أبو المعين النسفي
أبو المعين النسفي (بالأوزبكية: Абу Муъин Насафий) يعد واحدا من أهم وأشهر علماء الماتريدية من بعد مؤسسها أبو منصور الماتريدي، وهو المدافع الأول عن آراء الماتريدي، وهو في الماتريدية كالباقلاني والغزالي والفخر الرازي في الأشعرية، كما أن كتبه في الماتريدية تأخذ أهمية كتب الشهرستاني في المذهب الأشعري، وقد ناصر مذهب الماتريدي بقوة، وزاد المذهب شرحا وتفصيلا، واهتم بالدفاع عنه ورد على آراء خصوم الماتريدية من معتزلة وجهمية وكرامية وباطنية وغيرهم، وقد ذكره رفيع الدين الشرواني في الطبقة السادسة في "طبقات أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة"، ومن أهم كتبه: تبصرة الأدلة، والتمهيد، وبحر الكلام.[5] ولأبي المعين مؤلفات كثيرة إلا أنه اشتهر بين المترجمين له، والمتعاملين مع علم الكلام الأشعري والماتريدي بصاحب التبصرة أو تبصرة الأدلة. وممن ترجم له: عبد القادر القرشي في "الجواهر المضية في طبقات الحنفية"، وعبد الحي اللكنوي في "الفوائد البهية في تراجم الحنفية"، وابن قطلوبغا في "تاج التراجم"، والكفوي في "كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار"، وحاجي خليفة في "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، والباباني البغدادي في هدية العارفين، وغيرهم.[6]
| ||||
---|---|---|---|---|
معلومات شخصية | ||||
الاسم الكامل | ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن محمد بن محمد بن مكحول بن الفضل | |||
الميلاد | 418 هـ أو 438 هـ/1027م أو 1038م نسف، بلاد ما وراء النهر (آسيا الوسطى حالياً) | |||
الوفاة | 508 هـ/ 1114م قرشي | |||
الإقامة | بخارى | |||
المذهب الفقهي | حنفي | |||
العقيدة | مسلم سني ماتريدي | |||
الحياة العملية | ||||
الكنية | أبو المعين | |||
اللقب | رئيس أهل السنة والجماعة[1] سيف الحق والدين[2] قامع الملحدين[3] لسان المتكلمين[4] عضد الدين الإمام الزاهد الإمام الفاضل الفقيه الحنفي العالم البارع جامع الأصول | |||
الحقبة | العصر العباسي | |||
مؤلفاته | · تبصرة الأدلة في أصول الدين · التمهيد في أصول الدين أو التمهيد لقواعد التوحيد · بحر الكلام في أصول الدين أو بحر الكلام في علم التوحيد | |||
التلامذة المشهورون | علاء الدين الكاساني | |||
المهنة | عالم عقيدة | |||
الاهتمامات | الفقه، أصول الفقه، أصول الدين، علم الكلام، علم المعاني، علم دلالات الألفاظ | |||
سبب الشهرة | أبرز شخصيات المدرسة الماتريدية بعد الإمام أبي منصور الماتريدي | |||
ولد أبو المعين وعاش في القرن الخامس وبداية القرن السادس الهجريين، واتفقت كتب التراجم على تسميته ميمون بن محمد بن محمد النسفي، وعلى تكنيته بأبي المعين، لكنهم اختلفوا في أسماء أجداده. والمدرسة التي نما وترعرع في أحضانها، وتتلمذ فيها كانت أسرته، فأبوه محمد بن محمد بن معتمد يروي عنه النسفي كتاب العالم والمتعلم لأبي حنيفة كما يدل النص التالي: "قال أبو الحسن على بن خليل الدمشقي: أنبأنا أبو الحسن برهان الدين علي بن الحسن البلخي عن أبي المعين ميمون بن محمد النسفي عن أبيه عن عبد الكريم بن موسى البزدوي عن الإمام أبي حنيفة".[7] وجده الثاني هو أبو المعالي معتمد بن محمد يروي عن أبيه، ويأخذ العلم عن أبي سهل الإسفراييني، ويروي عنه كتاب أخبار مكة. أما تلاميذه فإن كتب التراجم لا تكشف إلا عن القليل، فيذكر القرشي: أن أبا بكر محمد بن أحمد السمرقندي الملقب بعلاء الدين صاحب "ميزان الأصول في نتائج العقول" في أصول الفقه قد تفقه على الإمام أبي المعين ميمون النسفي، كما تفقه عليه أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن مجاهد البزدوي ابن أبي اليسر، عرف بالقاضي الصدر، وهو من أهل بخارى. ومن تلاميذه أبو بكر مسعود بن أحمد الكاشاني، وأحمد بن محمد بن أحمد أبو الفتح الحلمي.[8] ونأخذ من مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر مع الأحناف الماتريدية أن نور الدين الصابوني صاحب البداية في أصول الدين قد تفقه في علم الكلام على كتاب تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي.[9]
عصره
عاش الإمام أبو المعين في القرن الخامس وأوائل القرن السادس الهجري في بلاد ما وراء النهر (آسيا الوسطى حالياً) من بلاد المشرق الإسلامي. كان عصره من أزهى العصور الإسلامية علما في الشرق، فقد كثر فيه النبغاء في كل علم وفن والسبب في ذلك أن الدولة العباسية قد شجعت على العلم بمختلف أنواعه لا سيما حرية الفكر والنظر، فكثرت المذاهب واختلفت الآراء وظهرت الفرق، ولعل هذا كان هو السبب في شحذ همة أبي المعين لتأليف عدة كتب في علم الكلام للرد على الفرق المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة.[10]
الجانب السياسي
تعد هذه الفترة ضمن الحكم العباسي في عهود انحلاله، تلك التي بدأت بالخليفة المتوكل (232 هـ - 247 هـ)، واستمرت حتى سقوطه على أيدي التتار سنة 656 هـ فلم يعد للخلفاء العباسيين آنذاك، وهم: القائم (422 هـ - 467 هـ) والمقتدى (467 هـ - 487 هـ) والمستظهر (487 هـ - 512 هـ) من أمر الخلافة إلا الاسم، وقد كان ضعف الخلفاء العباسيين سببا في انقسام العالم الإسلامي إلى ممالك مستقلة، كالدولة الحمدانية بالجزيرة، والدولة البويهية بالعراق، والدولة السامانية في بلاد ما وراء النهر. ونجم عن هذا الانقسام أن اضطربت الأوضاع السياسية بسبب محاولة كل من الدول المستقلة بسط نفوذها على ما تمتلكه الأخرى، فبالنسبة لبلاد ما وراء النهر فقد بقيت تحت سيطرة السامانيين إلى أن انقرضت دولتهم سنة 389 هـ،[11] ثم وقعت بلاد ما وراء النهر في يد أيلك بغراخان الذي قصد بخارى، وأظهر التودد لعبد الملك بن نوح الساماني، ولكنه لم يلبث أن قبض على قواد السامانيين، ثم على عبد الملك نفسه، وحبس معه أخاه منصور بن نوح الذي ولى إدارة السامانيين من قبله، واستمر حكم بلاد ما وراء النهر لأيلك خان وإخوانه من بعده إلى أن خضعت للدولة السلجوقية سنة 482 هـ باستيلاء ملكشاه عليها، ويذكر ابن الأثير أن أهل البلاد هم الذين أرسلوا إلى السلطان ملكشاه ليخلصهم من ظلم الملك القائم.[12]
أما ما عدا بلاد ما وراء النهر فإن هناك قوة كبرى كانت تناوئ الدولة العباسية وهي الدولة الفاطمية فلما نجح الفاطميون في إقامة دولتهم بالمغرب ثم بمصر، واتسعت رقعة مملكتهم حتى وصلت إلى نواحي الفرات، دار في خلدهم أن يمدوا سلطانهم متجهين إلى المشرق حتى يعم بقاع الأرض ملكهم،[13] فوجهوا أعوانهم في المشرق وهم بنو بويه الذين امتد سلطانهم إلى أن بلغ بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وقد كان لسياسة بني بويه أسوأ الأثر في العراق، فقد قامت الفتن الطائفية وثار الجند كل في وجه الآخر، وانتشرت الفوضى وعم الاضطراب وساد الفزع قلوب الأهلين، وأدي تعصب بني بويه للشيعة إلى إرغام السنيين على الاشتراك في أعياد الشيعيين.[14] وقد اتخذ بنو بويه الشيعيون من التقرب إلى الفاطميين وسيلة لإثارة مخاوف العباسيين حتى لا يرتموا في أحضان أعدائهم السلاجقة السنيين.[15] بالإضافة إلى ذلك ما أصاب العالم الإسلامي من الخارج، وهي الحروب الصليبية التي بدأت سنة 490 هـ، وأمتدت إلى سنة 690 هـ،[16] والتي استغل القائمون بها تفكك العالم الإسلامي، وضعف الخلافة العباسية، وكل هذا يوضح مدى الاضطراب السياسي الذي كان يعيشه العالم الإسلامي في ذلك الوقت.
الجانب الاجتماعي
وما وراء النهر من أنزه الأقاليم وأخصبها وأكثرها خيرا وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير والسخاء واستجابة لمن دعاهم إليه مع قلة غائلة وسماحة بما ملكت أيديهم مع شدة شوكة ومنعة وبأس وعدة وآلة وكراع وسلاح فأما الخصب فيها فهو يزيد على الوصف ويتعاظم عن أن يكون في جميع بلاد الإسلام وغيرها مثله وليس في الدنيا إقليم أو ناحية إلا ويقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر ثم إن أصيبوا في حر أو برد أو آفة تأتي على زروعهم ففي فضل ما يسلم في عرض بلادهم ما يقوم بأودهم حتى يستغنوا عن نقل شيء إليهم من بلاد أخر وليس بما وراء النهر موضع يخلو من العمارة من مدينة أو قرى أو مياه أو زروع أو مراع لسوائمهم وليس شيء لا بد للناس منه إلا وعندهم منه ما يقوم بأودهم ويفضل عنهم لغيرهم وأما مياههم فإنها أعذب المياه وأخفها فقد عمت المياه العذبة جبالها ونواحيها ومدنها وأما الدواب ففيها من المباح ما فيه كفاية على كثرة ارتباطهم لها وكذلك الحمير والبغال والإبل وأما لحومهم فإن بها من الغنم ما يجلب من نواحي التركمان الغربية وغيرها ما يفضل عنهم وأما الملبوس ففيها من الثياب القطن ما يفضل عنهم فينقل إلى الآفاق ولهم القز والصوف والوبر الكثير والإبريسم الخجندي ولا يفضل عليه إبريسم ألبتة وفي بلادهم من معادن الحديد ما يفضل عن حاجتهم في الأسلحة والأدوات وبها معدن الذهب والفضة والزيبق الذي لا يقاربه في الغزارة والكثرة معدن في سائر البلدان إلا بنجهير في الفضة وأما الزيبق والذهب والنحاس وسائر ما يكون في المعادن فأغزرها ما يرتفع من ما وراء النهر وأما فواكههم فإنك إذا تبطنت الصغد وأشروسنة وفرغانة والشاش رأيت من كثرتها ما يزيد على سائر الآفاق وأما الرقيق فإنه يقع إليهم من الأتراك المحيطة بهم ما يفضل عن كفايتهم وينقل إلى الآفاق وهو خير رقيق بالمشرق كله وبها من المسك الذي يجلب إليهم من التبت وخرخيز ما ينقل إلى سائر الأمصار الإسلامية منها ويرتفع من الصغانيان وإلى واشجرد من الزعفران ما ينقل إلى سائر البلدان وكذلك الأوبار من السمور والسنجاب والثعالب وغيرها ما يحمل إلى الآفاق مع طرائف من الحديد والحتر والبزاة وغير ذلك مما يحتاج إليه الملوك وأما سماحتهم فإن الناس في أكثر ما وراء النهر كأنهم في دار واحدة ما ينزل أحد بأحد إلا كأنه رجل دخل دار صديقه لا يجد المضيف من طارق في نفسه كراهة بل يستفرغ مجهوده في غاية من إقامة أوده من غير معرفة تقدمت ولا توقع مكافأة بل اعتقادا للجود والسماحة في أموالهم وهمة كل امرىء منهم على قدره فيما ملكت يده والقيام على نفسه ومن يطرقه قال الإصطخري ولقد شهدت منزلا بالصغد قد ضربت الأوتاد على بابه فبلغني أن ذلك الباب لم يغلق منذ زيادة على مائة سنة لا يمنع من نزوله طارق وربما ينزل بالليل بيتا من غير استعداد المائة والمائتان والأكثر بدوابهم فيجدون من علف دوابهم وطعامهم ودثارهم ما يعمهم من غير أن يتكلف صاحب المنزل بشيء من ذلك لدوام ذلك منهم والغالب على أهل ما وراء النهر صرف نفقاتهم إلى الرباطات وعمارة الطرق والوقوف على سبيل الجهاد ووجوه الخيرات إلا القليل منهم وليس من بلد ولا من منهل ولا مفازة مطروقة ولا قرية آهلة إلا وبها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه قال وبلغني أن بما وراء النهر زيادة على عشرة آلاف رباط في كثير منها إذا نزل الناس أقيم لهم علف دوابهم وطعام أنفسهم إلى أن يرحلوا وأما بأسهم وشوكتهم فليس في الإسلام ناحية أكبر حظا في الجهاد منهم وذلك أن جميع حدود ما وراء النهر دار حرب... وهم مع ذلك أحسن الناس طاعة لكبرائهم وألطفهم خدمة لعظمائهم حتى دعا ذلك الخلفاء إلى أن استدعوا من ما وراء النهر رجالا وكانت الأتراك جيوشا تفضلهم على سائر الأجناس في البأس والجراءة والإقدام وحسن الطاعة... وأما نزهة ما وراء النهر فليس في الدنيا بأسرها أحسن من بخارى.[17] |
غير أن الحال لم يدم على ما وصف ففي سنة 449 هـ مات من الجوع خلق كثير، وورد كتاب من بخارى أنه وقع في تلك الديار وباء حتى أخرج في يوم ثمانية عشر ألف جنازة وبقيت الأسواق فارغة، والبيوت خالية، ووقع الوباء بأذربيجان وأعمالها، والأهواز وأعمالها، وواسط والكوفة، وكان سببه الجوع حتى باع رجل أرضه بخمسة أرطال خبز، فأكلها فتاب الناس وأراقوا الخمر وكسروا المعازف، وتصدقوا بمعظم أموالهم، ولزموا المساجد.[18] ولم تصب هذه البلاد وحدها بمثل هذه النكبات بل أمتدت إلى العراق ومصر، ففي سنة 448 هـ كان القحط الشديد والوباء المفرط بديار مصر وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب من جماعة طغرليك ومن الأعراب، ثم وقع الغلاء والوباء في الناس، وفسد الهواء وكثر الذباب واشتد الجوع حتى أكلوا الميتة.[19]
ومن مظاهر الحياة الاجتماعية في هذه الفترة ما كان يحدث بين الطوائف الدينية من اقتتال، وخاصة بين أهل السنة والشيعة. ومن تلك الصراعات ما يذكره ابن الأثير من حوادث سنة 407 هـ فقد قتلت الشيعة في جميع أنحاء أفريقية، وانبسطت أيدي العامة فيهم، وأُحرقوا بالنار، وكان عامل القيروان يغري أهل السنة، ويحرضهم على الفتك بالشيعة.[20]
ويذكر ابن كثير أنه في سنة 408 هـ وقعت فتنة عظيمة بين أهل السنة والروافض، قتل فيها عدد كبير من الفريقين.[21] وفي سنة 443 هـ زال الأنس بين السنة والشيعة وعادوا إلى أشد ما كانوا عليه، ونصب الروافض أبراجا وكتبوا عليها بالذهب: محمدا وعليا خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر، فأنكرت السنة إقران علي مع محمد، ودارت الحرب العاصفة بين الفريقين، واضطرمت نار الفتنة، وأخذت ثياب الناس في الطرق، وغلقت الأسواق، واجتمعت السنة جمع لم ير مثله، فهجموا دار الخلافة، فوعدوا بالخير. وثار أهل الكرخ، فالتقى الجمعان، فقتل جماعة، ونبشت عدة قبور للشيعة، وأحرقوا. وتم على الرافضة خزي عظيم، فعمدوا إلى خان الحنفية، فأحرقوه، وقتلوا مدرسهم أبا سعيد السرخسي، وفيها توفي أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أحمد بن عيسى الفارسي المصري، مسند الديار المصرية. وقال الوزير: إن واخذنا الكُل خربت البلد.[22][23]
وتوالت الصراعات وتجددت الحرب بين الفريقين في سنة 444 هـ وفي سنة 445 هـ، وكان كل فريق يجتهد في إحراق ما يملكه الآخر، وفي سنة 447 هـ تجددت الفتنة حتى عجزت السلطة أن تحجز بين الفريقين، وفي نفس السنة قامت فتنة بين الأشاعرة والحنابلة ببغداد بحيث أصبح من المتعذر أن يشهد الجمعة أو الجماعة أحد من الأشاعرة.[24] وفي سنة 482 هـ وقعت بين الفريقين فتنة هائلة لم يسمع بمثلها قط، وقتل بينهم عدد كثير،[25] وفي سنة 494 هـ انتشرت دعوى الباطنية بأصبهان وأعمالها وقويت شوكتهم،[26] وكثرت الباطنية في العراق والجبل وزعيمهم الحسن بن صباح فملكوا القلاع، وقطعوا السبيل، وأهم الناس شأنهم، واستفحل أمرهم لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم.[27] وإلى جانب الشيعة كانت هناك فرق المعتزلة والمزدكية والجهمية والحنابلة والمشبهة. ففي سنة 420 هـ تلقى يمين الدولة محمود بن سُبُكْتِكِيْن أمر الخليفة في خراسان فصلب المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وأحرق كتبهم، وأمر بلعنهم على المنابر.[28] فالشعوب الإسلامية في هذه الآونة كانت تسودها حالة من الفوضى وعدم الاستقرار بسبب الصراعات المذهبية، وتفكك العالم الإسلامي، وكان أبرز ما ظهر على مسرح الأحداث انتشار الباطنية وما أعقب ذلك من فتن وانحرافات.
الجانب العلمي
دائما يقف القلم بجانب السيف وتتصارع الألسنة عندما تتقاتل الأسنة، فلم يكن غريبا أن تقوم نهضة علمية هائلة في الوقت الذي كان فيه الاضطراب السياسي على أشده. فانقسام الدولة الإسلامية إلى ممالك لم يؤثر على الجانب العلمي بل على العكس كان لقيام هذه الدول أثر كبير في تقدم الحضارة الإسلامية، وذلك أنه بعد أن كانت بغداد مركزا لهذه الحضارات ظهرت مراكز أخرى تنافس حضارة العباسيين في الحضارة وفي العلوم والمعارف مثل قرطبة والقاهرة وبخارى وأصبح كل منها قبلة العلماء والشعراء والكتاب الذين تنقلوا بين هذه الحواضر طلبا للعلم أو ابتغاء لكسب الرزق.[29] وهذه الدويلات المتصارعة وإن اختلفت في معتقداتها واتجاهاتها إلا أنها لا تختلف على تشجيع العلم وأهله تثبيتا لدعائمها وهذه المذاهب المتصارعة ينشط علماؤها للدفاع عن معتقداتهم، ولهذا نلتقي في هذا العصر بحشد من العلماء في كل فن. فمن علماء الكلام عبد السلام بن يوسف القزويني المعتزلي (ت 482 هـ) الذي قيل عنه إنه كان يفتخر بالاعتزال وهو في حضرة الوزير نظام الملك، وله تفسير كبير يقع في سبعمائة مجلد.[30] ومنهم أبو بكر البيهقي 458 هـ صاحب الأسماء والصفات والاعتقاد والهداية،[31] وعبد القاهر البغدادي (429 هـ) صاحب أصول الدين والفرق بين الفرق، وأبو المظفر الإسفراييني (471 هـ) صاحب التبصير في الدين،[32] وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني (478 هـ) صاحب الشامل في أصول الدين والإرشاد ولمع الأدلة، وأبو حامد الغزالي (505 هـ) صاحب الإحياء والاقتصاد في الاعتقاد والتهافت، نجم الدين عمر النسفي 537 هـ صاحب العقائد النسفية، وابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) صاحب الفصل في الملل والأهواء والنحل، والشهرستاني 548 هـ صاحب الملل والنحل.
أما العلوم الفلسفية فيتصدر هذا العصر علم من أعلام الفلسفة الإسلامية، وهو ابن سينا (ت 428 هـ)، ومن أشهر مؤلفاته موسوعته الفلسفية الشفاء والإشارات والتنبيهات والنجاة، والحسن بن الهيثم (ت 430 هـ)، وأبو الريحان البيروني (ت 440 هـ)، وعمر الخيام (ت 515 هـ) وله مختصر في الطبيعة ورسالة في الوجود.
