الطبيعة ضد التنشئة

يتضمن مفهوم الطبيعة ضد التنشئة النقاش حول ما إذا كان السلوك البشري يتحدد بواسطة البيئة، سواء خلال النمو السابق للولادة أو أثناء حياة الشخص، أو عن طريق علم الوراثة السلوكي. استُخدم التعبير البديل «الطبيعة والتنشئة» (Nature versus nurture) باللغة الإنجليزية منذ العصر الإليزابيثيّ على الأقل؛[1] ويعود أصله في اللغة الفرنسية إلى العصور الوسطى.[2]

الطبيعة، هي ما نعتقد أنه توصيل مسبق متأثر بالإرث الجيني والعوامل البيولوجية الأخرى.[3] في حين تعتبر التنشئة بشكل عام، أنها تأثير للعوامل الخارجية بعد الإدراك؛ وعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون نتاج تأثير الانفتاح والخبرة والتعلم على الفرد.[4]

أشاع الموسوعيّ الفيكتوريّ الإنكليزي فرانسيس غالتون -المؤسس الحديث لعلم تحسين النسل وعلم الوراثة السلوكي- هذه العبارة بمعناها الحديث، حيث ناقش تأثير الوروثية والبيئة على التقدم الاجتماعي. تأثر غالتون بكتاب «أصل الأنواع» الذي كتبه ابن عمه تشارلز داروين.[5][6][7]

أطلق جون لوك في عام 1690 على وجهة النظر التي مفادها أن البشر يكتسبون كل أو معظم صفاتهم السلوكية تقريباً من خلال «التنشئة» اسم الصفحة البيضاء («اللوح الفارغ»). افترضت وجهة النظر السابقة «اللوح الفارغ» في علم النفس التنموي البشري، أن الصفات السلوكية للإنسان تتطور بشكل حصري تقريباً من خلال التأثيرات البيئية، واعتُمدت على نطاق واسع خلال جزء كبير من القرن العشرين. كثيرا ما صُبَّ الجدل الدائر بين إنكار «الصفحة البيضاء» لتأثير الوراثة، والرأي الذي يعترف بالسمات البيئية والوراثية، في قالب «الطبيعة ضد التنشئة». كان هذان النهجان المتعارضان للنماء البشري في جوهر النزاع الأيديولوجي على جداول أعمال الأبحاث طوال النصف الثاني من القرن العشرين. [8][9][10][11][12][13]

بما أنه اكتُشف أن كل من عامل «الطبيعة» وعامل «التنشئة» يساهمان بشكل كبير –وفي كثير من الأحيان بحيث لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض– كانت هذه الآراء تعتبر ساذجة أو تجاوزها معظم علماء النماء البشري بحلول عام 2000.[14][15]

تقديرات الوروثية

من المهم الإشارة إلى أن مصطلح الوروثية يشير فقط إلى درجة التباين الوراثي بين الأشخاص في إحدى السمات. في حين أنه لا يشير إلى عزو سمة ما عند الفرد إلى العوامل البيئية أو الوراثية. صفات الفرد هي دائماً نتاج تشابك معقد بين العاملين. بالنسبة للفرد، حتى الصفات التي تتأثر بشدة وراثياً، أو السمات الوراثية «الإلزامية»، مثل لون العين، تفترض مدخلات البيئة النموذجية أثناء التطور الوراثي (على سبيل المثال، نطاقات معينة من درجات الحرارة ومستويات الأكسجين وما إلى ذلك).[16]

في المقابل، يحدد «مؤشر الوروثية» إحصائياً مدى اختلاف التباين بين الأفراد في إحدى السمات بسبب التباين في الجينات التي يحملها هؤلاء الأفراد. في الحيوانات حيث يمكن السيطرة على التربية والبيئات تجريبياً، يمكن تحديد الوروثية بسهولة نوعاً ما. مثل هذه التجارب ستكون غير أخلاقية للأبحاث البشرية، ولكن يمكن التغلب على هذه المشكلة من خلال إيجاد مجموعات بشرية موجودة تعكس البيئة التجريبية التي يرغب الباحث في إنشائها.[17]

تمثل الدراسة التوأمية إحدى طرق تحديد مساهمة الجينات والبيئة في إحدى السمات. في إحدى أنواع الدراسات، يُقارن توأمان متطابقان رُبّي كل منهما على حدىً، مع أزواج من الأشخاص المختارين بشكل عشوائي. تشترك التوائم في جينات متماثلة، لكن يختلفان عن بعضهما بالبيئات العائلية. لا تُعرض التوائم التي تُربّى بشكل منفصل عشوائياً على آباء الرعاية أو التبني.[18]

في نوع آخر من الدراسة المزدوجة، تُقارن التوائم المتماثلة التي تتم تربيتها معاً (الذين يتشاركون البيئة الأسرية والجينات) مع التوائم الكاذبة التي يتم تربيتها معاً (الذين يتشاركون أيضاً البيئة الأسرية، ونصف جيناتهم فقط). الشرط الآخر الذي يسمح بتفكك الجينات والبيئة هو التبني.

