أبو هريرة

أبو هُرَيْرَة عبد الرحمن بن صخر الدوسي (21 ق هـ/ 602 م - 59 هـ/679م،[1]) صحابي محدث وفقيه وحافظ أسلم سنة 7 هـ، ولزم النبي محمداً، وحفظ الحديث عنه، حتى أصبح أكثر الصحابة روايةً وحفظًا للحديث النبوي.[2] لسعة حفظ أبي هريرة، التفّ حوله العديد من الصحابة والتابعين من طلبة الحديث النبوي الذين قدّر البخاري عددهم بأنهم جاوزوا الثمانمائة ممن رووا عن أبي هريرة.[3][4] كما يعد أبو هريرة واحدًا من أعلام قُرّاء الحجاز،[5] حيث تلقّى القرآن عن النبي محمد، وعرضه على أبي بن كعب،[6] وأخذ عنه عبد الرحمن بن هرمز.[7] تولى أبو هريرة ولاية البحرين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، كمل تولى إمارة المدينة من سنة 40 هـ حتى سنة 41 هـ.[8] وبعدها لزم المدينة المنورة يُعلّم الناس الحديث النبوي، ويُفتيهم في أمور دينهم، حتى وفاته سنة 59 هـ.

أبو هريرة

معلومات شخصية
الميلاد سنة 602  
الحجاز   
الوفاة سنة 679 (7677 سنة) 
وادي العقيق، المدينة المنورة
مكان الدفن البقيع 
الإقامة شبه الجزيرة العربية
الكنية أبو هريرة
الزوجة بسرة بنت غزوان 
الأولاد
محرر بن أبي هريرة
عبد الرحمن بن أبي هريرة 
بلال بن أبي هريرة  
الأم أميمة بنت صبيح 
إخوة وأخوات
كريم بن صخر  
أقرباء
الحياة العملية
النسب الدوسي
مرتبته عند ابن حجر صحابي
مرتبته عند الذهبي صحابي
عدد الأحاديث التي رواها 5,374 حديث
التلامذة المشهورون أنس بن مالك،  وطاووس بن كيسان،  ومحمد بن سيرين 
المهنة مُحَدِّث 
اللغة الأم العربية 
اللغات العربية 

اسمه وكنيته

اختلف في اسم أبي هريرة على عدة أقوال، أرجحها «عبد الرحمن بن صخر»، وقيل «عبد الرحمن بن غنم»، وقيل «عبد بن غنم»،[9] وقيل «عبد نهم بن عامر»، وقيل «عبد شمس بن عامر»، وقيل «عمير بن عامر»، وقيل «عبد شمس بن صخر»، وقيل «عامر بن عبد غنم»،[10] وقيل «عبد الله بن عامر»، وقيل «سكين بن دومة»، وقيل «عبد عمرو بن عبد غنم»، وقيل «عمرو بن عبد غنم»،[10] وقيل «سكين بن مل»، وقيل «سكين بن هانئ»، وقيل «عمر بن عبد شمس»، وقيل «عمر بن عبد نهم»، وقيل «سكين بن جابر»، وقيل «يزيد بن عشرقة»، وقيل «عبد الله بن عائذ»،[10] وقيل «سكين بن وذمة»، وقيل «برير بن عشرقة»، وقيل «سعيد بن الحارث»،[4] وقيل أن اسمه الذي ولد به كان «عبد شمس» أو «عبد الله» أو «سكين» أو «عامر» أو «بُرير» أو «عمرو» أو «سعيد»[9] أو «عبد عمرو»[10] أو «عبد غنم»[10] أو «عبد ياليل» أو «عبد تيم»[10] وبعد إسلام أبي هريرة، غيّر النبي محمد اسمه القديم، وسمّاه «عبد الرحمن» أو «عبد الله».[10] وعن كُنيته «أبو هُريرة» التي اشتهر بها، فقيل أنه وجد هرة برية، فأخذها في كمه، فكُنّي بذلك،[9][10] وقيل أنه كان يرعى غنمًا لأهله، فكانت له هريرة يلعب بها، فكناه أهله بها.[3]

