أنس بن مالك

ولد أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار [2][3][4][5] في يثرب قبل الهجرة النبوية بعشر سنين،[2][3][4][6]، الموافق 612 م،[7] وهو ينتمي إلى بني النجار أحد بطون قبيلة الخزرج الأزدية خئولة جد النبي محمد عبد المطلب بن هاشم، فأم عبد المطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن خداش بن عامر، فيلتقي بذلك نسب أنس بنسب النبي محمد في عامر بن غنم بن عدي بن النجار.[2][8] قُتل مالك بن النضر أبو أنس في الجاهلية،[9] فتزوجت أمه أم سليم مليكة بنت ملحان النجارية[2][6][10] وهي أيضًا صحابية من أبي طلحة الأنصاري،[9] وأنس أخو الصحابي البراء بن مالك.[5]

ما أن هاجر النبي محمد إلى يثرب، حتى دفعت أم سليم ابنها أنس للنبي ليقوم على خدمته، وعمره يومها عشر سنين، وقالت له: «يا رسول الله. هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له»، فقبله النبي محمد، ودعا له قائلاً: «اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه».[4][11][12][13][14] خدم أنس بن مالك النبي محمد مدة مقامه بالمدينة عشر سنين،[10] عامله فيها النبي محمد معاملة الولد، وكنّاه أبو حمزة،[2][4] فكان يخصّه ببعض أحاديثه،[4] وأحيانًا ما كان يناديه «يا بني»،[15][16] وما عاتبه على شئ فعله، وما ضربه قط.[5][17]

ولم يكن أنس رغم صغر سنه آنذاك بمعزل عن الأحداث السياسية لدولة الإسلام الوليدة، فقد خرج أنس مع النبي محمد إلى بدر، وهو غلام ليخدم، وما شارك يومها في القتال.[2][3][4][18] كما شارك أنس مع النبي ثماني غزوات[3][4] منها خيبر والطائف وحنين، كما شهد فتح مكة وصلح الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع[19] وبيعة الشجرة.[4]

بعد وفاة النبي محمد، استخلف أبو بكر الصديق على المسلمين الذي شهد بداية عهده ردة العديد من القبائل على سلطة المسلمين وعلى دين الإسلام، فآذن ذلك ببدء حروب الردة. شارك أنس في تلك الحروب، وكان أحد الرماة المهرة،[2] فكان ممن شهد معركة اليمامة،[20] وبعد استقرار الأمور، أراد أبو بكر أن يبعث أنس بن مالك إلى البحرين ليتولى جباية أموال الزكاة، فاستشار عمر بن الخطاب، فقال له عمر: «ابعثه، فإنه لبيب كاتب»، فبعثه.[21][22] عاد أنس من مهمته ليجد الخليفة الأول قد مات،[4] وخلفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فبدأ بمبايعته، ثم دفع إليه المال.[23] ثم انطلق أنس، وشارك في فتوح العراق وبلاد فارس، وشهد معركة القادسية،[24] وفتح تستر، وهو الذي قدم المدينة المنورة على عمر بن الخطاب بحاكمها الهرمزان أسيرًا.[4][10]

وبعد الفتوح، سكن أنس البصرة،[3] وأقام فيها يُحدّث الناس بما يحفظ من الحديث النبوي، حتى أحصى علماء الحديث أكثر من مائتي راوٍ عنه.[4] ولما تولى عبد الله بن الزبير الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية، كتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك ليصلى بالناس بالبصرة، فصلى بهم أربعين يومًا.[4] تعرض أنس بعد ذلك إلى محنة عظيمة، فبعد ثورة عبد الرحمن بن الأشعث على حكم الأمويين في العراق، استعرض الحجاج بن يوسف الثقفي أهل البصرة، فجاء أنس، فقال له الحجاج: «يا خبيث، جوّال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب»، فقال أنس: «من يعني الأمير؟»، قال: «إياك أعني، أصم الله سمعك»، فقال أنس: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، فأمر به الحجاج فخُتم في يده،[23] وقيل في عنقه «عتيق الحجاج»، الحجاج، أراد أن يذله بذلك.[2] انصرف أنس فتابعه بعضهم، فقال: «لولا أني ذكرت ولدي وخشيت عليهم بعدي، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدًا»،[4][25] وكتب إلى الخليفة وقتها عبد الملك بن مروان كتابًا جاء فيه: «إني خدمت رسول الله ﷺ تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلاً خدم نبيهم، لأكرموه، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة»، فغضب عبد الملك، وأرسل إلى الحجاج يأمره بأن يعتذر لأنس.[26] فسار الحجاج إلى أنس، وقال له: «يا أبا حمزة غضبت؟»، قال: «أغضب تعرضني لحوكة البصرة»، فقال الحجاج: «يا أبا حمزة، إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: إياك أعني، واسمعي يا جارة، أردت أن لا يكون لأحد علي منطق،[23] أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من ابنك ما كان، وإذ بلغت منك ما بلغت أني إليهم بالعقوبة أوسع».[26]

أصيب أنس بن مالك في نهاية حياته بالبرص، وضعف جسده.[4][23] وتوفي أنس بن مالك في البصرة في خلافة الوليد بن عبد الملك، ولكن على خلاف في سنة وفاته، فقيل توفي سنة 90 هـ، وقيل 91 هـ، وقيل 92 هـ، وقيل 93 هـ[الموافق 712 م،[7]][2][4][27][28] وهو آخر من بقي بالبصرة من أصحاب النبي محمد،[2][3][4][27][28] وآخر من بقي ممن صلى إلى القبلتين.[3][4][11][29] وكان قد أوصى أن يصلي عليه محمد بن سيرين، فغسّله وصلى عليه،[30] وقيل صلى عليه قطن بن مدرك الكلابي.[2] كما أوصى أن تُدفن معه عصا للنبي محمد كانت عنده، فدفنت معه بين جنبه وقميصه.[2]

وفاقت دعوة النبي محمد لأنس وهو صغير أنس بأن يبارك له الله في ولده، فكثر نسله حتى جاوز المائة في حياته،[4][12][31] إلا أنه ابتلي بفقد عدد كبير منهم، فمات من ولده وولد ولده 129 فرد حتى مقدم الحجاج للبصرة،[4][32] منهم 80 وقيل 70 في الطاعون الجارف الذي أصاب أهل البصرة سنة 69 هـ.[4][27] وقد اشتهر بعض نسله برواية الحديث كأولاده أبو بكر بن أنس بن مالك والنضر بن أنس بن مالك وعبيد الله بن أنس بن مالك، وأحفاده ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة وحفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك.[33] وقد خلف أنس بن مالك بستانًا له كان يُثمر في السنة مرتين،[11] وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك.[2] كما ورث عن أبيه بئرًا في المدينة كانت من أعذب آبار المدينة، قيل أنها كانت تسمى في الجاهلية «البرود».[34] وروى أنه كان يتخذ خاتمًا عليه نقش «أسد رابض».[2][4][30]