أما علم التصوف فمن أبرز رجاله في ذلك العصر أبو القاسم القشيري (ت 465 هـ) صاحب الرسالة القشيرية،[33] وكان من أشهر دعاة الباطنية الحسن بن الصباح (ت 518 هـ)، الذي أحكم خططه في الدعوة إلى هذا المذهب. ولما كنت الباطنية من أخطر وأقوى النحل التي أقلقت أهل السنة فقد ألف فيها علماء العصر مؤلفات خاصة في الرد عليهم بالإضافة إلى ما أوردوا عليهم من ردود في مصنفاتهم الكلامية، فإمام الحرمين الجويني يؤلف كتاب غياث الأمم في التياث الظلم يخصص الحديث فيه عن الإمامة،[34] والإمام الغزالي يؤلف كتاب المستظهري أو فضائح الباطنية، وحجة الحق، وقواصم الباطنية،[35] ويؤلف الشيخ أبو المعين كتابه الإفساد لخدع أهل الالحاد ويرد في على الباطنية.[36]
وإذا رجعنا إلى بيئة الإمام أبي المعين في بلاد ما وراء النهر وجدنا أن الأمر يبدو قد استقر لأهل السنة وخاصة الحنفية، فشعوب هذه المنطقة من الأتراك وحكامها في عصر الإمام أبي المعين من السلاجقة الأتراك. وقد أصبح السلاجقة كغيرهم من الشعوب التركية متمسكين بعقائد المذهب السني بمجرد تحولهم إلى الإسلام، وقد عرفوا بشدة تحمسهم لهذا المذهب وتمسكوا كغيرهم من الأتراك بعقائد المذهب الحنفي،[37] ومع هذا فلم يخل هذا الاستقرار ممن يعكر صفوه من المذاهب المناوئة، كما يتضح ذلك من مقدمة كتاب التمهيد التي يذكر فيها الشيخ أن طالب الكتاب قد تعقب أهل البدع فخيب سعيهم وأراق دماءهم.[38] هذا وإن كان واضحا أن الغلبة والنفوذ كانا لأهل السنة، وفي بلاد ما وراء النهر قامت نهضة علمية واسعة النطاق فعنها يقول المؤرخ شمس الدين المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم بعد أن جعلها هي وخراسان إقليما واحدا يسميه إقليم الشرق: "أنه أجل الأقاليم، وأكثرها أجنة وعلماء، وهو معدن الخير، ومستقر العلم، وركن الإسلام المحكم، وحصنه الأعظم وملكه خير الملوك، وجنده خير الجنود فيه يبلغ الفقهاء درجة الملوك، وهو أكثر الأقاليم علما وفقها، وللمذكرين به صيت عجيب، ولهم أموال جمة، والغلبة في الإقليم لأصحاب أبي حنيفة.[39]
أما بخارى فقد أصبحت مركزا من مراكز الحضارة تضارع المدن الكبرى كبغداد والقاهرة وقرطبة. وأما نسف فقد خرج منها من العلماء في كل فن جماعة لا يحصرون،[40] ويكفي أن نستعرض ألقاب من نسبوا إلى هذه البلاد كالبخاري والنسفي والسمرقندي والشاشي لنعرف مدى ما وصلت إليه من نهضة علمية. ويأتي بعد ذلك الشيخ أبو المعين النسفي ليكون وليد عصره وبيئته، فهو الإمام الزاهد والعالم الفقيه الحنفي المحدث والمتكلم، يدعم آراء أسلافه بالبراهين القاطعة، ويعرض مذاهب خصومه من معتزلة وأشاعرة وحنابلة وجهمية وروافض وخوارج وغيرهم ويستدل على بطلانها بالحجج الدامغة. وينشر العلم بين الناس حتى يقول عنه تلميذه نجم الدين عمر النسفي: "كان عالم الشرق والغرب يغترف من بحاره، ويستضيء بأنوراه".[41]
اسمه ونسبه وكنيته وألقابه
- اسمه: هو أبو المعين ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن محمد بن مكحول بن الفضل النسفي المكحولي، والنسفي نسبة إلى نسف، وهي مدينة كبيرة فيما وراء النهر بين جيحون وسمرقند، والمكحولي نسبة إلى جده الأكبر مكحول، ولكن نسبته إلى بلده غلبت عليه واشتهر بها.[42]
غير أن هناك اختلافات بين كتب التراجم في سرد سلسلة نسب الإمام أبي المعين بين زيادة ونقص، وفي تسمية بعض أجداده، نذكرها على الوجه التالي:[43]
أولا: بينما تذكر كتب التراجم جده الثاني باسم معتمد أو المعتمد ينفرد ابن قطلوبغا بتسميته سعيدا،[44] والزركلي بتسميته معبدا،[45] وهذا خطأ منهما في نقل اسمه الصحيح لتشابه هذه الأسماء في الخط.
ثانيا: حينما يتعرض عبد الحي اللكنوي صاحب كتاب أعلام الأخيار لترجمة أبي المعين يذكره بأنه ميمون بن محمد بن محمد معتمد بن أحمد،[46] وأحمد لم يكن في سلسلة نسب أبي المعين، وإنما هو أخ لمعتمد بن محمد الجد الثاني لأبي المعين، ويكنى بأبي البديع.[47]
ثالثا: بعض كتب التراجم تسرد اسم أبي المعين على النحو التالي: ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن محمد بن محمد بن مكحول.[48] ونلاحظ أن هذه السلسلة تزيد ذكر اسم "محمد" بعد الجد الثاني لأبي المعين "معتمد".
وقد استبعد وجود جد لأبي المعين باسم محمد بن محمد بن مكحول للأسباب التالية:[49]
- أننا لم نجد ولو مجرد إشارة في كتب التراجم التي بين أيدينا إلى المسمى بهذا الاسم.
- أن كتب التراجم حينما تتعرض لترجمة مكحول تذكر أنه والد أبي المعين محمد وجد أحمد أبي البديع.[50] وحينما تتعرض هذه الكتب لترجمة أبي المعين محمد بن مكحول تذكر أنه روى عن أبيه مكحول، وروى عنه ابنه أحمد أبو البديع،[51] وقد سبق أن عرفنا أن أبا البديع أحمد أخ لمعتمد فإذا ثبت أن أبا البديع يسمى أحمد بن محمد بن مكحول، فيكون اسم اخيه معتمد بن محمد بن مكحول.
- أن هذا الخلط ظاهر في أنساب العرب للسمعاني. يقول عند ذكر المكحولي: "...أبو البديع أحمد بن محمد بن مكحول ابن الفضل النسفي المكحولي، سمع أباه أبا المعين المكحولي" ثم يقول: "وأخوه أبو المعالي معتمد بن محمد بن مكحول المكحولي، يروي عن جده أبي المعين". ألا ترى أنه مع تصريحه بأن معتمدا ابن لأبي المعين محمد بن مكحول يجعله جدا له حينما يقول: "يروي عن جده أبي المعين"؟ بالإضافة إلى أنه يعترف بأن أبدا البديع أحمد أخ لأبي المعالي معتمد، ومع هذا فحينما يتحدث عن أبي البديع يذكر أن أبا المعين أبوه، وحينما يتحدث عن معتمد يذكر أن أبا المعين جده. فربما تكون المراجع التي أضافت محمد بن محمد بن مكحول إلى أجداد أبي المعين تكون قد تبعت السمعاني في جعل أبي المعين محمد بن مكحول جدا لمعتمد لا أبا له.
- لم تذكر كل كتب التراجم هذه التسمية كاملة، فبعضها تسميه: "ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن محمد بن مكحول"،[52] وبعضها تسميه: "ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن مكحول"،[53] وبعضها تسميه: "ميمون بن محمد بن محمد بن مكحول"،[54] وبعضها تذكره: "ميمون بن محمد بن محمد".[55] وهذه خلافات لا غبار عليها ما دام كل يعرف به حسب طريقته من الاختصار أو الإسهاب.
- بعض المصادر تذكر والد "مكحول" بأنه "الفضل"،[56] وبعضهم يذكره باسم "أبي الفضل"،[57] والبعض يذكره باسم "فضل الله".[58] وهذه خلافات لا معول عليها مادام المسى واحدا.
كنيته
يكنى الشيخ ميمون بأبي المعين، وهذه الكنية متفق عليها بين من ذكروا الإمام وترجموا له، بل لا يكاد يعرف إلا بها. ويشاركه في هذه الكنية جده الثالث، وهو محمد بن مكحول بن الفضل المكحولي، روى عن أبيه المكحول، وروى عنه ابنه أحمد أبو البديع.[59] وهذا الاشتراك في الكنية جعل بعض أصحاب كتب التراجم ينسب إلى أبي المعين محمد بن مكحول بعض كتب أبي المعين ميمون بن محمد.[60]
ألقابه
اشتهر أبو المعين بلقب النسفي وهذا اللقب نسبة إلى نسف، وهي مدينة كبيرة، كثيرة الأهل بين جيحون وسمرقند، خرج منها جماعة كثيرة من أهل العلم من كل فن.[61] ولما كانت هذه المدينة حافلة بعلمائها فإنا نجد حشداً كبيراً من العلماء يلقب بهذا اللقب. منهم نجم الدين عمر النسفي صاحب العقائد النسفية، وإذا ذكر النسفي مجرداً لدى علماء الكلام ودارسيه انصرف إلى عمر النسفي وذلك لشهرة متن العقائد النسفية بينهم، واهتمامهم به. وإذا أطلق النسفي عند علماء التفسير انصرف إلى حافظ الدين أبو البركات عبد الله النسفي، لاقترانه بتفسيره المسمى "مدارك التنزيل وحقائق التأويل". كان إماما رأسا في الفقه والأصول، بارعا في الحديث ومعانيه، تفقه على شمس الأئمة محمد ابن عبد الستار الكردري، وعلى حميد الدين الضرير. ومن تصانيفه الوافي، متن في الفروع، وشرحه الكافي، وكنز الدقائق متن مشهور في الفقه، والمصفى شرح المنظمة النسفية، والمستصفى شرح الفقه النافع، والمنار، متن في الأصول وشرحه كشف الأسرار، والاعتماد شرح العمدة في أصول الدين، توفى سنة 751 هـ.[62]
وممن يلقب بالنسفي جد الإمام أبي المعين الرابع مكحول بن الفضل النسفي أبو المطيع. ومنهم إبراهيم بن معقل أبو إسحاق النسفي، قاضي نسف وعالمها، رحل وكتب الكثير وسمع حبارة بن المغلس، وقتيبة بن سعيد، وهشام ابن عمار وأقرانهم. ورى عنه ابنه سعيد وعبد المؤمن بن خلف، ومحمد بن زكريا النسفيون، صنف المسند والتفسير وغير ذلك، توفي سنة 295 هـ.[63] ومنهم برهان الدين النسفي، ولد سنة 600 هـ، وتوفي سنة 686 هـ، من تصانيفه: رسالة في الدور والتسلسل، شرح أسماء الله الحسنى، شرح الإشارات والتنبيهات لابن سينا، شرح الرسالة القدسية، الفصول البرهانية في الجدل، مطلع السعادة، منشأ النظر في علم الخلاف، شرح المنشأ، الواضح في مختصر مفاتيح الغيب للفخر الرازي.[64] وغير هؤلاء كثير ممن لقب بهذا اللقب. ويطلق على الإمام أبي المعين لقب المكحولي، وهو نسبة إلى مكحول جد الإمام أبي المعين، ويشاركه في هذا اللقب جميع أفراد أسرته ممن ينتمون إلى هذا الجد، قال السمعاني في الأنساب: "المعروف بهذه النسبة إلى مكحول وهي اسم الجد، وهم جماعة منهم أبو البديع أحمد بن محمد بن مكحول بن الفضل النسفي المكحولي، سمع أباه أبا المعين المكحولي... وأخوه أبو المعالي معتمد بن محمد بن مكحول المكحولي".[65]
ومن ألقاب الإمام أبي المعين: الإمام الأجل الزاهد، الشيخ الإمام العالم البارع التقي النقي، سيف الحق، سيف الحق والدين، عضد الدين، قامع الملحدين، جامع الأصول، رئيس أهل السنة والجماعة.[66] ولا شك أن هذه الألقاب ليست وقفا على الإمام أبي المعين، وإنما هي تطلق على كل من كان على شاكلته ممن اتصف بهذه الصفات.[67]
مولده
لم تحدد كتب التراجم مكان ولادة الشيخ أبي المعين، وربما يكون مولده ونشأته الأولى في نسف، نظرا لانتسابه إليها. ويرجح هذا الاحتمال أنه لم ينسب إلى غير نسف من البلاد التي تنقل بين جنباتها وسكن بها، مثل بخارى وسمرقند. كذلك لم تحدد كتب التراجم زمان مولده إلا الزركلي في الأعلام فإنه يحدد مولده سنة 418 هـ،[68] وتبعه في هذا التحديد عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين.[54] أما ابن قطلوبغا فيذكر أنه توفى في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 508 هـ وله سبعون سنة.[44] وعلى حسب تقدير ابن قطلوبغا يكون مولد أبي المعين سنة 438 هـ، ولا يوجد مرجحا لأحد التاريخين على الآخر، فيبقى احتمال مولده في أي منهما قائما.
شيوخه
لم يهتد العلماء والباحثين إلى أحد من شيوخ أبي المعين، إلا ما جاء في سند رواية كتاب العالم والمتعلم أنه رواه عن أبيه محمد.[69] وهذا يعني أن والد الشيخ أبي المعين كان ذا مكانة علمية تجعل منه أستاذا لابنه ومع هذا فالمصادر تقف صامتة إزاء الحديث عن محمد بن معتمد، والد الشيخ أبي المعين، فلم تخصه بالحديث كغيره من فقهاء الحنفية. لكن بالرغم من هذا فأسرة الشيخ لها عراقتها العلمية، وخاصة في الفقه الحنفي، فنجد أبي المعين الرابع مكحول بن الفضل النسفي، أبو مطيع، عالم مصنف، وكان تلميذا ليحيى بن معاذ المتوفى بنيسابور سنة 258 هـ، وتلميذا لأبي عبد الله محمد بن كرام، مؤسس الكرامية، وسمع أبا عيسى الترمذي، ومحمد بن أيوب الرازي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وتتلمذ على أبي سليمان الجوزجاني، وروى عنه ابنه محمد بن مكحول أبو المعين، وهو من فقهاء الطبعة الرابعة من فقهاء الحنفية، وله كتاب الشعاع في الفقه ذكر فيه عن أبي حنيفة أن من رفع يديه عند الركوع، وعند رفع الرأس منه تفسد صلاته. وله كتاب اللؤلؤيات في المواعظ، واللباب، وكتاب في فضل سبحان الله، وكتاب في التصوف عن الحياة الجماعية، وكتاب الرد على أهل البدع والأهواء. توفى سنة 318 هـ.[70]
أما أبو المعين محمد بن مكحول، الجد الثالث لأبي المعين ميمون فيروي عن أبيه مكحول.[71] أما الجد الثاني للشيخ أبي المعين هو معتمد بن محمد بن مكحول أبو المعالي فقد ولد سنة 334 هـ، وروى عن أبيه أبي المعين، وسمع أبا سهل الإسفراييني، وروى عنه كتاب أخبار مكة وغيره، ومات سنة نيف وثلاثين وأربعمائة[72] وأخو معتمد هو أحمد بن محمد بن مكحول أبو البديع كان بارعا في الفقه يروي عن أبيه أبي المعين محمد.[73] وإذا كانت أسرة الشيخ أسرة علم بهذه المثابة، وأنهم يعنون بتلقين علمهم لأبنائهم كما هو واضح من سير أجداده فلا يستبعد أن يكون آباء الشيخ أبي المعين هم شيوخه الأولين.[74]
تلاميذه
نجم الدين عمر النسفي
وهو فقيه حنفي، وأصولي ومتكلم، ومفسر ومحدث ونحوي، وهو من الأئمة المشهورين بالحفظ الواضح والقبول التام عند الخواص والعوام. صنف في كل نوع من العلم في التفسير والحديث واللغة والأدب والكلام والتاريخ، وبلغت مصنفاته إلى مائة مصنف تقريباً، منها: "متن العقائد النسفية" الذي يُعد من أجلّ مصنفاته، وله "المنظومة" وهو كتاب نظم في الفقه، وله "كتاب المواقيت"، والإجازات المترجمة بالحروف، والأكمل الأطول في تفسير القرآن، وبعث الرغائب لبحث الغرائب، وتاريخ بخارى، وتطويل الأسفار لتحصيل الأخبار، والنجاح في شرح أخبار الصحاح أي البخاري ومسلم، وكان يُلقب بمفتي الثقلين، ولد بنسف سنة 461 هـ، وتوفي بسمرقند سنة 537 هـ.[75]
علاء الدين السمرقندي
هو محمد بن أحمد بن أبي أحمد أبو بكر علاء الدين السمرقندي صاحب كتاب تحفة الفقهاء أستاذ صاحب البدائع، شيخ كبير فاضل، جليل القدر تفقه على أبي المعين ميمون المكحولي وعلى صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي، وتفقهت عليه ابنته فاطمة الفقيهة العلامة، زوجة صاحب البدائع. وله كتاب اللباب في الأصول، توفي نحو 575 هـ.[75]
شیخ سید رزاق علي الغيلاني
وهو فقيه حنفي، وأصولي ومتكلم، ومفسر ومحدث ونحوي، وهو من الأئمة المشهورين بالحفظ الواضح والقبول التام عند الخواص والعوام. 605هـ.[75]
أبو بكر الكاشاني
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين الشاشي الحنفي نزيل حلب، كان يلقب بملك العلماء، الكاشاني. أخذ العلم عن علاء الدين محمد السمرقندي صاحب التحفة، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل التحفة في الفقه، وغيرها من كتب الأصول، وأخذ عن أبي المعين ميمون المكحولي، وعن مجد الأئمة السرخسي. وتفقه عليه ابنه محمود، وأحمد بن محمود الغزنوي صاحب المقدمة الغزنية، له كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع في شرح تحفة الفقهاء لأستاذه السمرقندي، وله السلطان المبين في أصول الدين، مات بحلب يوم الأحد بعد الظهر 10 رجب سنة 578 هـ، ودفن عند زوجته فاطمة داخل مقام إبراهيم الخليل بظاهر حلب.[76]
أبو المظفر الطالقاني
هو إسماعيل بين عدي بن الفضل بن عبيد الله أبو المظفر الطالقاني الوري الفقيه الحنفي. كان فقيها مفتيا، تفقه على البرهان وغيره وسمع ببخارى عن جماعة منهم أبو المعين ميمون بن محمد بن محمد بن المعتمد المكحولي النسفي، وسمع الحديث ببلخ عن أبي جعفر محمد بن الحسين السمناني وأبي بكر محمد ابن عبد الرحمن بن القصير الخطيب. قال السمعاني في "الأنساب" كتب لي الإجازة بجميع مسموعاته، جال في أكناف خراسان، وخرج إلى ما وراء النهر وتفقه بها. كانت وفاته في حدود سنة 540 هـ، وكتب عنه الحافظان أبو علي الوزير الدمشقي، وأبو الحجاج الأندلسي.[77]
أحمد البزدوي
هو أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عبد الله ابن مجاهد بن أبي اليسر. صدر الأئمة أبو المعالي البزدوي، النسفي البزدوي، عرف بالقاضي الصدر، من أهل بخارى. ولد سنة 481 هـ أو 482 هـ ببخارى، وهو ابن أخي أبي الحسن علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم البزدوي، الفقيه بما وراء النهر، صاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة. تفقه على أبيه حتى برع في العلم، وسمع من أبي المعين ميمون بن محمد النسفي ولقى الأكابر، وأفاده والده عن جماعة، وولى القضاء ببخارى مدة وأملى بها. وحمدت سيرته، وورد مرو في الحج، وقرأ عليه السمعاني بها، وحدث ببغداد، ورجع من الحج، وتوفى بسرخس في جمادى الأولى سنة 542 هـ، ثم حمل إلى بخارى ودفن بها. كان إماما فاضلا مفتيا مناظرا، حسن السيرة والأخلاق، من بيت الحديث والعلم.[78]
أبو الحسن البلخي
هو علي بن الحسن بن محمد بن أبي جعفر أبو الحسن البلخي الجعفري، الزاهد العابد المعروف بالبرهان البلخي، تفقه ببخارى على الإمام عبد العزيز بن عمر بن مازة، وعلى غيره حتى برع في الفقه، وسمع الحديث بما وراء النهر عن شيخه بن مازة وأبي المعين النسفي، وسمع بمكة من وزين العندري، وتفقه على جماعة، وقدم إلى دمشق سنة بضع عشرة وخمسمائة. ونزل بالمدرسة الصادرية وكان مدرسها علي بن مكي الكاساني، فناظره في الخلافيات، وعقد له مجلس التذكير، فحصل له قبول، فحسده الكاساني وتعصبت عليه الحنابلة، لأنه أظهر خلافهم، فعزفت نفسه عن المقام بدمشق، فمضى إلى مكة، وجاور بها، وكان إمام الحنفية بالمسجد الحرام ثم مضى إلى الفقيه سعد بن علي بن عبد الله، وحمله إلى بغداد، وتوجه به إلى دمشق، فقدمها وتسلم المدرسة، واشتغل بالتدريس، فحصل له له أصحاب كثير، ووجاهة عند الخاصة والعامة، وعقد له مجلس الإملاء، وكان يحضره جمع كثير. ثم إنه ندب للخروج إلى حلب ليفقه أهلها، وينشر السنة بها، فانتفع به هناك، وأزال البدعة التي كانت، ثم عاد بعد ذلك إلى دمشق محمودا مشكورا، وكان يأمر بالمعروف وينهى على المنكر، فثقل مكانه على والي دمشق، فتقدم بخروجه عنها، فخرج إلى بصرى، فأقام بها مدة، فأكرم واليها مقدمه، ثم أعيد إلى دمشق. توفي في شعبان سنة 548 هـ.[79]
أبو الفتح الخلمي
هو أحمد بن محمد بن أحمد أبو الفتح الخلمي. ولد في شهر ربيع الأول سنة 470 هـ، وأقام ببخارى مدة يتفقه، وسمع بها القاضي أبا اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي، وأبا المعين ميمون بن محمد بن محمد النسفي، والسيد أبا إبراهيم إسماعيل بن محمد أبي الحسن، وكتب عنهم إملاء، ذكره أبو سعد السمعاني في "الذيل"، فقال: كان صالحا مساكنا، وكان ينوب عن القاضي في بعض الأوقات، ورد بغداد حاجا سنة 517 هـ، وسمع بها، ولقيته ببلخ، ونقذ إلى مجلدا ضخما مما كتب بخط يده من أمالي الأئمة المذكورين. توفي يوم الأربعاء 21 من صفر سنة 547 هـ.[80]
عبد الرشيد الولوالجي
هو عبد الرشيد بن أبي حنيفة نعمان بن عبد الرازق بن عبد الله الولوالجي القاضي ظهير الدين أبو الفتح، الفقيه الحنفي. ولد بولوالج (بلدة من طغارستان بلخ)[81] في جمادى الأولى سنة 467 هـ، وورد بلخ وتفقه بها على البرهان مدة، ثم ورد سمرقند، وأختص بأبي محمد القسطواني، وكتب الأمالي عن جماعة من الشيوخ، وسكن كش مدة، ثم انتقل إلى سمرقند. قال أبو المظفر عبد الرحيم بن السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان عالما فقيها فاضلا صحيح المذهب حسن السيرة. سمع كتاب الشمائل المحمدية لأبي عيسى الترمذي من أبي القاسم الخليلي، وقرأه عليه السمعاني في سمرقند، وتوفي سنة 540 هـ، وله الأمالي في الفقه، وتنسب له كتب التراجم الفتاوى المشهورة بالولوالجية، لكن تقي الدين الغزي صاحب (الطبقات السنية في تراجم الحنفية) يقول: "ليس الولوالجي هذا بصاحب الفتوى المشهورة، فإن ذلك اسمه إسحاق".[82]
محمود الساغرجي
هو محمود بن أحمد بن الفرج بن عبد العزيز الساغرجي السفدي أبو المحامد. إمام عارف بالسنن والفقه لقّب بشيخ الإسلام، ولد سنة 480 هـ وتفقه على والده الإمام البرهان، ورحل وكتب الكتب بخطه، وأملى الحديث بسمرقند، وكان له مجلس إملاء الحديث بكرة يوم الخميس، وممن كتب عنه الحديث السمعاني، وقرأ عليه أيضا تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي، كان يرويه عن الخطيب الغوحي عن حفيده اليزيدي عنه، ومات في عشر الستين وخمسمائة.[83]
علي بن الحسين السكلكندي
هو علي بن الحسين بن محمد البلخي السكلكندي (نسبة إلى سكلكند، وهي مدينة صغيرة بطخارستان من بلخ).[84] سكن دمشق وتفقه ببخارى على الإمام عبد العزيز بن عمر بن مازة، ورى الحديث بدمشق عن أبي المعين المكحولي، كان له يد قوية في النظر، وكان مشتغلا بنشر العلم، وكان فقيها فاضلا زاهدا، توفى بحلب سنة 547 هـ.[85]
فإذا كان تلاميذ الشيخ أبي المعين على هذا المستوى من العلم والفضل، فمن المرجح أنهم لم يكونوا كل تلاميذه، فلا غرابة بعد هذا أن نرى تلميذه عمر النسفي يقول في كتابه القند علماء سمرقند عن شيخه أبي المعين: «كان عالم الشرق والغرب، يغترف من بحاره، ويستضيء بأنواره.»[86]
دوره في المدرسة الماتريدية
يعتبر أبو المعين النسفي علما من الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة أبي منصور الماتريدي، ونهجوا منهجه في الاحتجاج، وسلكوا مسلكه في سبيل إعلاء كلمة الحق، فهو يدحض شبه المخالفين وانحرافاتهم بالدليل العقلي والنقلي، وكثيرا ما يتصدى للمعتزلة وبقية الفرق المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة، ويستشهد لمعتقده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والأئمة المجتهدين.