نسبه

أما نسبه، فقال ابن الكلبي: إنه عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان (وقيل: عتاب) بن أبي صعب بن هنية (وقيل: منبه) بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان (وقيل: عدنان) بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد،[9][10] وقيل أنه أبي هريرة عبد نهم بن عامر بن عبد شمس بن عبد الساطع بن قيس بن مالك بن ذي الأسلم بن الأحمس بن معاوية بن المسلم بن الحارث بن دهمان بن سليم بن فهم بن عامر بن دوس، وقيل هو عبد نهم بن عامر بن عتبة بن عمرو بن عيسى بن حرب بن سعد بن ثعلبة بن عمرو بن فهم بن دوس.[10] وعن أمه، فقيل أن اسمها ميمونة، وقيل: أميمة، وقيل: أمينة، وقيل: صفية، وهي بنت صبيح (أو صفيح) بن الحارث بن سابى بن أبي صعب بن هنية الدوسية،[4][9][11] ولأبى هريرة أخ يقال له كريم،[12] وأما عن خاله، قيل هو سعد بن صبيح، وقيل: سعيد بن صبيح، قال أبو محمد بن قتيبة: «كان سعيد بن صبيح خال أبي هريرة من أشد الناس»،[12] وابن عمه هو أبو عبد الله الأغر.[12]

حياته

إسلامه وهجرته للمدينة

المسجد النبوي لزمه أبو هريرة منذ هاجر إلى المدينة المنورة لمصاحبة النبي محمد.

نشأ أبو هريرة في مساكن قبيلته «دوس» الأزديّة بأرض اليمن يتيمًا،[6] ولما بلغته دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي إلى الإسلام أجاب الدعوة، وأسلم،[13]

ثم هاجر في أول سنة 7 هـ،[4][14] وهو ابن ثمان وعشرين سنة مع نفر من قومه من قبيلة دوس اليمانية، إلى المدينة المنورة وقت غزوة خيبر، ولكن اختُلف أأدرك القتال وشارك فيه، أم بلغ المدينة بعدما فرغوا من القتال،[3]، قال ابن عبد البر: «أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم».[15]

خدمة أبي هريرة للنبي محمد وأهل بيته

ومن وقت وصول أبي هريرة إلى المدينة، لزم المسجد النبوي في أهل الصفة الذين لم يكن لهم مأوى ولا أهل، ورد أنه أمضى أربع سنين في معيّة النبي محمد، وورد أنهم ثلاث،[3][14] انقطع فيها عن الدنيا ليلازم النبي محمد، عاش فيها حياة المساكين، يدور معه في بيوت نسائه ويخدمه ويغزو معه ويحجّ، فشهد معه فتح مكة،[16] وأصبح أعلم الناس بحديثه، فكان السابقون من الصحابة كعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير يسألونه عن الحديث، لمعرفتهم ملازمة أبي هريرة للنبي محمد،[17] فتمكّن أبو هريرة في تلك الفترة من استيعاب قدر كبير من أحاديث النبي محمد وأفعاله، ساعده على ذلك قُدرته الكبيرة على الحفظ. امتاز أبو هريرة في تلك الفترة بالجراءة على سؤال النبي محمد عن أشياء لا يسأله عنها غيره،[18][19] وقد أوكل النبي محمد له بعض الأعمال كحفظ أموال زكاة رمضان،[20] كما بعثه النبي محمد مؤذّنًا مع العلاء بن الحضرمي حين بعث النبي محمد العلاء واليًا على البحرين.[21]

في عهد الخلفاء الراشدين

وبعد وفاة النبي محمد، شارك أبو هريرة في عهد أبي بكر الصديق في حروب الردة،[22] كما شارك في الفتح الإسلامي لفارس في عهد عمر بن الخطاب،[23] ثم استعمله عمر واليًا على البحرين، فقدم من ولايته عليها إلى المدينة بعشرة آلاف، فاتهمه عمر في تلك الأموال، فأنكر أبو هريرة اغتصابه لتلك الأموال، وقال له بأنها نتاج خيله، ومن تجارته في الغلال، وما تجمّع له من أُعطيات. فتقصّى عُمر الأمر، فتبيّن له صدق مقولة أبي هريرة. أراد عُمر بعدئذ أنه يُعيد أبي هريرة إلى ولايته على البحرين، فأبى أبو هريرة، وامتنع.[2][24][25] بعد ولايته تلك، أقام أبو هريرة في المدينة المنورة يُحدّث طلاب الحديث، ويُفتي الناس في أمور دينهم، فقد روى زياد بن مينا أنه: «كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وجابر مع أشباه لهم، يُفتون بالمدينة، ويُحدّثون عن رسول الله من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا»،[26] كذلك قال ابن حزم في كتاب «الإحكام في أصول الأحكام»: «المتوسطون فيما روي عنهم من الفتاوى عثمان، أبو هريرة، عبد الله بن عمرو بن العاص، أم سلمة، أنس، أبو سعيد، أبو موسى، عبد الله بن الزبير، سعد بن أبي وقاص، سلمان، جابر، معاذ، أبو بكر الصديق».[19]