في إحدى أنواع دراسات التبني، تتم مقارنة الأشقاء البيولوجيين الذين يُربّون معاً (الذين يشتركون في نفس البيئة الأسرية وفي نصف جيناتهم) مع الأشقاء بالتبني (الذين يتشاركون البيئة العائلية، ولكن لا يتشاركون أي من جيناتهم).

التفاعل بين الجينات والبيئة

تشير الوروثية إلى أصول الاختلافات بين الناس. يعتمد التطور الفردي -حتى في الصفات الوراثية للغاية مثل لون العين- على مجموعة من العوامل البيئية، من الجينات الأخرى في الكائن الحي، إلى المتغيرات الفيزيائية مثل درجة الحرارة ومستويات الأكسجين وما إلى ذلك أثناء تطورها أو تنشئتها.

يمكن القول بشكل ذو مغزىً، إن تباين السمات يرجع بنسب معينة إلى الاختلافات الوراثية («الطبيعة»)، أو البيئات («التنشئة»). بالنسبة للاضطرابات الوراثية المندلية شديدة التغلغل مثل داء هنتنغتون، فإن كل حالات الإصابة بالمرض ترجع إلى الاختلافات الوراثية. تعيش النماذج الحيوانية المصابة بداء هنتنغتون حياة أطول أو أقصر بناءً على كيفية رعايتهم.

من الناحية أخرى، يتم تحديد السمات مثل اللغة الأم بيئياً: فقد وجد الباحثون اللغويون أن أي طفل (إذا كان قادراً على تعلم لغة) يمكنه تعلم أي لغة بشرية بنفس التسهيلات. ومع كل السمات البيولوجية والنفسية تقريباً، وتعمل الجينات والبيئة في تناسق بشكل متواصل جيئةً وذهاباً من أجل تكوين الفرد.[19]

على المستوى الجزيئي، تتفاعل الجينات مع إشارات من الجينات الأخرى ومن البيئة. وفي حين أن هناك عدة آلاف من سمات الجينات الفردية الموضعية، فإن ما يسمى بالصفات المعقدة يرجع إلى التأثيرات المضافة للعديد (في كثير من الأحيان المئات) من تأثيرات الجينات الصغيرة.

يمكن أن تهيمن الأوضاع الوراثية أو البيئية القاسية في ظروف نادرة - إذا ولد الطفل أبكماً بسبب طفرة جينية، فلن يتعلم التحدث بأي لغة بغض النظر عن البيئة؛ وبالمثل، قد يموت الشخص المؤكد عملياً -وفقاً لنمطه الوراثي- إصابته في نهاية المطاف بداء هنتنغتون، في حادث لا علاقة له بالداء (حدث بيئي) قبل وقت طويل من ظهور المرض نفسه.

وصف ستيفن بينكر عدة أمثلة بنفس الطريقة:[20][21]

الصفات السلوكية الملموسة التي تعتمد بشكل ثابت على المحتوى المقدم من المنزل أو الثقافة -كاللغة التي يتحدثها المرء أو الدين الذي يعتنقه أي شخص أو الحزب السياسي الذي يدعمه الشخص- لا يمكن توريثها على الإطلاق. لكن الصفات التي تعكس المواهب والخصائص البارزة -كمدى إتقان الشخص للغةٍ ما أو مدى تدينه أو ليبراليته أو محافظته- قابلة للتوريث جزئياً.

يمكن قياس وروثية إحدى السمات داخل مجتمع ما، عندما تُحدّد الصفات من خلال تفاعل معقد بين النمط الوراثي والبيئة. ومع ذلك، فإن العديد من غير العلماء ممن يواجهون تقريراً عن صفة لها نسبة مئوية معينة من الوروثية يتخيلون مساهمات غير تفاعلية مضافة من الجينات والبيئة لهذه الصفة.

ينبغي على المرء أن يأخذ في عين الاعتبار حقيقة أن متغيرات الوراثة والبيئة ليست دقيقة، وتختلف داخل مجموعة مختارة من السكان وبين الثقافات؛ وسيكون قول إن درجة الوروثية والبيئة تقاس بالإشارة إلى نمط ظاهري معين في مجموعة مختارة من السكان خلال فترة زمنية معينة أكثر دقة.

يعيق عدد المعاملات التي أُخذت بالحسبان دقة العمليات الحسابية بشكل أكبر، حيث أصبح العمر أحد هذه المتغيرات. يختلف ظهور تأثير الوروثية والبيئة اختلافاً كبيراً بين الفئات العمرية: فكلما زاد العمر المدروس، كلما كان عامل الوروثية ملحوظاً أكثر، وكلما كان الخاضعون للدراسة أصغر سناً، زاد احتمال ظهور علامات التأثير القوي للعوامل البيئية.

