نمو ما بعد الصدمة

نمو ما بعد الصدمة أو اكتشاف المنافع هو تغيير نفسي إيجابي يُعاش كنتيجة للمحن أو التحديات الأخرى بهدف الارتقاء إلى مستوى أداء أعلى. تمثل هذه الظروف تحديات كبيرة للموارد التكيفية للفرد،[1] وتضعه أمام تحدٍ كبير لطريقة فهمه للعالم ومكانته فيه. ويتضمن نمو ما بعد الصدمة تحولات نفسية «مغيرة للحياة» في التفكير وفهم العالم، ما يساهم في عملية التغيير الشخصية  والتي تكون ذات مغزى عميق.

التاريخ

يشتمل الفهم العام على أن المعاناة يمكن أن تسفر عن تغيير إيجابي عمره آلاف السنين. على سبيل المثال بعض الأفكار والكتابات المبكرة للعبرانيين القدماء والإغريق والمسيحيين الأوائل وكذلك بعض تعاليم الهندوسية والبوذية والإسلام[2] والعقيدة البهائية[3] كلها تحتوي على عناصر تخدم فكرة احتمالية تحول المعاناة إلى قوة، كما تمثل محاولات فهم واكتشاف معنى المعاناة الإنسانية موضوعاً رئيسياً في الكثير من الأبحاث الفلسفية وتظهر في أعمال الروائيين والباحثين والشعراء.

يرى علم النفس التقليدي المرونة أمرًا مكافئًا للازدهار، والتي تعني العودة إلى المستوى السابق من الأداء قبل الصدمة أو الضغط أو التحدي. الفرق بين المرونة والازدهار هو نقطة العودة، فالازدهار يتجاوز المرونة كما يتضمن إيجاد المنافع ضمن التحديات.[4]

ابتُكر مصطلح «نمو ما بعد الصدمة» من قبل عالمي النفس ريتشارد جي تيديشي ولورانس جي كالهون في جامعة نورث كارولينا في شارلوت في منتصف التسعينيات.[5] ووفقًا لتيديشي فإن 90٪ من الذين تخطوا الصدمات يبلغون عن جانب واحد على الأقل من جوانب نمو ما بعد الصدمة، مثل تجدد التقدير للحياة.[6]

تضمنت متغيرات الفكرة نموذج كريستال بارك المقترح «النمو المرتبط بالضغط»، والذي سلط الضوء على المعنى المستمد من سياق التكيف مع المواقف الصعبة والمجهدة، والنموذج الذي اقترحه جوزيف ولينلي «النمو التنازعي»،[7] والذي ربط النمو بالرفاهية النفسية. فوفقًا لنموذج النمو التنازعي كلما واجه الفرد موقفاً صعباً تمكّن إما من دمج التجربة المؤلمة في نظام معتقداته الحالي ووجهات نظره تجاه العالم أو تعديل معتقداته بناءً على التجربة التي خاضها.[8] إذا استوعب الفرد بشكل إيجابي المعلومات المتعلقة بالصدمة ودمج المعتقدات السابقة، حينها يمكن أن يحدث النمو النفسي بعد المحن.[9]

الأسباب

يتزامن نمو ما بعد الصدمة مع محاولات التكيف مع الظروف السلبية للغاية والتي يمكن أن تولد مستويات عالية من الضيق النفسي مثل أزمات الحياة الكبرى، وهي عادةً ما تولّد ردود فعل نفسية سيئة. لا يحدث النمو كنتيجة مباشرة للصدمة، بل هو صراع الفرد مع الواقع الجديد في أعقاب الصدمة، والذي يعتبر أمراً حاسماً في تحديد مدى حدوث نمو ما بعد الصدمة. ومن المشجع أن تقارير تجارب النمو في أعقاب الأحداث الصادمة تفوق بكثير تقارير الاضطرابات النفسية، إذ غالبًا ما يترافق الحزن الشخصي المستمر مع النمو.

بقدر كثرة عوامل التنبؤ بنمو ما بعد الصدمة فقد ارتبط عدد من العوامل بالنمو التكيفي بعد التعرض للصدمة. لقد ثبت أن الروحانية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو ما بعد الصدمة، وفي الواقع فإن العديد من المعتقدات الروحية الأكثر عمقاً نتجت عن التعرض للصدمات «أورورك 2008». وقد وُثق الدعم الاجتماعي بشكل جيد كعامل حماية من الأمراض العقلية والاستجابة للضغط.