ويعتبر أبو المعين النسفي من أهم علماء المدرسة الماتريدية لما يلي:[6]
- أنه جعل من همه نصرة مذهب أهل السنة والجماعة ونشره.
- عمل جاهدا على إبطال مذاهب الخصوم والمخالفين بالنقل والعقل.
- اعتمد في مناقشاته على اللغة العربية الفصيحة، مع التوسط في العبارة حتى يتمكن القارئ من فهمه.
- ابتعد كل البعد عن الاشتغال بالجدل العقيم، والأدلة الغامضة.
- فعل في المذهب الماتريدي مثل ما فعل الباقلاني والجويني والغزالي والرازي والآمدي في المذهب الأشعري.
وبنظرة فاحصة ومتأنية في تراث من جاء بعد الإمام أبي منصور الماتريدي يتأكد ذلك حيث قام الجميع بتلخيص فكره، وعلى رأسهم الإمام نجم الدين عمر النسفي صاحب العقائد النسفية، وعبد الله النسفي في عقائده، ونور الدين الصابوني في البداية في أصول الدين. أما أبو المعين النسفي فقد شرح وأضاف ونظم وناقش وحلل الأفكار، وتعامل مع الجزئيات والكليات بعقلانية وموضوعية، مع استرشاد واع وأمين بالقرآن والسنة. وبعمله هذا وضّح المذهب الماتريدي، مما أدى إلى انتشاره في كثير من بلدان العالم، وبخاصة: تركيا وباكستان وأفغانستان والهند وماليزيا وإندونيسيا وألبانيا ومقدونيا وأوزبكستان وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.[6]
مكانته في علم الكلام
لقد كان أبو المعين النسفي من العلماء الأعلام المشهود لهم بغزارة العلم وكان أصوليا فقيها متبحرا في العلوم والمعارف، ويعد من أهم وأبرز علماء علم الكلام على مر العصور. فقد حظي بمكانة عالية في علم الكلام والمناظرة ومؤلفاته تشهد بذلك كتبصرة الأدلة والتمهيد وبحر الكلام. واعترف معاصروه بفضله، وكان همزة الوصل بين السلف والخلف، نقل عن السلف كالماتريدي والأشعري، وأخذ عنه الخلف كالإيجي والتفتازاني وغيرهما.[87]
أهم آرائه الكلامية
معنى العلم
يفتتح أبو المعين كتابه تبصرة الأدلة بالحديث عن معنى العلم وعن مصادر المعرفة، ويعرض آراء المعتزلة والأشاعرة لمعنى العلم، ونقد تلك التعريفات. فهو يذكر تعريف الكعبي البلخي من المعتزلة لمعنى العلم بأنه اعتقاد الشيء على ما هو به، وينقد ذلك التعريف بأنه يبطله اعتقاد العامي بحدوث العالم دون أن يكون هذا الاعتقاد علما لأن العلم المحدث لابد أن يكون ضروريا كالعلم الثابت بالحواس والبديهة والاستدلال، وليس مع العامي استدلال. ولقد زاد أبو هاشم الجبائي على تعريف الكعبي بأن العلم اعتقاد الشيء على ماهو به من سكون النفس إليه. لكن زيادة أبو هاشم على التعريف لا تخلصه من الإلزام السابق وذلك لأن العامي ساكن النفس إلى هذا الاعتقاد مطمئن إليه.
ويذكر تعريف أبو علي الجبائي بأن العلم اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو دليل، وهذا التعريف في رأيه أيضا فاسد في التحديد، إذ هو تقسيم العلم المحدث دون تحديده، فما كان في العلوم ضروريا لا يكون استدلاليا وما كان منه استدلاليا لا يكون ضروريا والحد ليس جامعا للقسمين، فلو اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة علما لأن اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة لخروج الاستدلال عن كونه علما لخروجه عن الحد، ولو بقى علما مع خروجه عن الحد لخروجه عن أن يكون جامعا، فالحد بذلك لا يجمع بين العلم الضروري والعلم الاستدلالي لأنه يجمع بين قسمين مختلفين. وأيضا تعلق التعريف بالشيء يفسد التعريف، وذلك لأن المعدوم ليس شيئا لكونه معلوما، وذلك لأن ما يستحيل وجوده من الشريك والصاحبة والأولاد لله تعالى يعلم استحالته. وذلك ليس بشيء بالإجماع لأن اسم الشيء عند المعتزلة يقع على معدوم هو جائز الوجود لا على ما يستحيل وجوده. ويحاول أبو المعين أن يبطل كون العلم اعتقاد، فيذكر أنه لو كان العلم اعتقادا لكان العالم معتقدا، إذ هو اسم مقدر من المعنى، والله سبحانه استحال أن يوصف بكونه معتقدا استحال أن يوصف بكونه عالما وهذا محال.
ويتهم أبو المعين من يقول بأن العلم اعتقاد يريد أن ينفي علم الله تعالى لاستحالة كونه تعالى معتقدا. لكن الدكتور علي عبد الفتاح المغربي يقول في كتابه الفرق الإسلامية الكلامية أن أبا المعين مغال في هذا الاتهام لأن هناك فرق بين العلم الإلهي والعلم الإنساني والمعتزلة لا ينفون العلم الإلهي مع قول بعضهم العلم اعتقاد وعلى كل حال فلقد لاقى تعريف بعض المعتزلة العلم بأنه اعتقاد لقى معارضة من فريق من المعتزلة وقد ذكر تلك الاعتراضات القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة.
ويعرض أبو المعين لتعريفات بعض الأشاعرة وينقدها فيذكر تعريف الباقلاني بأن العلم هو معرفة المعلوم على ما هو به. ويرى أبو المعين أن هذا التعريف فاسد لأن العلم لو كان معرفة لكان العالم عارفاً، والله تعالى يوصف بأنه عالم ولا يوصف بأنه عارف. ويرى أن هناك فرق بين المعرفة والعلم فيذكر أن المعرفة اسم للعلم المستحدث لا لمطلق العلم أو هي الانكشاف عن شيء بعد لبس وتوهم، والعلم اسم شامل على ما يتعلق بالمعنى في الجملة وما يتعلق به في التفصيل، أما المعرفة فاسم لما يتعلق بالمعنى في التفصيل، ويبدو أن هذه التفرقة لا تفصل المعرفة عن العلم بل هما متداخلان. ويذكر تعريف ابن فورك بأن العلم صفة يتأتى بها من القادر أحكام الفعل وإتقانه، ويرى أن هذا التعريف فاسد لأن هذا التحديد لا يطرد، فإن علمنا بالقديم تعالى بصفاته وبالمحالات ولا يتأتي بهذا العلم إحكام الفعل وإتقانه. ويذكر تعريف بعض الأشاعرة بأن العلم هو درك المعلوم على ما هو به، وينقد ذلك التعريف لأن الله يُعلم ولا يُدرك، إذ الإدارك عبارة عن الإحاطة بحدود الشيء ونهايته. ويذكر تعريف بعض الماتريدية للعلم بأنه تبين المعلوم على ما هو به، وهذا التعريف في رأيه فاسداً لأن الله تعالى يقال له عالم ولا يقال له متبين، ولأن لفظة التبين مشتركة ومن خاصية الألفاظ المشتركة بقاء الالتباس عند سماعها إلى أن يعين المراد بها. ثم يذكر تعريف أبو الحسن الأشعري للعلم ويدافع عنه، وتعريف الأشعري للعلم بأنه ما أوجب العالم أي حقق له الوصف بأنه عالم ولقد عبر بعض أصحابه عن هذا المعنى فقال: العلم صفة تشتق لم قام به الوصف بأنه عالم، وتارة يقولون: العلم هو الوصف الذي من قام به كان عالما وهو في رأي أبي المعين تعريف يحيط بجميع المحدود ويمنع ما وراءه عن الدخول تحته فهو في رأيه جامع مانع. وتعريف أبو المعين للعلم هو نفس تعريف الأشعري فهو يقول في تعريفه: "حقيقة العلم أنه يوجب كون من قام به عالما أو هو وصف الذي قام به كان عالما"، وذلك لأن العالم ما كان عالما إلا لقيام العلم به وهذا حقيقة العالم وكذلك العلم إذا تأملنا فيه فعلمنا أنه يوجب كونه من قام به متحركا ولا ساكنا ولا مجتمعا ولا مفترقا. فعلمنا أن حقيقته أنه يوجب كون من قام به عالماً، إذا لا أثر إلا هذا وهو بالرغم من موافقته لتعريف الأشعري إلا أنه لا يعارض تعريف أستاذه أبو منصور الماتريدي للعلم ويرى أن حد هذا التعريف صحيح ولا يرد عليه بشيء من الاعتراضات.[88]
مصادر المعرفة
يرى أبو المعين أن مصادر المعرفة هي الحس والخبر والعقل، وهذه المصادر صادقة.
المعرفة الحسية
المعرفة الحسية خمسة وهي البصر والسمع والشم واللمس والتذوق وهذه حواس ظاهرة لا تحتاج إلى برهان ودليل لأن وجودها أوضح من كل برهان وصدق هذه المعرفة ضروري، وتبطل دعاوي الشكاك في الاعتراض على صدق هذه المعرفة. ولكل أداه من أدوات المعرفة الحسية موضوعه الخاص به وتتنوع المعرفة الحسية بتنوع أدواتها. والمعرفة الحسية هي أصل المعرفة العقلية وأساسها، إذ لا سبيل للعقل إلى إداراك ما غاب عنه بالحواس الظاهرة والتفكر فيها وعلى هذا فالعلوم الحسية تتقدم العلوم النظرية لأنها أساسها. ولقد نص القرآن على المعرفة الحسية وجعلها من الأدلة على وجود الله تعالى وهي تمثل أحد مصادر المعرفة الدينية.
المعرفة الخبرية
التي طريقها الخبر كالمعرفة التاريخية عن أخبار الممالك والبلدان وهي صادقة لأنها معرفة متواترة تتناقلها الناس، وكذلك المعرفة الخبرية التي تأتي عن طريق الرسل وخبر الرسل أكثر تصديقا لأنها مؤيدة بالمعجزة، لكن المعرفة الخبرية لابد من الوثوق من صحتها وذلك عن طريق البحث في صدق الرواة والتأكد من أنهم ثقات وأيضا النظر العقلي في خبر الرسول المؤيد بالمعجزة والتفرقة بينها وبين السحر. ويهتم أبو المعين بالرد على منكري الخبر ونفيهم كون الخبر من أسباب المعارف وهم السمنية والبراهمة وهم يقولون بأن الخبر قد يكون صدقا وقد يكون كذبا فكان في نفسه مختلفا ولا يدري الصدق من الكذب فلا يثبت به العلم، ويرد عليهم بأن قولهم هذا خبر وهم لا يقرون الخبر فمقالتهم هذه باطلة ويقول إنه مما يبطل موقف السمنية هو تمسكهم بالمعرفة الحسية وحدها في حين أن هناك معرفة وراء الحس وهي المعرفة الخبرية والعقلية، فكيف عرفوا أنه ليس هناك طريق للمعرفة سوى الحس؟ أنهم لا يعرفون ذلك بحاسة من الحواس وهذا يدل على أن هناك معرفة تعلو الحس. ويرى أبو المعين أن إنكار الخبر تعطيل لقوى الإنسان التي تميزه عن الحيوان وكفر بنعمة الله على الإنسان. ثم إن قولهم إن الخبر يتفرع إلى صدق وكذب فأنه يمكن الرد عليه بأن ما يحتمل الكذب لا يوجب العلم، وإنما يوجب العلم ما لا يتصور كونه كذبا وهو ما تواتر من الأخبار، إذ أن المتواتر يستحيل كذبه وكذلك الخبر المتواتر عن الرسول لا يتصور كذبه هو يوجب العلم ومؤيد بالبرهان وبالمعجزة.
المعرفة العقلية الاستدلالية
التي تتم بطريق العقل هي معرفة صادقة وتقوم على استدلال نتائج معينة من مقدمات معينة بناء على ترتيب وقواعد معينة وصدقها يقيني إذا صدقت المقدمات التي تقوم عليها. والمعرفة العقلية هي أساس علمي الحس والخبر إذ أن صدقها يتم عن طريق المعرفة العقلية. ويدافع أبو المعين عن المعرفة العقلية ويرى أن العقل من أسباب المعارف وأن المعرفة العقلية البديهية ضرورة الصدق، كعلم الحواس فإن العلم بأن الشيء أعظم من أي جزء من أجزائه معلوم ضرورة، وأن النظر طريق العلم وأن من استوفى شرائط النظر أفضى به إلى العلم ضرورة. وأن من يقول بتناقض النظر العقلي وبذلك يكون النظر فاسداً فيرد عليه بأن قضايا العقل قد لا تكون متناقضة وأن الوقوع في الخطأ يكون لتقصير الناظر في النظر أو النظر في بعض المفردات بهواه دون عقله فيقع له ظن فيعتقد ذلك ويظن فظنه أنه علم، فأما لو استوفى شرائط النظر في كل مقدمة وعلم صحتها فلا يقع في ضلال ولا يكون نظره فاسداً. ورأي أبو المعين هو نفس رأي أستاذه الماتريدي وهو أيضا يمثل رأي عامة المتكلمين مع الاختلاف في بعض التفصيلات.[89]
ثانيا: حدوث العالم
المراد من لفظة العالم كما يذكر أبو المعين عند المتكلمين جميع ما سوى الله تعالى من الموجودات من الأعيان والأعراض، وهو مكون من جواهر وأجسام وأعراض. لكن أبو منصور الماتريدي يرى أنه منقسم إلى قسمين: أعيان وأعراض، لأن الأجسام هو جواهر لأنها متركبة منها وهي القسمة التي يقول بها أبو المعين لكنه يخالف أستاذه في القول بأن الجواهر قائمة بنفسها، لكن الماتريدي يرفض هذا التعريف لأنه لا قائم بنفسه سوى الله تعالى لكن أبو المعين يقول بأن الجواهر قائمة بنفسها وأنه يصح وجودها عن غيرها، فلا ضير في التعريف بهذا المعنى. فالأعيان (الجواهر) هي ما تقوم بنفسها وهي إما مركبة وهي الجسم أو غير مركبة وهي الجزء الذي لا يتجزأ، والأعراض ما لا قيام لها بذاتها وتحدث في الجواهر والأجسام وهي كالألوان والطعوم والروائح.
وأبو المعين ينهج نهج أستاذه الماتريدي في عدم البحث عن أصل الأشياء وحقائقها لأن هذا لا يدخل في معرفة أصل الدين فبعد أن يذكر تعريف المعتزلة وأبو الحسن الأشعري للجسم وينقل تلك التعريفات يميل إلى رأي الماتريدي الذي يثبت أن الجسم مركب وذلك لاستحالة ذلك على الله سواء أكان اسما لإطلاق التركيب أو لمخصوص التركيب فهو لا يبحث المسائل الطبيعية في ذاتها ولكن يبحث فيها بالقدر الذي ينفع في أمر دينه وإثبات عقيدته فليس الغرض هو تفسير العالم بل الغرض إثبات أن العالم محدث (مخلوق) وأن له محدثا (خالق) ومعنى الحدث ما لوجوده ابتداء والقديم (أي الأزلي) هو ما لا أول لوجوده.[90]
وطريقة أبو المعين في إثبات حدوث العالم هي نفس طريقة سائر المتكلمين والتي أساسها أن العالم مكون من أعيان وأعراض ولم يسبقها ولا يخلو منها وأن الأعيان والأعراض حادثة وأن ما لاي يخلو من الحوادث ولا يسبقها فهو حادث ونفس طريقته في إثبات حدوث الأعراض والأعيان هي نفس طريقة عامة المتكلمين، ودليل حدوث الأعراض هو ما نشاهده من الحركة والسكون فإننا نرى ساكنا تحرك بعد سكونه فكان السكون قائما بالجسم حين كان ساكنا وقد حدثت فيه الحركة بعدما صار متحركا، والحركة لم تكن موجودة حال كون الجسم ساكنا فحدثت الآن فعلمنا حدوثها بالحس والمشاهدة، والسكون كان موجودا وقد انعدم حين حدثت الحركة فعلم أنه كان محدثا حيث قبل العدم لأن القديم مما يستحيل عليه العدم.[91]
والدليل على حدوث الأعيان أنها لا توجد متعرية عن الأعراض التي تثبت حدوثها فإذا كانت الأعراض كلها محدثة يستحيل خلو الجواهر عنها إذ وجود جوهرين غير متفرقين ولا مجتمعين وتوهم جسم في مكان في حالة البقاء غير متحرك ولا ساكن محال وكذلك خلو الجواهر عن الألوان كلها والطعوم والروائح مما يحيله العقل كما يحيل اجتماع المتضادات في محل واحد ووقت واحد، وإذا استحال خلو الجواهر عنها استحال سبق الجواهر عليها لما أن في السبق الخلو والخلو محال فكان السبق محالا فإذا لم تسبق الجواهر والأعراض وما لا يسبق الحادث فهو حادث ضرورة لمشاركة المحدث فيما كان لأجله محدثا وهو أن لوجوده ابتداء.[92]
ويذكر أبو المعين دليلا آخر على حدوث العالم يقوم على التفرقة بين واجب الوجود وهو القديم وبين جائز الوجود وهو المحدث، والقديم ينبغي أن يكون واجب الوجود، لأنه لو لم يكن واجب الوجود لكان جائز الوجود أو ممتنع الوجود، لكن وجوده متحقق ومحال تحقق وجود ما هو ممتنع لما فيه اجتماع الجواز والامتناع، وليس بجائز أن يقال إنه جائز الوجود لأنه لو كان جائز الوجود لكان جائز العدم، لاستحالة القول بكونه ما يمتنع عدم جائز الوجود بل هو واجب الوجود ضرورة، فلو كان جائز الوجود لكان جائز العدم وإذا كان الوجود والعدم كل واحد منهما في حيز الجواز، ولم يختص أحدهما بالتحقيق إلا بتخصيص مخصص، وما كان وجوده لتخصيص مخصص كان محدثا، إذ المحدث هو الذي يتعلق وجوده بإيجاز غيره، أما القديم فمستغن في وجوده عن غيره.[91] وفي هذا الدليل نجد تأثره بفكرة الواجب والممكن عند الفارابي وابن سينا والتي نجد جذورها عند الماتريدي. وعلى هذا فإذا كان العالم محدثا (مخلوقا) فلابد له من محدث (خالق) وهو الله تعالى.
