مشكلة علاجية المنشأ

يُشير مصطلح مشكلة علاجية المنشأ (بالإنجليزية: Iatrogenesis)‏ إلى أي تأثير يتعرض له الشخص نتيجةَ نشاط قام به فرد أو أكثر من المتخصصين في الرعاية الصحية أو ممن يروجون لمنتجات أو خدمات على أنها مفيدة للصحة، إلا أنها لا تدعم صحة الشخص المتأثر.[1][2][3][4][5][6]

دعا البعض[7] إلى استخدام المصطلح للإشارة إلى جميع «التأثيرات الناتجة عن الفِرَق التي تقدم الرعاية الصحية» سواء كانت «إيجابية أو سلبية». يحصر الإجماع استخدام المصطلح في التعبير عن التأثيرات السلبية بما فيها -بالمعنى الواسع- الآثار السلبية غير المتوقعة والمتوقعة الناتجة عن الأدوية والتداخل العلاجي الطبي. تظهر بعض التأثيرات علاجية المنشأ بوضوح ويسهُل التعرف عليها، كالمضاعفات التي تتلو العمليات الجراحية (كالوذمة اللمفية الناتجة عن جراحة سرطان الثدي)، قد تتطلب التأثيرات الأقل وضوحًا كالتداخلات الدوائية المعقدة تقصيًا كبيرًا لتحديدها.

تشمل المشاكل علاجية المنشأ:

  • المضاعفات الناتجة عن إجراء طبي أو علاج ما
  • الإهمال
  • استخدام الأدوات الملوثة
  • القلق أو الانزعاج عند المريض أو الطبيب أو مقدم العلاج حول الإجراءات والعلاجات الطبية

بخلاف التأثير السلبي أو الضار، فإن التأثير علاجي المنشأ ليس ضارًا دائمًا.[7] فالندبة الناتجة عن الجراحة هي تأثير علاجي المنشأ لكنها لا تُعبر عن سوء الرعاية الطبية وقد لا تكون مزعجة.

يحدث الأذى علاجي المنشأ على يد الأطباء (بمن فيهم الأطباء المقيمون) وطلاب الطب والصيادلة والممرضين وأطباء الأسنان والاختصاصيين في علم النفس والأطباء النفسيين واختصاصيي الطب المخبري والمعالجين. يمكن أن ينتج أيضًا عن العلاجات المُتممة والطب البديل. على الصعيد العالمي، في عام 2013، حدث ما يُقدّر بنحو 20 مليون حالة من التأثيرات السلبية الناتجة عن العلاج.[8] تشير التقديرات إلى وفاة 142000 شخص في عام 2013 نتيجة التأثيرات السلبية للعلاجات الطبية. بلغ الرقم 94000 حالة وفاة في عام 1990.[9]

الأمثلة

  • المخاطر المرافقة للتداخلات الطبية.
  • الإفراط في استخدام العقاقير (تسبب مثلًا مقاومة المضادات الحيوية في البكتيريا).
  • التداخلات الناتجة عن الأدوية الموصوفة.
  • خطأ في الوصفة الطبية، قد ينشأ عن كتابة اليد أو الأخطاء المطبعية.
  • الإجراءات أو التقنيات أو المعلومات أو الأساليب أو المعدات المَعيبة.
  • الإهمال
  • عدوى المستشفيات

الأسباب والعواقب

الخطأ الطبي والإهمال

لا تنتج المشاكل علاجية المنشأ بالضرورة عن الأخطاء الطبية كالأخطاء الجراحية، أو الخطأ في وصف أو صرف العلاج كالأدوية. التأثيرات الذاتية والسلبية الناتجة عن العلاج الطبي هي مشاكل علاجية المنشأ. على سبيل المثال، تُعد العلاجات الإشعاعية والكيميائية علاجات تتطلب العدوانية بالضرورة لتأدية تأثيرها العلاجي، وتؤدي إلى المشاكل علاجية المنشأ كتساقط الشعر وفقر الدم الانحلالي والسكري الكاذب والإقياء والغثيان والتلف الدماغي والوذمة اللمفية والعقم وغيرها. فقدان الوظيفة الناتج عن الإزالة اللازمة للعضو المصاب هو تأثير علاجي المنشأ، كما في حالة مرض السكري الناتج عن إزالة كامل البنكرياس أو جزء منه.

