ألب أرسلان
ضياء الدُنيا و الدين عضد الدولة أبو شجاع محمد ألب أرسلان بن داوود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق التركماني (بالفارسية: آلپ ارسلان) (20 يناير 1029 - 15 أو 25 أو 30 ديسمبر 1072م)، أحد أهم قادة المسلمين وكبار رجال التاريخ، وصاحب الانتصار الخالد على الروم في معركة ملاذكرد. عُرف باسم (ألب أرسلان) ومعناها بالتركية (الأسد الباسل). كان رابع حكام الأتراك السلاجقة لُقّب بسُلطان العالم أو بالسلطان الكبير أو الملك العادل. بلغ حدود حكمه من أقاصي بلاد ما وراء النهر إلى أقاصي بلاد الشام، ورغم عظم مملكته، إلا أنه كان تابعاً للخلافة العباسية في بغداد.[معلومة 1]
ألب أرسلان | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
| |||||||
(بالتركمانية: Alp-Arslan) | |||||||
تمثال لألب أرسلان | |||||||
سلطان الدولة السلجوقية | |||||||
فترة الحكم 1064 – 1072 | |||||||
تاريخ التتويج | 27أبريل 1067 | ||||||
|
|||||||
معلومات شخصية | |||||||
اسم الولادة | محمد بن داود بن ميكائيل بن سَلْجُوق بن دُقَاق | ||||||
تاريخ الميلاد | 20 يناير 1029م محرم 420هـ | ||||||
الوفاة | 15ديسمبر 1072م 25 ربیعالاول 465هـ(43 سنة) نهر أوكسيوس، تركستان | ||||||
سبب الوفاة | جرح طعني | ||||||
مكان الدفن | مرو الشاهجان، تركستان | ||||||
مواطنة | الدولة السلجوقية | ||||||
الكنية | أبو شجاع | ||||||
الديانة | الإسلام، أهل السنة والجماعة | ||||||
الزوجة |
| ||||||
الأولاد |
| ||||||
الأب | جغري بك | ||||||
إخوة وأخوات | |||||||
عائلة | سلالة السلاجقة | ||||||
الحياة العملية | |||||||
المهنة | قائد عسكري | ||||||
بعد وفاة طُغرُل بك المؤسس الحقيقي لدولة السلاجقة سنة 455 هـ/1063م تولى ألب أرسلان ابن أخيه حكم السلاجقة، وكان قبل أن يتولى السلطنة يحكم خراسان وما وراء النهر بعد وفاة أبيه داود عام 1059 م، وكان يعاونه دوما وزيره أبو علي حسن بن علي بن إسحاق الطوسي، المشهور بـ نِظام المُلك. استطاع في عهده أن يفتح أجزاء كبيرة من آسيا الصُغرى وأرمينيا وجورجيا.
نشأته
ولد ألب أرسلان واسمه الحقيقي (محمد بن جغري بك داود بن ميكائيل بن سَلْجُوق بن دُقَاق) في 15 ديسمبر 1029 في الأسرة السلجوقية التي تنتسب إلى قبيلة من قبائل الغز التركية والتي كان يقودها الزعيم "سلجوق" في القرن الرابع الهجري. وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد، ونصروا أهل السنة والجماعة بعد أن أوشكت دولة الخلافة على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق، والنفوذ الفاطمي في مصر والشام. فقضى السلاجقة على النفوذ البويهي تماماً وتصدوا للخلافة العبيدية (الفاطمية)، فقد كان النفوذ البويهي الشيعي مسيطراً على بغداد والخليفة العباسي.
تُوفِّي طغرل بك في سنة (455هـ= 1063م) دون أن يترك ولدًا يخلفه على سدَّة الحكم، فشبَّ صراع على الحكم، حسمه ابن أخيه ألب أرسلان لصالحه بمعونة وزيره نظام الملك؛ المعروف بالذكاء وقوَّة النفوذ، وسعة الحيلة، وتنوُّع الثقافة.
وكان ألب أرسلان كعمِّه طغرل بك قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلُّع إلى إخضاع أقاليم جديدة وضمِّها إلى دولته، كما كان مشتاقاً إلى الجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة البيزنطية المجاورة له؛ كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت رُوح الجهاد الإسلامي هي المحرِّكة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار، ورَفْع راية الإسلام خفَّاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية. ولقد بقي سبع سنوات يتفقَّد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسُّع خارجي.