وفيما يتعلق بنمو ما بعد الصدمة فإن الدعم الاجتماعي عالي المستوى قبل الصدمة ليس فقط ما يرتبط بالنمو، ولكن هناك بعض الأدلة البيولوجية العصبية لفكرة أن الدعم الاجتماعي سوف يعدل الاستجابة المرضية للضغط في مسار تحت المهاد - الغدة الكظرية «إتش بي إيه» في الدماغ «أوزباي 2007». وكما وجد ريتشارد جي. تيدتشي وغيره من الباحثين في مجال النمو بعد الصدمة، فإن القدرة على قبول المواقف التي لا يمكن تغييرها تعد أمراً حاسماً للتكيف مع أحداث الحياة المؤلمة. ويسمونه «التعامل مع القبول»، وقد اعتبروا أن التعامل مع الواقع مؤشر هام لنمو ما بعد الصدمة.[10]

يُعتقد أيضاً -لا يزال قيد البحث- أن فرصة الإفصاح عن المشاعر يمكن أن تؤدي إلى نمو ما بعد الصدمة على الرغم من أنها لا تقلل بشكل كبير من أعراض ما بعد الصدمة «سلافين-سبيني 2010». وأيضاً لم يتنبأ جنس الفرد بشكل موثوق بحالة نمو ما بعد الصدمة، رغم أنه يدل على نوع الصدمة التي يختبرها الفرد. فقد تميل النساء إلى تجربة الإيذاء على المستوى الفردي والشخصي «مثل جعل أنفسهن ضحية جنسية»، بينما يميل الرجال إلى تجربة المزيد من الصدمات الجماعية والنظامية «مثل العسكرية والقتال». ويبدو أن إعطاء الدينامية لهذه المجموعة يلعب دوراً تنبئياً في نمو ما بعد الصدمة، لذا يمكن القول إن نوع التعرض قد يتنبأ بشكل غير مباشر بالنمو عند الرجال «ليلي 2012».

نمو ما بعد الصدمة والشخصية

تاريخياً، وصفت سمات الشخصية بأنها مستقرة بعد سن الثلاثين.[11] ولكن منذ عام 1994 أشارت نتائج الأبحاث إلى أن سمات الشخصية يمكن أن تتغير استجابةً لأحداث حياتية انتقالية حتى خلال أواسط سن الرشد أو أواخره.[12] وقد تكون هذه الأحداث متعلقة بالعمل أو العلاقات أو الصحة.[13] ارتبطت كميات معتدلة من الضغط بالتحسينات في سمات البراعة والصلابة. ووُجد أن الأفراد الذين يعانون من كميات معتدلة من الضغط يكونون أكثر ثقة بقدراتهم ولديهم مفهوم أفضل للسيطرة على حياتهم. علاوة على ذلك ارتبطت أيضاً كميات الضغط المعتدلة بتحسن في المرونة، والتي يمكن تعريفها على أنها رجوع ناجح لخط الأساس ما بعد الضغط.[14] هؤلاء الأفراد كانوا غالباً ما يطورون مهارات التكيف ويبحثون عن الدعم ضمن بيئاتهم، كما يتحلون بثقة أكبر بقدرتهم على تجاوز المحن.

نمو ما بعد الصدمة

يشير نمو ما بعد الصدمة إلى تغير إيجابي في الشخصية بعد أحداث حياتية مؤلمة.[15] يمكن أن تؤدي تجربة حدث صادم دوراً تحولياً في الشخصية بين أفراد معينين وتسهّل النمو.[16] على سبيل المثال، تبين أن الأفراد الذين عانوا من الصدمات أظهروا تفاؤلًا أكبر وأثراً إيجابياً بالإضافة للرضى عن الدعم الاجتماعي، وكذلك زيادة في عدد موارد الدعم الاجتماعي. وبالمثل يكشف البحث عن تغيرات في الشخصية بين أزواج المرضى الذين يعانون من السرطان في مراحله النهائية، ما يقترح أن مثل هذه التحولات الحياتية المؤلمة قد سهلت الزيادة في الميل نحو الآخرين والسلوكيات الاجتماعية والموثوقية والاعتماد على الأشخاص.[17]

الأهم من ذلك أن تجربة الحياة المؤلمة بحد ذاتها لا تؤدي إلى نمو ما بعد الصدمة. فليس كل من يعاني من حدث مؤلم سيطور بشكل مباشر نمو ما بعد الصدمة. ولكن استجابة الفرد العاطفية للحدث الصادم هي المهمة في تحديد النتيجة طويلة الأمد لتلك الصدمة. كما يمكن أن تتأثر نتائج الأحداث المؤلمة سلباً بالعوامل التي تحدث أثناء الصدمة وبعدها، ما يزيد من احتمالية خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة أو غيره من صعوبات الصحة العقلية.[18]

علاوة على ذلك، ساهمت خصائص الصدمة والديناميات الشخصية للفرد الذي يعاني من الصدمة بشكل مستقل في نمو ما بعد الصدمة. فإذا كانت كميات الضغط قليلة جداً أو أكثر من اللازم، لن يتمكن الشخص من التغلب على الموقف. يمكن لديناميات الشخصية أن تسهل أو تعرقل نمو ما بعد الصدمة، بغض النظر عن تأثير الأحداث المؤلمة.[19]