انظر أيضاً

علم الوراثة السلوكي

نظرية الوراثة المزدوجة

علم الأحياء الاجتماعي

الحتمية الاجتماعية

بنية وفاعلية

ثلاث متطابقين غرباء

المراجع

  1. In English at least since Shakespeare (العاصفة 4.1: a born devil, on whose nature nurture can never stick) and Richard Barnfield (Nature and nurture once together met / The soule and shape in decent order set.); in the 18th century used by Philip Yorke, 1st Earl of Hardwicke (Roach v. Garvan, "I appointed therefore the mother guardian, who is properly so by nature and nurture, where there is no testamentary guardian.")
  2. English usage is based on a tradition going back to medieval literature, where the opposition of nature ("instinct, inclination") norreture ("culture, adopted mores") is a common motif, famously in كريتيان دي تروا' Perceval, where the hero's effort to suppress his natural impulse of compassion in favor of what he considers proper courtly behavior leads to catastrophe. Lacy, Norris J. (1980) The Craft of Chrétien de Troyes: An Essay on Narrative Art, Brill Archive, p. 5. نسخة محفوظة 7 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
  3. in أفلاطون's بروتاغوراس 351b; an opposition is made by Protagoras' character between art on one hand and constitution and fit nurture (nature and nurture) of the soul on the other, art (as well as rage and madness; ἀπὸ τέχνης ἀπὸ θυμοῦ γε καὶ ἀπὸ μανίας) contributing to boldness (θάρσος), but nature and nurture combine to contribute to courage (ἀνδρεία). "Protagoras, in spite of the misgiving of Socrates, has no scruple in announcing himself a teacher of virtue, because virtue in the sense by him understood seems sufficiently secured by nature and nurture." Mackay, R. W. (1869) "Introduction to the Meno in comparison with the Protagoras" p. 138 in Meno: A Dialogue on the Nature and Meaning of Education. نسخة محفوظة 16 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  4. "Nature Nurture in Psychology | Simply Psychology"، simplypsychology.org (باللغة الإنجليزية)، مؤرشف من الأصل في 9 أغسطس 2019، اطلع عليه بتاريخ 04 مايو 2017.
  5. Proceedings, Volume 7، Royal Institution of Great Britain، 1875، مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
  6. Francis Galton (1895)، English Men of Science: Their Nature and Nurture، D. Appleton، مؤرشف من الأصل في 28 يناير 2020.
  7. David Moore (2003)، The Dependent Gene: The Fallacy of "Nature Vs. Nurture"، Henry Holt and Company، ISBN 9780805072808، مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
  8. Moore, David S. (2003). The Dependent Gene: The Fallacy of Nature Vs. Nurture, Henry Holt. (ردمك 978-0805072808) نسخة محفوظة 16 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  9. Esposito, E. A., Grigorenko, E. L., & Sternberg, R. J. (2011). "The Nature–Nurture Issue (an Illustration Using Behaviour-Genetic Research on Cognitive Development)". In Alan Slater, & Gavin Bremner (eds.) An Introduction to Developmental Psychology: Second Edition, BPS Blackwell.:85
  10. Dusheck, Jennie (October 2002), The Interpretation of Genes. Natural History
  11. Carlson, N. R. et al.. (2005) Psychology: the science of behaviour (3rd Canadian ed) Pearson. (ردمك 0-205-45769-X)
  12. Ridley, M. (2003) Nature via Nurture: Genes, Experience, & What Makes Us Human. Harper Collins. (ردمك 0-00-200663-4)
  13. Westen, D. (2002) Psychology: Brain, Behavior & Culture. Wiley & Sons. (ردمك 0-471-38754-1)
  14. Edge.org: Nature Versus Nurture. edge.org نسخة محفوظة 22 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  15. Gutiérrez, Luci (January 24, 2014) Time to Retire The Simplicity of Nature vs. Nurture, Wall Street Journal نسخة محفوظة 2 مارس 2014 على موقع واي باك مشين.
  16. Cosmides & Tooby, Evolutionary Psychology: A Primer. psych.ucsb.edu نسخة محفوظة 1 يوليو 2019 على موقع واي باك مشين.
  17. Mizonni, John، "Ruse's Darwinian ethics and Moral Realism"، metanexus.net، Metanexus Institute، مؤرشف من الأصل في 01 أكتوبر 2006.
  18. Craven, Hamilton (1978) The Triumph of Evolution: The Heredity-Environment Controversy, 1900–1941: "While it would be inaccurate to say that most American experimentalists concluded as the result of the general acceptance of Mendelism by 1910 or so that heredity was all powerful and environment of no consequence, it was nevertheless true that heredity occupied a much more prominent place than environment in their writings."
  19. Jespersen, Otto (1922)، Language, its nature, development, and origin، H. Holt.
  20. Why nature & nurture won't go away. Harvard Online PDF Pinker, Steven. 2004. Why nature & nurture won't go away. Daedalus 133(4): 5-17. نسخة محفوظة 4 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
  21. Pinker, Steven (2002)، The Blank Slate: The Modern Denial of Human Nature، دار بنجوين للنشر، ص. 375
  • بوابة علم الاجتماع
  • بوابة علوم عصبية
  • بوابة علم الأحياء
  • بوابة علم النفس
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.