قد يكون حدوث المشكلة علاجية المنشأ مضللًا. فمثلًا، تمزق أم الدم الأبهرية قاتل في معظم الحالات، ومعدل النجاة بعد تمزق أم الدم الأبهرية أقل من 25٪. يُعتبر المرضى الذين يموتون أثناء العمل الجراحي أو بعده حالات وفاة علاجية المنشأ، مع أن الإجراء الجراحي يبقى رهانًا أفضلَ من ترك الحالة دون علاج والتعرض للموت بنسبة 100٪.

تشمل الحالات الأخرى الإهمال والإجراءات الخاطئة، حين يقوم المعالج الدوائي بتقديم وصفات دوائية مكتوبة بخط اليد مثلًا.

التأثيرات السلبية

تحدث المشاكل علاجية المنشأ الناتجة عن التداخل الدوائي بشكل شائع جدًا، عندما يفشل المعالجون الدوائيون في التحقق من جميع الأدوية التي يتناولها المريض يصفون أدوية جديدة تتفاعل بشكل مؤازر أو معاكس (وبالتالي تعزز أو تخفّف التأثير العلاجي المطلوب). مثل هذه الحالات يمكن أن تسبب الإمراضية والوفيات بشكل كبير. تُصنّف التأثيرات السلبية كرد الفعل التحسسي تجاه الأدوية على أنها مشاكل علاجية المنشأ حتى عندما تكون غير متوقعة من قبل المعالجين الدوائيين.

تطور مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية مشكلة علاجية المنشأ.[8] تطورت السلالات الجرثومية المقاومة للمضادات الحيوية نتيجةً لاستخدام المضادات الحيوية بشكل مفرط. بعض الأدوية سامة في حد ذاتها حتى في جرعاتها العلاجية ويرجع ذلك إلى آلية عملها. مثلًا، تسبب الأدوية المضادة الأورام المُؤلكِلة تلفًا في الحمض النووي، يكون أكثر مهاجمةً للخلايا السرطانية مقارنةً بالخلايا الطبيعية. ومع ذلك، تسبب الألكلة تأثيرات جانبية شديدة إضافة إلى أنها عوامل مسرطنة بحد ذاتها ويمكن أن تؤدي إلى تطور الأورام الثانوية. تسبب الأدوية التي أساسها الزرنيخ مثل «ميلارسوبرول» والمستخدمة في علاج داء المثقبيات التسممَ بالزرنيخ.

يمكن أن تظهر التأثيرات السلبية نتيجة أسباب ميكانيكية. قد يرجع تصميم بعض الأدوات الجراحية لعقود من الزمن، وربما تكون بعض التأثيرات السلبية (مثل الرض النسيجي) ناتجة عن عدم القيام بالإجراء بشكل صحيح على الإطلاق.

الطب النفسي

في الطب النفسي، يمكن أن تحدث المشكلة علاجية المنشأ نتيجة الخطأ التشخيصي (بما في ذلك التشخيص الكاذب، في حالات الصرع الهستيري مثلًا).[10] من المشاكل علاجية المنشأ بشكل جزئي نتيجة الخطأ التشخيصي: الاضطراب ثنائي القطب، خاصة عند المرضى الأطفال.[11] تضم الحالات الأخرى: الاضطرابات جسدية الشكل ومتلازمة التعب المزمن، وتنضوي نظريًا على مكون اجتماعي ثقافي هام ومكون علاجي المنشأ.[12] ويُفترض أن اضطراب الكرب التالي للصدمة معرض للمضاعفات علاجية المنشأ بسبب طريقة العلاج.[13]

تُعد المعالجة النفسية لبعض الحالات والسكان، كمعالجة متعاطي المخدرات[14] واليافعين ذوي الشخصية المعادية للمجتمع،[15] ذات خطورة عالية لحدوث التأثيرات علاجية المنشأ. في الطرف الآخر من الطيف، يعتبر بعض المنظرين أن اضطراب الهوية التفارقي هو اضطراب علاجي المنشأ كليًا. والقسم الأكبر من التشخيصات تقدمه نسبة ضئيلة من الممارسين.[16]

مدى ارتباط أي حالة بالتأثيرات علاجية المنشأ هو أمر غير واضح، وأحيانًا مثير للجدل. الإفراط في تشخيص الحالات النفسية (واستخدام مصطلحات الأمراض العقلية) يرجع في المقام الأول إلى اعتماد الطبيب على معايير ذاتية. قلّما تكون التسمية المرضية عملية سليمة ويمكن أن يرقى أثرها إلى مستوى مشكلة علاجية المنشأ عاطفية، خاصةً حين لا يُنظر في بدائل للتسمية التشخيصية. وجد الكثير من المرضى أن الصعوبات التي يواجهونها ناتجة عن علاقات القوة في العلاج النفسي، وأدى ذلك إلى ظهور حركة مناهضة الطب النفسي.