بداية حكمه
تولى الحكم في 8 رمضان 455 هـ الوافق 4 سبتمبر 1063م [2]، وورث ألب أرسلان دولة واسعة الأرجاء تمتد من سهول تركستان إلى ضفاف دجلة، والتي حكمها بمساعدة وزيره 'نظام الملك' الذي اشتهر بعلمه وحنكته السياسية.
لم يكد ألب أرسلان يستلم منصب السلطان حتى دبت خلافات طارئة داخل البيت السلجوقي، حيث ثار عليه بعض أقربائه منهم أخوه سليمان وعمه 'قتلمش' في 456 هـ/1064م فاضطر ألب أرسلان إلى قتال الخارجين عليه لواد الفتن، وقد انتصر عليهم. حيث دخل في نزاع مع وزير عمه طغرل بك أبي نصر الكندري الذي أراد الأخ الأصغر غير الشقيق لألب أرسلان (سليمان) في الحكم ليتحكّم من خلاله في الدولة، الأمر الذي جعل ألب أرسلان يسرع في السير من خراسان إلى عاصمة السلاجقة الري للسيطرة عليها، ويجبر الوزير الكندري وأخيه الطفل سليمان على مبايعته سلطانا للسلاجقة، لكن ثائرا جديدا من السلاجقة هو قتلمش بن إسرائيل السلجوقي خرج على طاعة ألب أرسلان، معلنا نفسه سلطانا لأنه بمثابة عمه، وهكذا التحم الفريقان في معركة قُرب الري تم الظفر فيها لألب أرسلان، وانتهى الأمر بمقتل قتلمش في محرم سنة 456هـ/1063م.[3]
بعد ذلك انشغل ألب أرسلان في القضاء على الفتن الداخلية التي قام بها بعض حكام الأقاليم فلقد خرج عليه حاكم إقليم 'كرمان' وغيره، وعانى من غارات القبائل التركمانية التي تعيش على السلب والنهب، فكان ألب أرسلان في الجنوب يخمد الفتن. أحبط ألب أرسلان محاولة من عمه بيجو للاستقلال بإقليم هراة سنة 457 هـ/1065م وبعد سنوات نجح في المحافظة على دولته وتوسيعها.
فتوحاته
التوسع السلجوقي بأرمينية وأذربيجان
أما سياسة السلطان ألب أرسلان فكانت ذات إستراتيجية واضحة المعالم تمثلت هذه الاستراتيجية في ثلاثة محاور بارزة، أولها تصفير المشاكل السياسية مع الدولة العباسية صاحبة الشرعية الدينية والسياسية في العالم الإسلامي، وثانيا نشر الثقافة المعرفية التي ترسخ من الوجود السلجوقي دينيا وثقافيا، وثالثا تحويل فائض القوة العسكرية السلجوقية إلى الخارج، وتوسيع رقعة الدولة ونشر الإسلام في الممالك والمناطق المتاخمة للدولة الإسلامية شمالا وغربا لاسيما بلاد الأرمن والروم (الأناضول)؛ الأمر الذي أكسب السلاجقة وحروبهم صبغة وطابع الجهاد الديني.
وهذا ما يعنون له ابن الأثير في تاريخه بقوله: "ذكر فتح ألب أرسلان مدينة آني وغيرها من البلاد النصرانية" ويسرد مجموعة من المشاهد والقصص التي تدلل على كون الجهاد السلجوقي كان إستراتيجية واضحة المعالم آنئذ.
