خبث
الخُبْث لغةً: الخُبث: مصدر، والخَبِيثُ: ضِدُّ الطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْق والولدِ والناسِ. ويَخْبُث خَبَاثة وخُبْثًا: صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، والمُخْبِثُ: الَّذِي يُعَلِّمُ الناسَ الخُبْثَ. وأَجاز بعضُهم أَن يُقَالَ لِلَّذِي يَنْسُبُ الناسَ إِلى الخُبْثِ: مُخْبِثٌ.[1]
معنى الخُبْث اصطلاحًا:
الخُبْث: هو إضمار الشَّرِّ للغير، وإظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات.[2]
ذم الخُبْث في الشرع الإسلامي
في القرآن الكريم
ورد لفظ الخبائث في الكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله تعالى عن نبيه محمد ﷺ:
(( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ )) [الأعراف:157]
، وقال عن نبيه لوط:
(( وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ )) [الأنبياء:74].
والخبائث جمع خبيثة، ويختلف المراد بها حسب السياق، فهي في الآية الأولى: «المحرمات من المأكولات» وقال ابن عباس: (هو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله)، وفي الثانية: «الشذوذ».
وفسر الخبائث ابن الأعرابي تفسيراً عاماً فقال: هي المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار. قال ابن حجر العسقلاني بعد إيراد كلامه: وعلى هذا.. فالمراد بالخبائث المعاصي، أو مطلق الأفعال المذمومة.[3]
قال تعالى: (( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ )) [النور: 26].
وجاء في تفسير الطبري: الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والعمل.[4]
قوله تعالى: (( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) [آل عمران: 179].
عن ابن إسحاق: «ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب»، أي: المنافقين.[5]
قوله تعالى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ -سورة المائدة-.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، (ولو أعجبك كثرة الخبيث) يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا).[6]
في السنة النبوية
قوله ﷺ: (( لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي )).[7]
قال ابن القيم: (فكره رسول الله ﷺ لفظ الخبث؛ لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه).[8]
روي عن عن أبي هريرة أن رسول الله قال:
(( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ، انحلت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا خبيث النفس لم يصب خيرًا)).[9] |
قال ابن حجر: قوله: ((خبيث النفس)). أي: رديء النفس غير طيبها أي مهمومًا، وقد تستعمل في كسل النفس، وفي الصحيح ((لا يقولن أحدكم خبثت نفسي)) كأنه كره اللفظ، والمراد بالخطاب المسلمون).
كان النبي ﷺ إذا أراد دخول الخلاء يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
أقوال العلماء في الخُبْث
- قال أبو الدرداء: (ما لكم عباد الله لا تحابُّون وأنتم إخوانٌ على الدِّين، ما فرَّق بين أهوائكم إلَّا خُبْث سرائركم).[10]
- قيل: (مَن طابت نفسه طاب عمله، ومَن خَبُثَت نفسه، خَبُثَ عمله).[11]
- وقال منصور بن الحسين الرازي: (مَن كَرُم مَحْتده، حَسُن مَشْهَده. ومَن خَبُث عنصره، ساء محضره. ومَن خان هان، ومَن أدمن قَرْعَ الباب وَلَجَ).[12] - وقال ابن جماعة الكناني: (لا يصحُّ العلم -الذي هو عبادة القلب- إلَّا بطهارته عن خُبْث الصِّفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها).[13]
آثار الخُبْث
1- بذاءة اللسان:
(إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ).[14]
2- الحسد:
قال المناوي: (سبب الحسد خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه).[15]
3- كره المنفعة للناس:
وقد قال بعض العلماء: (البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته)[16]
4- العداوة:
قال أبو طالب المكي: (مع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة).[17]
7- الخبيث لا يدخل الجنة:
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:
((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا. - قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ-. قَالَ: وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا)).[18]
قال ابن القيم:
أصناف البشر في الخبث والطيب
قال ابن القيم: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات:
طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض)[20]
التَّخلُّص مِن خُبْث النَّفس
1- الدُّعاء:
قال تعالى: ((بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)) [النساء: 49]
وقال جل جلاله: ((وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة: 186]
والدُّعاء مِن أقوى الأسباب المعينة للتَّخلُّص مِن هذه الصِّفة المذمومة.
2- الرَّغبة في الأجر والثَّواب الذي يحصل بسبب سلامة الصدر.
3– مجاهدة النفس:
قال -تعالى-: (في سورة الشمس): قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا .
وقال -تعالى-: ﴿(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ)﴾.. (الحج: 78). قال اللَّه -تعالى-: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى -النازعات-.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي:
((أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)).[21]
4- التَّربية:
قال تعالى (في سورة البقرة): ((يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة)).
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
« كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته » [22]
- قال تعالى (في سورة النحل): وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
- وقال رسول الله ﷺ: ((كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)) -متفقٌ عليه-.
5- الصحبة الصالحة:
قال رسول الله ﷺ بقوله: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» [23]
6- ذكر الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).[24]
7- معرفة عقوبتها:
قال ابن تيمية: (فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث شيء، فإن ذلك موجب للفساد، أو غير ممكن. بل إذا كان في النفس خبث طهرت وهذبت، حتى تصلح لسكنى الجنة).[25]
8- اجتناب الخبيث في المطعم والمشرب والدواء:
ومن ذلك ما جاء عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ قَالَ: ((ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِىِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ)).[26]
قال رسول الله ﷺ: ("كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به").[27]
ونهى عن الدواء الخبيث. (ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان).[28]
المراجع
- [لسان العرب، لابن منظور، 141-142/2]، و(مقاييس اللغة لابن فارس (2/238)) نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- [تهذيب الأخلاق للجاحظ، ص. 33]
- [ https://www.islamweb.net/ar/fatwa/94348/ معنى الخبائث - إسلام ويب - مركز الفتوى] نسخة محفوظة 14 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
- [تفسير الطبري] نسخة محفوظة 23 يونيو 2018 على موقع واي باك مشين.
- [الأثر: 8270 - سيرة ابن هشام 3: 128]
- [تفسير الطبري].
- رواه مسلم (2251) والبخاري (6180)
- [الطرق الحكمية، ص. 41]
- رواه مسلم (776) والبخاري (3269)
- (ذم الدنيا) لابن أبي الدنيا (89)
- الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني (87)
- (نثر الدرر، لمنصور بن الحسين الرازي، ص. 163)
- (تذكرة السامع والمتكلم) [ص34]
- إحياء علوم الدين الغزالي]] (ص3/122)
- [فيض القدير]، 5/22)
- .مختصر منهاج القاصدين- لابن قدامة، ص. 242)
- .قوت القلوب، (2/384)
- (رواه مسلم)(2872)
- (إغاثة اللهفان، 56/1)
- (الوابل الصيب) ص20
- (صحيح البخاري، 7405)
- رواه البخاري (853) ومسلم ( 1829).
- [أخرجه أبو داود بإسناد صحيح].
- (البخاري، 1142)
- (الحسنة والسيئة، ص. 101)
- (مسلم، 1568)
- [رواه الإمام أحمد في مسنده]
- (نيل الأوطار للشوكاني، 234/8)
- بوابة أخلاقيات
- بوابة الإسلام