الفقر علاجي المنشأ

استخدم ميسين وآخرون مصطلح «الفقر علاجي المنشأ» لوصف الفقر الناتج عن تلقي الرعاية الطبية.[17] يحدث الفقر عند أسر اضطرت لصرف مدخراتها على النفقات الصحية الكبيرة أو مواجهة الصعوبات الصحية. أكثر من 100000 أسرة في جميع أنحاء العالم سقطت في الفقر[18] بسبب نفقات الرعاية الصحية.[19] وذكرت دراسة أنه في الولايات المتحدة في عام 2001 سبّب المرض والديون الطبية نصف حالات الإفلاس الشخصية جميعها.[20] وفي البلدان التي تمر بمرحلة اقتصادية انتقالية، يزداد الاستعداد لدفع تكاليف الرعاية الصحية، ولا تواكب الموارد هذه الاحتياجات بسرعة كبيرة. غالبًا ما تتخلف القدرة التنظيمية والوقائية في تلك البلدان عن اللحاق بالركب. يسقط المرضى بسهولة في حلقة مفرغة من المرض والعلاج غير الفعال واستهلاك المدخرات والوقوع في الدين وبيع الأصول الإنتاجية وصولًا إلى الفقر.

إنظر أيضاًً

مراجع

  1. "Iatrogenesis | definition of iatrogenesis by Medical dictionary"، medical-dictionary.thefreedictionary.com، مؤرشف من الأصل في 19 يوليو 2019، اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2017.
  2. "Iatrogenesis Medical Definition | Merriam-Webster Medical Dictionary"، merriam-webster.com، مؤرشف من الأصل في 6 نوفمبر 2018، اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2017.
  3. Illich, I.؛ Hose, R.، Medical Nemesis the expropriation of health، Elkrimbouziane، ص. 1967، مؤرشف من الأصل في 16 فبراير 2017، اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2017.
  4. Kuhl, D. (2003)، What Dying People Want: Practical Wisdom For The End Of Life، PublicAffairs، ص. 55، ISBN 9780786725830، مؤرشف من الأصل في 17 ديسمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2017.
  5. Coser, L.A. (1975)، Idea of Social Structure, the، Harcourt Brace Jovanovich، ص. 336، ISBN 9781412846967، مؤرشف من الأصل في 30 نوفمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2017.
  6. "iatrogenesis - Dictionary definition of iatrogenesis | Encyclopedia.com: FREE online dictionary"، encyclopedia.com، مؤرشف من الأصل في 10 يونيو 2016، اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2017.
  7. Jacobs JP, Benavidez OJ, Bacha EA, Walters HL, Jacobs ML (ديسمبر 2008)، "The nomenclature of safety and quality of care for patients with congenital cardiac disease: a report of the Society of Thoracic Surgeons Congenital Database Taskforce Subcommittee on Patient Safety" (PDF)، Cardiol Young، 18 Suppl 2: 81–91، doi:10.1017/S1047951108003041، PMC 4242417، PMID 19063778، مؤرشف من الأصل (PDF) في 29 يناير 2020، اطلع عليه بتاريخ 16 يونيو 2014.
  8. Global Burden of Disease Study 2013, Collaborators (22 أغسطس 2015)، "Global, regional, and national incidence, prevalence, and years lived with disability for 301 acute and chronic diseases and injuries in 188 countries, 1990-2013: a systematic analysis for the Global Burden of Disease Study 2013."، Lancet، 386 (9995): 743–800، doi:10.1016/s0140-6736(15)60692-4، PMC 4561509، PMID 26063472. {{استشهاد بدورية محكمة}}: |الأول1= has generic name (مساعدة)