ثالثا: مشكلة الألوهية
جزء من سلسلة مقالات حول |
أهل السنة والجماعة |
---|
بوابة إسلام |
وحدانية الله
يعتمد أبو المعين في إثبات وحدانية الله تعالى على دليل التمانع وهو الدليل المشهور عند المتكلمين، وقد تعرض هذا الدليل للنقد من الفلاسفة ومتأخرى المتكلمين لأنه مبني على الاختلاف في الإرادة بين الإلهين وقد يجوز الاتفاق بينهما بل إن الاتفاق أليق بالآلهة من الاختلاف، لكن أبو المعين يرى صحة هذا الدليل وأنه لو كان غير صحيح لكان الله معلما رسوله بما لا يصلح أن يكون حجة على المشركين وهذا محال فثبت أنه صحيح.[93] ولقد ذكر أبو المعين أن دليل التمانع لا يستقيم مع وجهة نظر المعتزلة، لأن العبد عندهم فاعل وزوال قدرة الله عنه عند إعطائها للعبد ولم يؤد ذلك إلى تعجيز الله، فلو كان اثنين وعجز أحدهما لم تزل ربوبيته.[94]
ويرى أبو المعين أن دليل التمانع لا يستقيم إلا على أصول متكلمي أهل السنة الذين يقولون بخلق الله لأفعال العباد، وأن المعتزلة تضيف الأفعال إلى العباد فكأنها في رأيه تقول بأكثر من فاعل وهذا نقض للتوحيد. يقول الدكتور علي عبد الفتاح المغربي في كتابه الفرق الإسلامية الكلامية: "وهو اتهام غير صحيح للمعتزلة الذين أقروا بالتوحيد، ودافعوا عنه وفرقوا بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني، وعلى كل فلقد تبادل المعتزلة وأهل السنة نفس الاتهام وادعى كل فريق أنه لا يصلح إلا على أصوله".
نفي الجسمية والعرضية والجوهرية عن الله
الله تعالى ليس بجسم لأن معنى الجسم هو المؤلف والمركب، وهذا منتفي في حقه تعالى، ولا يصح أن يطلق عليه اسم الجسم، لانتفاء معنى الجسم عنه. ولو كان الله تعالى جسما لكان متبعضا متجزئا وهذا يؤدي إلى القول بقدم العالم (أي القول بأن العالم أزلي غير مخلوق ولا بداية له)، أو القول بحدوث الباري جل علاه، ولو كان كذلك لكان متناهيا، وكل ذلك يؤدي إلى إبطال التوحيد، لذا فالقول بالتجسيم باطلا، وهذه المعاني من التجزئة أو التبعيض والتناهي محالة على الله تعالى، وذلك لأنه موصوف بصفات الكمال. يقول أبو المعين النسفي: "فمن أطلق على الله تعالى اسم الجسم، وعنى به أنه تعالى متركب ومتبعض متجزأ كما ذهب إليه اليهود وكثير من الروافض كالجواربية والجوالقية والهشامية فهو مخالف في المعنى والاسم. ومن أطلق عليه تعالى اسم الجسم وعنى به القائم بالذات لا التركيب، كما ذهبت الكرامية فهو مخطئ في الاسم وموافق في المعنى".[95]
كذلك لا يجوز إطلاق لفظ الجسم على الله تعالى من حيث أنه فاعل ولا فاعل سوى الجسم، ومراد هؤلاء في ظن أبي المعين من إطلاق هذا الاسم إثبات معناه من الجثة والتركيب غير أنهم تستروا وراء صحة كونه تعالى فاعلا، كما تستر الكرامية وراء صحة كونه قائما بالذات، وكلا الفريقين مخطئ، لأنه قد صرف الاسم إلى غير معناه.[96]
كذلك لا يقال إن الله جسم لا كالأجسام، كما يقال شيء لا كالأشياء وذلك لأن الجسم داخل في الأشياء، فقيه بطلان القول بجسم لا كالأجسام، أيضا معنى لا كالأشياء فيه إسقاط لماهية الأشياء الحادثة والجسم حادث، وهو من الأشياء الحادثة، ففيه إبطال للقول بالجسم لا كالأجسام، فالمراد من قول لا كالأشياء إسقاط معنى الجسمية والعرضية.[97] وينتهي أبو المعين إلى التوقف في إطلاق الأسماء لله تعالى وإطلاق ما أطلقه الشرع عليه من الأسماء ونتوقف فيما دون ذلك.[98]
كذلك يستحيل وصف الله تعالى بشيء من الأعراض، كالصورة واللون والطعم والرائحة وغير ذلك من الأعراض، لأن ذلك يعني التركيب والتغيير وكل ذلك من أمارات الحدوث، وذلك كله منتفي في حقه تعالى. كذلك أن الله تعالى ليس بجوهر، وفي هذا يرد أبو المعين على قول النصارى بأن الله جوهر، لأن الجوهر قائم بالذات، وهو قائم بالذات. ويوجز أبو المعين دليل النصارى فيذكر أن ما يتعلقون به أن الله تعالى موجود، والموجود إما أن يكون عرضا وإما أن يكون جوهرا، والله تعالى ليس بعرض فيكون جوهرا. أيضا يتعلقون بأنه فاعل وما يجوز منه الفعل في الشاهد فهو جوهر، وما يستحيل منه الفعل فهو عرض، وقد تحقق من الله تعالى الفعل فكان جوهرا.
ويرد أبو المعين على ذلك بقوله: إن ما أدعوا من صحة الاطراد والانعكاس في الشاهد يقال لهم: كما يدور الجوهر مع القيام بالذات طرداً وعكساً ووجوداً وعدماً، فكذلك تدور مع كونه أصلا يتركب منه الأجسام، فلم كان جعلكم القائم بالذات حدا له أولى من جعل كونه أصلا حدا له؟ أيضا ليس في لفظ الجوهر ما ينبئ عن القيام بالذات وفيه ما ينبئ عن كونه أصلا، كان جعله جوهرا لكونه أصلا أولى من جعله جوهرا لكونه قائم بالذات. أيضا لم يكن الجوهر في الشاهد جوهرا لأنه فاعل بدليل أن الجمادات والموات (ما لا حياة فيه) جواهر وليست بفاعلة، بل كان جوهرا لكونه أصلا يتركب منه الأجسام.[99] أي أنهم يقولون إنه جوهر لأنه قائم بالذات، لم لا كان جسما، لأنهم قالوا بالطرد والعكس في الشاهد والغائب.
إبطال التشبيه
الله تعالى ليس يشبهه شيء في العالم، فلا توجد أية مماثلة بين الله ومخلوقاته فهو تعالى موجود لا كالموجودين، وحي لا كالأحياء، عالم لا كالعلماء، وكذا القول في جميع الصفات. ويبني أبو المعين نفي المماثلة بين الله ومخلوقاته على أساس أن معنى المماثلة غير متحقق بين الله ومخلوقاته، إذ أن معنى المماثلة هو أن يسد أحدهما مسد صاحبه أو ينوب منابه، فإن كان المتغايران ينوب أحدهما مناب صاحبه ويسد مسده من جميع الوجوه كانا مثلين من جميع الوجوه وإن كان ينوب منابه ويسدد مسده في وجه من الوجوه لاستويا في ذلك الوجه وتفاوتا في غيره من الوجوه. وهذا المعنى للمماثلة غير متحقق بين الله تعالى والعالم، فهو تعالى مغاير للعالم في ذاته وصفاته وأفعاله، وأنه قديم والعالم محدث، ولا تقوم ممثالة بينه وبين العالم لوجود تلك المغايرة ولا مماثلة بين القديم والحديث. وعلى هذا لا وجه للشبه بين الله ومخلوقاته، وما يطلق على الله تعالى من صفات لا تشابه صقات المخلوقين، لذا بطل قول من يقول إن التشابه يقع في الاشتراك في أوصاف الإثبات دون السلب، وزعموا أنه لا يطلق على الباري جل علاه من الأسماء والأوصاف إلا ما طريقه السلب دون الإيجاب. فقالوا: لا نقول إنه موجود، بل نقول إنه ليس بمعدوم.[100] والأساس الآخر الذي يبني عليه أبو المعين نفي التشبيه هو قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ سورة الشورى:11 فهذا نص محكم ينفي المماثلة بين الله وبين غيره من الأشياء وهذا ينفي كل معاني المماثلة من قريب أو بعيد.[101]
ولقد وردت آيات في القرآن والأحاديث النبوية ما يوحي ظاهرة بالتشبيه والتجسيم، فما الموقف من تلك الآيات والأحاديث؟ يذكر أبو المعين اختلاف مشايخ الماتريدية إزاء هذه الآيات والأحاديث، فمنهم من رأى أن الواجب أن نتلقى ما ورد في هذه الآيات والأحاديث بالإيمان والتسليم والاعتقاد بصحته، ولا نشتغل بكيفيته والبحث عنه ونفوض علمه لله تعالى، مع الاعتقاد بأن الله تعالى ليس بجسم ولا شبيه بالمخلوقات وانتفاء جميع أمارات الحدوث عنه، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به. وبعضهم قد اشتغل بصرف هذه الآيات والأخبار إلى ما يحتمل من الوجوه التي لا تناقض دلائل التوحيد والآيات المُحكمة، وأن ما يحتمل من ذلك تأويلات كثيرة يلائم كل واحد منها ما يثبت من الدلائل ولم يقطعوا على واحد منها بكونه مرادا لانعدام دليل يوجب تعيين ذلك فامتنعوا عن الشهادة على الله تعالى عند انعدام الدليل الموجب للعلم، وقالوا إن المراد بعض تلك الوجود لا الظاهر الحرفي الموحي بالتشبيه، تعالى الله عن ذلك.[102]
فكلا الموقفين بعيد عن التشبيه والتجسيم، فسواء فوضوا الآيات والأحاديث المتشابهة فإنهم يسلمون بها مع إثبات أن الله ليس كمثله شيء، أو أولوا ظاهرها فإن تأويلهم لا يتعارض مع الآيات المحكمات أو الدلائل القاطعة على التوحيد، وأيضا مع إثبات أن الله ليس كمثله شيء. وهذا يعني عدم فتح باب للتأويل على مصراعيه وأن يكون مشروطا وأن لا يذهب بعيدا إلى معان تتعارض مع أصول التوحيد وأن لا يقطع به.
نفي المكان عن الله
يذكر أبو المعين آراء من أثبتوا المكان لله تعالى، فذكر رأي الكرامية وقولهم بالمكان، وأنه تعالى فوق العرش وبينهما مسافة وقال المعتزلة والنجارية إنه بكل مكان بمعنى أنه عالم ومدبر له. ويرد أبو المعين على القول بالمكان وذلك بالتمسك بقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ سورة الشورى:11 إذ فيه نفي الممثالة بأي وجه من الوجوه والقول بإثبات المكان فيه رد لذلك النص المحكم. والقول بالمكان يعني القول بالمماثلة بين الله ومخلوقاته والمماثلة منفية عنه تعالى فالمكان منفي عنه. والقول بالمكان فيه إثبات أمارات الحدث، وهي منفية عنه تعالى وذلك لأن الله تعالى كان ولا مكان، والمكان حادث، وهو ليس متمكنا في الأزل فصار متمكنا بعد أن لم يكن متمكنا وفي هذا حدث. كذلك القول بأنه مماس للعرش وملاقيا إياه، إذ أنه بمماسة العرش وبالتمكن فيه تحدث المماسة والملاقاة بعد أنه لم يكن لاستحالة قيام مماسة في القدم قبل حدوث المكان لأن قيام المماسة بذات بدون قيام مماسة أخرى بذات أخرى محال. أيضا العرش جسم محدود متناه، فلو كان الصانع جل وعلا ملأ ساحة العرش وفضل عنه في الجهات كلها كما يقول متأخرو الكرامية لكان متبعضا متجزئا في كل جزء من مساحة العرش جزء منه، وفضل أجزاء أخرى كبيرة لم يلاقي العرش. وخلاصة رأيه في دفع شبه وحجج القائلين بالمكان يقوم على أساس أن المكان متناه ومحدود، فكيف يحل به اللا متناهي واللا محدود وهو الله الواسع؟ فذلك محال وأيضا لا يوصف الله أنه داخل العالم أو خارجه، لأن الموصوف بالدخول والخروج هو الجسم المتبعض المتجزئ المحدود، والله ليس جسما ولا متجزئاً ولا متبعضاً، فلا يوصف داخلا في العالم أو خارجا عنه. وتعلق القائلين بالمكان بالدلائل السمعية من نحو قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ سورة طه:5 وقوله: ﴿أأمنتم من في السماء﴾ سورة الملك:16 وكذلك قوله: ﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾ سورة الزخرف:84 قولهم باطل ويجب صرف هذه الآيات إلى ما يليق بالكمال الله ولا تناقض حجة الله تعالى العقل، ولا يعارض قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ سورة الشورى:11 لأن في الآية نفي مطلق للمماثلة والمشابهة بأي وجه من الوجوه، وفي القول بالمكان تحقيق المماثلة، أي يجب تأويل الدلائل السمعية التي قد يوحي ظاهرها بالمكان وصرف معناها إلى نفي المكان لأن هذا ما يليق بمقام الربوبية.[103]
صفات الله
من المشكلات التي ثار حولها الخلاف بين المتكلمين مشكلة صفات الله تعالى وعلاقة صفاته بذاته، وهي من أهم المسائل التي خاض في المتكلمون وزادوها تفريعا وتفصيلا. وإذا انتقنا إلى رأي أبي المعين في مسألة الصفات فإننا نجده يثبت الصفات لله تعالى وأن الصفة معنى حقيقي، وهي ليست مجرد الوصف أو معنى تعرف بها الذات بل لها وجود حقيقي، وهذا الموقف هو موقف الماتريدية والأشاعرة مع الخلاف بينهما في التفصيل، فالألفاظ المشتقة عن المعاني إذا أطلقت على الذات يراد بها إثبات ما هو مأخذ الاشتقاق لا إثبات الذات فحسب ولو أطلقت هذه الألفاظ ولم يرد بها إثبات المعاني لكانت ألقاباً وأعلاماً، ولو كانت ألقاباً وأعلاماً لم يثبت بكل لفظ منها إلا الذات، أي أنه يرى أن الصفات لو لم يكن لها معنى حقيقي وليست مجرد اللقب لكانت الذات مجردة عن الصفات وأثبتت ذات معطلة عن الصفات.[104]
والدليل على إثبات الصفات وأن لها معنى حقيقي هو صنع العالم، لأن صنع العالم على النظام والاتساق والاتفاق لا يتصور إلا من حي عالم قادر سميع بصير، ولا يتصور أن يتأتى ذلك الصنع البديع المتقن والمحكم من عاجز أو جاهل أو ميت. ولما ثبت أنه حي عالم قادر سميع بصير ثبت أنه له حياة وعلماً وقدرة وسمعاً وبصراً. ويستدل على إثبات الصفات بما ورد في كتاب الله بإثبات الصفات مثل قوله تعالى: ﴿أنزله بعمله﴾ سورة النساء:166 وقوله: ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه﴾ سورة البقرة:255. فالصفات ثابتة وقديمة إلا أن إطلاق لفظ القِدم على الصفات قد يوهم بوجود قدماء مع الله، لذا تحرز البعض من إطلاق لفظ قدماء على الصفات لئلا يسبق إلى وهم السامع إن كل قديم من القدماء قائم ذاته موصوف بصفات الألوهية، لذا ينبغي القول أن الله تعالى قديم بصفاته.[105]
ويرد أبو المعين على القائلين بأن القول بقدم الصفات يؤدي إلى تعدد القدماء وفي هذا مماثلة للذات، ومشاركة للقديم في أخص أوصافه وهي القدم. ويرى أن هؤلاء قد جهلوا شرط المماثلة ومحلها وذلك أن المماثلة لا تثبت إلا بشرط المغايرة بين المقابلين، وكذلك الموافقة والمخالفة ومحلها المتغايران، ولا مغايرة بين الصفات والذات وبذلك يكون شرط المماثلة ومحلها معدومين، وكان القول بالمماثلة محالا. أيضا قولهم بأن علة المماثلة هي الاشتراك في وصف واحد وهو أخص الأوصاف وهي صفة القدم، وهذا رأي المعتزلة أما الماتريدية والأشعرية فإنهم يقولون إن علة المماثلة هو الاشتراك في جميع الأوصاف وبذلك تكون العلة عامة والحكم عام. وعلى هذا فيجب اقتصار الحكم على قدر العلة، فلو اشتركا في صفة القدم كان استوائهما في صفة القدم لا غير وإن استويا في جميع الأوصاف كانت المماثلة بينهما عامة. ولما كانت الذات والصفة لا يستويان إلا في صفة القدم وجب استوائهما في القدم لا غير، ولا يجوز القول باستوائهما في كونهما إلهين بحكم استوائهما في القدم كما تقول المعتزلة لأن ذلك يجعل الحكم زيادة عن قدرة العلة وهذا هو الخطأ وقع فيه المعتزلة في رأي أبي المعين، إذ أنهم أثبتوا حكما زيادة عن العلة لأنهم قالوا بأن اشتراك الصفات مع الذات في القدم يوجب الاشتراك في سائر الصفات، وبذلك يتعدد القدماء والألوهية وأدى تعدد القدماء.[106]
العلم الإلهي
يثبت أبو المعين العلم الإلهي ودلالة إثباته هو أن هذا العالم المتقن المحكم لا يتأتى إلا من عالم، كذلك خلق الله تعالى للعالم وتسخير أجزائه لخدمة بعضها البعض وخلقه للجواهر التي لا تمتحن وجعلها في مصالح الممتحنين، وخلق كل شيء أريد به البقاء مع ما به بقاؤه، كل ذلك يدل على أنه خلق بمن يعلم كيفية كل شيء وحاجته وما به القوام والمعاش، وعلمه تعالى أزلي لأنه الله أخبر عما يكون في المستقبل ومن أنكر علمه الأزلي فقد أنكر ما أخبر الله الأنبياء المتقدمين من أنباء النبي محمد ﷺ وبشارة عيسى ﷺ.[107]
ولا خلاف بين المتكلمين في إثبات علمه تعالى الأزلي وبعلمه للكليات والجزئيات، ولكن الخلاف بينهم: هل هو عالم بذاته على نحو ما قالت المعتزلة؟ أم عالم بعمله على نحو ما قالت الماتريدية والأشاعرة. وأبو المعين يقول بأن الله عالم بعلم وذلك لأنه لابد أن يكون للعلم عالماً وللعالم علم ولا انفكاك للعالم عن العلم ولا للعلم عن العالم ولا علم إلا لعالم ولا عالم بدون العلم.[108]
وأبو المعين يتعلق في ذلك بالاستدلال بالشاهد ووجوب التسوية بينه وبين الغائب فكما في الشاهد أن العالم من له علم فكذلك الأمر بالنسبة للغائب وهو الله تعالى عالم وله علم وهو عالم بعلم، ولقد استند أيضا إلى الدليل السمعي من آيات قرآنية. ويحاول أبو المعين في رده على موقف المعتزلة أن يلزمهم ضرورة المساواة بين الشاهد والغائب، فهم إما أن يسووا بين الشاهد والغائب ويقولون بأن قدرة الصانع ثابتة بدلالة المفعول وعلم ثابت بدلالة أحكام المفعول وإتقانه، كما أن ذاته ثابتة بدلالة المفعولات عليه كما في الشاهد لو التزموا بذلك لتركوا مذهبهم، أو يفرقوا بين الشاهد والغائب في كل ذلك، ويقولون إن المفعول وإن دل على وجود الفاعل وقدرته وإحكامه في الشاهد ففي الغائب لا يدل على شيء وفي هذا نفي لوجود الصانع وقدرته. أو يسووا بين الشاهد والغائب في حق دلالة المفعول على الفاعل ويقروا بثبوت الصانع، ويفرقوا بين الشاهد والغائب في حق دلالته على القدرة والعلم، ويقولون إن كان ذلك دليلا عليهما في الشاهد فليس بدليل عليهما في الغائب. وفي هذا تناقض من وجهين: أحدهما بالتفرقة بين الدلالة على الذات والدلالة على الصفات، والآخر بالتفرقة بين الشاهد والغائب في الدلالة على الصفات.[109]
الكلام الإلهي
من المسائل التي كثر الجدل حولها بين المتكلمين مشكلة الكلام الإلهي ولا خلاف بينهم أن الله متكلم وله كلام وأن القرآن كلامه والمشكلة هي في طبيعة الكلام الإلهي، هل هو قديم أم حادث؟ وهل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ وحول هذه الموضوعات تعددت الخلافات والمواقف، فقالت المعتزلة بحدوث الكلام الإلهي واحتجوا على ذلك بكثير من الأدلة والبراهين وقد ساقها القاضي عبد الجبار الذي أفرد جزءا من كتابه المغني باسم خلق القرآن. وهذه بعض النماذج من حجج المعتزلة كما أوردها أبو المعين النسفي ورد عليها:
الحجة الأولى: تقوم هذه الحجة على المساواة بين الشاهد والغائب، فالكلام في الشاهد هو من جنس الحروف والأصوات، فمن أثبت في الغائب كلاما على خلاف ما هو المعقول في الشاهد كان خارجا عن قضية العقول، والكلام المركب من حروف وأصوات حادث، كذلك كلام الله تعالى من جنس كلامنا وهو حادث.[110]
ويرد أبو المعين على هذه الحجة بإثبات الكلام النفسي هو المعنى القائم بذاته المتكلم الذي يديره المتكلم في نفسه ويعبر عنه بهذه الألفاظ وهذه العبارات ليست بكلام وإجراؤها على اللسان ليس بتكلم، بل هو عبارات عن الكلام، والكلام هو ما يتأدى بهذه الحروف، وهو المعنى القائم بالنفس غير أن هذه العبارات تسمى كلاما لدلالتها على الكلام، ولأن الوقوف على الكلام لا يمكن قط لغير المتكلم في المخلوقين إلا بها فأطلق عليها اسم ما هو مدلولها كما يطلق اسم العلم والقدرة على آثارهما. ودليل وجود الكلام النفسي من القرآن قوله تعالى معبراً عن اليهود: ﴿ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله﴾ سورة المجادلة:8 وقوله تعالى: ﴿يخفون في أنفسهم ما لا يبدون﴾ سورة آل عمران:154 وذلك معنى الكلام في قلوبهم. ولقد ذكر أبو المعين رأي أئمة سمرقند وقولهم بأن القرآن كلام الله تعالى صفة من صفاته وكلام الله غير مخلوق وكذلك صفته ولا يقولون على الإطلاق إن القرآن غير مخلوق كيلا يسبق وهم السامع أن هذه العبارات المتركبة من الحروف والأصوات ليست بمخلوقة، ويقولون إن القرآن المكتوب في مصاحفنا والمقروء بألسنتنا هذه العبارات مخلوقة وهي دلالات على المعاني اللغوية فهي دلالة أو عبارة عن الكلام النفسي. وقد لاحظ أبو المعين أن أساس هذه المشكلة هو أن القائلين بقدم الكلام الإلهي يقولون بأن الكلام صفة قائمة بالذات، أما المعتزلة فهم لا يثبتون هذه الصفة قائمة بذات الله تعالى لاستحالة قيام صفة بذات الله عندهم وهذا يبين أن الخلاف حول مسألة الكلام هو انعكاس للخلاف حول مسألة قدم الصفات وحدوثها.[111]
الحجة الثانية: استحالة وجود أمر أزلي مع انعدام المكلفين أي لا يعقل وجود التكليف بدون مكلفين. ويرد أبو المعين بقياس ما هو في الشاهد بوجود الأمر والنهي والتكليف منذ الأزل ومع انقطاع الوحي، إلا أن التكليف يلزم الناس إلى قيام الساعة وإن كانوا معدومين الآن والتكليف يلزم من سيوجد في المستقبل إلى يوم قيام الساعة ولا يعد ذلك سفها أو خروجا على العقل فكذلك الأمر في وجود الأمر والنهي والتكليف منذ الأزل وقبل وجود المكلفين.[112]
ويندرج تحت هذه الحجة ما ذكره المعتزلة من أن الله تعالى أخبر في القرآن عن عصيان آدم فلو كان كلامه قديما لكان إخبار في الماضي قبل وجود العصيان ولم يوجد بعد ما يخبر عنه، ويكون الخبر بذلك كاذبا ونسبة الكذب إلى الله كفر.[113]
ويرد أبو المعين بأن إخبار الله عما سيحدث إخبار عنه أن يكون، فإذا وجد مخبره وجب القول بأنه خبر عنه أنه ثابت، وإذا انعدم أخبر عنه أنه كان والتغير يكون في المخبر عنه لا على الخبر، وذلك مثل علم الله تعالى بالمعلومات بوجودها قبل أن توجد وما وجد منها وما هو موجود.[114]
الحجة الثالثة: أن الله تعالى لو كان متكلما في الأزل لكان متكلما مع نفسه وذلك لا يكون إلا للتذكر أو لدفع الوحشة عن نفسه، وذلك لا يصح نسبته إلى الله فالتذكر يكون لمن يخشى النسيان وهو محال على الله، وكذلك أمر الوحشة لأنها من الآفات وذلك ممتنع في حقه، وكل ذلك أمارات الحدث المنفية عنه تعالى.[113]
ويدفع أبو المعين تلك الحجة ويقول بأن ما ذكروه لا يستقيم في حق الله تعالى لأن كلامه تعالى أزلي غير محدث وغير داخل تحت القدرة وما ذكروه إنما يصح في حق من كلامه محدث ويدخل تحت القدرة.[112]
فهو يفرق بين الكلام الإلهي وطبيعته وبين الكلام الكلام الإنساني وطبيعته، وأن الشاهد هنا لا يدل على الغائب لمخالفة الغائب للشاهد. وبعد ردوده على حجج المعتزلة على حدوث الكلام الإلهي يحاول أن يثبت نفي حدوث الكلام الإلهي واستحالة أن يكون كلامه حادثا، وأن القول بالحدوث فاسد ويؤدي إلى محالات، فيقول بأن كلامه تعالى لو كان حادثا فإن الأمر لا يخرج عن وجود ثلاثة:
- إما أن يكون حادثا في ذات الله تعالى.