لم يكن أبو هريرة بمعزل عما يدور حوله من أحداث، فقد شارك أبو هريرة في مناصرة المدافعين عن عثمان بن عفان يوم الدار،[6][27] وهو ما حفظه الأمويون لأبي هريرة. ورغم حُسن علاقته بالأمويين، إلا أنه عنّف مروان بن الحكم ولم يكن وقتها واليًا على المدينة المنورة لممانعته دفن الحسن بن علي بن أبي طالب مع جده النبي محمد، حيث قال له أبو هريرة: «تدخل فيما لا يعنيك ولكنك تريد رضا الغائب»، يعني أبو هريرة بذلك معاوية.[17]

وفاته

مقبرة البقيع حيث دُفن أبو هريرة.

تعددت الروايات في تاريخ وفاة أبي هريرة، فقال هشام بن عروة أن أبا هريرة وعائشة توفيا سنة 57 هـ، وأيّد هذا التاريخ علي بن المديني ويحيى بن بكير وخليفة بن خياط، بينما قال الهيثم بن عدي بأنه توفي سنة 58 هـ، فيما قال الواقدي وأبو عبيد وأبو عمر الضرير أنه مات سنة 59 هـ، وزاد الواقدي أن عمره يومها كان 78 سنة، وأن أبا هريرة هو من صلى على عائشة في رمضان سنة 58 هـ، وعلى أم سلمة في شوال سنة 59 هـ، ثم توفي بعد ذلك في نفس السنة.[28][29] كانت وفاة أبي هريرة في وادي العقيق، وحمل بعدها إلى المدينة،[2] حيث صلى عليه الوليد بن عتبة أمير المدينة المنورة وقتئذ بعد صلاة العصر، وشيعه عبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري، ودُفن بالبقيع.[6] وقد أوصى أبو هريرة حين حضره الموت، فقال: «إذا مت فلا تنوحوا عليّ، لا تضربوا عليّ فسطاطا، ولا تتبعوني بمجمرة، وأسرعوا بي».[27] كما كانت له قبل وفاته دارًا في ذي الحليفة، تصدق بها على مواليه.[3][4] وقد كتب الوليد بن عتبه إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان يُنبأه بموت أبي هريرة، فكتب معاوية إليه يأمره بأن يحصي ورثة أبي هريرة، وأن يمنحهم عشرة آلاف درهم، وأن يُحسن جوارهم.[6][27]

لم يرد ذكر لأسرة أبي هريرة أكثر من أنه كانت له زوجة اسمها «بسرة بنت غزوان»،[24][25] ومن الولد ابنه المحرر وهو ممن رووا عنه الحديث النبوي،[30] وعبد الرحمن بن أبي هريرة، وبلال بن أبي هريرة؛[11] وابنة كانت زوجة للتابعي سعيد بن المسيب.[31] أما صفة أبي هريرة الشكلية، فقد كان أبو هريرة رجلاً آدم، بعيد ما بين المنكبين، أفرق الثنيتين، ذا ضفيرتين،[3][4][18] يميل إلى المُزاح، فقد رُوي أنه كان يرى الصبية يلعبون في الليل لعبة الغراب، فيتسلل بينهم، وهم لا يشعرون، حتى يلقي بنفسه بينهم، ويضرب برجليه الأرض، يريد بذلك أن يضحكهم، فيفزع الصبيان منه، ويفرون ههنا وههنا، يتضاحكون.[32]

