سرد روائي
القص[1] أو رواية القصص[1] أو السرد هو استخدام المنهجية المختارة بشكل خاص أو عملي (وتسمى أيضًا طريقة السرد) استخدام أحد التعليقات المكتوبة أو المنطوقة لنقل القصة للجمهور. السرد يشمل مجموعة من التقنيات التي من خلالها يرسم كاتب القصة الصورة المنشودة في ذهن جمهوره، بما في ذلك:
وجهة نظر السارد: وجهة نظر (أو نوع من "عدسة" شخصية أو غير شخصية) التي يتم من خلالها يتم إبلاغ القصة.
صوت السرد: الشكل (أو نوع من العرض التقديمي) التي يتم من خلالها إبلاغ القصة.
وقت السرد: وضع الإطار الزمني للقصة في الماضي والحاضر والمستقبل.
ويكون الراوي هو صاحب الطابع الشخصي للقصة أو الصوت للشخصية التي من خلالها يطورها كاتب القصة لتوصيل المعلومات إلى الجمهور، ولا سيما عن الحبكة. قد يكون الراوي صوت وضع من قبل المؤلف باعتباره مجهول المصدر وغير شخصية، أو كيان قائم بذاته. ويعتبر الراوي كمشارك في شخصيات القصة إذا كان هو أو هي شخصية داخل القصة، وغير مشارك إذا هو أو هي كشخصية كتقمصه داخل أحد الشخصيات في القصة أو الصوت الذي يربط فكرة القصة للجمهور دون تورطهم في الأحداث الفعلية. بعض القصص لها رواة متعددين لتوضيح حيثيات القصة من مختلف الشخصيات في داخلها، قد تكون مماثلة أو مختلفة في مرات أخرى.
السرد لا يشمل فقط الذي يروي القصة، ولكن أيضًا كيفية طرح القصة (على سبيل المثال، عن طريق استخدام تيار الوعي أو السرد لا يمكن الاعتماد عليها). في الروايات الأدبية التقليدية (مثل الروايات والقصص القصيرة والمذكرات)، والسرد هو عنصر القصة المطلوبة؛ في أنواع أخرى من (خصوصا غير الأدبية) القصص، مثل المسرحيات والبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو والأفلام فيعتبر السرد اختياري فقط وغير تكميلي في محور العمل الأدبي.
السرد وخطاب الحكاية
فالسرد (فعل السرد) "دوره إيصال الحقيقة إلى نقطة ما، وأن ينتزع من الأزمان المعيشة المتعددة والمتراكبة، حدثًا لفظيًا صرفًا، يجتثُّ التجربة الوجودية من جذورها، ويتوجه نحو رابطة منطقية مع أحداثٍ أخرى وقضايا أخرى؛ ليؤلف حركة العالم العامة، وهدفه الإبقاء على التراتبية في إمبراطورية الوقائع" هناك ثمة وظيفة كبرى للتبادل (موزعة بين المعطي والمستفيد) تقوم في داخل القصة، فإن القصة بشكل تماثلي، تكون رهانًا للإيصال فهناك مرسل للقصة وآخر مستقبل لها، فلا يمكن أن تكون القصة من غير راوٍ ومن غير سامعٍ . يقوم الحكي عامة على دعامتين أساسيتين: أولاهما أن يحتوي على قصة ما، تضم أحداثًا معينة؛ وثانيتهما أن يعين الطريقة التي تحكى بها هذه القصة. وتسمى هذه الطريقة سردًا. إذن يمكننا القول إن "مصطلح الرؤيا أو وجهة النظر يستند على العلاقة بين السارد والعالَم المشخص" زاوية الرؤية عند الراوي متعلقة بالتقنية المستخدمة لحكي القصة؛ والغاية -التي يهدف إليها الكاتب عبر الراوي- تحدد شروط اختيار هذه التقنية دون غيرها، وكانت هذه المسألة التي تهم التقنية السردية من أكثر الموضوعات خضوعًا للدراسة منذ نهاية القرن التاسع عشر . حيث وجدت الفكرة عند