  9. GBD 2013 Mortality and Causes of Death, Collaborators (17 ديسمبر 2014)، "Global, regional, and national age-sex specific all-cause and cause-specific mortality for 240 causes of death, 1990-2013: a systematic analysis for the Global Burden of Disease Study 2013"، Lancet، 385 (9963): 117–71، doi:10.1016/S0140-6736(14)61682-2، PMC 4340604، PMID 25530442. {{استشهاد بدورية محكمة}}: |الأول1= has generic name (مساعدة)
  10. Spanos, Nicholas P. (1996)، Multiple Identities & False Memories: A Sociocognitive Perspective، American Psychological Association (APA)، ISBN 1-55798-340-2.
  11. Pruett Jr, John R.؛ Luby, Joan L. (2004)، "Recent Advances in Prepubertal Mood Disorders: Phenomenology and Treatment"، Current Opinion in Psychiatry، 17 (1): 31–36، doi:10.1097/00001504-200401000-00006، مؤرشف من الأصل في 03 يوليو 2019، اطلع عليه بتاريخ 04 مايو 2008.
  12. Abbey, S.E. (1993)، "Somatization, illness attribution and the sociocultural psychiatry of chronic fatigue syndrome"، Ciba Found Symp، 173: 238–52، PMID 8491101.
  13. Boscarino, JA (2004)، "Evaluation of the Iatrogenic Effects of Studying Persons Recently Exposed to a Mass Urban Disaster" (PDF)، مؤرشف من الأصل (PDF) في 25 يونيو 2008، اطلع عليه بتاريخ 04 مايو 2008. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Cite journal requires |journal= (مساعدة)
  14. Moos, R.H. (2005)، "Iatrogenic effects of psychosocial interventions for substance use disorders: prevalence, predictors, prevention"، Addiction، 100 (5): 595–604، doi:10.1111/j.1360-0443.2005.01073.x، PMID 15847616، مؤرشف من الأصل في 26 مارس 2020.
  15. Weiss, B.؛ Caron, A.؛ Ball, S.؛ Tapp, J.؛ Johnson, M.؛ Weisz, J.R. (2005)، "Iatrogenic effects of group treatment for antisocial youths"، Journal of Consulting and Clinical Psychology، 73 (6): 1036–1044، doi:10.1037/0022-006X.73.6.1036، PMC 4024049، PMID 16392977، مؤرشف من الأصل في 15 يونيو 2010.
  16. Braun, B.G. (1989)، "Iatrophilia and Iatrophobia in the diagnosis and treatment of MPD (Morose Parasitic Dynamism)"، Dissociation، 2 (2): 43, 161–2, 165–6, 171–2 passim، مؤرشف من الأصل في 13 ديسمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 04 مايو 2008.
  17. Meessen, B.؛ Zhenzhong, Z.؛ Van Damme, W.؛ Devadasan, N.؛ Criel, B.؛ Bloom, G. (2003)، "Iatrogenic poverty"، Tropical Medicine & International Health، 8 (7): 581–4، doi:10.1046/j.1365-3156.2003.01081.x.
  18. Kruk؛ Goldmann, E.؛ Galea, S.؛ وآخرون (2009)، "Borrowing And Selling To Pay For Health Care In Low- And Middle-Income Countries"، Health Affairs، 28 (4): 10056–66، doi:10.1377/hlthaff.28.4.1056، PMID 19597204، مؤرشف من الأصل (PDF) في 26 مارس 2020.
  19. Xu؛ Evans, DB؛ Carrin, G؛ Aguilar-Rivera, AM؛ Musgrove, P؛ Evans, T؛ وآخرون (2007)، "Protecting Households from Catastrophic Health Spending"، Health Affairs، 26 (4): 972–83، doi:10.1377/hlthaff.26.4.972، PMID 17630440.
  20. "Medical Bills Leading Cause of Bankruptcy, Harvard Study Finds"، مؤرشف من الأصل في 11 سبتمبر 2019.
  • نشرات التثقيف الصحي للمسنين - منظمة الصحة العالمية 2014.
  • Kouyanou, K; Pither, CE; Wessely, S (1997). "Iatrogenic factors and chronic pain". Psychosomatic Medicine 59 (6): 597–604. ببمد 9407578
  • بوابة طب
  • بوابة صيدلة
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.