اندماج نووي
تفاعل الاندماج النووي (يعرف أيضا بالـ تيرمونووي) هو، بالإضافة إلى الانشطار النووي، أحد أهم أنواع التفاعلات النووية التطبيقية، حيث يرجى منها انتاج الطاقة ، مع العلم بأن الطاقة الناتجة من الاندماج النووي تفوق الطاقة التي نولدها حاليا في محطات المفاعلات النووية التي تعمل بالإشطار النووي.
جزء من سلسلة مقالات حول |
فيزياء نووية |
---|
بوابة طاقة نووية |
الاندماج النووي عملية تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل. ويلعب اندماج الأنوية الخفيفة مثل البروتون وهو نواة ذرة الهيدروجين و الديوتيريوم (وهو نواة الهيدروجين الثقيل الذي يتكون من 1 بروتون و 1 نيوترون) . كذلك يمكن استخدام التريتيوم (وتتكون نواته من 1 بروتون و 2 نيوترون) وهو نواة التريتيوم دوراً هائلاً في العالم وفي الكون، حيث ينطلق خلال هذا الاندماج في الشمس والنجوم كميات هائلة من الطاقة تظهر على شكل حرارة وإشعاع كما يحدث في الشمس، فتمدنا بالحرارة والنور والحياة. فبدون هذا التفاعل ما وُجدت الشمس وما وُجدت النجوم، ولا حياة من دون تلك الطاقة المسماة طاقة الاندماج النووي.
تنتج تلك الطاقة الهائلة عن فقد صغير في وزن النواة الناتجة عن الاندماج النووي، وهذا الفقد في الكتلة يتحول إلى طاقة طبقاً لمعادلة ألبرت أينشتاين التي تربط العلاقة بين الكتلة و الطاقة.
هذا التفاعل هو الذي يغذي الشمس وباقي النجوم الأخرى في الكون، ويمدهم بالحرارة والضوء؛ ووقودهم الرئيسي هو الهيدروجين واندماج الهيدروجين.
فائدة الاندماج النووي تكمن في إطلاقه كميات طاقة أكبر بكثير مما يطلقه الانشطار. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المحيطات تحتوي بشكل طبيعي على كميات كافية من الهيدروجين و الهيدروجين الثقيل (الديوتيريوم ) اللازمة للتفاعل فإذا فلح الإنسان في ترويض تلك الطاقة لتغذية الكوكب بالطاقة لمدة آلاف السنين، كما أن المواد المنبعثة عن الاندماج (خصوصا الهيليوم 4)، ليست مواداً مشعّة تؤذي الحياة.
و على الرغم من العدد الكبير من التجارب التي تم القيام بها في كل أنحاء العالم منذ خمسين سنة، فإنه لم يتم التوصل إلى بناء مفاعل يعمل بالاندماج، ولكن الأبحاث في تقدم مستمر لغرض التوصل إلى ذلك. وكل ما استطاع الإنسان التوصل إليه في هذا المجال جاء في المجال العسكري بابتكار القنبلة الهيدروجينية.
آلية الاندماج
يحدث تفاعل الاندماج النووي عندما تتداخل نواتان ذريتان. ولكي يتم هذا التداخل، لا بد من أن تتخطى النواتان التنافر الحاصل بين شحنتيهما الموجبتين (و تعرف الظاهرة بالـحاجز الكولومبي). إذا ما طبقنا قواعد الميكانيكا الكلاسيكية وحدها، سيكون احتمال الحصول على اندماج الأنوية منخفضا للغاية، بسبب الطاقة الحركية (الموافقة للهيجان الحراري) العالية جدا اللازمة لتخطي الحاجز المذكور. وفي المقابل، تقترح ميكانيكا الكم، وهو ما تؤكده التجربة، أن قانون كولوم يمكن تخطيه أيضا نفق ميكانيكا الكم، بطاقات أكثر انخفاضا.