- أن يكون حدوثه لا في محل.
- أن يكون حدوثه في محل آخر سوى ذات الله تعالى.
ويحاول أبو المعين أن يثبت بطلان هذه الوجوه الثلاثة.
بطلان الوجه الأول: وهو حدوثه في ذات الله تعالى، أن ذاته تعالى قبل حلول الكلام فيه لا يخلو إما أن تكون متعرية عن الكلام وإما لم تكن متعرية فتكون موصوفة به في الأزل لاستحالة انعدام التعري عن الكلام بدون الكلام. وإن كان متعريا عنه لذاته، وإما أن كان متعريا عنه لمعنى قائم به، فإنه كان متعريا عن الكلام لذاته لم يتصور حدوث الكلام مع وجود الذات الموجب للتعري عنه ولا قول لانعدام الذات لأنه قديم والعدم على الله محال، ولو انعدمت الذات لاستحال حدوث الكلام في ذات منعدمة، وهذا يدل على أن الذات لو كان متعريا لا يتصور حدوث الكلام فيه، ولو كانت الذات متعرية عن الكلام لمعنى لكان لا يتصور حدوث الكلام فيها مع وجود ذلك المعنى لأن ذلك المعنى ما دام باقيا كانت الذات موصوفة بالتعري عن الكلام مع قيام الكلام بها وهذا محال، وكذلك قيام ما يوجب التعري عنها محال أي أنه لا يمكن تصور ذات متعرية عن الكلام، أي لم يكن له كلام منذ الأزل ثم حدث له الكلام لأن وجوه انعدام الكلام الأزلي للذات فاسدة.[115]
والوجه الثاني: حدوث الكلام لا في محل ممتنع لأن الكلام المحدث يستحيل أن يكون جوهرا لأن الكلام صفة والصفة هي ما تتميز به الذات المتصفة به عن غيرها من الذات، لذا لا يجوز حدوث الكلام لا في محل لأنه ليس جوهر. وأيضا ليس الكلام عرضا لاستحالة قيام العرض بذاته غير مفتقر إلى محل يقوم به لذا فليس الكلام عرضا ولا يجوز القول بأنه يحدث لا في محل. وأيضا ليس الكلام عرضا لاستحالة قيام العرض بذاته غير مفتقر إلى محل يقوم به لذا فليس الكلام عرضا ولا يجوز القول بأنه يحدث لا في محل. وأيضا لو جاز وجود الكلام لا في محل لم يكن ذات ما متكلما به، إذ ليس أولى بالاتصاف به من ذات، ويستحيل أن تصير الذوات كلها متكلمة بكلام واحد ولو جاز هذا لجاز أن تكون جميع الأجسام متحركة بحركة واحدة. أيضا استحالة أن تصير ذات ما موصوفة بالكلام الذي هو واحد لا في محل لأن فيه إخراج من أن يكون كلام الله، وإخراج ذات الله تعالى من أن يكون متكلما.[116]
الوجه الثالث: وهو حدوث الكلام في محل سوى ذات الله محال، لأن الكلام لو حدث في محل لكان المتكلم الآمر الناهي هو ذكل المحل لا الله تعالى لأن الاسم المشتق عن الصفة يكون راجعا إلى محل الصفة لا إلى إذن فكلام الله تعالى ليس حادثا بل هو موصوف به في الأزل ويرى أبو المعين أنه لو لم يكن الله تعالى متكلما في الأزل لكان موصوفا بضد من أضداد الكلام كالسكوت والآفة وهذا محال، وذلك لأن الآفة والخرس وغيرهما ممتنع على القديم إذ ذلك من آمارات الحدث.[117]
فكلامه تعالى أزلي وغير مخلوق لأنه صفة أزلة ثابتة وهو الكلام النفسي القديم، والقرآن المحفوظ والمتلو وعباراته هي عبارة وحكاية عن الكلام النفسي وهو مخلوق. وخلاصة القول إن ما تنفيه المعتزلة وهو الكلام النفسي تثبته الماتريدية وأن ما تثبته المعتزلة من أن كلام الله مخلوق تنفيه الماتريدية وإن اتفقا على أن القرآن المتلو والمحفوظ والمكون من عبارات وحروف مخلوق.
رؤية الله
يثبت أبو المعين رؤية الله في الآخرة ويورد أدلة كثيرة على إثبات الرؤية ونوجز تلك الأدلة فيما يلي:[118][119]
- سؤال موسى للرؤية ولو لم يكن مرئيا لكان هذا منه جهلا بخالقه ونسبة الجهل بالله إلى الأنبياء كفر.
- أنه تعالى قال لموسى لن تراني، نفى رؤية موسى إياه ولم ينف الرؤية.
- تعلق الرؤية باستقراء الجبل واستقراره من الجائزات.
- لم يعاتبه الله عند سؤاله الرؤية ولا أيأسه.
- تجلى الله للجبل أي كما قال الماتريدي ظهور الله إلى الجبل ولكن لا يفهم من ظهوره ما يفهم من ظهور غيره.
- قول الماتريدية العلة المطلقة للرؤية هي كونه قائما بالذات، فما كان قائما بالذات يجوز رؤيته، وما لا يكون قائما بالذات يستحيل رؤيته، والله تعالى قائم بالذات فكان جائز الرؤية وهذا رد على المعتزلة الذين يعلقون الرؤية بالجسم ويقولون إنه لا يعتقد أحد أن الله يرى إلا ويعتقد أنه جسم لذا يقول الماتريدية بأن الله يرى لأنه قائم بالذات لا لأنه جسم، ويقولون بهذا لدفع حجة المعتزلة لا لإثبات الرؤية، إذ أن الأدلة العقلية عندهم هي لدفع حجج الخصوم في الرؤية أما إثبات الرؤية فطريقها السمع.
الإرادة
قيل في تحديد معنى الإرادة إنها معنى توجب اختصاص المفعول بوجه دون وجه، إذ لولا الإرادة لوقفت المفعولات كلها في وقت واحد، والمراد بها عند المتكلمين بأنه هو ما من كون الموصوف لها مختارا في فعله.[120]
ولقد اختلف في وصف الله تعالى بالإرادة، فالنظام والبغداديون من المعتزلة أمثال الكعبي والخياط ومن تابعهم قالوا بأنه لا يوصف بالإرادة على الحقيقة بل يوصف بها بطريق المجاز، فإرادة الله في فعله أنه فعل وهو غير ساه ولا مكره ولا مضطر وإرادة الله في فعل غيره بأنه أمر به، واستدلوا على ذلك بقولهم إن الإرادة هي الشهوة، فلو كان الله مريدا لكان مشتهيا. ويرى أبو المعين أن الله تعالى موصوف بالإرادة على الحقيقة، والدليل على ذلك:[121]
- وقوع مدلولاته المتجانسة على أوصاف مختصة يجوز وقوعها على غيرها وكذلك على هيئات محسوسة وأمكنة مخصوصة وأزمنة، فعلم عند تجانسها أن وقوعها على هذا الاختلاف في هذه الوجوه لم يكن اقتضاء ذواتها فعلم أن ذلك كان لإرادة الفاعل.
- أنه لو لم يكن مريدا لكان مضطرا.
- بطلان قول من قال إن إرادته لفعل الغير أمر، قوله تعالى: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا﴾ سورة يونس:99 فلو كانت الإرادة أمرا لكان يقول: ولو أمر ربك لآمن من في الأرض.
- الأصل أن تلحق مسألة الإرادة بمسألة خلق الأفعال لأننا لو قلنا إن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى طاعة أو معصية أو كفر، والله غير مضطر في تخليقه كان مريدا لما خلقه.
والله تعالى مريدا بإرادة قائمة بذاته أزلية، وليست حادثة خلافا لما ذهب إليه العلاف والجبائي وابنه أبو هاشم الذين يقولون بأن الله مريدا بإرادة حادثة وما ذهبت إليه الكرامية أنه مريد بمريدية وهي قدرته على الإرادة وإحداث العالم بإرادة حادثة.[122]
وإرادته تعالى غير أمره ومحبته ورضاه، فكل حادث حدث بإرادة الله تعالى ثم ما كان من ذلك طاعة فهو بمشيئته وإرادته وقضائه وقدره وليس بأمر الله ولا برضاه ومحبته، وذلك لأن محبته ورضاه يرجع إلى كون الشيء عنده استحساناً. ويذهب أبو المعين إلى أن إرادة الله شاملة لكل ما يحدث في الكون فكل حادث حدث بإرادة الله تعالى خيرا كان أو شرا، حسنا أو قبيحا، جوهرا كان أو عرضا، طاعة أو معصية. وتقول المعتزلة إن الله تعالى يريد من أفعالنا ما هو حكمة أو طاعة ولا يريد ما هو معصية وقبيح، واحتجوا بقول الله تعالى: ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾ سورة الزمر:7 ولا يرضى لعباده الظلم. ويرد أبو المعين بأن الله تعالى خلق الكفر وأراده قبيحا وظلما، فمن أتى الكفر فهو ظالم وليس الله بذلك بمريد له الظلم إذ هو جزاء فعله، فالله قد أراد الكفر والمعاصي ظلما وقبحا من فاعليها وليس في هذا ظلم لهم.[123]
ويرى أبو المعين أن خلق الكفر غير فعل الكفر نفسه، إذ خلق الشيء غير الشيء والتكوين غير المكون، وهو يقول بأن الكفر مكون وتكوينه غيره، فلم يكن هو فعل الله تعالى بل هو مفعوله وكون المفعول قبيحا لا يوجب قبح التكوين.[124]
ولقد ذكر أبو المعين حجج من يقول بشمول الإرادة الإلهية، فلقد ذكر حجة أهل الحق وتمسكهم بقوله تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس﴾ سورة الأعراف:179 ومن ذرأه لجهنم أراد به ما يصير لجهنم، إذ لو ذرأه لجهنم مع إرادة بأن يصير للجنة فقد أراد منه ما يصير بإدخاله بإذرائه له ظلما وهذا محال. ولقد اعترضت المعتزلة على ذلك التفسير للآية وذكروا أن قوله تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم﴾ سورة الأعراف:179 أنه أراد ما عاقبته جهنم فاللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل ولقد رد أبو المعين بأن استعمال لام العاقبة تجوز فيمن يجهل العاقبة ولا يحصل له ما هو المقصود.[125]
صفة التكوين
تمثل صفة التكوين أهمية خاصة في الخلاف بين المتكلمين، فهي لم تكن مثار الخلاف بين المثبتين للصفات وبين النافين للصفات فحسب، بل كانت أيضا مثار خلاف بين المثبتين أي بين الماتريدية والأشاعرة. ولقد عرض أبو المعين النسفي لمعنى التكوين والاختلاف الذي وقع بين المتكلمين فقال: إن التكوين والتخليق والخلق والإيجاد والإحداث والاختراع أسماء مترادفة يراد بها معنى واحد وهو إخراج المعدوم من العدم إلى الوجود. وقد عرض لمختلف الآراء المعتزلة والنجارية والكلامية والقلانسية والأشعرية يقولون بأن التكوين هو عين المكون وهو حادث وقال بعض المعتزلة كالعلاف وبشر بن المعتمر وابن الراوندي بأن التكوين معنى وراء المكون فالعلاف قال إن التكوين يوجد مع المكون لاستحالة قيامه بنفسه، وقال بشر ابن المعتمد إن التكوين يوجد مع المكون إذ لو لم يكن قبله لعطل كون الاستطاعة قبل الفعل، وقال ابن الراوندي إنه قائم لا في محل، وقال هشام بن الحكم إن التكوين لا هو المكون ولا غيره، وقالت الكرامية إنه كان في الأزل خالقا بالخالقية، رازقا بالرازقية، ويفسرون الخالقية بالقدرة على التخليق. وهذه الآراء تتفق في حدوث التكوين وتختلف في جعل التكوين عين المكون أو معنى المكون، واختلفوا في محله فمنهم من قال التكوين قائم بالمكون ومنهم من قال قائم لا في محل.[126]
أما الماتريدية فيقولون بأن التكوين صفة أزلية وهو غير المكون الحادث وذلك قياسا على الإرادة والمراد، فيكون التكوين لكل مكون يكون يناله لوقت وجوده كإرادة وجود لكل موجود لكونه إرادة لوجوده لوقت وجوده.[127] ويقول الماتريدية إنه لو كان التكوين هو المكون من يكن من الله تعالى إلى العالم شيء يوجب كونه خالقا للعالم سوى أن ذات الباري أقدم من العالم وكون ذات أقدم من غيره لا يوجب كون الثاني مخلوقا. ولقد احتج القائلون بحدوث التكوين لأن القول بقدم التكوين يستدعي قدم المكون كما أن وجود الضرب ولا مضروب، ووجود الكسر ولا مكسور، ووجود الجرح ولا مجروح محال.
ويرد أبو المعين بالتفرقة بين القديم والحادث، فالتكوين قديم والمكون حادث والمكون هو الذي يتعلق وجوده بسبب من الأسباب فهو محدث، أما القديم فهو المستغني في وجوده عن غيره، ولما كان المكون محدثا ويحتاج في إيجاده ضرورة إلى التكوين، فكيف يكون المكون قديما؟ وهو في حاجة إلى غيره لإيجاده. أيضا تعلق حدوث العالم بصفة من صفات الله فهل ما تعلق به حدوث العالم أزلي أم محدث؟ فإن قالوا محدثا فهو إذن من أجزاء العالم فكان تعلق حدوث العالم ببعض لا بالله، وفي ذلك تعطيل. وإن قالوا تعلق بأزلي، قيل هل اقتضى ذلك أزلية العالم؟ فإن قالوا نعم كفروا وصاروا هم قائلين بقدم العالم وإن قالوا لا بطلت شبهتهم. أيضا قوله تعالى: ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾ سورة يس:82 فالله تعالى عبر عن هذا التكوين بكن وعن المكون بقوله فيكون وكذا عبر عنه بالشيء، وخطاب كن عبارة عن سرعة الإيجاد، وخطاب كن من كلام الله تعالى، وكلام الله صفة أزلية من صفاته قائمة بذاته تعالى، والمكونات جواهر وأعراض حادثة غير قائمة بذات الله ولا شك في ثبوت التغاير بين الأزلي والحادث وبين ما هو صفة قائمة بذات الله وما ليس بصفة قائمة بذات الله. والتكوين هو ما يتعلق به التكون والإيجاد وما يتعلق به الوجود، وقد تعلق وجود العالم بخطاب كن فكان هو إيجادا وخلقا وهو غير المكون المخلوق. ولقد رأى أبو المعين أن أبو الحسن الأشعري قد وقع في تناقض أذ يقولون إن وجود العالم وتكونه حصل بعبارة كن فكان تكوينا وتخليقا، ولما كانت عبارة كن من كلامه تعالى وكلامه تعالى عنده أزلي فقوله بأن التكوين حادث قد أوقعه في تناقض.[128]
والواقع أن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية يرجع كما يذكر حسن بن أبي عذبة أن التكوين عند الأشاعرة من الإضافات والنسب فهو صفة عقلية وأن مبدأ الإيجاد هو صفة القدرة والإرادة، أما عند الماتريدية فالتكوين صفة نفسية وهو صفة فعلية، ومبدأ الإيجاد هو صفة التكوين الأزلية والإرادة.[129] أما الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة في صفة التكوين فيرجع إلى أن التكوين عند الماتريدية صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، والمعتزلة تنفي قيام صفاته بذاته تعالى.
إثبات الخلق لله والكسب للعبد
من المسائل التي أثارت خلافا شديدا بين المتكلمين مسألة خلق أفعال العباد فلقد تعددت المواقف إزاءها وكثر الخلاف والجدل حول تفصيلاتها ولم يقتصر البحث على الجبر والاختيار بل تطرق إلى البحث في طبيعة القدرة الإنسانية وهل هي مع الفعل أم سابقة عليه؟ وهل هي تصلح للضدين؟
عرض أبو المعين للتيارات الثلاثة التي تمثل اتجاهات في هذه المشكلة: تيار الجبرية الذين يقولون بالجبر وعارضه، وتيار المعتزلة الذين يقولون بإضافة الأفعال ونقده، وتيار الكسب الذين يقولون بأن الأفعال مخلوقة لله تعالى ومكسوبة للعبد وهو التيار الذي يتبناه الماتريدية والأشعرية. ولقد حدد أبو المعين نقاط يدور حولها البحث في مسألة خلق أفعال العباد وهي:
- إثبات استحالة ثبوت قدرة التخليق لغير الله تعالى.
- العبد له فعل وإن لم يكن له قدرة التخليق.
- جواز وقوع مقدور واحد تحت قدرة قادرين.
- معنى الكسب.
- إيجاد القبيح ليس بقبيح.
- بيان معنى الشركة.
بالنسبة للنقطة الأولي: وهي عدم قدرة غير الله على الخلق، يربط فيها أبو المعين بين الخلق والعلم، فلو كان للعبد قدرة تخليق فعله لكان ينبغي له العلم بكيفية خروجه من العدم إلى الوجود، وبما يخرج عليه فعله من المقادير والأحوال والأوصاف، وقد رأينا جهله بهذه المعاني وانعدام علمه بها، وهذا يدل على عدم قدرته على تخليق فعله.[130]
ولكن يمكن الرد على هذا بالقول بأن المعتزلة لا تسوي بين فعل الله وفعل العبد، وليس فعل العبد هو إخراج من العدم إلى الوجود، وخلق الأجسام أو غير ذلك فيما يختص به الله تعالى. أيضا مما يدلل على أن العبد ليست له قدرة التخليق هو خروج أفعال العباد على خلاف ما يريدون، فلو كانت لهم قدرة التخليق والاختراع والإيجاد لخرجت أفعالهم وفقا لما يريدون ويقصدون.[131]
أيضا أن إثبات قدرة التخليق للعبد تؤدي إلى تعجيز الباري جل وعلا فلو كان قادرا على أن يخلق في العبد حركة والعبد قادر على أن يخلق فيه سكونا، فلا تثبت قدرة الله تعالى إلا بامتناع قدرة العبد، فكانت قدرة الله تعالى بذلك موقوفة على امتناع قدرة العبد.[132] وأبو المعين في محاولته إثبات بطلان رأي خصومه يلزمهم القول بالتسوية بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني، وخصومه لا يسوون بينهما.