أرسطو ثم تبناها (فلوبير 1850) ونفذها بطريقة نظرية وعملية هنري جيمس، وجاء بعد هنري جيمس مجموعة كبيرة من النقاد طوروا المصطلح ووسائله التنفيذية... وهذا التطوير في الأداء الروائي يمثل رغبة وطموحًا فنيًا لمحاولة تجاوز سلطة المؤلف/ الراوي؛ لتطوير السرد الروائي . إن الموضوع الرئيس الذي يُخصِّص جنس الرواية، ويخلق أصالته الأسلوبية، هو الإنسان الذي يتكلم وكلامه؛ ولكي ندرك ذلك بطريقة صحيحة يجب أن تعرف النقاط الثلاثة الآتية : 1- الإنسان الذي يتكلم وكلامه في الراوية هما موضوع لتشخيص لفظي وأدبي. وليس خطاب المتكلم في الراوية مجرد خطاب منقول أو معاد إنتاجه، بل هو بالذات مشخص بطريقة فنية -خلافًا للدراما- بواسطة الخطاب نفسه (خطاب الكاتب). إلا أن المتكلم وخطابه هما –بوصفهما موضوعًا للخطاب- موضوع خاص: فلا يمكن أن نتحدث عن الخطاب مثلما نتحدث عن موضوعات أخرى للكلام: أشياء جامدة، وظواهر، وأحداث إلخ ... ذلك أن الخطاب يستلزم طرائق شكلية جدّ خاصة في الملفوظ وفي التشخيص اللفظي. 2- المتكلم في الراوية هو فرد اجتماعي ملموس ومحدد تاريخيًا، وخطابه لغة اجتماعية وليس لهجة فردية. إن الخطابات الفردية التي تحددها الطبائع والمصائر الفردية لا تلقي –في حد ذاتها- اهتمامًا من الراوية. ذلك أن كلام الشخوص الخاص، ينزع دومًا نحو دلالة وانتشار اجتماعيين معينين: إنه لغات افتراضية بالقوة. من ثم يمكن لخطاب شخصية روائية أن يصبح أحد عوامل تصنيف اللغة، ومدخلاً للتعدد اللساني. 3- المتكلم في الراوية –هو دائمًا وبدرجات مختلفة- مُنتج إيدلوجي وكلماته هي دائمًا عينة إيدلوجية. واللغة الخاصة براوية ما، تُقدم دائمًا وجهة نظر خاصة عن العالم تنزع إلى دلالة اجتماعية. "رؤيا "السارد" ملازمة لكل خطاب تشخيصي، لكن النظرية لم تنتج إلا مؤخرًا، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر (بالرغم من الملاحظات المعزولة في القرون التالية). تزامن هذا الشعور مع الاستثمار القوي لكتاب مختلف طرق الكتابة الخاصة بكل "رؤية"" ، واليوم تميز النظريات الحديثة بين راوٍ وكاتب، فالراوي هو وسيلة، أو أداة تقنية، يستخدمها الكاتب ليكشف بها عالم قصّه، أو ليبث القصة التي يرويها. يختبئ الكاتب خلف الراوي، ويسمح له مفهوم الراوي الشاهد بأن يحيّد نفسه، وبأن يتقدم إلى القارئ كمجرد ناقل للمرويّ. فتقنية الراوي الشاهد في السرد الروائي تعادل تقنيّة آلة التصوير في العمل السينمائي، والوظيفة في كلا الحالين هي التقاط المرئي ونقله إلى القارئ أو المشاهد، لتصبح العلاقة لا بين القارئ والكاتب، بل بين القارئ المشاهد والمقروء المشهَد . لكن مفهوم الراوي –كتقنية يستخدمها الكاتب في قصِّه- لا يقتصر على شكل الشهادة، ليس الراوي دائمًا مجرد شاهد . بل قد يصبح الراوي جزءًا من الأشخاص وصانعًا للأحداث ومحركًا لها، فلا يكتفي بصيغة الرواية فقط. التعريف المعجمي "وجهة النظر: 1- طريقة يستعملها المرسل، لتنويع القراءة، التي يقوم بها المتلقي للقصة في مجموعها، أو انطلاقًا من أجزائها فقط. 2- موقف يتخذه المؤلف، من موضوع، أو شيء ما. 3- وتعني (وجهة النظر) في الرواية: الوجدان/ المنطق، الذي يتوجه به القص نحو القارئ. 