روايته للحديث النبوي

مروياته

لزم أبو هريرة النبي محمد منذ أن أسلم سنة 7 هـ، وساعدته سعة حفظه على استيعاب عدد كبير من الأحاديث النبوية ذكر الذهبي في ترجمته لأبي هريرة في كتابه «سير أعلام النبلاء» أن أحاديث أبي هريرة بلغت في مسند بقي بن مخلد 5374 حديث، اتفق البخاري ومسلم على 326 حديث منها، وانفرد البخاري بـ 93 حديثًا، ومسلم بـ 98 حديثًا،[19] كما أحصى له المحقق شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد 3870 حديثًا.[33] وقد جمع أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكري في القرن الثالث الهجري مسند أبي هريرة، وتوجد نسخة منه محفوظة في مكتبة كوبريللي بتركيا،[34] كما جمع الطبراني مُسندًا لأبي هريرة في مصنف.[35]

لذا، فقد التف حوله الكثيرون ممن طلبة الحديث النبي قدّر البخاري عددهم بأنهم جاوزوا 800 رجل وامرأة رووا عن أبي هريرة.[3][4] وقد شهد لأبي هريرة معاصروه بأوّليته في سعة الحفظ، بينما ذكر أبو هريرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان أحفظ منه، نظرًا لتدوين عبد الله لما كان يحفظه من أحاديث، بينما لم يكن أبو هريرة يكتب.[18][26] كما حفظ أبو هريرة القرآن، وقرأه على أبي بن كعب،[6] وقد أخذ عنه الأعرج.[7] وقد اختبر مروان بن الحكم حفظ أبي هريرة، ومروان يومئذ واليًا على المدينة، بأن دعا أبا هريرة، وسأله أن يُحدّثه، وأمر مروان كاتبه أن يجلس خلف ستار يكتب ما يسمعه. فجعل أبو هريرة يُحدّث مروان. ثم أرسل مروان بعد فترة يسأل أبي هريرة أن يُحدّثه، وأمر كاتبه بأن يقارن بما كتبه، فما وجده غيّر حرفًا عن حرف،[36] عندئذ قال له مروان: «تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع؟»، فقال أبو هريرة: «وقد فعلت؟»، قال: «نعم»، قال: «فاقرأه علي»، فقرأه. فقال أبو هريرة: «أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه»، فمحاه مروان، وقال أبو هريرة: «ارو كما روينا».[21]

روى عن

روى أبو هريرة عن:[4][9][30]

روى عنه

روى عن أبي هريرة:[4][9][30][36]

الجرح والتعديل

أبو هريرة وعاء من العلم
—النبي محمد[21]

نقل أبو سعيد الخدري عن النبي محمد قوله عن أبي هريرة: «أبو هريرة وعاء من العلم»،[21] وقال له ابن عمر: «كنت ألزمنا لرسول الله وأعلمنا بحديثه»،[37] وقال كعب: «ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة»،[38] وقال الشافعي: «أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره»،[26][36] وقال أبو نعيم عنه: «كان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله ، ودعا له بأن يحبّبه إلى المؤمنين، وكان إسلامه بين الحديبيّة وخيبر. قدم المدينة مهاجرًا، وسكن الصّفة»،[18]

وقد اهتم علماء الجرح والتعديل بتصنيف أصح أسانيد أحاديث أبي هريرة، فعدّها الذهبي أن أصح أسانيده ما جاء عن الزُهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وما جاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وما جاء عن ابن عون وأيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة،[24] وقد روى له الجماعة في كُتُبهم.[28] بينما اعتبر علي بن المديني أن أصحها ما جاء من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة،[39] وقال سليمان بن داود: «أصح الأسانيد كلها يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة»،[40] أما المُحدّث أحمد محمد شاكر فقد اعتبر أصح ما رُوِيَ عن أبي هريرة ما جاء من طرق مالك وسفيان بن عيينة ومعمر عن الزُهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وما جاء عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وما جاء عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة، وما جاء عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة.[41]