فيقول ابن الأثير: "سار السلطان من الرّي إلى أذربيجان عازمًا على قتال الروم وغزوهم، فلما كان بمرند أتاه أمير من أمراء التركمان كان يُكثر غزو الروم اسمه طغدكين ومعه من عشيرته خلق كثير قد ألفوا الجهاد، وعرفوا تلك البلاد، وحثّه على قصد بلادهم، وضمِن له سلوك الطريق المستقيم إليها، فسلك بالعساكر في مضايق تلك الأرض ومخارمها" وهذا الخبر يؤكد أن التوسع السلجوقي لم يتوقف عند أذربيجان وإنما طال منطقة آني وقرص وهما العاصمتان القديمتان لأرمينية والمركزان الأساسيان لقوة البيزنطيين ونفوذهم في الأقاليم الشمالية الشرقية من آسيا الصغرى والأناضول. ولم تتوقف إستراتيجية السلاجقة على فتح مناطق الدولة الرومية البيزنطية في بلاد الأناضول، وإنما امتدت في أقصى الشرق في وسط آسيا، ففي سنة 457هـ سار ألب أرسلان إلى مدينة "جنَد" معقل الأسرة السلجوقية وهي بالقرب من بخارى في وسط آسيا، فاستقبله أميرها وهاداه، ودان إليه حكمها، وكانت هذه المدينة ذات أهمية خاصة عند السلاجقة قبيل قيام دولتهم لأن الجد الأكبر للسلاجقة مدفون بها.[3]
فتوحاته ومحاربة الفاطميين (العبيديين)
عندما اطمَأَنَّ ألب أرسلان على استتباب الأمن في جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يُخَطِّط لتحقيق أهدافه البعيدة؛ وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السُّنِّيَّة ونفوذ السلاجقة، فأعدَّ جيشًا كبيرًا اتَّجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا، فافتتحها وضمَّها إلى مملكته، كما عَمِل على نشر الإسلام في تلك المناطق. وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414هـ= 1023م) وأجبر أميرها محمود بن صالح بن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلًا من الخليفة الفاطمي سنة (462هـ= 1070م). حيث أراد ألب أرسلان أن يتأكد من صحة طاعة المرداسيين في حلب للسلاجقة، وذلك بتغيير سياستهم الدينية والثقافية في المدينة للمذهب السني، لكن هذا الأمر لم يقبله محمود المرداسي، فحاصر السلطان السلجوقي حلب، وحين اشتد الحصار، و"عظُم الأمر على محمود خرج ليلا ومعه والدته منيعة بنت وثّاب النميري فدخلا على السلطان وقالت له: "هذا ولدي فافعل به ما تُحب. فتلقّاهما بالجميل وخلَع (أهداه) على محمود وأعاده إلى بلده فأنفذ إلى السلطان مالًا جزيلًا".
ثم أرسل قائده التركي أتنسز بن أوق الخوارزمي في حملة إلى جنوب الشام، فانتزع الرملة وبيت المقدس من يد الفاطميين، ولم يستطعِ الاستيلاء على عسقلان؛ التي كانت تُعتبر بوابة الدخول إلى مصر.[4] تمكن السلطان ألب أرسلان من السيطرة على مناطق واسعة من بلاد الشام فضلا عن العراق وأذربيجان وأرمينية الكبرى، وهذه الجهات كانت بمثابة الطوق الذي يُحيط ويخنق الدولة البيزنطية، الأمر الذي رآه الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع تحديًا يجب مواجهته سريعا، وهو ما نتج عنه المعركة الأشهر ملاذكرد.
معركة ملاذكرد
كان ألب أرسلان امتداداً لعمه طغرل في القدرة والقيادة، فحافظ على ممتلكات دولته، ووسع حدودها على حساب الأقاليم المسيحية للأرمن وبلاد الروم، وتوَّج جهوده في هذه الجبهة بانتصاره على الإمبراطور رومانوس جالينوس في معركة ملاذ كرد في ذي القعدة 463هـ/أغسطس 1071. فقد أحسن السلطان خطة المعركة، وأوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده، حتى إذا بدأت المعركة أقدموا كالأسود الضواري تفتك بما يقابلها، وهاجموا أعداءهم في جرأة وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلاً وتجريحًا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى تحقق النصر، وانقشع غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال.
وتفيد المصادر التاريخية بأنه خلال المعركة خطب السلطان في جنوده قائلاً:
إنني أقاتل محتسباً صابراً. فإن سلمت فنعمة من الله عز وجل وإن كانت الشهادة فهذا كفني ..، أكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه |
ولما تقارب الجيشان طلب السلطان من امبراطور الروم الهدنة فرفض، فخطب السلطان في جنوده قائلاً:
من أراد الإنصراف فلينصرف. ما ها هنا سلطان يأمر وينهي |
ثم ربط ذيل فرسه بيده وفعل العسكر مثله ولبس البياض وقال:
إن قتلت فهذا كفني |
ثم انهزم الروم وتم أسر إمبراطورهم فطلب من أرسلان أن يفدي نفسه بالمال وأن يجعله نائبه، فاشترط عليه السلطان أن يطلق كل أسير مسلم في بلاد الروم وأن يرسل إليه عساكر الروم في أي وقت يطلبها على أن يفتدي الإمبراطور نفسه بمليون ونصف مليون دينار.[5] وعقد البيزنطينيين صلحًا مع السلاجقة مدته خمسون عامًا، واعترفوا بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلاد الروم.
