مدينة بغداد المدورة

مدينة بغداد المدوّرة هي المقر الأصلي لبغداد، بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في عام 762-768م كمقر رسمي للحكومة العباسية.[1][2][3] أسمها الرسمي في العصر العصر العباسي هو مدينة السلام.

مدينة بغداد المدورة
إحداثيات 33°20′51″N 44°20′06″E  
مخطط لمدينة بغداد المدورة

بنيت على الضفة الغربية لنهر دجلة، وعلى قرية بغداد القديمة، واستغرق بنائها اربع سنوات، وبلغت مساحتها حوالي أربعة اميال. تم بناء المدينة على مرحلتين: أُنجِزت الأولى عام 146هـ وكانت هي أهم المرحلتين، وقد توقّف العمل بعدها ستة أشهر بسبب بعض الحركات المعارضة. الثاني: وهي المرحلة التكميلية، واستمرت ثلاث سنوات، ابتدأت من انتقال المنصور اليها عام 146هـ، وأُنجِزت عام 149هـ.

ومن أشهر الابنية في المدينة المدورة قصر الذهب وجامع المنصور ومكتبة دار الحكمة. ويعتبر تخطيط مدينة بغداد المدورة ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلامي، ولاسيما في المدن الأخرى التي شيدها العباسيون مثل مدينة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة. وإلى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنهما لغة الفن الإسلامي، وتقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح.

وهناك معالم لهذه المدينة، منها: الشكل المدور للمدينة وهو الذي ميّزها عن سائر مدن العالم حتى قال عنها اليعقوبي (ولا نعرف في جميع الأقطار مدينة غيرها)، وقد اشتهرت بغداد بهذا الشكل المدوّر حتى وُصِفت بالمدينة المدورة. ولها خندق أُحيطت به وقد شُقّت له قناة من نهر الكرخايا ليجري فيه الماء وهو أحد التحصينات العسكرية للمدينة. ولها سور خارجي طوله 20 ذراعاً، وارتفاعه 35 ذراعاً.تذكر الروايات التاريخية ان أبواب بغداد ثمانية، أمّا الأبواب الخارجية فأربعة هي (باب الكوفة / وباب البصرة / وباب الشام / وباب خراسان).

بناء بغداد

أسباب بناؤها[4]

تمثال باني بغداد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور

لما استخلف المنصور سنة 163ه، قرر تخاذ عاصمة له لما كانت العاصمة من الاهمية بمكان لكل دولة، وبعد دراسة مستفيضة وقع اختياره على موقع "بغداد" الذي وجد توفر كافة الصفات المطلوبة فيه حيث قال اليعقوبي عن المنصور،"وكان أول خليفة بنى مدينة فنزلها وهي مدينة بغداد".[5] ونظرا لأهمية العراق للعباسيين، حيث كان مركزا لنشاطهم وبه سكنوا وأهل بيتهم وبه تم أعلان خلافتهم لهذا اختار موقع بغداد الذي يتوسط العراق، فضلا عن قربه من المراكز العربية الأخرى. بالإضافة إلى أهمية موقعها العسكري حيث أستدعى المنصور صاحب بغداد ليسأله عن موقعها القديم فقال له "..أنت بين دجلة والفرات لا يجيئك أحد من المشرق والمغرب الا احتاج للعبور وأنت قريب من البر والبحر والجبل.[6] خاصة إذا علمنا ان الهدف الرئيسي من بناء بغداد كان عسكريا بالدرجة الأولى، بالإضافة لاهميتها الجغرافية حيث تتوسط العراق مع توفر الماء من نهري دجلة والفرات ومثل هكذا موقع يشبع رغبة المنصور والمسلمين الذين اعتادوا السكنى في المناطق المفتوحة، مضافا إلى ذلك اهمية موقعها من الناحية الاقتصادية فهو يقع على ملنقى الطرق التجارية البرية والمائية، إضافة إلى الأراضي الزراعية المحيطة به.أن أبو جعفر المنصور بنى الهاشمية قبالة مدينة ابن هبيرة بينهما عرض الطريق، وكانت مدينة ابن هبيرة التي بحيالها مدينة أبي جعفر الهاشمية إلى جانب الكوفة، وبنى المنصور أيضاً مدينة بظهر الكوفة سماها الرصافة. فلما ثارت الراوندية بأبي جعفر في مدينته التي تسمى الهاشمية، كره سكناها لاضطراب من اضطرب أمره عليه من الراوندية مع قرب جواره من الكوفة ولم يأمن أهلها على نفسه فأراد أن يبعد من جوارهم فذكر أنه خرج بنفسه يرتاد لها موضعاً يتخذه مسكناً لنفسه وجنده ويبتني به مدينة فبدأ فانحدر إلى جرجرايا ثم صار إلى بغداد ثم مضى إلى الموصل ثم عاد إلى بغداد فقال هذا موضع معسكر صالح هذه دجلة ليس بيننا وبين الصين شيء يأتينا فيها كل ما في البحر وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينية وما حول ذلك وهذا الفرات يجيء فيه كل شيء من الشام والرقة وما حول ذلك فنزل وضرب عسكره على الصراة وخط المدينة ووكل بكل ربع قائدًا.

