شعر المحاورة
شعر المحاورة هو فن من الفنون الأدبية الشعرية عرف حديثاً في الحجاز ثم امتد للمناطق الأخرى في الجزيرة العربية، بينما تعود جذوره إلى شعر النقائض، الذي كان شائعاً عند العرب منذ زمن بعيد. ولشعر المحاورة جمهور كبير وله عدة مسميات مختلفة منها: (المحاورة، الردِّية، القلطة).[1] يعتمد شعر المحاورة على سرعة البديهة إذ هو شعر مرتجل يدور بين شاعر وآخر مباشرة في زمان ومكان واحد، وهو أيضا شعر غنائي يؤدى على لحن معين يسمى (الطرق).[2]
تعريفه
هو كل كلام موزون مقفى له معنى ينشد ارتجالا بين إثنين على الأقل ويعتمد على الفتل والنقض في حينه. شرح التعريف: (هو كل كلام) لأن الأصل في الشعر كلام كسائر كلام البشر، وميّزه بقوله: (موزون) ولذلك حتى يدخله في دائرة الشعر ومعنى موزون أي يعتمد هذا الكلام على الأوزان الشعرية ويشار إليها بقولهم ((الطرق)) وتجمع على صيغة ((طواريق)) ويمكننا أن نجد مصوغ لهذه التسمية (الطرق) حيث لو عدنا بالذاكرة لزمن الخليل بن أحمد لوجدناه قد لفت انتباهه لعلم العروض هو (طرق النحاسين لزخرفة قطع النحاس) وكذلك لاعتماد الوزن على شيء من الطرق وربما كان أصل استخدام الاصطلاح ((طرق)) من الطريق فيصفون كل بحر من بحور الشعر بالطريق المختلف وهكذا نجد أن تسمية الوزن أو البحر العروضي بالطرق أفضل من غيرها لأن غيرها فيه مبالغة مثل أصطلاح البحر وهذا غير جيد لأن البحور كلها في الطبيعة متشابهة في أصلها من حيث أنها مياه شديدة الملوحة ولكن أوزان الشعر العربي مختلفة، والوزن في شعر العربي هو وضع قالب معين للكلام بالاعتماد على حركات الحروف والفيصل في الحركات الساكن منها حيث أن المتحركات (الفتحة والضمة والكسرة) تعتبر متشابهه والفرق يكون في الحرف الساكن (السكون) وأوزان الشعر العربي قديمة جدا ومختلفة وأول من كتب عنها الخليل بن أحمد الفراهيدي ووضع له تفاعيل وسمي ذلك العلم بعلم العروض واكتشف 16 بحرا وفي الشعر النبطي العامي توجد بحور أو طواريق يصعب حصرها ولكنها تعتمد على نفس فكرة التفعيلة وكذلك القافية. ثم قال المعرف في تعريفه: (مقفى) وهو هنا يقصد الألتزام بوحدانية القافية والقافية هي الحروف الأخيرة في كل شطر بأنواعها المتعددة ومنها اشتق اسم الشعر بالقوافي وهو المكمل الثاني للشعر العربي بعد الوزن تأتي ألزامية القافية. ثم قال:(له معنى) وهنا يحاول المعرّف التفريق بين الكلام الغير مفهوم وهو الذي لا معنى له والكلام المفهوم الذي له معنى وهنا يشدد التعريف على أصطلاح المعنى لأن المطلب الأساس في المحاورة المعنى وكما سوف نشاهد لاحقا اعتماد شعر المحاورة على المعنى وسوف نشرح ما يقولون عنه (دفن المعنى). ثم قال: ( يُنشد) أي يتم غناءه بلحن معين، ثم قال: (أرتجالا) أي يتم نظم الأبيات ارتجاليا مما يعني عدم تحضيره مسبقا، ثم قال: (بين أثنين ) يقصد الشعراء على الاقل شاعرين وأكثرهم أربعة شعراء. ثم قال: ( يعتمد على الفتل والنقض) والفتل والنقض أهم اصطلاحين في شعر المحاورة والفتل من فتل الحبال فيها استعارة ويقصد بها بدع أو نظم البيت الأول كأن يقول شاعر (سلام) فيجب على الشاعر المقابل بالنقض فيقول (و عليك السلام أو مرحبا وهكذا) وفي الفتل والنقض تفصيل سوف يأتي في حينه ويجب الالتزام بهما كأن يقول أحدهم (الشمس مشرقه) يلزم الشاعر الأخر أن يقول (الشمس غائبه) وهذا مجرد مثل لتقريب وتوضيح الصورة. ثم قال: (في حينه) يقصد في نفس زمان ومكان المحاورة الحدث وتأكيد على الارتجالية.