أسر رومانوس ديوجينيس
عندما أُجِريَّ الإمبراطور رومانوس الرابع في حضور ألب أرسلان، رفض السلطان تصديق أن الرجل الملطخ بالدماء والمغطى بالتراب هو إمبراطور الرومان الجبار. وبعد اكتشاف هويته، وضع ألب أرسلان حذائه على رقبة الإمبراطور وأجبره على تقبيل الأرض.[6] كما ورد أن محادثة شهيرة حدثت بينهما:[7]
ألب أرسلان: "ماذا ستفعل لو قَدِمتُ أمامك كسجين؟"
رومانوس: "ربما أقتلك، أو أعرضك في شوارع القسطنطينية".
ألب أرسلان: "عقابي أثقل بكثير. سأُسامحك وأطلق سراحك".
عامل ألب أرسلان رومانوس بلطف كبير وعرض مرة أخرى شروط السلام التي كان قد عرضها قبل المعركة. وفقًا لابن العديم، بحضور أرسلان، ألقى رومانوس باللوم على غارات محمود المرداسي على الأراضي البيزنطية والتي كانت سبباً لتدخلاته في الأراضي الإسلامية والتي أدت في النهاية إلى معركة ملاذكرد. ظل رومانوس أسير السلطان لمدة أسبوع. خلال هذا الوقت، سمح السلطان لرومانوس بتناول الطعام على مائدته بينما تم الاتفاق على التنازلات: استسلام أنطاكية وإديسا وهيرابوليس وملاذكرد. وكان هذا من شأنه أن يترك الجوهر الحيوي للأناضول كما هو. ودفع 10 ملايين قطعة ذهبية كفدية مقابل فك آسر رومانوس، لكن السلطان خفضها بطلب 1.5 مليون قطعة ذهبية كدفعة أولية، تليها مبلغ سنوي قدره 360.000 قطعة ذهبية.[8] بالإضافة إلى ذلك، تم إعداد تحالف زواج بين ابن ألب أرسلان وابنة رومانوس. ثم قدم السلطان لرومانوس العديد من الهدايا ورافقه أميران ومئة مملوك في طريقه إلى القسطنطينية.[9]
بعد وقت قصير من عودته إلى رعاياه، وجد رومانوس حكمه في مأزق خطير. على الرغم من محاولات حشد القوات الموالية، فقد هُزم ثلاث مرات في معركة ضد عائلة دوكاس وعُزل وأعمى ونفي إلى جزيرة بروتي. وتوفي بعد فترة وجيزة نتيجة إصابة ناجمة عن إصابة أثناء إصابته بالعمى القاسي. كانت غزوة رومانوس الأخيرة في قلب الأناضول، والتي عمل بجد للدفاع عنها، إهانة علنية.