وبالرغم من ذلك، فإن الطاقة اللازمة للاندماج تبقى مرتفعة جداً، وهو ما يقابله حرارة أكثر من عشرات أو ربما مئات الملايين من الدرجات المئوية حسب طبيعة الأنوية. وفي داخل الشمس على سبيل المثال، يجري تفاعل اندماج الهيدروجين المؤين عبر مراحل إلى تولد الهليوم، في ظل حرارة تقدر ب 15 مليون درجة مئوية، ويحدث ذلك ضمن عدة تفاعلات مختلفة تنتج عنها حرارة الشمس.[1][2][3] وتُدرس بعض تلك التفاعلات بين نظائر الهيدروجين بغرض إنتاج الطاقة عبر الاندماج مثل الديوتيريوم-ديوتيريوم أو الديوتيريوم-تريتيوم (انظر أسفله). أما في الشمس فتتواصل عملية الاندماج إلى العناصر الخفيفة ثم المتوسطة ثم ينتج منها العناصر الثقيلة مثل الحديد، الذي يحتوي في نواته على 26 بروتون ونحو 30 من النيوترونات. وفي بعض النجوم الأكثر كتلة عن الشمس، تتم عمليات اندماج لأنوية أضخم تحت درجات حرارة أكبر.
وعندما تندمج أنوية صغيرة، تنتج نواة غير مستقرة تسمي أحيانا نواة مركبة، ولكي تعود إلى حالة استقرار ذات طاقة أقل، تـُطلق جسيم أو أكثر (فوتون، نيوترون، بروتون، على حسب التفاعل)، وتتوزع الطاقة الزائدة بين النواة والجسيمات المطلقة في شكل طاقة حركيّة. وطبقاً للرسم التوضيحي تنطلق نواة ذرة الهيليوم بطاقة قدرها وينطلق النيوترون بطاقة قدرها (ميجا إلكترون فولت). وفي المفاعلات الاندماجية الجاري تطبيقها حاليا يجتهد العلماء للحصول على مردود جيد من الطاقة خلال الاندماج، أي من الضروري أن تكون الطاقة الناتجة أكبر من الطاقة المستهلكة لتواصل التفاعلات واستغلال الحرارة الناتجة في إنتاج الطاقة الكهربائية. كما يجب عزل محيط التفاعل ومواد المحيط في المفاعلات الاندماجية.
عندما لا يوجد أي وضع مستقر، تقريبا، قد يكون من المستحيل أن نقوم بإدماج نواتين (على سبيل المثال : + ).
إن التفاعلات الاندماجية التي تطلق أكبر قدر من الطاقة هي تلك التي تستخدم أكثر الأنوية خفّة لإنتاج الهيليوم، لأن الهيليوم ونواته جسيم ألفا هي أقوى نواة ذرة على الإطلاق من جهة تماسكها، فهي تحتوي على 2 بروتون و 2 نيوترون وهؤلاء الأربعة شديدو التماسك بحيث يتحول جزء يعادل 005و0 من كتلتهم كما في التفاعل الموضح بالرسم، إلى طاقة حركة تتوزع بين نواة الهيليوم الناتجة والنيوترون. ومجموع الطاقتين الموزعتين = 3,5 + 14,1 = 17,6 ميجا إلكترون فولت. وبالتالي فإن أنوية الدويتيريوم (بروتون واحد ونيوترون واحد) والتريتيوم (بروتون واحد ونيوترونان)، مستخدمة في التفاعلات التالية :
- ديوتيريوم + ديوتيريوم -> هيليوم 3 + نيوترون
- ديوتيريوم + ديوتيريوم -> تريتيوم + بروتون
- ديوتيريوم + تريتيوم -> هيليوم 4 + نيوترون
- ديوتيريوم + هيليوم-3 -> هيليوم-4 + بروتون
و هذه التفاعلات هي أكثر التفاعلات دراسة في المخابر عند تجارب الاندماج المراقبة، وكل منها ينتج نحو 17 ميجا إلكترون فولت من الطاقة.
الاندماج في النجوم
أهم عملية اندماجية نووية في الطبيعة هي التي تحدث في النجوم. في القرن العشرين تم التوصل إلى أن الطاقة الناتجة من التفاعلات الاندماجية النووية في الشمس والنجوم الأخرى هي المسؤولة عن عمرها الطويل كمصدر للحرارة والضوء؛ واندماج الأنوية في النجم -والتي يغلب على تركيبه الأساسي الهيدروجين والهيليوم- هو المزود لهذه الطاقة والذي يكوّن أنوية جديد كناتج لهذه العملية الاندماجية.