بالنسبة للنقطة الثانية: يثبت أبو المعين أن للعبد فعلا، لكن فعل العبد مغاير لفعل الله تعالى، لكن خصومه - فيما يذكر - يزعمون أنهم يفعلون عين فعل ربهم. ويرى أبو المعين أن فعل العبد ليس بخلق، ففعل العبد مخلوق لله تعالى ومفعول لا فعله وخلقه إذ فعل الله تعالى هو الصفة الأزلية القائمة بذاته، وما هو فعل العبد فهو مفعول الله تعالى، والله تعالى هو الذي تولى إيجاده وإخراجه من العدم إلى الوجود، والعبد اكتسبه وباشره، فلم يكن فعل العبد مثل فعل الله لأن فعل الله خلق وإيجاد وفعل العبد مباشرة واكتساب، فلم يلزم التشابه؟ ثم إن المقدور نوعان: مخترع ومكتسب والقدرة تتعلق بالمقدور بجهتين: جهة اختراع يختص بها الله تعالى وجهة كسب يختص بها العبد ولا تشابه بين الاثنين.[133]
وبالنسبة للنقطة الثالثة: فيجوز دخول مقدور واحد تحت قدرة قادرين، لأن الله تعالى هو الذي يقدر العبد ويخلق قدرته، وأن القدرة ليست بداخلة تحت قدرة العبد إذ لو منعت منه لما تمكن من اكتسابها وإذا كان الله تعالى هو الذي يقدر العبد كان محالا أن يقدره على ما لا قدرة له عليه لأن قدرة الله ثابتة ولا تزول باقداره العبد وهذا رد على قول المعتزلة باستحالة وقوع مقدور واحد تحت قدرة قادرين وهذا دليل على جواز مقدور واحد تحت قدرة قادرين.[134]
وأبو المعين يفرق بين القدرتين، قدرة الاختراع وهي لله تعالى، وقدرة الاكتساب وهي للعبد، فتعلق المقدور الواحد بالقدرتين جائز لأن جهة نسبة الخلق ينسب إلى قدرة الاختراع وهي لله تعالى، ومن جهة الكسب ينسب إلى العبد.
وبالنسبة للنقطة الرابعة: في تفسيره لمعنى الكسب والفرق بينه وبين الخلق فيقول البعض إن كل مقدور وقع في محل قدرته فهو كسب، وما وقع لا في محل قدرته فهو خلق واسم الفعل يشملهما. وقيل ما وقع بآلة فهو كسب وما وقع لا بآلة فهو خلق، وقيل ما وقع المقدور به من حيث يصح انفراد القادرين به فهو خلق، وما وقع مقدوره به مع تعذر انفراد القادر به فهو كسب. ويفرق أبو المعين بين خلق الله للعالم من جواهر وأعراض لا تتعلق بها قدرة العباد وبين أفعال موجودة بقدرة الله تعالى ومتعلقة بقدرة العبد من حيث كونها حركة أو سكون أو طاعة أو معصية. الأفعال التي تتعلق بقدرة الله من حيث الإيجاد وقدرة العبد من حيث الكسب هي الأفعال الاختيارية، وهي يتمثل فيها الكسب، وفي هذا إثبات لقدرة الإنسان. ولقد لاحظ أبو المعين اتفاق المعتزلة والقائلين بالكسب بإثبات قدرة للإنسان واختيارا له في فعله، ولكن الخلاف بينهما في التسمية، فالمعتزلة تسمي تلك القدرة خلقا واختراعا والقائلين بالكسب يسمونه كسبا.[134]
يقول الدكتور على عبد الفتاح المغربي: "والواقع أن الخلاف بينهما ليس كما يذكر أبو المعين يقتصر على التسمية فقط بل بالرغم من إثباتهما قدرة الإنسان إلا أن هناك خلافا بينهما مثل طبيعة هذه القدرة ومفهومها وهل هي مرتبطة بقدرة الله أم مستقلة؟ وغير ذلك من الخلافات".[135]
بالنسبة للنقطة الخامسة: وهي إيجاد القبيح ليس قبيحا وهو رد على المعتزلة التي تنفي فعل الله للشرور والمعاصي وأفعال العباد فيها شرور ومعاصي. ويرد أبو المعين على ذلك ويبني رده على أساس أن التكوين غير المكون، فالكفر مكون وتكوينه غيره وكون المكون قبيحا لا يوجب قبح التكوين وعلى ذلك فخلق الله تعالى للكفر ليس قبيحا وهو غير فعل الكفر الذي يكتسبه العبد بفعله وهو قبيح. ويذكر أن جمهور متكلمي أهل الحديث يقولون إن القبيح ما نهي عنه، والله تعالى ليس بمنهي عن إيجاد الكفر، والعبد منهي عن اكتساب الكفر فكان خلقه تعالى غير قبيح وكسب العبد قبيحا.[136]
وبالنسبة للنقطة السادسة: وهي بيان معنى الشركة وهو أن ينفرد كل شريك بماله دون الآخر، وذلك كشركاء القرية والمحلة وهذا المعنى منتقي عن القائلين بالكسب لأنهم يقولون بإثبات شيء مضافا إلى ذاتين وإلى كل منهما بجهة، وذلك مثل أن الله تعالى قد ملك العباد أشياء وتلك الأشياء ملك لله تعالى ملك تخليق، ولم يكن العباد شركاء لله تعالى في الأملاك لما أن ما هو ملك الله بالتخليق هو عينه ملك العبد لثبوت التصرف فيه ولم يكن الله مختصا بملك شيء والعبد بملك آخر ليثبت معنى الشركة.[137]
القدرة وما يتعلق بها من مسائل
إذا كان للعبد قدرة فما هي طبيعة تلك القدرة؟ يذكر أبو المعين رأي الماتريدية في أن الاستطاعة قسمان، أحدهما: سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدم الفعل، وليست علة للفعل، وإذا كان الفعل لا يقوم إلا بها. والثاني: معنى لا يمكن تبنيه وحده بمعنى يشار إليه سوى أنه ليس إلا للفعل وهي عرض يخلقه الله تعالى للعبد ليفعل به أفعاله الاختيارية وهي علة الفعل. والاستطاعة عرض وهي معنى وراء الجسم، وهي غير سلامة الأسباب وصحة الجوارح خلافا لما ذهب غيلان وثمانه الأشرس وبشر بن المعتمر.
والاستطاعة الأولى: وهي الأعضاء السليمة والأسباب الصالحة سابقة على الفعل ولا خلاف على ذلك مع المعتزلة. أما الاستطاعة الثانية: وهي التي بها يتم الفعل فهي ليست سابقة على الفعل بل هي مقترنة بالفعل. وهذا خلاف ما ذهب إليه المعتزلة والكرامية من أنها سابقة على الفعل. ولقد احتجت المعتزلة على أسبقية الاستطاعة للفعل بقوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ سورة التغابن:16 فينبغي أن يكون كل ما لزم التقوى أن تكون استطاعتها موجودة معه وفيه القول بوجود استطاعة التقوى مع عدم التقوى، إذ غير التقى لزمه التقوى فينبغي أن يكون معه استطاعة التقوى وفي وجود استطاعة التقوى ولا تقوى قول بتقدم استطاعة التقوى على التقوى. وعن صلاحية القدرة للضدين أو عدم صلاحيتها يذكر أبو المعين إجماع من قال: الاستطاعة قبل الفعل أنها تصلح للضدين، فالقدرة الواحدة تصلح للإيمان وللكفر أما القائلين بأن القدرة مع الفعل فلقد اختلفوا. فأبو حنيفة يقول إنها تصلح للضدين على طريق البدل، ومعنى ذلك أن الاستطاعة التي حصل بها الإيمان صلحت له ولا تصلح للكفر إذا اقترنت بالإيمان، لكنها لو اقترنت بالكفر لصلحت له. أما الأشعرية وجميع متكلمي أهل الحديث سوى القلانسي وابن سريج يقولون إن القدرة لا تصلح للضدين، وأن قدرة الإيمان لا تصلح للكفر، وهي غير قدرة الكفر. وأما الماتريدي فلقد توقف في القول بصلاحية القدرة للضدين أو عدم صلاحيتها، ولكنه أميل إلى القول بعدم صلاحية القدرة للضدين. وبالنسبة لأبو المعين فإنه يتابع رأي أستاذه الماتريدي في الميل إلى القول بعدم صلاحية القدرة للضدين.[138]
هذه بإيجاز آراء أبو المعين بالنسبة لخلق أفعال العباد المباشرة، وبالنسبة للأفعال غير المباشرة، وهي الأفعال المتولدة، والتي تحدث بسبب مني وتحل في غيري بدون قصد مني أو اختيار لذلك، فيرى أبو المعين أنها ليست من أفعال العباد بطريق الخلق أو الاكتساب، فهي ليست منهم بطريق الخلق، وذلك لثبوت قدرة الاختراع لغير الله محال، وأيضا ليست بطريق الاكتساب لا يكون إلا بما يقوم في محل قدرته، وعلى هذا لا تنسب هذه الأفعال المتولدة للعباد وذلك لعدم قدرتهم على الاختراع، ولعدم تعلق قدرتهم بما ليس في محل قدرتهم، وعلى هذا فالألم الموجود في المضروب عقب ضرب الإنسان له والانكسار في الزجاجة عقب كسر الإنسان أو من الحركة في الخشبة عقب اعتماد الرجل عليها، كل ذلك مخلوق لله تعالى ولا صنع للعبد فيه، لانعدام قدرة التخليق واستحالة اكتساب ما ليس بقائم بمحل قدرته، وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة.[139] والمقتول ميت بأجله، وليس مقطوع الأجل، وذلك لأن القتل فعل قائم بالقاتل وهو فعل يخلق الله تعالى عقبه في الحيوان الموت وانزهاق الروح، والموت مخلوق الله تعالى في الميت لا صنع للقاتل في المحل، ولكن ليس معنى ذلك انتفاء مسؤولية القاتل عن القتل وعدم إيجاب القصاص، فالقصاص يقع على القاتل وذلك لاكتسابه الفعل الذي أجرى الله تعالى العادة بتخليقه الموت عقبه، لا على ما وجد في المحل، أي ليس على الموت وإنما على الفعل المنهي عنه، الذي أجرى الله العادة بحدوث الموت عقبه.[140]
والواقع أن رأي الماتريدية في عدم نسبة الأفعال المتولدة للعباد يرجع إلى رأيهم في انتفاء الضرورة في الأسباب الطبيعية، وإلى موقفهم من خلق الله لأفعال العباد. وبالنسبة لمسألة القضاء والقدر وهي مرتبطة بمسألة خلق الأفعال، فيوضح أبو المعين معناهما، فالقضاء له معان متعددة، فقد يذكر ويراد به الحكم، فيقال قضى القاضي على فلان: وقد يراد به الأمر، قال تعالى: ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ سورة الإسراء:23 وقد يراد به الفراغ يقال قضيت أمر كذا، وقد يراد به الفعل - وهو المقصود في هذه المسألة - وقد يراد به الإعلام والإخبار قال تعالى: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل﴾ سورة الإسراء:4 والمراد من القول الطاعات والمعاصي كلها بقضاء الله أي بخلقه وتكوينه.
ومعنى القدر، يقال على وجهين، أحدهما الحد الذي يخرج عليه الشيء، وهو جعل كل شيء على ما هو عليه من خير أو شر أو قبح، والثاني بيان ما يقع عليه كل شيء من زمان ومكان وما له من الثواب والعقاب. وبهذا المعنى للقضاء والقدر يكون خلق الله لأفعال العباد من حيث خروج تلك الأفعال على ما لا تبلغه أوهامهم من الحسن والقبح ولا تقدره عقولهم، كذلك لا يحتمل تقدير أفعالهم من الزمان والمكان ولا يبلغه علمهم، فالقضاء والقدر يعني خلق الله تعالى لأفعال العباد. ولقد احتج المعتزلة على القول بشمول القضاء والقدر لكل أفعال العباد، ومن أفعال العباد ما هو كفر ومعصية، وقد أمرنا بالرضا بالقضاء والقدر، فكأننا أمرنا بالرضا عن الكفر والمعصية. ويرد أبو المعين على ذلك ببيان معنى الرضا بالقضاء والقدر، بأن من رضى بجعل الله الكفر باطلا قبيحا فقد رضى بقضاء الله تعالى، ومن لم يرض بذلك فهو غير راض بقضاء الله تعالى، ومن رضى بذلك ولم يرض أن يكون الكفر صفة له ولم يجب أن يفعله في نفسه فقد رضى بقضاء الله ولم يرض بما يوجب نقمته وتعذيبه.[141] ولقد سبق الإشارة إلى قول أبو المعين في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾ سورة الزمر:7 وإلى رأيه بأن التكوين غير المكون، والقضاء يتعلق بالخلق والتكوين، والله تعالى قد خلق الكفر وجعله قبيحا، وأمرنا بالرضا بكون الكفر قبيحا.
إثبات الرسالة خصوصا رسالة محمد
لا خلاف بين المتكلمين في إرسال الرسل وصدق دعواهم، وإنما الخلاف هل الرسالة ممكنة أم واجبة؟ أي هل يجوز أن يرسل الله رسلا أم لا يجوز، أو أن إرسال الرسل واجب على الله تعالى أم غير واجب. يذكر أبو المعين رأي جميع متكلمي أهل الحديث في القول بأنها ممكنة فيما عدا أبي العباس القلانسي. وذهب القائلون بأن العقل آلة معرفة الحسن والقبح ووجوب شكر المنعم - وهم الماتريدية - إلى القول بوجوبها، ولا يعنون بكونها واجبة أنها وجبت على الله تعالى بإيجاب أحد، أو أوجبها الله على نفسه، بل يعنون أنها متحققة الوجود. وقالت المعتزلة بوجوب النبوات عقلا.[142]
ويهتم أبو المعين ببيان الحاجة إلى الرسالة، وفي هذا دليل على إثباتها ورد على المنكرين لها، ونوجزها فيما يلي:[143]
- ما جرى عليه العرف بين العقلاء من استشارة بعضهم بعضا، واختلاف البعض إلى البعض، ليزدادوا معرفة ويتبادلوا الرأي والمشورة، وذلك يكمل بعضهم بعضا، وهذا يعني توافق العقل والوحي.
- الفعل إما واجب أو ممتنع أو واسط، والعقل يقف على الواجب والممتنع ولا يقف على الواسط، إذ لا تتعلق به عاقبة حميدة وقد تتعلق به عاقبة ذميمة، وتقصر العقول عن الوقوف على حميد العاقبة وذميمها لخفائها في نفسها.
- أن العقل شيء مخلوق قد تلحقه الآفات مثل سائر المخلوقات، وبذلك لا يصح الركون إليه وحده والاعتماد عليه دون الوحي.
- الوحي معين للعقل، إذ يسهل على العقل ويخفف عن المؤون، وليس ذلك خارجا عن الحكمة.
- الوحي يبين كيفية شكر المنعم، لأن ذلك لا يعرف بالعقل.
- إرسال الرسل من باب الأفضل والإحسان.
ودليل صدق الرسل هو المعجزة التي تجري على أيديهم، ولقد بين معنى المعجزة، فهي تعني العجز الذي هو نقيض القدرة، وسميت معجزة لأنها تظهر عجز من يتحدى بها عن معارضتها، ومعناها عند المتكلمين أنها ظهور أمر بخلاف العادة في دار التكليف لإظهار صدق مدعي النبوة، وعجز المعارضين عن الإتيان بمثله، والمقصود بها تحدي المعارضين وعجزهم. وتنقسم المعجزة إلى قسمين أحدهما أنها فعل غير معتاد، والثاني تعجيز عن الفعل المعتاد كمنع النبي زكريا عن الكلام للدلالة على صحة ما بشر به، وهذا في الحقيقة نقض للعادة.[144]
ولقد رد على المنكرين للرسالة لاعتمادها على خرق العادة والطبيعة، وذلك لأن إنكار خرق الله للعادة فيه وصف لله تعالى بالعجز وبأن أفعاله تعالى ضرورية وليست اختيارية، وهذا لا يصح في حق الله تعالى، لذا فهو قادر على قلب الطبائع، وفعله بخلاف عمل الساحر، إذ عمل الساحر تمويه محض ويعتمد على مهارته وخفة يده، ولو ادعى الساحر النبوة، وأراد إيجاد ما هو مناقض للعادة ليكون دلالة على صدق مقالته، لأعجزه الله عن إظهار ناقض العادة وأبطل سحره وكيده.[145]
ثم يهتم بإثبات صدق نبوة محمد ﷺ وفيه أيضا صدق كافة الأنبياء، والدليل هو النظر في دعوة الرسول في جانبها العلمي والعملي، ففي الجانب العلمي النظري هو أن ننظر فيما يدعو إليه الخلق من أصول التوحيد، وأصول بدء الخلق وإعادته، ولقد وجد أن ما يدعو إليه يوافق ما تقضي به العقول، وتوجبه الدلائل الموجبة للعلم الحقيقي الذي لا يخالطه شك، وأما الجانب العملي هو أن ننظر في أمر العبادات المشروعة، ولقد وجدت أنها مبنية على ما تقتضيه الحكمة ويوجب العمل، وهذا يعني أن صدق الشرع متوقف على النظر العقلي، وأنه لا تعارض بينهما. ثم الدلائل التي تثبت رسالة محمد ﷺ تنقسم إلى قسمين، قسم حسي وقسم عقلي، والدلائل الحسية ثلاثة أقسام منها ما كان خارج ذاته كنبع الماء من بين يدي الرسول، ومنها ما كان في ذاته كخاتم النبوة بين كتفيه، ومنها ما كان في أخلاقه فلم يؤخذ عليه كذب أو هفوة، واتصف بكل صفات الكمال الأخلاقي، أما معجزاته العقلية فأكبر مثل لها هو القرآن، وهو المعجز الباقي الخالد، وهو معجز فيما احتواه من أخبار ماضية عن الأمم الماضية، وما فيه من أخبار مستقبلية، وإعجازه في نظمه ومعانيه.[146]
ودافع أبو المعين عن الإعجاز في نظم القرآن، ورد على قول النظام بأن الله قد صرف الهمة عن الإتيان بمثل نظم القرآن، فيقول: هل صرف الهمة عن الإتيان بمثل القرآن، هل كان باختيار العبد أم بغير اختياره، إن كان باختيار العبد ففيه إثبات لتصرف الله في أفعال العبد الاختيارية، والنظام لا يقول بهذا، وإن كان بغير اختيار العبد فيكون باضطرار، وفي ذلك إثبات قدرة الله تعالى على منع العبد مما يختاره وهذا عنه محال.[147]
الإيمان
جزء من سلسلة مقالات حول |
الإسلام |
---|
بوابة الإسلام |
ذكر الاختلاف في تعريف الإيمان، فمنهم من يرى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان وهذا رأي مالك والشافعي والأوزاعي وأهل الظاهر وأئمة الحديث وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، والمحاسبي والقلانسي، ومن الناس من يزعم أن الإيمان يكون بالقلب واللسان وإليه يذهب الشمرية والنجارية والغيلانية ومن الناس من يقول إن الإيمان يكون باللسان فحسب وإليه يذهب الرقاشي وعبد الله بن سعيد القطان والكرامية، ومن الناس من قال إن الإيمان لا يكون إلا بالقلب، غير أن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم، فقال بعضهم الإيمان هو المعرفة وهو قول جهم بن صفوان والصالحي من المعتزلة وقال بعضهم هو التصديق وإليه ذهب أبو منصور الماتريدي، وروي أيضا عن أبي حنيفة. ويتابع أبو المعين رأي الماتريدي في أن الإيمان هو التصديق بالقلب وذلك اعتمادا على المعنى اللغوي لكلمة الإيمان فهي تعني التصديق، فكل من صدق غيره فيما يخبره يسمى في اللغة مؤمنا به ومؤمنا له - وهذا المعنى هو المقصود بالإيمان بالله تعالى وتصديق رسله وكتبه. أيضا مما يؤكد بأن الإيمان هو التصديق بالقلب، أن ضد الإيمان هو الكفر، والكفر هو التكذيب والجحود، وهما يكونان بالقلب، فكذلك ما يضادهما. والأعمال ليست ركنا من الإيمان، وذلك أن الله تعالى قد خاطب باسم الإيمان ثم أوجب الأعمال، فلقد قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام﴾ سورة البقرة:183 وهذا دليل التغاير بين الإيمان والأعمال. أيضا أنهم لو جعلوا اسم الإيمان واقعا على مجموع التصديق والإقرار والأعمال كلها لأوجب ذلك زوال الإيمان بزوال بعض الأعمال أو بزوالها كلها. أيضا أن من آمن وصدق ومات لساعته قبل أداء شريعة من الشرائع وعبادة من العبادات مات مؤمنا، ولو كانت الأعمال داخلة في الإيمان، كان ينبغي أن لا يصير مؤمنا مالم يأت بالأعمال.[148]
وإذا كان الإيمان هو التصديق والعمل ليس داخلا فيه، فإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إذ حقيقة التصديق واحدة، وإنما الزيادة والنقص إذا كانت الأعمال داخلة في الإيمان، فمن كانت طاعته أكثر كان إيمانه أكثر. وأما ما ورد من آيات يفهم منها زيادة الإيمان، فهي لا تعني زيادة حقيقة الإيمان، بل الزيادة تحتمل أن تكون زيادة نوره وضياؤه في القلوب بالأعمال الصالحة، وينتقص ذلك بالمعاصي، إذ الإيمان له نور وضياء، أما زيادة الإيمان في ذاته أو نقصانه فلا يحتمل.[149]
وبالنسبة لإيمان المقلد الذي لا يملك دليلا على صحة اعتقاده، فيرى أبو المعين أن المقلد مؤمنا، وذلك لحصول الإيمان بركنه وحقيقته وهو التصديق، فهو مؤمن بطاعته واعتقاده وإن كان عاصيا بترك النظر، وحكمه حكم غيره من فساق أهل الملة من جواز مغفرته أو تعذيبه، ولا ينعدم إيمان المقلد وإن لم يتحمل مشقة النظر والاستدلال وذلك لتناول مطلق الوعد إياه.[150]
ولكن هل يشترط في الإيمان دليل، يذكر أبو المعين الاختلاف في ذلك، فأكثر المتكلمين يرون أنه لثبوت الإيمان أو لكونه نافعا لابد له من دليل يبنى عليه الاعتقاد، ويرى أبو الحسن الرستغفني من أصحاب الماتريدي، أنه لا يشترط أن يبنى اعتقاده على الاستدلال العقلي في كل مسألة، بل إذا بنى اعتقاده على قول الرسول، وعرف أنه رسول كان ذلك كافيا، والمشهور عن الأشعري، أنه لا يكون مؤمنا ما لم يعتقد في كل مسألة عن دليل عقلي، ويقول عبد القاهر البغدادي إن الأشعري يقول: إنه وإن لم يكن مؤمنا على الإطلاق، فإنه ليس بكافر، ويرى عامة المعتزلة أن المعتقد لا عن دليل ليس بمؤمن، ويحكم بإيمانه إذا عرف ما يجب اعتقاده بالدليل، على وجه يمكن مجادلة الخصوم، وإن عجز عن شيء من ذلك لا يحكم بإسلامه،[151] وعلى هذا فالفرق بين الأشاعرة والمعتزلة هو أن كلاهما يشترط دليلا عقليا على صحة الإيمان، لأن العقل هو سبيل تصديق الرسول، إلا أن الأشعري يقول إن بنى اعتقاده على دليل عقلي كان كافيا، وإن لم يقدر على دفع الشبه، والمعتزلة يقولون إنه لا يكون دليلا إن لم يقدر على دفع الشبه، كما أنه يمكن القول بأن الأشعري يرى بأن تكون معرفة المقلد بقلبه دون أن يعبر عنها بلسانه، وأنه ليس بكافر لوجود ما يضاد الكفر وهو التصديق، لكنه عند المعتزلة كافر، ويمكن القول إن رأي الأشعري أن المقلد مؤمن عاصي، وإن لم يكن قد قال هذا القول بلفظه، فمعناه متحقق عند الأشعري. لكن أبو المعين يعارض رأى الأشعري في أن إيمان المقلد يخرج من الكفر لكنه ليس مؤمنا، وذلك لأنه واسطة بين الكفر والإيمان، فلو لم يكن الإيمان موجودا عنده اندفع إلى الكفر، وعد هذا القول مناقضة من الأشعري.[152]
وبالنسبة لرأي أبو المعين، فيذكر أن طبقات الناس من حيث قدارتهم قسمان، قسم يوصف برجاحة العقل، وقسم بغلظ الأفهام وبلادة الخاطر، والله تعالى قد أرسل رسله تفضلا على القسم الأول بتسهيل الوصول لكيفية الاستدلال، وبالنسبة للقسم الثاني بإثبات طريق الوصول بمشاهدة المعجزة عن الرسول، أو الخبر المتواتر عنه، وإن لم يوجد منه استدلال، إذ جعل ذلك الطريق في حقهم كدلائل العقول في حق غيرهم. وأيضا أن الرسول لم يشتغل بتعليم الدلائل في كل مسألة اعتقادية، ولا يناظر إلا بقدر ما يدفع حجة الخصوم، ولم يعلم الناس طرق تركيب القياسات العقلية والإلزام والجدل، وكذا الخلفاء من بعده، كذلك إيمان أهل القرى وغيرهم مع خلوهم من صناعة الجدل، بل صدقوا عن طريق الخبر المتواتر بظهور المعجزات على يده، وكذلك إيمان الناس بالرسول لفصاحته ومعجزته وهو القرآن.