المراجع

  1. Tedeshi, R.G., & Calhoun, L.G. (2004). Posttraumatic Growth: Conceptual Foundation and Empirical Evidence. Philadelphia, PA: Lawrence Erlbaum Associates.
  2. Tedeschi, R.G., & Calhoun, L.G. (1995). Trauma and Transformation: Growing in the Aftermath of Suffering. Thousand Oaks, CA: Sage.
  3. Abdu'l-Bahá on Suffering and Tests, Baha'i International Community, accessed Jul 14 2013.
  4. Carver C (2010)، "Resilience and Thriving: Issues, Models, and Linkages"، Journal of Social Issues، 54 (2): 245–266، doi:10.1111/j.1540-4560.1998.tb01217.x.
  5. Michaela Haas, "Bouncing Forward: Transforming Bad Breaks into Breakthroughs," Atria/Enliven, 2015
  6. Michaela Haas، "What is Posttraumatic Growth?"، مؤرشف من الأصل في 8 أكتوبر 2019.
  7. Park CL (مارس 2010)، "Making sense of the meaning literature: an integrative review of meaning making and its effects on adjustment to stressful life events"، Psychological Bulletin، 136 (2): 257–301، doi:10.1037/a0018301، PMID 20192563.
  8. Linley PA, Joseph S (فبراير 2004)، "Positive change following trauma and adversity: a review"، Journal of Traumatic Stress، 17 (1): 11–21، doi:10.1023/b:jots.0000014671.27856.7e، PMID 15027788.
  9. Joseph S, Linley PA (2005)، "Positive Adjustment to Threatening Events: An Organismic Valuing Theory of Growth Through Adversity."، Review of General Psychology (باللغة الإنجليزية)، 9 (3): 262–280، doi:10.1037/1089-2680.9.3.262.
  10. Michaela Haas, Bouncing Forward:Transforming Bad Breaks into Breakthroughs, Atria/Enliven, 2015, (ردمك 150111512X)
  11. Terracciano A, Costa PT, McCrae RR (أغسطس 2006)، "Personality plasticity after age 30"، Personality & Social Psychology Bulletin، 32 (8): 999–1009، doi:10.1177/0146167206288599، PMC 2680603، PMID 16861305.
  12. Roberts BW, Mroczek D (فبراير 2008)، "Personality Trait Change in Adulthood"، Current Directions in Psychological Science، 17 (1): 31–35، doi:10.1111/j.1467-8721.2008.00543.x، PMC 2743415، PMID 19756219.
  13. Seery MD, Holman EA, Silver RC (ديسمبر 2010)، "Whatever does not kill us: cumulative lifetime adversity, vulnerability, and resilience"، Journal of Personality and Social Psychology، 99 (6): 1025–41، doi:10.1037/a0021344، PMID 20939649، مؤرشف من الأصل في 04 نوفمبر 2019.
  14. Seery, Mark D. (ديسمبر 2011)، "Resilience"، Current Directions in Psychological Science، 20 (6): 390–394، doi:10.1177/0963721411424740، ISSN 0963-7214.
  15. "COMMENTARIES on "Posttraumatic Growth: Conceptual Foundations and Empirical Evidence""، Psychological Inquiry، 15 (1): 19–92، يناير 2004، doi:10.1207/s15327965pli1501_02، ISSN 1047-840X.
  16. Park CL, Cohen LH, Murch RL (مارس 1996)، "Assessment and prediction of stress-related growth"، Journal of Personality، 64 (1): 71–105، CiteSeerX 10.1.1.464.7125، doi:10.1111/j.1467-6494.1996.tb00815.x، PMID 8656319.
  17. Hoerger M, Chapman BP, Prigerson HG, Fagerlin A, Mohile SG, Epstein RM, Lyness JM, Duberstein PR (أغسطس 2014)، "Personality Change Pre- to Post- Loss in Spousal Caregivers of Patients with Terminal Lung Cancer"، Social Psychological and Personality Science، 5 (6): 722–729، doi:10.1177/1948550614524448، PMC 4299658، PMID 25614779.
  18. Brewin, Chris R.؛ Andrews, Bernice؛ Valentine, John D. (2000)، "Meta-analysis of risk factors for posttraumatic stress disorder in trauma-exposed adults."، Journal of Consulting and Clinical Psychology، 68 (5): 748–766، doi:10.1037/0022-006x.68.5.748، ISSN 0022-006X.
  19. Shuwiekh H, Kira IA, Ashby JS (مايو 2018)، "What are the personality and trauma dynamics that contribute to posttraumatic growth?"، International Journal of Stress Management، 25 (2): 181–194، doi:10.1037/str0000054، ISSN 1573-3424.
  • بوابة تربية وتعليم
  • بوابة الروحانية
  • بوابة علم النفس
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.