تاريخ شعر المحاورة
بدأ وأشتهر شعر المحاورة في القرون الأخيرة، ولكن لايعلم متى بدايتة الحقيقية، حيث وصلت نصوص حوارية لشعراء قبل أكثر من مائة عام مثل محاورة بديوي الوقداني وشاعر لحياني -المصدر الازهار النادية الجزء الأول- وكذلك ما تحفظه الذاكرة لدى كثيرين من كبار السن وخصوصا في الحجاز. حيث لا يستبعد أن تكون أوّل بداية لشعر المحاورة هي تحدي بين شاعرين لاثبات الشاعرية وقوة الشعر وطبعا هي لم تكن بهذا الشكل الحالي بل ربما بدأت ببيت أو بيتين ثم تطورت للغناء لاثبات أن الأبيات موزونه ومن ثم أدخلت الصفوف وهكذا حتى صار هذا الشيء فن من الفنون الشعرية القوية والمحترمة.
ويوجد في الحجاز فن قديم كذلك اسمه الرديح وهو مثل شعر المحاورة ولكن يعتمد على ما يعرف بالكسرات و (الكسرات) هي شعر على الوزن (طرق الهجيني البسيط) وله نفس مقومات المحاورة وأن كان الرديح أقصر مدة وسبب قولي بأن الرديح أقدم من المحاورة لأن الرديح ابسط من المحاورة وبما أن شكله بدائي - وليس في هذا أي انتقاص للرديح ولكن لأن الرديح يعتمد على وزن واحد فقط- لذلك ربما هو أصل المحاورة وكذلك لاقتصار الرديح على منطقة الحجاز.
المسميات
توجد عدة مسميات لشعر المحاورة والمسمّى الذي نعتمده هنا (شعر المحاورة) هو مسمّى حديث جدا يكاد الكل يتفق عليه. ولكن هناك تسميات قديمه مثل (رديّه) وهي صحيحة لأن الشعر يعتمد على الرد لذلك تجدهم قديما يقولون (سلام رديّة) أي سلام على الملعبة والملعبة هو مكان حدوث المحاورة، وكذلك توجد تسمية قديمة وهي (المبادعة) وهي كذلك صحيحة لاعتمادها على بدع القوافي أي تأليفها ارتجاليا، وتوجد تسمية غير حجازية لهذا الفن لدى المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية وما جاورها وهي اصطلاح (قلطة) وهذه التسمية غير صحيحة وليس لها أصلا في الحجاز لأنها تخالف معنى المحاورة وليس لها دلالات منطقية مثل ردية أو محاورة أو مبادعة والتي يفهم من (الأخرى) معنى الشعر أو الارتجال أو الحوار ولكن (قلطة) مشتقه من كلمة (أقلط) ومعنى يقلط أو أقلط -و هي كلمة شمالية- معناها تفضل سواء بالدخول أو على الطعام و (أقلط) موجودة في الحجاز قديما وتستخدم في نطاق ضيق الآن ولكن لا تناسب الموضوع الذي نحن نتحدث عنه وهذه التسمية من الأخطاء الشائعة، وبما أن الفن الذي نتحدث عنه أصله حجازي وبما أن أهل الحجاز لا يصفون هذا الفن بهذه التسمية (قلطة) لذلك نحن نستبعد هذه التسمية ولا نرى استخدامها.
أركان شعر المحاورة
لقد وضع أحد المهتمين بهذا الفن[من؟] أركانا لشعر المحاورة وقال بأنها سبعة أركان وهي كالآتي:
- الوزن: وهو ما يعرف بالطرق وهو من أهم الأشياء الواجب الالتزام به وحسب نوعه.