التعجُّب من كثرة رواياته

لم يتقبّل بعض الصحابة إكثار أبي هريرة الرواية للحديث النبوي كالخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي قال لأبي هريرة: «لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس»،[38] لرؤية عمر ضرورة الإقلال في رواية الحديث عن النبي محمد في زمان خلافته،[38] مخافة انشغال الناس بالحديث عن القرآن،[42] ومع هذا فقد سمح عمر لأبي هريرة بالتحديث بعد أن أرسل يطلبه، وقال له عمر: «كنت معنا يوم كنا مع رسول الله في بيت فلان؟»، فقال أبو هريرة: «نعم، وقد علمت لأي شيء سألتني»، فقال عمر: «ولم سألتك؟»، فردّ أبو هريرة قائلاً: «إن رسول الله قال يومئذ: من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار»، فقال عمر: «أما لا، فاذهب فحدّث»،[26] وهي إجازة من عمر لأبي هريرة بالتحديث.[43] كما رُوي أن أبا هريرة دخل يومًا على عائشة بنت أبي بكر، فقالت له متعجبة: «أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله!»، فقال أبو هريرة: «إي والله يا أماه؛ ما كانت تشغلني عنه المرآة، ولا المكحلة، ولا الدهن»، فقالت عائشة: «لعله». وبلغ ابن عمر رواية أبي هريرة لحديث: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل أحد»،[44] فقال ابن عمر: «أكثر علينا أبو هريرة»، فأخذه أبو هريرة إلى عائشة، يسألها عن الحديث، فصدّقته،[38] فما كان من ابن عمر إلا أن قال له: «كنت ألزمنا لرسول الله ، وأعلمنا بحديثه».[26] ولم يكن هذا الانتقاد فقط بين جموع الصحابة، بل وكان محل ريبة بعض العوام الذين سأل أحدهم طلحة بن عبيد الله يومًا، فقال: «يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله منكم؟. نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟»، فردّ طلحة قائلاً: «أما أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشك، سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنا نأتي رسول الله طرفي النهار، وكان مسكينًا ضيفًا على باب رسول الله، يده مع يده، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحدًا فيه خير يقول على رسول الله ما لم يقل».[26][45]

وقد أزعجت أبي هريرة تلك الانتقادات لكثرة رواياته، فقال: «إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ، وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم؛ وكنت امرأ مسكينًا من مساكين الصفة، ألزم رسول الله على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول الله في حديث يحدثه يومًا، إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى مقالته، جمعتها إلى صدري. فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شيء».[2][14][21][46]

لم تكن تلك الانتقادات على كثرة رواية الأحاديث فقط بين معاصريه. فقد كان بعض التابعين لا يأخذون ببعض حديثه، فقد روى يزيد بن هارون أنه سمع شعبة يقول: «كان أبو هريرة يدلس»[arabic-abajed 1]. كما روى المغيرة ومنصور عن إبراهيم النخعي أنه قال بأن أصحابه ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار.[arabic-abajed 2]

عبادته وكرمه

اجتهد أبو هريرة في العبادة، فهذا حفيده نعيم بن المحرر بن أبي هريرة يقول بأن جده كان له خيط فيه ألفا عقدة، لا ينام حتى يسبح به،[37] كما ذكر أبو عثمان النهدي أنه حلّ ضيفًا على أبي هريرة لسبعة أيام، فوجده وامرأته وخادمه يُقسّمون الليل ثلاثًا، يُصلّي أحدهم ثم يوقظ الآخر.[24][25] وأثنى رجل من قبيلة تدعى الطفاوة على كرم أبي هريرة، فقال: «نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله رجلاً أشد تشميرًا، ولا أقوم على ضيف، من أبي هريرة».[14][21] وكان أبو هريرة دائم الإقرار بفضل ربه عليه، فقد رُوي أنه صلى بالناس يومًا، فلما سلّم، رفع صوته، فقال: «الحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا؛ بعد أن كان أجيرًا لابنة غزوان على شبع بطنه، وحمولة رجله، فزوجنيها الله، فهي امرأتي».[24][25]

انظر أيضًا

ملاحظات

  1. علَّق الذهبي على هذه الرواية، فقال: «تدليس الصحابة كثير، ولا عيب فيه، فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم، والصحابة كلهم عدول»[47]
  2. علَّق الذهبي على ذلك فقال: «هذا لا شيء، بل احتج المسلمون قديما وحديثا بحديثه; لحفظه وجلالته وإتقانه وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول : أفت يا أبا هريرة.[47]»[47]