التوسع السلجوقي في جورجيا
في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1068، استاء ألب أرسلان من تصرف آخر ملوك القوقاز لعدم الخضوع بعد، برفقة ملوك لوري وكاخيتي وكذلك أمير تبليسي فزحف ضد باغرات مرة أخرى، وغزا مُقاطعات كارتلي وأرجفيتي ونهبها. وكان خصوم باغرات منذ فترة طويلة (شداديو أران) حصلوا على تعويض: حصون تبليسي ورستافي. وعندما غادر ألب أرسلان جورجيا، استعاد باغرات كارتلي في يوليو 1068. نزل الشداديين في إيساني (إحدى ضواحي تبليسي على الضفة اليسرى لكورا) مع 33000 رجل ودمروا الريف. لكن باغرات استعادها مُجدداً. على الطريق عبر كاخيتي، تم أسر فضل بن محمد حاكم الشداديين من قبل الحاكم المحلي أغسارتان، وقام باغرات بفداء فضل مقابل التنازل عن العديد من القلاع على نهر إيوري، وتلقى منها استسلام تبليسي حيث أعادها أميرًا محليًا بشروط التبعية.[10]
تزامنت السنوات الأخيرة من حكم باغرات مع ما وصفه البروفيسور ديفيد مارشال لانغ بأنه «الانهيار الأخير للعالم المسيحي الشرقي» - معركة ملاذكرد - حيث سحق ألب أرسلان الجيش البيزنطي وكانت هزيمة نكراء، وأُسِر الإمبراطور رومانوس الرابع. توفي باغرات الرابع في العام التالي، في 24 نوفمبر 1072، ودُفن في دير كونديدي. انتقلت السيادة على مملكة جورجيا المُضطربة إلى ابنه جورج الثاني.[11] تمكن الجورجيون من استعادة أيبيريا، بمساعدة الحاكم البيزنطي، غريغوري باكوريانوس، الذي بدأ في إخلاء المنطقة بعد فترة وجيزة من الكارثة التي ألحقها السلاجقة بالجيش البيزنطي في ملاذكرد.
استشهادات
يُذكر ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" شيئًا من أخلاق السلطان ألب أرسلان، فقد ذكر أنه كان عادلاً يسير في الناس سيرة حسنة، كريمًا، رحيم القلب، شفوقًا على الرعية رفيقًا بالفقراء، بارًّا بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام النعم، وكان يكثر الصدقة، فيتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، كان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه وحفظ أموالهم وأعراضهم.
كتب إليه بعض السعاة في شأن وزيره نظام الملك فاستدعاه واعطاه الرسالة ثم قال له : (إن كان هذا صحيحاً، فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك وإن كذبوا فاغفر لهم زلتهم). كما كان شديد الحرص على حفظ مال الرعية فلقد بلغه يوماُ أن أحد مماليكه قد أخذ إزاراً لأحد الناس ظلماً، فأمر بصلبه فارتدع باقي المماليك عن الظلم.[12]
وقيل انه كان كثيرًا ما تُقرأ عليه تواريخ الملوك وآدابهم، وأحكام الشريعة الإسلامية، ولمَّا اشتهر بين الملوك حُسن سيرته، ومحافظته على عهوده، أذعنوا له بالطاعة، وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.[13]
يُذكر أنهُ عَبَر أعالي نهر الفرات شرق الأناضول فاتحا لمناطقه، ومسيطرا على تلك الأراضي، قال له أحد كبار الفقهاء: يا مولانا؛ أحمد الله تعالى على ما أنعم به عليك، فقال: وما هذه النعمة؟ فقال: هذا النهر لم يقطعه قط تركي إلا مملوك، وأنتم اليوم قد قطعتموه ملوكا، قال: فمن وقته أرسل لإحضار جماعة من الأمراء والملوك، وأمر ذلك الفقيه بإعادة الحديث، فأعاده، فحمد الله هو وجماعة من حضر عنده حمدا كثيرا على كون الأتراك قد انتقلوا من المملوكية إلى الملوكية.[3]
محاسنه
شجع "ألب أرسلان" الآداب والعلوم في زمانه وقد ظهر في عهده شخصيات الشهيرة مثل الشاعر والفلكي عمر الخيام. كما أنشأ المجامع العلمية في بغداد وأشهرها المدرسة النظامية عام 1067 التي تخرج منها عماد الدين الأصفهاني وبهاء الدين شداد اللذان خدما صلاح الدين الأيوبي، والسعدي الشاعر الفارسي مؤلف بستان السعدي، كما درس بها شيخ الشافعية أبو إسحاق الشيرازي وعبد الله بن تومرت مؤسس دولة الموحدين وأبو حامد الغزالي رائد عصر الإصلاح الديني الذي مهد لجيل صلاح الدين الأيوبي وعلي بن أبي طالب البلخي سفير السلطان ألب أرسلان والشاعر المعروف.[14][15] وكان الوزير نظام الملك من أكثر الشخصيات تأثيراً أيام السلطان ألب أرسلان. ويذكر المؤرخون أنه قد صاحب السلطان في معظم حروبه وفتوحاته وقد ألف نظام الملك كتاباً في فنون الحكم يعرف باسم (سياست نامه / سير الملوك) تحدث فيه عن تنظيم الحكم وعن ضرورة قيام العدل، وتنظيم أمور الدولة والاستقطاع، وتنظيم الإدارة والجيش، وتاريخ العلاقة بين السلطة المركزية في عصر السلاجقة.