- القافية: وهي ما يسمونها بالوقفات وهي في الغالب الاعم قافيتين مثبته في شطر كل بيت وثلاث قوافي في حال وجود موال تتغير مع كل موال، والوقفات يمكن ان تكون ثلاث أو اربع ويمكن وجود لزمة ثابته في البيت في مثل قولهم (رفرف يا علم).
- الفتل: وهو البدع الأول الذي يحتاج لرد في مثل قولهم (سلام ردية).
- النقض: وهو الرد على الفتل وهو واجب الحدوث في مثل قولهم (يا هلا أو أيا مرحبا) كردا على السلام السابق له.
- والنقض والفتل وجد حتى يمنع من تحضير الأبيات واثبات الارتجالية ويستمر الفتل والنقض بين الشاعرين إلى ان يشيب القاف أو ينتهي المعنى.
- المعنى: هو المقصود أو الغرض من المحاورة وفيه دفن وفيه كشف.
- اللحن: هو قول الأبيات بصوت ملحّن أو غناء الأبيات أو إنشادها والمجال فيه واسع.
- الارتجال: وهو عدم تحضير أبيات الشعر مسبقا.
أنواع المحاورة
يمكن تقسيم المحاورة بالاعتماد على المعنى لنوعين لا ثالث لهما وهي:
- محاورة فاضلة: وهي التي تكون ذات معاني سامية سواء عن الساحة الشعرية أو سياسية أو اجتماعية سواء كان المعنى مدفونا أو مكشوفا.
- محاورة فضولية: وهي المحاورات التي تعتمد على النعرات القبيلة والشتم والسب والذم المباشر وما يقال له (نزول) لو صح التعبير.
الفتل والنقض
الفتل هو بيت الشعر الذي يحتوي على معنى قابل للنقض، والنقض هو بيت الشعر الذي ورد فيه نقضا لبيت الفتل.
عليه يكون الفتل سابقا للنقض والنقض لازما ولاحقا للفتل، والفتل على سبيل المثال في مثل قول الشاعر (سلام ردية) فيرد الآخر (هلا أو مرحبا) وهكذا، وأكثر صور النقض هي النفي والمعارضة أو ان يصف الشاعر الثاني بان الشاعر الأول كاذب. عليه يكون النقض واجب، والفتل حاصل في كل بيت له معنى. وان لم يجد الشاعر حيلة للنقض يلزمه المبالغة وايراد بيتا أكثر حكمة أو قوة، أو ان يعترف الشاعر الملزم بالنقض بصحة رأي الشاعر الذي فتل معناه.
دفن المعنى
من الاصطلاحات المشهورة في المحاورة (دفن المعنى) والمقصود منه الرمزية أو التورية أو الحديث بشكل ألغاز وحقيقة أن دفن المعنى سلاح ذو حدين، أي أنه ربما وجد شاعر لم يستطيع فهم المعنى المدفون والذي رمز له الشاعر المقابل له، فيستمر الشاعراان في الرمزية كأن يكونان الشاعران كل منهم قد دفن معنى مخالف لكلا المعنيين، وإذا نجح الشاعر في الرمزية واكتشف الشاعر المقابل له المقصود من المعنى المدفون تكون المحاورة في أجمل صورها. وغالبا ما يحدث دفن المعنى في المعاني السياسية وحقيقة أن أكثر محاورات كبار شعراء المحاورة ذات معاني سياسية مدفونة بشكل محكم ومما يلزم دفن المعنى الرمزية كاستخدامهم لمفردة ذئب وهي في الغالب ترمز لشيء قوي أو ان يصف الشاعر نفسه بالذئب على سبيل المدح والفخر أو كلمة سيف للرمز للحكم أو كلمة حوت وهذه ترمز لدولة ما وغيرها من الرموز وسياق الكلام يحدد معنى الرمز لذلك لا يمكن أن نجزم بأن هذا الرمز للذلك المعنى.