البدء في بناء مدينة بغداد

اختيار أبي جعفر المنصور للموقع كان أوائل سنة 145ه/762م، وأول عمل قام به المنصور ان " أمر بخطها بالرماد فدخلها من ابوابها وفصلانها وطاقاتها وهي مخطوطة بالرماد.."وحينما باشر البناء ووصل الحائط مقدار قامة قطع العمل بسبب ثورة محمد النفس الزكية في اوائل رجب سنة 145ه وقد اشرف على تخطيطها كما ذكر الخطيب البغدادي " الحجاج بن ارطأة وجماعة من أهل الكوفة " وأمر المنصور بالعمل، فأحضر العمال وكانوا مئة ألف عامل، وهيأ لهم السكن في موقع العمل وحفرت الآبار للماء وعملت القناة التي تأخذ من نهر كرخايا، وأمر بحفر أساسات المدينة. وقد اهتم اهتماما كبيرا بطريقة بنائها من الناحية العسكرية فجعلها محصنة بحيث يصعب على العدو اقتحامها فقد صممت دائرية الشكل، يحيطها سور عرضه من أسفله 50 ذراعا، ومن أعلاه 20 ذراعا. وجعل فيه أربعة أبواب هي باب خراسان وباب البصرة وباب الكوفة وباب الشام.[6] وكان لها سور داخلي ثان يسمى " السور الأعظم " وهو الخط الرئيسي الدفاعي عن المدينة، لكونه أعلى من السور الخارجي، ولأحتوائه على 113 برجا دفاعيا، ويحوي هذا السور أربعة ابواب أيضا، فكان هذا الطراز ظاهرة معمارية جديدة تدل على الابداع والابتكار، وقد توقف العمل مدة ستة أشهر فكان ذلك سببا لخسائر فادحة في المواد، ثم عاد في صفر سنة 763 م في شهر حزيران فأستكمل بناء المدينة فنزلها، ونقل الخزائن وبيوت الاموال والدواوين اليها من الكوفة وسماها مدينة السلام.[7]

أما أعمال البناء الأخرى فقد استمر العمل فيها مدة ثلاث سنوات، فتم إكمال السور الخارجي، وحفر الخندق حوله، وأجرى الماء فيه، وما ان جاءت سنة 148ه/766 م، حتى اتخذت بغداد شكلها النهائي كحاضرة للدولة. وقد اختلف المؤرخون في مقدار النفقات فذكر بعضهم أنها بلغت 4 ملايين و833 ألف درهم.[8]

بناء مدينة الرصافة

كان لبناء الرصافة في عام 768م في الجانب الشرقي من بغداد اسباب سياسية تهدف إلى زيادة تأمين سلامة حاضرة الدولة الجديدة وأمنها. فقد عنى المنصور بانشاء خط دفاعي عن العاصمة فكانت الرصافة المجاورة لبغداد انسب مكان لاقامة مثل هذا الخط، أي ان سبب بناؤها كان امرين، اولهما: سياسي وثانيهما: عسكري. فأما السياسي، حيث ان الرصافة قبل بنائها كانت تعرف بمعسكر المهدي لأنه عسكر فيه حين خرج إلى الري[9] وان المنصور باشر ببناء قصر لابنه فيها، فأراد أن يخلد اسم ابنه كأثر له، أما من الناحية العسكرية فقد اهتم المنصور بتحصين العاصمة فقد اهتم بتحصين أغلب المدن ضمن خطة عسكرية شاملة أعدها لذلك.

مخطط لمدينة بغداد المدورة

مساحتها

مساحة بغداد قد بلغت حال انتهاء بناؤها 7945 كم ^2 حيث كان بين كل باب إلى الآخر خمسة الاف ذراع فكان محيط المدينة 10 كم. وقد أصبحت من اعظم مدن العالم آنذاك "فكان لا يعرف في اقطار الدنيا مدينة مدورة سواها[8] " فليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة وكبرا وعمارة...سكنها اصناف الناس وأهل الامصار وانتقل اليها من جميع البلدان القاصية والدانية وتحول مركز الثقل السياسي من دمشق اليها فاتجهت اليها الانظار، فعظم شأنها وقد استمرت مكانتها زمن احفاد المنصور، المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون لحين سقوطها سنة 656 ه على يد هولاكو.

