كذلك في عدد من الأفلام عن روبن هود. كما كان أحد الشخصيات الرئيسية في رواية سكوت الطلسم التي تدور أحداثها خلال الحملة الصليبية الثالثة، والتي صورت فيلمًا عام 1954 بعنوان الملك ريتشارد والصليبيين، لعب فيه جورج ساندرز دور ريتشارد وريكس هاريسون دور صلاح الدين الأيوبي. كما ظهر في العديد من الأعمال التي تناولت الحملة الصليبية الثالثة وتوابعها. كما دارت أوبرا ريكاردو بريمو لجورج فريدريك هاندل حول غزو ريتشارد لقبرص.

لعب شون كونري دور ريتشارد مع كيفين كوستنر في فيلم روبن هود: أمير اللصوص عام 1991، كما مثلّه أنتوني هوبكنز في فيلم أنطوني هارفي الأسد في الشتاء عام 1968، كما ظهرت شخصية ريتشارد الأول في مشهد عابر في نهاية فيلم مملكة السماء من إخراج ريدلي سكوت، والذي قام فيه إيان غلين بالدور. وفي الفيلم الملحمي روبن هود الذي أخرجه سكوت أيضًا عام 2010، مثل داني هيوستن دور ريتشارد الأول، تناول الفيلم وفاة الملك أثناء حصار قلعة تشالوس، وجعل إعادة تاجه إلى إنجلترا من مسئولية روبن هود. وعربيًا، أدى الممثل حمدي غيث دور ريتشارد قلب الأسد في فيلم الناصر صلاح الدين من إخراج يوسف شاهين.

هوامش

  • 1 يُعد ريتشارد ثاني ملوك الإمبراطورية الأنجوية بعد أبيه هنري الثاني.
  • 2 كان ريتشارد لا يزال مخطوباً من أليس عندما تزوج برنجاريا.
  • 3 تناولت العديد من المؤلَّفات موضوع العلاقة بين ريتشارد وصلاح الدين الأيوبي وقيل أنها كانت علاقة تنمّ عن احترام متبادل، فقد كان ريتشارد يعتبر صلاح الدين فارسًا شهمًا يجمع صفات الشهامة والنبالة التي يُبجّلها الفرسان الأوروبيّون، وقد أرسل صلاح الدين طبيبه الخاص إلى ريتشارد عندما كان الأخير مريضًا وأرسل له حملًا من الفاكهة.[142][143] وعندما فقد ريتشارد جواده في إحدى المعارك أرسل له صلاح الدين حصانًا (أو اثنين) عربيًّا مُطهَّمًا.[144]