الموال
و هو لون جديد نسبيا تم أدخاله على فن المحاورة في حدود عام 1411 هـ عن طريق كل من الشاعر بكر الحضرمي والشاعر عمر الخالدي. وهو من أنواع الشعر النبطي القديمة في الحجاز والمشهور باسم المجالسي حيث ينشد الشاعر ثلاث أشطر على قافية واحدة متغيره خلال كامل القصيدة والشطر الرابع تكون قافيته ثابتة ويقومون الجلوس بشيل أي غناء وترديد الشطر الرابع وهذا الفن حجازي كذلك لأن بدايته واشتهاره بالحجاز وسمي بالمجالسي لانه ينشد في المجالس وربما لأن الجالسين يرددون الشطر الأخير وقد تم تطويره في شعر المحاورة بتعدد الوقفات (القوافي) بتعدد أشكاله وهو كذلك يجوز فيه الفتل والنقض وهو عبارة عن بيتين من الشعر تكون قافية الأشطر الثلاث الأولى على وقفة واحدة ويكون الشطر الرابع على لازمة واحده كما قلنا قبل قليل ولكن في الموال يتم تثبيت الشطر الرابع بالكامل في مثل قولهم (يا عسى فالأمر خير ويا عسى فالأمر خيره، وأول من قال هذا الشطر هو الشاعر محمد الجبرتي)و غيرها.
و حقيقة أن الموالات اضافت شعبية جارفة لفن المحاورة لأن الموال في الأصل يعتمد على ألحان عذبة وأصوات ندية ولا يلزم الصفوف بشيل الأبيات مما يمنح الشاعر قدرة كبيرة على الإبداع، ولقد حدث تعجيز في الموالات بين الشعراء وكان التعجيز في الغالب في عدد الوقفات، ولقد حدثت طفرة كبيرة في الموالات وأصبح كل شاعر يستطيع أن يؤلف موال بشكل تعجيزي أو بشكل فني يعتمد على جمال الصوت واللحن.
الصفوف
كان في السابق يحضر كل شاعر عدد من الأشخاص يقومون بترديد الأبيات التي قالها (يشيلون البيت ومن هذه الكلمة أخذ بعض الخليجيين كلمة الشيلة) ثم يقوم الصف بترديد البيت أي غناءه وكل صف يشيل شطر ولكن مؤخرا أصبحت الصفوف لكل من رغب باللعب وكانت الصفوف سابقا بشكل دائري كل مجموعة من الأشخاص تتحلق حول بعضها البعض ويقومون بغناء الأبيات ولكن بعد وجود مكبرات الصوت أصبحت الصفوف تقف بشكل مستقيم ومما يعاب على صفوف الشباب الحاليين كثرة الصراخ والخروج من الصف والقفز وغيرها من حركات جديدة على المحاورة لم تكن موجودة سابقا وهذه التصرفات دخلت لدى بعض القبائل التي لم تعرف فن المحاورة إلا مؤخرا، ومما يعاب ويعتبر من أشد فظائع الصفوف أن يمتنع بعض أفراد الصف عن شيل البيت من باب الحمية لشاعرهم أو أن يقوم أحد الأفراد في الصف بتغير كلمة ولو بسيطة في بيت الشاعر وهذا العيب الأخير يعتبر قاتلا ويجب على الشاعر أن يطرد الشخص الذي يحاول مساعدته بتغير كلمة الشاعر المنافس، على العموم ما يجب على الصفوف الوقوف بشكل سليم واتباع دليل الصف أو الشخص القائد ويقال له (محيي اللعبة) وهو الذي يقوم بتوجيه الصف وجعله منسق ويقوم بالمحافظة على أفراد الصف من حيث التصفيق وترديد البيت والقفز بشكل بسيط جدا وكذلك لا يسمح لأحد افراد الصف بالخروج والقفز في ميدان اللعب.
مراجع
- "صحيفة الجزيرة"، مؤرشف من الأصل في 26 يونيو 2018، اطلع عليه بتاريخ 27 أبريل 2018.
- "شعر المحاورة"، www.al-jazirah.com، مؤرشف من الأصل في 26 يونيو 2018، اطلع عليه بتاريخ 05 أغسطس 2020.