كل ذلك يدل على صحة إيمان المقلد - من لا يملك دليلا - لأنه مؤمن والإيمان تصديق، وقد وجد منه التصديق، أما الثواب الموعود فهو ينال بفضل الله سواء لحقته مشقة أو لم تحلقه.[153]
وعن علاقة الإيمان بالإسلام يرى أبو المعين أنهما واحدا، وأنهما اسمان مترادفان، فكل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن، وذلك لأن الإيمان اسم لتصديق شهادة العقول والآيات والآثار على وحدانية الله تعالى. وأن له الخلق والأمر لا شريك له في ذلك، والإسلام هو إسلام المرء نفسه بكليتها، وكذلك كل شيء بالعبودية لله تعالى لا شريك له، فحصلا من طريق المراد فيهما واحد. ويستدل بقوله تعالى: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ سورة آل عمران:19 وقوله تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه﴾ سورة آل عمران:85 والإيمان دين فلو كان غير الإسلام لكان أن لا يقبل.[154]
ولقد كان من أسباب إثارة البحث في مسألة الإيمان وتعريفه وزيادته ونقصانه، هو الموقف من مقترفي الذنوب وخاصة الكبائر، فقد تعددت المواقف بإزاء الموقف من مرتكب الكبيرة، فمنهم من جعله كافرا ومنهم من جعله مشركا، ومنهم من قال غير مؤمن ولا كافر، ومنهم من قال منافق، ومنهم من قال مؤمن عاصي بما فعل من غير أن يطلق اسم الفسق والفجور ويكون لله تعذيبه بقدر ذنبه والعفو عنه بما علم منه من الصدق له، ومنهم من وقف في الوعيد. وهذه المواقف المتعددة أساسها المواقف المتعددة بإزاء آيات الوعد والوعيد وهل هي خاصة أم عامة، وأيهما أحق بالعموم أو الخصوص؟[155]
- فتقول المعتزلة والخوارج: آيات الوعيد أحق بالعموم لأنها أبلغ في الزجر.
- وتقول المرجئة: آيات الوعد أحق بالعموم لأنها أحق بما عرف من صفات الله تعالى بالرحمة والعفو.
- وتقول الماتريدية: ما كان من الآيات الواردة في الوعيد مقرونا بذكر الخلود، فهو في المستحلين أي الذين يستلحون الذنوب، فهم كفروا باستحلالهم، فما أوعدوا على كفرهم، وذكر الجريمة لكونها سببا للكفر، وأما ما ليس مقرونا بذكر الخلود فمن الجائز أن يكون في المؤمن، إذ تعذيب المؤمن بقدر ذنبه ليس بمستحيل، والعبد لا يكفر بالمعصية، ولا يخرج عن الإيمان بفعله الكبيرة، لذا يجوز العفو عنه، يجوز مغفرة ما دون الكفر.[156]
وعلى هذا يمكن القول بأن المعتزلة والخوارج تقول بخلود صاحب الكبيرة في النار، وتقول المرجئة بإرجاء موقفه إلى الله تعالى وتتوقف في آيات الوعيد، وتقول الماتريدية بجواز العفو عنه ولله أن يعذبه بقدر ذنبه أو يعفو عنه، لكنه لا يخلد في النار. ولقد احتجت المعتزلة على خلود صاحب الكبيرة في النار، وأن القول بجواز العفو عنه، فيه خلف لآيات الوعيد، إذ أن الأخبار بتعذيب مرتكبي الذنوب عامة ومطلقة، ولو أخرج منها شيء لكان خلفا وكذبا على الله تعالى، ولا وجه إلى القول بالتخصيص، لأن حقيقة العموم متى وردت متعرية عن دليل الخصوص، كانت دلالة على إرادة المتكلم جميع ما تناوله اللفظ، وكأنه نص على كل فرد باسمه الخاص، فلا وجه للتخصيص إذ التخصيص هو دليل يدل على أن المخصوص غير داخل في العموم، وذلك لن يكون إلا بدليل متصل، وعند انعدام الدليل تبقى الصيغة متعرية عن الدليل، وهي عند تعريها دليل إرادة العموم فإخراج بعض ما تناوله العموم يكون نسخا وإنهاء للحكم، وذلك مستحيل على الله تعالى، أي أن المعتزلة تقول بالعموم في آيات الوعيد ولا وجه للتخصيص.
ولقد رد أبو المعين بأن أصحابه من الماتريدية لا يسلمون بأن القول بالعموم واجد الاعتقاد، لما أن التكلم بلفظة العموم والمراد بها الخصوص سائغ في اللغة حتى كان ذلك يغلب على رأي إرادة الحقيقة وهو العموم. وعلى هذا فالعموم يذكر ويراد به الخصوص، وما يقوم من دليل الخصوص متأخرا أو دليل القيد فهو بيان المراد لا النسخ، والصيغة المتعرية عن دليل الخصوص أو القيد ليست بدليل إرادة والعموم والإطلاق. أيضا القول فيمن آمن ثم ارتد يخلد في النار، ومن ارتكب كبيرة أو كان كافرا ثم تاب يخلد في الجنة، والصيغة مطلقة في الوعد والوعيد جميعا، فلا يوجد في صيغة الوعد شرط الموت على الإيمان، والوعيد شرط الموت على الكفر، فإما أن تقول بأن الشرط غير ملتحق بآيات الوعد والوعيد، فيكون الله كاذبا في إدخال صاحب الكبيرة الذي تاب أو الكافر الذي أسلم الجنة، وإما أن تقول بأن قيد الموت على الإيمان أو التوبة ملتحق بالوعد والوعيد وإن لم يكن مقرونا به، فإن قلت بالأول كفرت، وإن قلت بالثاني فقد تركت مذهبك. ولو قلت: وردت آيات الوعد وآيات الوعيد وجهل تاريخ نزولها، فجعلت كأنها منزلة مقترنة، فيصير البعض قيدا أو تخصيصا من البعض، قيل له: فلم أنت بجعلك آيات الوعيد قيدا في آيات الوعد أولى من خصمك بجعل آيات الوعد قيدا في آيات الوعيد؟ وأيضا قول الله تعالى لآدم حين أسكنه الجنة: ﴿إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى﴾ سورة طه:118-119 ثم لما وجدت منه الزلة عرى، قال الله تعالى: ﴿وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة﴾ سورة الأعراف:22 أكان ذلك الوعد يتناول حال وجود الزلة أم لا؟ فإن قال: تناول، فقد ظهر كذب الله تعالى حيث وعد له أن لا تعرى، وإن قال: لم يتناول ترك مذهبه.[157] وهكذا يحاول أبو المعين أن يبطل رأي المعتزلة في القول بالعموم في آيات الوعيد، وذلك ليثبت جواز العفو عن صاحب الكبيرة.
تلك بإيجاز أهم الآراء الكلامية لأبي المعين النسفي، وهو كان تابعا فيها لإمامه أبو منصور الماتريدي لكنه كان شارحا ومفصلا لما أجمله الماتريدي في عبارة أسهل وأوضح بالمقارنة مع مؤلفات الماتريدي خاصة كتابه "التوحيد" لغموض عبارته واستغلاقها أحيانا، كما يعد أبو المعين المدافع الأول عن آراء الماتريدي ضد الخصوم من معتزلة وغيرهم، وكذلك كان مبتكرا في أدلته التي أوردها على صحة مذهب الماتريدي.
من أقواله
ثم إن صانع العالم جل وعلا لا يوصف بكونه متمكناً في مكان لما أن القول بِقِدَم المكان باطل إذ هو غير متكمن في الأزل، وقد أقمنا الدلالة على استحالة قِدَم غير الله تعالى، وإذا كان الله تعالى غير متكمن في الأزل ولا مُمَاس للعرش فلو تمكن بعدما خلق المكان لتغير عما كان عليه، ولحدثت فيه مُمَاسة، والتغير وقبول المماسة من أمارات الحدث وهو مستحيل على الله تعالى؛ ولأن العرش محدود متناه متبعّض متجز. ثم إن الله تعالى لو كان متمكناً على العرش لكان الأمر لا يخلو إما أن كان أكبر من ساحة العرش، وإما أن يكون مثل ساحة العرش لم ينتقص منها ولم يَفضُل عنها، وإما أن كان أصغر منها، والأول باطل لأنه يوجب كونه متبعضاً متجزئاً وكان بعض منه متمكنا على العرش، وبعض منه غير متمكن، والقول بالتجزىء باطل لأنه مناف للتوحد على ما بينا، وكذا لو كان مقدراً بمقدار العرش إذ لاقى كل جزء من أجزاء العرش جزءاً من الصانع وهو محال على الله تعالى لما مر من بيان منافاة التركّب والتبعّض والتجزىء على القديم، وكذا إن كان مساوياً لساحة العرش أو أصغر منه كان محدوداً متناهياً وهو من أمارات الحدث. ثم سواء كان يفضُل من أجزاء العرش أو يساويها أو أنقص عنها فهو متناه بجهة السّفل[ملحوظة 1] والتناهي من أمارات الحدث وثبوت شيء منها على القديم محال، والله تعالى الموفق.
وتعلق الخصوم بالدلائل السمعية من نحول قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ سورة طه:5 وقوله: ﴿أأمنتم من في السماء﴾ سورة الملك:16 وقوله تعالى: ﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾ سورة الزخرف:84 باطل لأنهم وإن تمسكوا بظاهر كل آية منها لزم المحال، فإنه تعالى يكون على العرش حسب كون الملك على السرير[ملحوظة 2]، ويكون في السماء حسب كون المظروف في الظرف[ملحوظة 3]، ويكون في الأرض أيضا مع كونه في السماء محال، والمحال منه مندفع فالشرع لا يُرِد به، فعُلِم أن الآيات كلها معدولة عن ظواهرها لئلا يتمكن التناقض والتدافع في كلام الحكيم الخبير، فيجب صرف كل آية منها إلى ما يليق بالربوبية ولا يناقض حجة الله تعالى العقل ولا يعارض قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ سورة الشورى:11 إذ في هذه الآية نفي المماثلة بينه وبين شيء ما، والمكان والمتكمن؛ فبه يتماثلان في القدر؛ إذ حقيقة المكان قدر ما يتمكن فيه المتمكن لا ما فضل عنه، فكان في الآية نفي المكان، وهذه الآية محكمة لا تحتمل تأويلاً، وما تعلق به الخصوم من الآيات المتشابهة محتملة لوجوه كثير غير ممكنة الحمل على ظواهرها على ما قررنا، فإما أن نؤمن بتنزيلها ولا نشتغل بتأويلها على ما هو اختيار كثير من كبراء الأمة وعلماء أهل الملة[ملحوظة 4]، وإما أن تصرف إلى وجه من التأويل يوافق التوحيد ولا يناقض الآية المحكمة، وكتب العلماء والتفسير والكلام مملوءة من تأويلها[ملحوظة 5] وكتابنا هذا (كتاب التمهيد) لا يسع لبيان ذلك، والله الموفق. ومما مر من المعقول يعرف فساد قول من يثبت لله تعالى جهة وإن امتنع عن القول بالمكان، لأن إثباته في الجهات أجمع متناقض، وتغيير جهة منها مع مساواة غيرها إياها بدون تخصيص باطل[ملحوظة 6]، والقول بتخصيص المخصص محال، وكذا لو كان بجهة من العالم لكان بينه وبين العالم مسافة مقدرة[ملحوظة 7]، وقد يحتمل أزيد من ذلك أو أنقص منه، وتعيين قدر من ذلك لن يكون عند استواء كل من ذلك إلا بتخصيص المخصص، والله الموفق. ورفع الأيدي إلى السماء عند الدعاء تعبّد محض كالتوجه إلى الكعبة في الصلاة ووضع الوجه على الأرض عند السجود وإن لم يكن هو تعالى في الكعبة ولا تحت الأرض، والله الموفق. ولا يقال: نَفيُه عن الجهات الست إخبار عن عدمه؛ لأن النفي عن الجهات الست إنما يكون إخباراً عن عدم ما لو كان في جهة منه لا نفي ما يستحيل عليه أن يكون في جهة منه (أي: من العالم)؛ لأن من نفى نفسه عن الجهات الست لا يكون ذلك إخباراً عن عدمه؛ لأنه يستحيل أن يكون من نفسه بجهة منه، فكذا نفي القديم جل وعلا عن الجهات الست، والله تعالى الموفق.[158] |
قالوا عنه
- قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام: «الإمام، الزاهد، أبو المعين المكحولي، النسفي رضي الله عنه. قال عمر بن محمد النسفي في كتاب القند: هو أستاذي، كان بسمرقند مدة، وسكن بخارى، يغترف علماء الشرق والغرب من بحاره، ويستضيئون بأنواره. توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة، وعمره سبعون سنة. قلت: روى عنه شيخ الإسلام محمود بن أحمد الشاغرجي، وعبد الرشيد بن أبي حنيفة الوالجي.»[159]
- وقال عنه عبد الحي اللكنوي في الفوائد البهية في تراجم الحنفية: «كان إماما فاضلا جامعا للأصول.»[160] وقال عنه أيضاً في الجامع الصغير: «صاحب كتاب تبصرة الأدلة وتمهيد قواعد التوحيد، إمام فاضل، جامع الأصول والفروع، وله شرح الجامع الكبير. تفقه عليه علاء الدين أبو بكر محمد بن أحمد السمرقندي.»[161]
- وقال عنه الدكتور فتح الله خليف: «ويعتبر الإمام أبو المعين النسفي من أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه تبصرة الأدلة، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب التوحيد للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه التمهيد، وله أيضاً كتاب بحر الكلام، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية.»[162]
مؤلفاته
ولأبي المعين النسفي مؤلفات كثيرة، منها:
- تبصرة الأدلة في أصول الدين: وهو من أهم كتبه الكلامية وأكبرها حجما وأكثرها توسعا وأشهرها بين علماء الكلام، حتى أصبح يطلق على أبي المعين صاحب التبصرة، بل إن كتاب التبصرة يعد أهم مرجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب التوحيد للماتريدي، بل هو أوسعها وأشملها على الإطلاق، وهو عبارة عن عرض لعقائد الماتريدية، ورد على مخالفيهم، وخصوصا المعتزلة. والذي يوضح أهميته ما قاله صاحب كتاب كشف الظنون: «تبصرة الأدلة في الكلام مجلد ضخم للشيخ الإمام أبي المعين ميمون بن محمد النسفي المتوفى سنة ثمان وخمسمائة. أوله: (أحمد الله تعالى على مننه... الخ). جمع فيه ما جل من الدلائل في المسائل الاعتقادية، وبين ما كان عليه مشايخ أهل السنة، وأبطل مذاهب خصومهم، معرضا عن الاشتغال بإيراد ما دق من الدلائل، سالكا طريقة التوسط في العبارة، بين الإطناب والإشارة، فجاء كتابا مفيدا إلى الغاية، ومن نظر فيه علم أن متن العقائد لعمر النسفي، كالفهرس لهذا الكتاب.»[163]
وترجع أهمية هذا الكتاب لأمور كثيرة، منها:[164]
- أن كتب علم الكلام تشير إلى أهميته كمرجع رئيسي من مراجع الماتريدية، وعلى سبيل المثال انظر شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني وشرح العقائد النسفية له أيضا، والمسايرة للكمال بن الهمام، والمسامرة شرح المسايرة للكمال بن أبي شريف، وإشارات المرام لكمال الدين البياضي، والروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية لأبي عذبة، ونظم الفرائد وجمع الفوائد لعبد الرحيم بن علي الشهير بشيخ زاده.
- أيضا لا نجد أحدا ممن كتب رسائل ماجستير أو دكتوراه أو قدم بحوثا للترقية تتناول مقارنات بين الأشاعرة والماتريدية إلا وكان المصدر الرئيسي عنده تبصرة الأدلة.
- يوضح الكتاب بصدق وعمق وموضوعية كل ما يتصل بالمذهب الماتريدي، وأيضا ما يتصل بالمذهب الأشعري، والمذاهب الاعتزالية لكثرة المقارنات الجادة فيه.
- تبصرة الأدلة في علم الكلام أشبه بالموسوعات حيث يشتمل على جل مسائل علم الكلام مبتدئا بالعلم والمعارف، فقضايا الإلهيات والنبوات والسمعيات، ومنتهيا بقضايا الإمامة، عارضا ومناقشا ومحللا ومدللا. ولقد اضطر البحث العميق أبا المعين النسفي إلى إدخال مباحث نحوية وفقهية وأصولية ومنطقية ليدعم بها كلامه.
- مع العمق والاستفاضة في تناول النسفي للمسائل الكلامية في كتابه التبصرة، إلا أن القارئ سيلاحظ سهولة الأسلوب في الغالب، ووضوح العرض، وقوة الأدلة العقلية والنقلية، بحيث لا يضطر إلى الوقوف طويلا كما يحدث مثلا في أثناء قراءة شرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني، والمقاصد وشرحه لسعد الدين التفتازاني.
ولأهمية مخطوط تبصرة الأدلة في الدراسات العقدية المقارنة وأهمية مؤلفه في جمع وتنظيم وتوضيح الفكر الماتريدي، والدفاع عن مذهب أهل السنة والجماعة، قام الأستاذ الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بتحقيق الكتاب، وتقدم به لنيل الدكتوراه من قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة القاهرة، وأجيزت الرسالة، وحصل بها على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف من لجنة المناقشة بالكلية، وذلك في عام 1977م. وكان المناقشان لها هما:
- أ.د/ عوض الله جاد حجازي - رئيس الجامعة.
- أ.د/ كمال جعفر - رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية دار العلوم بالقاهرة.