انظر أيضًا

روابط خارجية

المراجع

فهرس المراجع
  1. Peter Saccio Leon D. Black (2000). "Shakespeare's English Kings: History, Chronicle, and Drama" (Chapter VIII, John, The Legitimacy of the King; The Angevin Empire). Oxford University Press
  2. العنوان : Kindred Britain
  3. معرف ملحن في ميوزيكاليكس: https://musicalics.com/de/node/93913 — تاريخ الاطلاع: 5 أبريل 2022
  4. المؤلف: المكتبة الوطنية الفرنسية — العنوان : BnF catalogue général — الناشر: المكتبة الوطنية الفرنسية — وصلة : مُعرِّف المكتبة الوطنيَّة الفرنسيَّة (BnF) — تاريخ الاطلاع: 8 أكتوبر 2016
  5. Turner & Heiser 2000، صفحة 71
  6. Maalouf 1984، صفحة 318 نقلاً عن المؤرخ بهاء الدين بن شداد، p. 239
  7. Addison 1842، صفحات 141–149.
  8. Flori 1999 (French)، صفحة 20.
  9. Harvey 1948، صفحات 62–64
  10. Harvey 1948، صفحة 58.
  11. Flori 1999، صفحة 1.
  12. Gillingham 2002، صفحة 24.
  13. Flori 1999، صفحة ix.
  14. Flori 1999، صفحة 2.
  15. Flori 1999، صفحة 28.
  16. Gillingham, John (1979), p 32.
  17. Gillingham 2002، صفحة 28.
  18. Flori 1999، صفحة 10.
  19. Leese 1996، صفحة 57.
  20. King Richard the Lionheart نسخة محفوظة 06 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  21. Prestwich, J.O., p, 76.
  22. Stafford, P. et al. pp. 168-169.
  23. Brewer 2000، صفحة 41.
  24. Charles Cawley (28 أكتوبر 2008)، Kings 1066-1603.htm "England Kings"، Medieval Lands، Foundation of Medieval Genealogy، مؤرشف من الأصل في 6 أكتوبر 2018، اطلع عليه بتاريخ 20 يناير 2010. {{استشهاد ويب}}: تحقق من قيمة |مسار أرشيف= (مساعدة)
  25. Flori 1999، صفحات 23–25.
  26. Flori 1999، صفحات 26–27.
  27. Flori 1999، صفحات 25, 28.
  28. Flori 1999، صفحات 27–28.
  29. Flori 1999، صفحة 29.
  30. Flori 1999، صفحات 29–30.
  31. Gillingham 2002، صفحة 40.
  32. Flori 1999، صفحات 31–32.
  33. Flori 1999، صفحة 32.
  34. Flori 1999، صفحات 32–33.
  35. Gillingham 2002، صفحة 41.
  36. Gillingham 2002، صفحات 49–50.
  37. Gillingham 2002، صفحة 48.
  38. Flori 1999، صفحة 33.
  39. Flori 1999، صفحات 34–35.
  40. Gillingham 2002، صفحة 49.
  41. Flori 1999، صفحات 33–34.
  42. Flori 1999، صفحة 35.
  43. Gillingham 2002، صفحات 50–51.
  44. Gillingham 2002، صفحة 50.
  45. Flori 1999، صفحة 36.
  46. Gillingham 2002، صفحة 52.
  47. Flori، صفحة 41.
  48. Flori، صفحات 41–42.
  49. Roger of Hoveden, Gesta Henrici II Benedicti Abbatis, vol. 1, p. 292
  50. Roger of Hoveden & Riley 1853، صفحة 64 "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 4 ديسمبر 2013، اطلع عليه بتاريخ 10 يونيو 2013.
  51. Martin 18 March 2008
  52. "Philip II." Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica 2008 Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2008
  53. Smedley (1836), p. 58
  54. Warren (2000), p.625.
  55. Gillingham 2002، صفحة 107.
  56. Flori 1999 (French)، صفحات 94–95.
  57. Flori 1999 (French)، صفحة 95.
  58. Forge, p.30-31
  59. Flori 1999 (French)، صفحات 319–320.
  60. Flori 1999 (French)، صفحة 100.
  61. Flori 1999 (French)، صفحات 97–101
  62. Fryde, et al. Handbook of British Chronology p. 84
  63. Flori 1999 (French)، صفحة 101
  64. Flori 1999 (French)، صفحة 99
  65. Stubbs, William, "'The Constitutional History of England, vol. 1, pp.550–551
  66. Gillingham 2002، صفحة 118.
  67. Flori 1999 (French)، صفحة 111
  68. Flori 1999 (French)، صفحة 114
  69. Flori 1999 (French)، صفحة 116
  70. Flori 1999 (French)، صفحة 117
  71. Flori 1999 (French)، صفحات 124–126
  72. Flori 1999 (French)، صفحات 127–128
  73. Flori 1999 (French)، صفحة 131.
  74. Flori 1999 (French)، صفحة 132.
  75. Flori 1999 (French)، صفحات 133–134.
  76. Flori 1999 (French)، صفحة 134.
  77. Flori 1999 (French)، صفحات 134–136.
  78. Flori 1999 (French)، صفحة 137.