المنتِج الرئيسي للطاقة في الشمس هو اندماج الهيدروجين لتكوين الهيليوم والذي يحدث في درجة حرارة نواة الشمس المقدرة بـ 14 مليون كلفن. فتصبح النتيجة النهائية هي اندماج 4 بروتونات مكوّنة جسيم ألفا - مع إطلاق بوزيترونين- ونيوترينيوين (واللذان يحولان بروتونين إلى نيوترونين) وطاقة. وتحدث عدة سلسلات من التفاعلات الأخرى بحسب كتلة النجم. في النجوم التي بحجم الشمس أو أصغر تسيطر سلسلة التفاعلات بروتون-بروتون. أما في النجوم الأثقل من كتلة الشمس فتلعب دورة كربون-نيتروجين-أوكسجين دور أهم.
الاندماج المتحكم فيه
يمكن التفكير في عدة طرق تمكّننا من احتجاز محيط التفاعل للقيام بتفاعلات اندماج نووية، ويقوم العلماء فعلا بتلك التجارب بواسطة الاحتجاز المغناطيسي لما يسمى البلازما في جهاز مفرغ من الهواء مع رفع درجة حرارة البلازما إلى عشرات الملايين درجة مئوية. ولكن احتجاز البلازما - وهي أنوية التريتيوم و الديوتيروم العارية من الإلكترونات - تحت هذه الحرارة العالية صعب جدا إذ كلها تحمل شحنة كهربائية موجبة تجعلهم يتنافرون عن بعضهم. فما يلبث التفاعل أن يبدأ بينهم لمدة أجزاء من الثانية حتى يتنافروا ويتوقف التفاعل. وينصب حاليا اهتمام العلماء على ابتكار وسيلة يستطيعون بها إطالة مدة انحصار البلازما وإطالة مدة التفاعل. وتلك المجهودات ما هي إلا بغرض استغلال طاقة الاندماج النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية.
الاندماج بالاحتجاز المغناطيسي
- التوكاماك، حيث يحتجز خليط من نظائر الهيدروجين بواسطة حقل مغناطيسي بالغ الشدة.
- الستيلاتور، حيث تؤمن الحواث (inductors) الاحتجاز بالكامل.
بلازما الاندماج
عندما تصل الحرارة الدرجة التي يحصل فيها الاندماج، تكون المادة في حالة بلازما. إنها حالة خاصة للمادة الأولية، تكوّن فيها الذرات أو الجزيئات غازا أيونيا.
تحت درجات الحرارة العالية يتم اقتلاع إلكترون أو أكثر من السحابة الإلكترونية المحيطة بكل نواة، مما ينتج عنه أيونات موجبة وإلكترونات طليقة.
ينتج عن التحرك الكبير للأيونات والإلكترونات داخل بلازما حرارية، عدة اصطدامات بين الجسيمات الموجبة الشحنة الكهربية. ولكي تكون هذه الاصطدامات قوية بما فيه الكفاية لإنشاء تفاعل اندماجي، تتدخل ثلاث عوامل :
- الحرارة ;
- الكثافة ;
- زمن الاحتجاز .
حسب لوسون فإن المعامل . يجب أن يصل حدا فاصلا للحصول على الـ breakeven حيث تكون الطاقة الناتجة عن الاندماج مساوية للطاقة المستخدمة. يحدث الإيقاد إثر ذلك في مرحلة أكثر إنتاجا للطاقة (لم يتوصل العلماء لإيجادها حتى اليوم في المفاعلات التجريبية الحالية). إنه الحد الذي يكون التفاعل إثره قادرا على المواصلة من تلقاء ذاته من دون انقطاع. لتفاعل ديتوريوم + تريسيوم، يقدّر هذا الحد بـ ثانية/سم³.
انظر أيضا
مراجع
- Physics Flexbook. Ck12.org. Retrieved on 2012-12-19. نسخة محفوظة 28 ديسمبر 2011 على موقع واي باك مشين.
- "Extreme DIY: Building a homemade nuclear reactor in NYC"، BBC News، مؤرشف من الأصل في 16 مايو 2018، اطلع عليه بتاريخ 30 أكتوبر 2014.
- Kramer, David (مارس 2011)، "DOE looks again at اندماج بحصر القصور الذاتي as potential clean-energy source"، Physics Today، 64 (3): 26، Bibcode:2011PhT....64c..26K، doi:10.1063/1.3563814.
- بوابة الفيزياء
- بوابة علم الفلك
- بوابة طاقة
- بوابة ميكانيكا الكم
- بوابة طاقة نووية