وكان المشرف هو: أ.د/ محمد شمس الدين إبراهيم - الأستاذ المتفرغ بقسم العقيدة والفلسفة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
- التمهيد لقواعد التوحيد: وهو اختصار كتاب تبصرة الأدلة في أصول الدين. ويحتوي الكتاب علي عدة فصول جاءت تحت عناوين:
- فصل في إثبات الحقائق والعلوم
- فصل في إثبات حدوث العالم
- فصل في أن العالم له مُحدِث
- فصل في إثبات وحدانية الصانع
- فصل في إثبات قِدَم الصانع
- فصل في أن صانع العالم ليس بعَرَض
- فصل في أن صانع العالم ليس بجوهر
- فصل في أن صانع العالم ليس بجسم
- فصل في استحالة وصف الله تعالى بالصورة واللون والطعم والرائحة
- فصل في إبطال التشبيه
- فصل في إبطال القول بالمكان
- فصل في إثبات أزلية كلام الله تعالى
- فصل في أن التكوين غير المكوّن وأن التكوين أزلي وأنه تعالى لم يزل به خالقاً
- فصل في إثبات الإرادة
- فصل في أن صانع العالم حكيم
- فصل في إثبات رؤية الله تعالى في العقل دليل على جواز رؤية الله تعالى
- فصل في إثبات الرسالة
- فصل في إثبات كرامات الأولياء
- فصل في الاستطاعة مع الفعل
- فصل في إثبات خلق أفعال العباد
- فصل في أن المتولّدات مخلوقة لله تعالى
- فصل في أن المقتول ميت بأجله
- فصل في الأرزاق
- فصل في أن المعاصي بإرادة الله تعالى ومشيئته
- فصل في القضاء والقدر وثبوت كون أفعال الخلق مخلوقة لله تعالى
- فصل في الهدى والإضلال وثبوت خلق الأفعال
- فصل في إبطال القول بالأصلح وثبوت مسألة خلق الأفعال وكون الكفر والمعاصي مخلوقة لله تعالى وإن كان يتضرر بهما الكفار والعصاة
- فصل في إثبات عذاب القبر للكافرين ولبعض العصاة من المؤمنين، والإنعام لأهل الطاعة في القبر
- فصل في وعيد فسّاق المسلمين
- فصل في إثبات الشفاعة
- فصل في ماهية الإيمان
- فصل في الإمامة
- بحر الكلام في علم التوحيد: نال كتاب بحر الكلام للإمام النسفي حظا وافرا من الاهتمام فقد تعددت نسخه في مكتبات العالم الإسلامي وغير الإسلامي بما يقرب من 34 نسخة ذكرها كارل بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" القسم الثاني ص: 285.[165] وقد سلك في هذا الكتاب مسلك الإمام الغزالي في رده على الفلاسفة، ففي كل مبحث يأتي بأقوال المخالفين لأهل السنة والجماعة كالمعتزلة والخوارج والجبرية وغيرهم، ثم بعد ذلك يقول: وقال أهل السنة والجماعة كذا وكذا ويستوفي القول مع الدليل والتعليل. وقد جاء ذكره في كشف الظنون وهدية العارفين والأعلام ومعجم المؤلفين، وله نسخة مخطوطة بمكتبة الأزهر ونسخة مخطوطة بمكتبات استانبول. وله طبعتان: الأولى بتاريخ 1329 هـ بمصر، والثانية بتاريخ 1340 هـ بمصر أيضا، وعلى الكتاب شرح يسمى غاية المرام في شرح بحر الكلام لنور الدين المكدسي الحنفي، وله نسخة مخطوطة بمكتبة الأزهر. وفي بحر الكلام يعرض الإمام أبي المعين لبعض المسائل الكلامية في صورة موجزة ولعله يريد في المقام الأول أن يعرفنا عقيدته التي يعتقدها، والتي هي موافقة لعقيدة أهل النسة، ويتضح ذلك من تقدميه الكتاب بقوله: "أعلموا أني أعتقد معرفة الله تعالى والتوحيد... إلخ".[166]
- مناهج الأئمة في الفروع: ذكر في كتاب كتائب أعلام الأخيار، والفوائد البهية، وإيضاح المكنون، وهدية العارفين، والأعلام، ومعجم المؤلفين. وتوجد له نسخة بمكتبة استانبول تحت رقم 1147 توحيد باسم مناهج الاقتداء بالأئمة المهتدين.
- تصيد القواعد في علم العقائد: ذكر في تبصرة الأدلة، وتوجد له نسختان: الأولى بجامعة إسطنبول، والثانية ميكروفيلم بمعهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية.
- إيضاح المحجة لكون العقل حجة: ذكر في تبصرة الأدلة والتمهيد، وإيضاح المكنون وهدية العارفين، وهو غير موجود.
- الإفساد لخدع أهل الإلحاد أو الإفساد لخدع الإلحاد: ذكره في تبصرة الأدلة، وقال إنه رد فيه على الباطنية، وهو غير موجود.[167]
- شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الحنفية: ذكر في كتاب أعلام الأخيار، والفوائد البهية، وكشف الظنون، وهدية العارفين، والأعلام للزركلي، ومعجم المؤلفين، وهو غير موجود.
- خلق الفعل القبيح: ذكره في التبصرة.
نسب له حاجي خليفة في كشف الظنون كتابا باسم مرتب الشيخ، شرح فيه جامع الصدرة للشهيد حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازة المتوفى شهيدا سنة 536 هـ، وهو في فروع الحنفية. وقد نسب الزركلي لأبي المعين كتاب العالم والمتعلم، والكتاب لأبي حنيفة، ولم يكن لأبي المعين فيه إلا الرواية. ونسب له أيضا كتاب العمدة في أصول الدين، والكتاب إنما هو لعبد الله النسفي المتوفي سنة 720 هـ، وله نسختان بدار الكتب المصرية: الأولى رقم 711 عقائد تيمور، والثانية 37830ب عقائد، ومن تصفح موضوعات الكتاب يبدو أثر كتب أبي المعين فيه واضحا. وقد روى أبو المعين عن أبي حنيفة بالإضافة إلى كتاب العالم والمتعلم كتاب الفقه الأبسط ورسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتي عالم البصرة.
مؤلفات عنه
- أبو المعين النسفي وآراؤه الكلامية (رسالة ماجستير) — الدكتور عبد الحي قابيل
وفاته
تجمع المصادر على أن أبا المعين النسفي توفى سنة 508 هـ وإن كان ابن قطلوبغا أكثر تحديداً، فيذكر أنه توفى في 25 ذي الحجة عام 508 هـ عن عمر يناهز 70 عاما.[44]
قبره
يقع ضريحه في قرية كوفشين في مدينة قرشي وكان يسميها العرب قديماً باسم: (نسف)، ويسميها الفرس: (نخشب). وفي الفترة من 24 إلى 25 فبراير 2017 قدم رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف خلال زيارته لإقليم قشقداريا توصيات حول تحسين ضريح أبو المعين النسفي، وتهيئة الظروف اللازمة للزوار، وأمر بنشر وترجمة أعماله.[168][169]
انظر أيضا
مصادر
- كتاب في التوحيد (مخطوطة)[وصلة مكسورة]، أوله: «قال الشيخ الإمام الأجل رئيس أهل السنة والجماعة سيف الحق أبو المعين النسفي رحمه الله: أعلموا أني أعتقد معرفة الله بالتوحيد... وتوحيده وأقول بالله واحد فرد قديم أزلي وأنه صمد لا شريك له ولا مثل...»
- بوابة الحركات الاسلامية: الماتريدية.. مدرسة العقل والاعتدال. نسخة محفوظة 04 فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور حسين آتاي، الجزء الأول، ص: 7.
- الشيخ لسان المتكلمين أبو المعين النسفي الحنفي. نسخة محفوظة 08 مايو 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- د. علي عبد الفتاح المغربي، الفرق الكلامية الإسلامية، ص: 331.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى، الجزء الأول، الطبعة الأولى 2011م، ص: 4.
- راجع العالم والمتعلم لأبي حنيفة، ص: 8، ط الأنوار سنة 1368 هـ تحقيق: الكوثري.
- راجع الجواهر المضيئة للقرشي، ج2، ص: 243، وج1، ص: 118.
- راجع مناظرات الفخر الرازي في سياحته إلى سمرقند مخطوطة بدار الكتب رقم 130 مكتبة تيمور، ص: 18.
- بحر الكلام، دراسة وتعليق: د. ولي الدين محمد صالح الفرفور، الطبعة الثانية 2000م، ص: 36.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي للدكتور حسن إبراهيم حسن 81/3.
- الكامل في التاريخ 148/8.
- محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية لمحمد الخضري، ص: 486.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 44/3.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 62/3.
- محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية، ص: 493.
- معجم البلدان - ياقوت الحموي. نسخة محفوظة 05 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 279/3.
- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 277/3. نسخة محفوظة 05 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- الكامل لابن الأثير، ج9، ص: 122-123.
- راجع البداية والنهاية لابن كثير، ج12، ص: 6، ط الأولى، سنة 1932 م. نسخة محفوظة 07 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
- مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان. نسخة محفوظة 05 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- شذرات الذهب 270/3، والبداية النهاية لابن كثير 12، 62، والكامل لابن الأثير 239/9.
- البداية والنهاية لابن كثير، ج12، ص: 62، والكامل لابن الأثير، ج9، ص: 239.
- شذرات الذهب 367/3.
- شذرات الذهب 397/3.
- شذرات الذهب 440/3.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي 4038/8، وشذرات الذهب 186/3.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 64/3.
- طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي 230/3.
- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 265.
- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 276.
- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 271.
- الجويني إمام الحرمين للدكتورة فوقية حسين، ص: 88.
- مؤلفات الغزالي للدكتور عبد الرحمن بدوي، ص: 82، 85، 86.
- التمهيد لقواعد التوحيد، دراسة وتحقيق: جيب الله حسن أحمد، ص: 41.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 18/4.
- انظر مقدمة كتاب التمهيد لقواعد التوحيد، دراسة وتحقيق: جيب الله حسن أحمد، ص: 20.
- أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي ص: 294 وما بعدها، وفيات الأعيان ج4، ص: 245.
- الأنساب للسمعاني 560، ومعجم البلدان 226/8.
- تاج التراجم لابن قطلوبغا، ص: 78 نقلا عن كتاب القند في علماء سمرقند لعمر النسفي.
- راجع: الطبقات السنية في تراجم الحنفية لتقي الدين التميمي 513/4، وتاج التراجم لابن قطلوبغا ص: 78، والجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي 189/2، وطبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 49، وهدية العارفين للباباني البغدادي 487/2.
- التمهيد لقواعد التوحيد، دراسة وتحقيق: جيب الله حسن أحمد، ص: 24.
- تاج التراجم، ص: 78.
- الأعلام 301/8.
- أعلام الأخيار للكفوي لوحة 196.
- راجع: الأنساب للسمعاني لوحة 541، والفوائد البهية للكنوي ص: 40، والطبقات السنية 316/1، وطبقات الحنفية لعلي القاري ص: 89، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 75.
- أنظر: الطبقات السنية 513/4، والجواهر المضية 189/2، وطبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 49.
- التمهيد لقواعد التوحيد، دراسة وتحقيق: جيب الله حسن أحمد، ص: 24-27.
- راجع: الأنساب لوحة 541، والطبقات السنية 185/4، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 60، وطبقات الحنفية لقنالي زاده ص: 35.
- الطبقات السنية 10/4، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 71، وطبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 44، وطبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 44.
- هدية العارفين 487/2، والفوائد البهية ص: 216.
- الأعلام 301/8، مع ملاحظة أنه يذكره "معبدا" بدلا من "معتمد".
- معجم المؤلفين 66/13.
- طبقات الحنفية لعلي القاري، ص: 195.
- الأعلام للزركلي 212/8.
- تاج التراجم ص: 78، والجواهر المضية 189/2
- تاريج الأدب العربي لبروكلمان 261/3.
- انظر: طبقات الحنفية لطاش كبرى زادة ص: 71، وطبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 44.
- راجع: طبقات أصحاب الإمام الأعظم للشرواني ص: 3، وطبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 44، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 71، حيث ينسبون إلى أبي المعين محمد كتاب التبصرة، مع أن المقطوع به أنه لأبي المعين بن ميمون بن محمد النسفي.
- انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 286/8.
- انظر: طبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 78-79، والفوائد البهية ص: 101-102.
- انظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية 280،279/1.
- انظر: هدية العارفين 136،135/2.
- الأنساب للسمعاني لوحة 541.
- مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 172 علم الكلام، وهي تقع في مجموعة تحتوي على كتاب التمهيد لقواعد التوحيد والمرشدة، ولم تنسب إلى أحد (لعلها هي عقيدة المرشدة لابن تومرت)، وكتاب الاعتقاد في أصول الدين لأبي جعفر الطحاوي، وكتاب بحر الكلام لأبي المعين النسفي. وهذه النسخة تحتوي على 29 لوحة، ومسطرتها 25 سطر، معقبة، عليها بعض التعليقات مجدولة بالمداد الأحمر، وبه يعاد كتابة كلمة فصل المكتوبة بخط كبير، ويوضع خط على الآيات القرآنية وبداية الفقرات، وعلى اللوحة الأولى فيها بخط واضح كبير: كتاب التميهد في أصول الدين معتقد الشيخ الإمام العالم البارع الورع التقي النقي أبي المعين النسفي نور الله مضجعه وأسكنه فسيح جنته بمحمد وآله وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
- التمهيد لقواعد التوحيد، دراسة وتحقيق: جيب الله حسن أحمد، ص: 30.
- الأعلام للزركلي 301/8.
- أنظر: العالم والمتعلم لأبي حنيفة، ص: 8.
- راجع: الأنساب لوحة 541، وطبقات أصحاب الإمام الأعظم للشرواتي ص: 2، والطبقات السنية 185/4، وطبقات الحنفية لابن كمال باشا لوحة 257، وطبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 48، وطبقات الحنفية لعلي القاري ص: 194، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 60، وهدية العارفين 470/2، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 261/3، 75/4، والأعلام 212/8.
- أنظر: طبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 44، وطبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 44، وطبقات الحنفية لابن كمال باشا لوحة 60، والطبقات السنية 10/4، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 71.
- راجع: الأنساب لوحة 541، والطبقات السنية 178/4.
- أنظر: الأنساب لوحة 541، والطبقات السنية 316/1.
- التمهيد لقواعد التوحيد، دراسة وتحقيق: جيب الله حسن أحمد، ص: 33.
- أنظر: طبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 62، وتاج التراجم ص: 60، والطبقات السنية 183،172/3، والفوائد البهية ص: 158، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 84، والأعلام 212/6.
- أنظر: طبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 67-70، والفوائد ص: 53، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زاده ص: 99-100، وهدية العارفين 325/1.
- الجواهر المضية 156،155/1، وطبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 55-56، وطبقات الحنفية لابن كمال باشا ص: 39، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 85، والطبقات السنية 382/1.
- أنظر: الجواهر المضية 119،118/1، والفوائد البهية ص: 39-40، والطبقات السنية 314،313/1.
- انظر: الجواهر المضية 360،359/1، والفوائد البهية ص: 120-121، وطبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 28، وطبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 61، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 92، والطبقات السنية 528،525/2.
- أنظر: الجواهر المضية 98،97/1، والطبقات السنية 285،284/1، وطبقات الحنفية للفيروزآبادي لوحة 7.
- الطبقات السنية 392/2.
- أنظر: طبقات الحنفية لقنالي زادة ص: 63، والفوائد البهية ص: 94، وتاج التراجم ص: 34-35، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة ص: 94، والطبقات السنية 392/2، وهدية العارفين 568/1.
- أنظر: تاج التراجم ص: 69، والطبقات السنية 82/4.
- تاج العروس، والطبقات السنية 532/2. نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- انظر: الجواهر المضية 360/1، والطبقات السنية 532/2.
- تاج التراجم، ص: 78 نقلا عن القند في علماء سمرقند.
- بحر الكلام، دراسة وتعليق: د. ولي الدين محمد صالح الفرفور، الطبعة الثانية 2000م، ص: 38.
- أبو المعين النسفي، تبصرة الأدلة (مخطوط)، ص: 1-7، ولتعريف الماتريدي للعلم انظر كتاب: أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية، فصل المعرفة.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 7-12.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 27-34.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 37.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 39.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 51-52.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 50.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 72.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 79.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 83.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 82.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 66-69.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 86-88.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 99.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 77.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 99-102.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 119-120.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 137.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 138-139.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 116.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 131-132.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 132-136.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 156-157.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 169-171.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 177.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 157.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 179.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 158-159.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 159-160.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 165.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، تحقيق: أ.د. حسين آتاي، رئاسة الشؤون الدينية للجمهورية التركية - أنقرة، 1993م، ص: 515-516.
- التمهيد في أصول الدين أو التمهيد لقواعد التوحيد، تحقيق: الشيخ محمد عبد الرحمن الشاغول الشافعي الأشعري، مكتب الروضة الشريفة للبحث العلمي، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، ص: 64.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 225.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 405.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 226-227.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 415.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 395.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 406.
- الفرق الكلامية الإسلامية، تأليف: د. على عبد الفتاح المغربي، ص: 390.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 183-185، ورأي الماتريدية انظر: البزدوي، أصول الدين، ص: 69، ونور الدين الصابوني، البداية، ص: 67-68.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 186-190.
- حسن بن أبي عذبة، الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية، ص: 41.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 365-367. وانظر تفاصيل رأي المعتزلة في الرد على هذه الاعتراضات: القاضي عبد الجبار، المغني، ج8، ص: 276 وما بعدها.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 369.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 371-372.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 377-380.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 381-382.
- الفرق الكلامية الإسلامية، ص: 396.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 390-395.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 398.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 328-329، ولمعرفة رأي الماتريدي انظر كتاب: أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية، ص: 279 وما بعدها.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 400-401.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 404.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 418-419.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 274، ولرأي المعتزلة: القاضي عبد الجبار، المغني، ج5، ص: 63-96.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 279-281.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 284.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 288-290.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 294-299.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 313.
- الفرق الكلامية الإسلامية، تأليف: د. على عبد الفتاح المغربي، ص: 390-391.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 464-469.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 15-16.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 17-18، وبالنسبة لكلامه عن الإمام الأشعري، فإن هناك روايات تذكر خلاف ما ذكره أبو المعين، فالبزدوي وهو ماتريدي سابق على أبي المعين، يذكر أن أصح الروايات عن الأشعري أن المقلد مؤمن، انظر: أبو اليسر البزدوي، أصول الدين، ص: 254-255، وابن عساكر يذكر أن القول بعدم صحة إيمان المقلد مكذوب على الأشعري،انظر: تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 357.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 24.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 20-24.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 473.
- انظر كتاب: أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية، ص: 393 وما بعدها.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 452.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، ص: 452-458.
- التمهيد في أصول الدين أو التمهيد لقواعد التوحيد، تحقيق الشيخ: محمد عبد الرحمن الشاغول الشافعي الأشعري، مكتب الروضة الشريفة للبحث العلمي، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، ص: 36-39.
- "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي."، مؤرشف من الأصل في 12 مارس 2020.
- "الإمام أبو المعين النسفي شيخ الماتريدية."، مؤرشف من الأصل في 15 أغسطس 2016، اطلع عليه بتاريخ 26 أبريل 2016.
- الجامع الصغير، عبد الحي اللكنوي. نسخة محفوظة 15 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
- مقدمة كتاب التوحيد للماتريدي، تحقيق: د. فتح الله خليف.
- كشف الظنون عن أسامی الكتب والفنون، حاجي خليفة. نسخة محفوظة 23 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- تبصرة الأدلة في أصول الدين، للإمام أبي المعين ميمون النسفي، تحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور/ محمد الأنور حامد عيسى، الطبعة الأولى 2011م، الجزء الأول، ص: 4-5.
- بحر الكلام للإمام أبي المعين ميمون بن محمد النسفي، دراسة وتحقيق: محمد السيد البرسيجي، الطبعة الأولى (1435 هـ - 2014 م)، ص: 35.
- بحر الكلام، ص: 2.
- تبصرة الأدلة في أصول الدين 885/2.
- "President Shavkat Mirziyoyev got acquainted with creative work carried out in Abul-Muin an-Nasafi mausoleum"، Uza.uz، مؤرشف من الأصل في 11 أغسطس 2018.
- "President Shavkat Mirziyoyev visits mausoleum of Abu Mouin Nasafi"، UzDaily، مؤرشف من الأصل في 14 فبراير 2018.
ملاحظات
- أي: يحصل بذلك أن يتصور أنه لا نهاية له تلتقي مع العرش من جهة السفل منه وهذا من أمرات الحادثات جل الله وعلا عنه.
- قوله: (السرير) حيث يعبر به عن المُلك والنعمة. انظر: "مختار الصحاح"، والمعنى: وقد يخلو وجود المَلك على عرشه فيلزم من ذلك عدم كونه إلها حالة كونه ليس في السماء، وهذا باطل.
- فيلزم منه أن السماء ظرف له وهو كفر باطل، والمظروف قد يوجد في الظرف وقد يخلو منه وهذا كفر شنيع باطل.
- فقد ورد عن بعضهم قوله: "أمروها كما جاءت".
- فأولوا الضحك في حقه تعالى بالرضا، وأولوا النظر بالرحمة، وأولوا قوله تعالى: ﴿والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون﴾ سورة الذاريات:47 أن الإيدي هنا هي القوة، وأولوا الاستواء على العرش بالاستيلاء واستشهدوا بقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق.
- فهو حينئذ ترجيح بلا مرجح، وترجيح لما لا مزية له على الآخر.
- كما أنه تعالى يُرى في الآخرة لا في مكان ولا في جهة من مقابلة أو اتصال شعاع ولا بثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى. انظر "شرح العقائد النسفية" للسعد التفتازاني.
وصلات خارجية
- بوابة علم الكلام
- بوابة القرآن
- بوابة أعلام
- بوابة فكر إسلامي
- بوابة الإسلام
- بوابة أوزبكستان
- بوابة فلسفة
- بوابة علوم إسلامية
- بوابة التاريخ الإسلامي