  79. Flori 1999 (French)، صفحة 138.
  80. نقلا عن الموسوعة العربية العالمية - قبرص - نبذة تاريخية
  81. Abbott, Jacob, History of King Richard the First of England, Harper & Brothers 1877
  82. Richard I. by Jacob Abbot, New York and London Harper & Brothers 1902
  83. Harvey, pp.33–4. There is a mention of this question in Richard, A., Histoire des comtes de Poitout, 778–1204, vol. I–II, Paris, 1903, t. II, p. 130, cited Flori 1999 (French)، صفحة 448, however.
  84. Summarised in McLynn, pp.92–3.
  85. Roger of Hoveden, The Annals, trans. Henry T. Riley, 2. Vols. (London: H.G. Bohn, 1853; repr. New York: AMS Press, 1968)
  86. McLynn, p.93; see also Gillingham 1994، صفحات 119–139.
  87. Burgwinkle, pp.73–4.
  88. As cited in Flori 1999 (French)، صفحة 448 see for example Brundage, Richard Lion Heart, New York, 1974, pp. 38, 88, 202, 212, 257; Runciman, S., A History of the Crusade, Cambridge, 1951–194, t. III, pp. 41ff.; and Boswell, J., Christianity, Social Tolerance and Homosexuality, Chicago, 1980, p. 231ff.
  89. Gillingham 1994، صفحات 119–139.
  90. Gillingham 1994، صفحات 119–139
  91. Flori 1999 (French)، صفحة 448. According to Flori, this change is due to greater social acceptance of homosexuality.
  92. Flori 1999 (French)، صفحات 456–462.
  93. Flori 1999 (French)، صفحة 463.
  94. Flori 1999 (French)، صفحة 464.
  95. Flori 1999 (French)، صفحات 454–456. Contemporaneous accounts refer to various signs of friendship between the two when Richard was at Philip's court in 1187 during his rebellion against his father Henry II, including sleeping in the same bed. But, according to Flori and Gillingham, such signs of friendship were part of the customs of the time and cannot be interpreted as indicating homosexuality of either man.
  96. ريتشارد قلب الأسد نسخة محفوظة 17 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
  97. الدواداري 1972، صفحة 108-109
  98. Runciman p.53/3
  99. Richard The Lionheart Massacres The Saracens, 1191, Beha-ed-Din, his account appears in Archer, T.A., The Crusade of Richard I (1889); Gillingham, John, The Life and Times of Richard I (1973). نسخة محفوظة 29 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  100. ابن كثير (2008)، البداية والنهاية، الجزء الثامن، أحداث 587 هـ، القاهرة: دار التوفيقية للطباعة، ص. ص 466-472.
  101. Gillingham (1979), pp. 198-200.
  102. البداية والنهاية لابن كثير - سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ذكره ابن كثير باسم المركيس (المركيز) نسخة محفوظة 10 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  103. Runciman p.64-65/3
  104. Gillingham (1979), pp. 209-212
  105. ابن الأثير (2008)، الكامل في التاريخ، الجزء العاشر، أحداث 588 هـ، القاهرة: دار التوفيقية للطباعة، ص. ص 218-228.
  106. Richard I. by Jacob Abbott, New York and London Harper & Brothers 1902
  107. Arnold, p. 128
  108. تشيشولم, هيو, المحرر (1911)، "Richard I" ، موسوعة بريتانيكا (باللغة الإنجليزية) (ط. الحادية عشر)، مطبعة جامعة كامبريدج.
  109. Flori 1999 (French)، صفحات 188–189.
  110. Longford 1989، صفحة 85.
  111. Madden 2005، صفحة 96[تحقق من المصدر]
  112. Geoghegan, Tom (01 مارس 2011)، "Why is King John the classic villain?"، BBC، مؤرشف من الأصل في 19 أبريل 2019، اطلع عليه بتاريخ 04 فبراير 2012.
  113. Purser 2004، صفحة 161.
  114. Gillingham 2004.
  115. Gillingham 2002، صفحات 303–305.
  116. Gillingham 2002، صفحة 301.
  117. Turner 1997، صفحة 10.
  118. Packard 1922، صفحة 20.
  119. Gillingham 2002، صفحات 302–304
  120. Allen Brown 2004، صفحة 112.
  121. Allen Brown 1955، صفحات 355–356.
  122. McNeill 1992، صفحة 42.
  123. Gillingham 2002، صفحة 304.
  124. Gillingham 2002، صفحة 303.
  125. Liddiard 2005، صفحات 112–113.