المراجع

  1. الزركلي, خير الدين (2002)، الأعلام (ط. 15)، بيروت: دار العلم للملايين، ج. مج3، ص. 308.
  2. أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري - أبو هريرة نسخة محفوظة 13 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  3. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (2) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  4. تهذيب الكمال للمزي» أَبُو هريرة الدوسي اليماني (1) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  5. علم القراءات، نشأته - أطواره - أثره في العلوم الشرعية، د. نبيل بن محمد إبراهيم آل إسماعيل، الطبعة الأولى، مكتبة التوبة، 1421 هـ/2000 م، ص174
  6. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (7) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  7. سير أعلام النبلاء» الطبقة الثانية» الأعرج نسخة محفوظة 24 سبتمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  8. درة المدن.. وأمراؤها نسخة محفوظة 03 يناير 2017 على موقع واي باك مشين.
  9. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (1) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  10. ابن حجر العسقلاني, أحمد (1415 هـ)، "10680- أبو هريرة"، كتاب الإصابة في تمييز الصحابة (ط. الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، ج. 7، ص. ٣٤٨ -٣٦٢، مؤرشف من الأصل في 21 سبتمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 17 سبتمبر 2021. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  11. جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص382 نسخة محفوظة 30 مارس 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  12. نام كتاب : جمهرة أنساب العرب نویسنده : ابن حزم    جلد : 1  صفحه : 382. نسخة محفوظة 6 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  13. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - الطفيل بن عمرو نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  14. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (8) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  15. Isḥāq ibn Ibrāhīm Ibn (1990)، مسند إسحاق بن راهويه، توزيع مكتبة الايمان،، مؤرشف من الأصل في 20 ديسمبر 2020.
  16. صحيح مسلم » كتاب الجهاد والسير » باب فتح مكة نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  17. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (11) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  18. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (7) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  19. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (8) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  20. صحيح البخاري » كتاب الوكالة » باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  21. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (3) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  22. مسند أحمد » مسند العشرة المبشرين بالجنة » مسند الخلفاء الراشدين » مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه - حديث رقم: 68 نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  23. تاريخ جرجان - أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني - باب ذكر من دخل جُرْجَان من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم نسخة محفوظة 04 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  24. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (5) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  25. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (12) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  26. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (4) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  27. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (13) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  28. تهذيب الكمال للمزي» أَبُو هريرة الدوسي اليماني (3) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  29. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (14) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  30. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (5) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  31. سير أعلام النبلاء » بقية الطبقة الأولى من كبراء التابعين » سعيد بن المسيب نسخة محفوظة 25 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
  32. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة - القاهرة، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/1982 م، ص 96
  33. مسند الإمام أحمد - تحقيق: شعيب الأرناؤوط - طبعة دار الرسالة - مقدمة الجزء الثاني عشر نسخة محفوظة 06 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  34. تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ترجمة د. عبد الحليم النجار، الطبعة الثالثة، دار المعارف المصرية، 1974 م، ج3 ص154
  35. تذكرة الحفاظ للذهبي - الطبراني نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  36. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (6) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  37. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة (6) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  38. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (10) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  39. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 398 (1) نسخة محفوظة 13 مايو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  40. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 398 (2) نسخة محفوظة 13 مايو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  41. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة - القاهرة، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/1982 م، ص 149.
  42. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة - القاهرة، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/1982 م، ص 150
  43. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة - القاهرة، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/1982 م، ص 151
  44. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام » كتاب الجنائز » حديث من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  45. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني - أبو هريرة (9) نسخة محفوظة 10 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  46. تهذيب الكمال للمزي» أَبُو هريرة الدوسي اليماني (2) نسخة محفوظة 10 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  47. سير أعلام النبلاء» الصحابة رضوان الله عليهم» أبو هريرة، سير أعلام النبلاء نسخة محفوظة 19 يوليو 2020 على موقع واي باك مشين.

المصادر

  1. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي.
  2. تذكرة الحفاظ للذهبي.
  3. تاريخ جرجان - أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني.
  4. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة - القاهرة، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/1982 م.
  5. تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، ترجمة د. عبد الحليم النجار، الطبعة الثالثة، دار المعارف المصرية، 1974 م.
  6. علم القراءات، نشأته - أطواره - أثره في العلوم الشرعية، د. نبيل بن محمد إبراهيم آل إسماعيل، الطبعة الأولى، مكتبة التوبة، 1421 هـ/2000 م.

وصلات خارجية

  • بوابة الدولة الأموية
  • بوابة الحديث النبوي
  • بوابة الخلافة الراشدة
  • بوابة التاريخ الإسلامي
  • بوابة محمد
  • بوابة صحابة
  • بوابة أعلام
  • بوابة الإسلام
  • بوابة شبه الجزيرة العربية

This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.