لم يكن ألب أرسلان قد تحصل على تفويض بالسلطنة من الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ولم يرد أن ينال هذا التفويض بالقهر كما فعل عمه طغرل بك الذي تزوج ابنة الخليفة العباسي دون رضا من أبيها، ومن ثم قد أمر ابنة الخليفة "بالعود من الرّيّ إلى بغداد، وبعث في خدمتها أميرا ورئيسا"، حيث أنتهج ألب أرسلان سياسة جديدة، وهي سياسة المهادنة مع الخليفة العباسي والتحالف معه، وإعلان احترامه أمام الكافة. فكانت ردة فعل الخليفة تجاه هذه السياسة الجديدة التي تتسم بالاحترام أن أمر بمبايعة ألب أرسلان وقبوله سلطانا جديدا للسلاجقة.[3]
آثاره
يُنظر إلى ألب أرسلان على نطاق واسع على أنه بدأ الأناضول، على الرغم من عدم قصده. غالبًا ما يُستشهد بانتصاره في ملاذكرد على أنه بداية نهاية السلطة البيزنطية في الأناضول، وبداية الهوية التركية هناك. كما يُنظر أيضًا على فتوحات ألب أرسلان في الأناضول من قبل البيزنطيين على أنه أحد النتائج المحورية لإطلاق الحملات الصليبية.
من عام 2002 إلى يوليو 2008 في إطار إصلاح التقويم التركماني، تم تسمية شهر أغسطس باسم ألب أرسلان.
الوفاة
ان السلطان قد سار في مائتي ألف مقاتل يريد غزاة ما وراء النهر، واتفق في بعض المنازل أنه غضب على رجل يقال له : يوسف الخوارزمي، فأوقف بين يديه فشرع يعاتبه في أشياء صدرت منه، فأمر أن يضرب له أربعة أوتاد ويصلب بينها، فقال للسلطان : يا مخنث أمثلي يقتل هكذا؟ فاحتد السلطان من ذلك، وأمر بإرساله، وأخذ القوس فرماه بسهم فأخطأه، وأقبل يوسف نحو السلطان فنهض السلطان عن السرير، فنزل فعثر، فوقع فأدركه يوسف فضربه بخنجر كان في يده في خاصرته، وأدركه الجيش فقتلوه، وقد جرح السلطان جرحا منكرا، وتوفي على اثارها [16] بتاريخ 10 ربيع الأول في 29 نوفمبر 1072 الموافق للعاشر من ربيع الأول عام 465هـ، ودفن في مدينة مرو بجوار قبر أبيه فخلفه ابنه ملك شاه.
ولما بلغ موته أهل بغداد أقام الناس له العزاء، وغلقت الأسواق وأظهر الخليفة الجزع عليه، وتسلبت ابنته الخاتون زوجة الخليفة ثيابها وجلست على التراب. وجاءت الكتب من السلطان في رجب إلى الخليفة يتأسف فيها على والده ويسأل أن تقام له الخطبة ففعل ذلك .[16]
وكان أهل سمرقند لما بلغهم عبور السلطان النهر وما فعل عسكره بتلك البلاد لا سيما بخارى اجتمعوا وختموا ختمات وسألوا الله أن يكفيهم أمره فاستجاب لهم.[17]
خلف ألب أرسلان من الأولاد: ملك شاه وهو صار السلطان بعده وإياز وتكش وبوري برش وتتش وأرسلان أرغون وسارة وعائشة وبنتًا أخرى.[17]
معلومات
- السلاجقة: ينتسبون إلى قبيلة من قبائل الغز التركية كان يقودها زعيم يدعى سلجوق (القرن 4 م). سكنت هذه القبيلة في تركستان وقد استقر الترحال بسلجوق في بخارى حيث اعتنق الإسلام على المذهب السني. ثم انتشر الإسلام بين السلاجقة ومالوا كذلك إلى المذهب ذاته لذا أغاروا على الدول الشيعية في بلاد فارس. وفي 1037م تمكن طغرل (من -حفاد سلجوق) من الاستيلاء على خراسان واستمر في التقدم حتى بغداد مقر الخلافة العباسية فاعترف به الخليفة القائم ومنحه لقب ملك الشرق والغرب. وقد ساند السلاجقة الخلافة العباسية في بغداد، ونصروا أهل السنة والجماعة بعد أن أوشكت دولة الخلافة على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق، والنفوذ الدولة العبيدية في مصر والشام. فقضى السلاجقة على النفوذ البويهي تمامًا وتصدوا للخلافة العبيدية (الفاطمية)، فقد كان النفوذ البويهي الشيعي مسيطراً على بغداد والخليفة العباسي.