  126. Allen Brown 2004، صفحة 113.
  127. Allen Brown 1976، صفحة 62.
  128. Oman 1991، صفحة 33.
  129. Ralph of Coggeshall, Chronicon Anglicanum, p. 94
  130. "King Richard I of England Versus King Philip II Augustus"، Historynet.com، 23 أغسطس 2006، مؤرشف من الأصل في 12 مارس 2008، اطلع عليه بتاريخ 04 فبراير 2012.
  131. Gillingham 1989، صفحة 16.
  132. Flori 1999 (French)، صفحات 233–254.
  133. Although there are numerous variations of the story's details, it is not disputed that Richard did pardon the person who shot the bolt, see Flori 1999 (French)، صفحة 234.
  134. Flori 1999 (French)، صفحة 238.
  135. Flori 1999 (French)، صفحة 235.
  136. Charlier, Philippe (28)، "The embalmed heart of Richard the Lionheart (1199 A.D.): a biological and anthropological analysis"، Nature، مؤرشف من الأصل في 22 مايو 2015، اطلع عليه بتاريخ 02 مارس 2013. {{استشهاد بدورية محكمة}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (مساعدة)، الوسيط author-name-list parameters تكرر أكثر من مرة (مساعدة)
  137. Flori 1999 (French)، صفحات 484–485.
  138. Andrew Holt، "Jonathan Phillips"، Crusades-encyclopedia.com، مؤرشف من الأصل في 28 أبريل 2019، اطلع عليه بتاريخ 30 مارس 2012.
  139. Flori 1999 (French)، صفحة 322.
  140. Flori 1999 (French)، صفحات 191–192.
  141. Flori 1999 (French)، صفحة 192.
  142. ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية 3/193
  143. ابن كثير: البداية والنهاية الجزء الثاني عشر
  144. ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية 3/138
معلومات المراجع كاملة
  • Addison, Charles (1842)، The History of the Knights Templars, the Temple Church, and the Temple، London: Longman, Brown, Green, and Longmans، مؤرشف من الأصل في 06 سبتمبر 2019
  • Arnold, B (1999) [1985]، German Knighthood 1050–1300، Oxford: Clarendon Press، ISBN 0-19-821960-1
  • Allen Brown, R (1976) [1954]، Allen Brown's English Castles، Woodbridge: The Boydell Press، ISBN 1-84383-069-8
  • Brewer, Clifford (2000)، The Death of Kings، London: Abson Books، ISBN 978-0-902920-99-6
  • Cannon, John & Hargreaves, Anne (eds). Kings and Queens of Britain, Oxford University Press 2001, 2004, ISBN 0-19-860956-6. Richard I, by John Gillingham
  • Flori, Jean (1999)، Richard the Lionheart: Knight and King، ترجمة Jean Birrell، Edinburgh: Edinburgh University Press، ISBN 978-0-7486-2047-0
  • Flori, Jean (1999 (French))، Richard Coeur de Lion: le roi-chevalier، Paris: Biographie Payot، ISBN 978-2-228-89272-8 {{استشهاد}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  • Gillingham, John (1979)، Richard the Lionheart، New York: Times Books، ISBN 0-8129-0802-3
  • Gillingham, John (1989)، Richard the Lionheart، Butler and Tanner Ltd،
  • Gillingham, John (1994)، Richard Coeur De Lion: Kingship, Chivalry And War In The Twelfth Century، London،
  • Gillingham, John (2002) [1999]، Richard I، London: Yale University Press، ISBN 0-300-09404-3
  • Gillingham, John (2004)، "Richard I (1157–1199), king of England"، Oxford Dictionary of National Biography، مؤرشف من الأصل في 28 مارس 2020، اطلع عليه بتاريخ 22 ديسمبر 2009
  • Graetz, H. Bella Löwy؛ Bloch (1902)، History of the Jews، Jewish Publication Society of America،
  • Harvey, John (1948)، The Plantagenets، Fontana/Collins، ISBN 0-00-632949-7
  • Leese, Thelma Anna (1996)، Royal: Issue of the Kings and Queens of Medieval England, 1066–1399، Heritage Books Inc، ISBN 978-0-7884-0525-9
  • Liddiard, Robert (2005)، Castles in Context: Power, Symbolism and Landscape, 1066 to 1500، Macclesfield: Windgather Press Ltd، ISBN 0-9545575-2-2