المدينة المدورة من الناحية العمرانية

القصر العباسي في بغداد
مسجد الخلفاء في بغداد يعود للعصر العباسي

يعتبر بناء المدينة المدورة أكبر تجربة معمارية قام بها المنصور "فكان أول خليفة بنى مدينة فنزلها وهي مدينة بغداد"[5] لاعتمادها على نظام هندسي دقيق، وجهود عظيمة، بذلها الخليفة واصحابه، وان بناء المدينة على هذا الشكل كان من ابداع المنصور وابتكاره، وان هذا التخطيط كان نتاج الاستنباط في الفكر العربي الصميم.[8] ان التخطيط الدائري الذي اعتمده المنصور لم يعطها قدرا من النمو والاتساع، فاتجه الناس بعد ذلك إلى البناء خارج الاسوار فأنشئت حارة الكرخ خارج باب الكوفة واصبحت مدينة خاصة للتجار، وبنيت الرصافة في الجانب الشرقي من بغداد، وظلت المدينة قائمة خلال القرن الثالث الهجري، وآخر ذكر لابوابها كان سنة 307 ه، وان الاقسام الباقية من المدينة تداخلت تدريجيا مع الابنية التي قامت خلف اسوار بغداد القديمة وحولها، وأهم بناء قام خارج بغداد في أول عصرها كان بناء المنصور مدينة الرصافة لابنه المهدي

مكانتها العلمية والثقافية

يظهر واضحا من الاثار العلمية والادبية التي خلدتها، ويمكن القول انها فاقت دمشق عاصمة الامويين، وطغت شهرتها على القسطنطينية عاصمة الروم البيزنطيين، ولم تبلغ ايا من المدن الاسلامية المعاصرة لها ما بلغته بغداد من شهرة في هذا المضمار.وأنشأ بما يعرف ببيت الحكمة في بغداد وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض. وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين. كما تمت في عهده أول ترجمة إلى العربية لأشهر كتاب علمي عرف في التاريخ وهو "كتاب الأصول (الأركان) في الهندسة والعدد لإقليدس، وتطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية. كما أنشئ في عهده أول مصنع للورق ببغداد سنة 795 م وصار سوق الوراقين لاحقا الذي يضم مئات الحوانيت التي تبيع السلع الورقية الفاخرة مفخرة عاصمة العباسيين وكان ورق بغداد يقدر تقديرا عاليا في المنطقة حتى أن بعض المصادر البيزنطية تسمي الورق بصحف بغداد (Bagdatixon) في ربط مباشر بينه وبين مدينة بغداد.

المدرسة المستنصرية في بغداد
باب الحلبة أو الباب الوسطاني لبغداد
نهر دجلة في جانب الرصافة

المراجع

  1. Curatola, introduction by Donny George ; edited by Giovanni (2007)، The art and architecture of Mesopotamia (ط. 1st)، New York, N.Y.: Abbeville Press Publishers، ص. 156، ISBN 9780789209214. {{استشهاد بكتاب}}: |الأول1= has generic name (مساعدة)
  2. Wiet, Gastron (1971)، Baghdad: Metropolis of the Abbasid Caliphate، Univ. of Oklahoma Press.
  3. Hijazi, Abu Tariq (1994)، Islam : 01 AH - 250 AH : a chronology of events (ط. 1.)، New York: Message Publ.، ص. 159، ISBN 9781883591038.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة CS1: التاريخ والسنة (link)
  4. حسن فاضل زعيني العاني (1981)، سياسة ابي جعفر المنصور الداخلية والخارجية، الجمهورية العراقية: دار الرشيد للنشر.
  5. اليعقوبي (1962)، وليم ملورد (المحرر)، مشاكلة الناس لزمانهم، بيروت ط أولى ص 23، بيروت: دار الكتاب الجديد.
  6. ابن الجوزي (1342ه)، محمد بهجت الاثري (المحرر)، مناقب بغداد، ص 8، بغداد: مطبعة دار السلام.
  7. البلاذري، فتوح البلدان.
  8. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد.
  9. البلاذري، فتوح البلدان، 2/361.

مصادر

  1. سياسة المنصور ابي جعفر الداخلية والخارجية، حسن فاضل العاني، دار الرشيد للنشر، جمهورية العراق، عام 1981.
  2. مشاكلة الناس لزمانهم تحقيق وليم ملورد، مطبعة دار الكتاب الجديد بيروت ط أولى 1962 م ص 23.
  3. مناقب بغداد، لسبط ابن الجوزي، تصحيح محمد الاثري، مطبعة دار السلام، بغداد 1342 ه ص 8
  4. البلاذري، فتوح البلدان 2/361.لبل
  5. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد في روية—1/69
  • بوابة العراق
  • بوابة التاريخ
  • بوابة الدولة العباسية
  • بوابة بغداد
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.