مراجع
- "THE SELJUKS AND THEIR SUCCESSORS: IRAN AND CENTRAL ASIA, C.1040-1250 Coin no. 3 of 14"، مؤرشف من الأصل في 8 سبتمبر 2021،
This coin was struck at the mint of al-Ahwaz, the capital town of Khuzistan, which, together with al-Basra, was the main trading city at the head of the Arabian Gulf. On it, Alp Arslan clearly states his power and prestige as “the Exalted Sultan, King of Kings, King of Islam.” In the inscription on his coins his name appears as Alb because Arabic lacks the letter “p”, but to Persian and Turkish speakers his name is pronounced “Alp”.
- ولاية السلطان السلجوقي ألب أرسلان نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- إبراهيم, أحمد، "كيف شق ألب أرسلان طريقه إلى معركة ملاذكرد؟"، www.aljazeera.net، مؤرشف من الأصل في 12 نوفمبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 12 نوفمبر 2020.
- كتاب قادة لا تنسى تأليف: تامر بدر
- كتاب عظماء الإسلام - صـ 217.
- Norwich, John Julius (1997)، A Short History of Byzantium، New York: Vintage Books، ص. 240، ISBN 0-679-45088-2.
- Peoples, R. Scott (2013) Crusade of Kings Wildside Press LLC, 2008. p. 13. (ردمك 0-8095-7221-4), (ردمك 978-0-8095-7221-2)
- Norwich, John Julius (1997)، A Short History of Byzantium، New York: Vintage Books، ص. 241، ISBN 0-679-45088-2.
- Nicolle, David، Manzikerk 1071. The Breaking of Byzantium، ص. 89، ISBN 978-1-78096-503-1.
- V. Minorsky, "Tiflis", p. 754. In: M. Th. Houtsma, E. van Donzel (1993), E. J. Brill's First Encyclopaedia of Islam, 1913–1936. Brill, (ردمك 90-04-08265-4).
- Lang, David Marshall (1966), The Georgians, p. 111. Praeger Publishers.
- البداية والنهاية - (ج/ص: 12/131).
- السلطان ملكـ شاه القائد الساجد. نسخة محفوظة 03 يناير 2014 على موقع واي باك مشين.
- د.قحطان عبد الستار الحديثي (أستاذ تاريخ خراسان الاسلامي بجامعة بغداد)، أبو الحسن البلخي والمسجد الازرق، جريدة الراصد البغدادية، 1988
- الغزالي مؤسس جيل صلاح الدين. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 13 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
- "إسلام ويب - البداية والنهاية - ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة - وفاة السلطان ألب أرسلان وملك ولده ملكشاه- الجزء رقم17"، islamweb.net، مؤرشف من الأصل في 13 نوفمبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 13 نوفمبر 2020.
- "فصل: ذكر قتل السلطان ألب أرسلان|نداء الإيمان"، www.al-eman.com، مؤرشف من الأصل في 15 فبراير 2020، اطلع عليه بتاريخ 13 نوفمبر 2020.
روابط خارجية
ألب أرسلان ولد: 20 يناير 1029 توفي: 15 ديسمبر 1072 | ||
منصب | ||
---|---|---|
سبقه طغرل بك |
سلطان الدولة السلجوقية
4 سبتمبر 1063– 15 ديسمبر 1072 |
تبعه ملك شاه الأول |
- بوابة الإسلام
- بوابة التاريخ
- بوابة العصور الوسطى
- بوابة أعلام
- بوابة الدولة السلجوقية
- بوابة تركيا
- بوابة إيران