  • Longford, Elizabeth (1989)، "I+am+born+of+a+rank+which+recognizes+no+superior+but+God"&dq="I+am+born+of+a+rank+which+recognizes+no+superior+but+God"&pgis=1 The Oxford Book of Royal Anecdotes، Oxford University Press، ISBN 0-19-214153-8، مؤرشف من "I+am+born+of+a+rank+which+recognizes+no+superior+but+God"&dq="I+am+born+of+a+rank+which+recognizes+no+superior+but+God"&pgis=1 الأصل في 28 مارس 2020
  • Maalouf, Amin (1984)، "L'impossible rencontre"، في J'ai lu (المحرر)، Les Croisades vues par les Arabes (باللغة الفرنسية)، ص. 318، ISBN 2-290-11916-4 {{استشهاد}}: الوسيط غير المعروف |part= تم تجاهله (مساعدة)
  • Madden, Thomas F. (2005)، Crusades: The Illustrated History (ط. annotated, illustrated)، University of Michigan Press، ISBN 0-472-03127-9
  • Martin, Nicole (18 مارس 2008)، "Richard I slept with French king 'but not gay'"، The Daily Telegraph، ص. 11، مؤرشف من الأصل في 09 ديسمبر 2019.
  • "Bed-heads of state"، The Daily Telegraph، 18 مارس 2008، ص. 25، مؤرشف من الأصل في 07 ديسمبر 2008.
  • McNeill, Tom (1992)، English Heritage Book of Castles، London: English Heritage and B. T. Batsford، ISBN 0-7134-7025-9
  • Oman, Charles (1991) [1924]، A History of the Art of War in the Middle Ages, Volume Two: 1278–1485 AD، Greenhill Books،
  • Packard, Sydney (1922)، "King John and the Norman Church"، The Harvard Theological Review، Cambridge University Press، ج. 15، ص. 15–40
  • Prestwich, J.O. (2004) The Place of War in English History, 1066-1214. Boydell Press.
  • Purser, Toby (2004)، Medieval England 1042–1228 (ط. illustrated)، Heinemann، ISBN 0-435-32760-7
  • Ralph of Coggeshall, Chronicon Anglicanum
  • Roger of Hoveden؛ Riley (1853)، The annals of Roger de Hoveden: comprising The history of England and of other countries of Europe from A.D. 732 to A.D. 1201، London: H.G. Bohn، ج. 2
  • Roger of Hoveden, Gesta Regis Henrici II & Gesta Regis Ricardi Benedicti Abbatis, ed. William Stubbs, 2 vols, (London, 1867), available at Gallica.
  • Roger of Hoveden, Chronica Magistri Rogeri de Houedene, ed. William Stubbs, 4 vols, (London, 1868–71), available at Gallica.
  • Stafford, P., Nelson, J.L and Martindale, J. (2002) Law, Laity and Solidarities. Manchester University Press.
  • Turner, Ralph (1997)، "Richard Lionheart and English Episcopal Elections"، Albion: A Quarterly Journal Concerned with British Studies، The North American Conference on British Studies، ج. 29، ص. 1–13
  • Turner؛ Heiser (2000)، The Reign of Richard Lionheart, Ruler of the Angevin empire, 1189–1199، Harlow: Longman، ISBN 0-582-25659-3
  • Smedley, Edward. The History of France, from the final partition of the Empire of Charlemagne to the Peace of Cambray. London: Baldwin and Cradock, 1836.
  • Fryde, E. B. (1996)، Handbook of British Chronology (ط. Third revised)، Cambridge, UK: Cambridge University Press، ISBN 0-521-56350-X. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط author-name-list parameters تكرر أكثر من مرة (مساعدة)
  • الدواداري, أبو بكر بن عبد الله بن أيبك (1972)، كنز الدرر وجامع الغرر ج7 - الدر المطلوب في أخبار ملوك بني أيوب.
سبقه
هنري الثاني ملك إنجلترا
ملك إنجلترا

1189–1199

تبعه
جون ملك إنجلترا
سبقه
هنري الثاني ملك إنجلترا
كونت أنجو

1189–1199

تبعه
آرثر الأول دوق بريتاني
سبقه
هنري الثاني ملك إنجلترا
دوق النورماندي

1189–1199

تبعه
إليانور آكيتيان وجون ملك إنجلترا
سبقه
هنري الثاني ملك إنجلترا
كونت مين

1186–1199

تبعه
إليانور آكيتيان وجون ملك إنجلترا
سبقه
إليانور آكيتيان وهنري الثاني ملك إنجلترا
دوق أقطانية مع إليانور آكيتيان

1186–1199

تبعه
إليانور آكيتيان وجون ملك إنجلترا
  • بوابة أعلام
  • بوابة العصور الوسطى
  • بوابة ملكية
  • بوابة تاريخ أوروبا
  • بوابة المرأة
  • بوابة المملكة المتحدة
  • بوابة إنجلترا
  • بوابة فرنسا

This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.