4- وتتم (وجهة النظر) عبر ثلاثة مواقف: أ- رواية الراوي بضمير المتكلم، مع خروج الأحداث عن حيز التجارب. ب- رواية من منظور إحدى الشخصيات. ت- رواية من زاوية العلم بالأشياء." "وجهة نظر الراوي Narrator's Point of View يُراد بهذا أحيانًا الموقف الفلسفي الذي يتخذه مؤلف أثر أدبي، أو نظرته الفكرية والعاطفية إلى الأمور عامة، كما يراد بهذا المصطلح في الراوية أو القصة بصفة خاصة ذلك الوجدان أو العقل الذي تَرْشَحُ من خِلاله أحداث القصص حتى يُدركها القارئ، فذلك الراوي أو تلك النظرة التي يَستتر بها هي ما نسميه بوجهة نظر الرواية. وهناك ثلاثة مواقف مختلفة يمكن أن تتخذها وجهة النظر هذه: - إما أن يحكيها الراوي بأسلوب ضمير المتكلم على أنَّ كل أحداث الرواية وشخصياتها خارجة عن حيز تجاربه المباشرة. - وإما أن يرويها بوصفه شخصية من شخصيات الحدث تشترك في حبكة القصص وتتكلم عن غيرها من الشخصيات. - وإما أن يقص الرواية بوصفه رقيبًا عليمًا بكل شيء، متخذًا موقف الإلَه، ويحكي أحداث الرواية، كما يبين ما يكمن في ضمائر الشخصيات من أفكار ووجدانات. " "زاوية النظر (في السرد) Point of View 1- موقع نوعي أو منهج لأخذ الأشياء في الاعتبار وتقويمها. 2- موقف أو حكم أو رأي. وفي الأدب نجد أن زاوية النظر لها معانٍ خاصة متعددة: 1- زاوية النظر الفيزيائية ولها صلة بمكان الكاتب في الزمان والمكان، ومنها يقترب الكاتب ويرى المادة التي يتناولها ويصفها. 2- زاوية النظر الذهنية وتتضمن وجدان المؤلف وموقفه من مادة معالجته. 3- زاوية النظر الشخصية وتعني العلاقة التي يحكي الكاتب أو (يناقش) خلالها مادة التناول سواء على لسان المتكلم أو المخاطب أو الغائب. وفي زاوية النظر الشخصية هناك عدد من الطرق الممكنة؛ فقد يتخذ المؤلف زاوية نظر شخصية ما ويصبح مؤلفًا مشاركًا في الفعل. ويكتب على الأغلب بضمير المتكلم. وهذه هي زاوية نظر روبنسون كروزو عند ديفو، فالمؤلف يحكي ما حدث لروبنسون كروزو ويكشف عن مشاعره بكلماته هو. وإذا تبنى الكاتب زاوية نظر شخصية ثانوية. فإنه يصبح مؤلفًا مراقبًا أو ملاحظًا يجلس عند الخطوط الجانبية ويسرد القصة كما في (قلب الظلام) لكونراد وكثير من أعماله؛ فالراوي يراقب ويلاحظ أكثر مما يشترك . وحينما يختار المؤلف لنفسه زاوية نظر غير شخصية ويفصل نفسه تمامًا عما يدور، فقد يتحول إلى واحدٍ من الآلهة ويصبح مؤلفًا كلي المعرفة محيطًا بكل شيء. فهو يرى كل شيء ويسمع كل شيء، ويستطيع تركيز عينه التي ترى كل شيء أينما يشاء، كما يستطيع أن يبصر ما في أذهان شخصياته ويحكي عن أشد الأفكار تعمقًا واستخفاء في ذهن كل شخصية من شخصياته. ورواية (سوق الغرور) لثاكري مكتوبة من زاوية رؤية تُلم بكل شيء. ويستخدم الكاتب في الأعمال القصصية الطويلة مزيجًا من هذه الطرق. " "تبئير Focalization- focalisation هو تقليص حقل الرؤية عند الراوي وحصر معلوماته. يُسمى هذا الحصر بالتبئير لأن السرد يجري فيه من خلال بؤرة تحدد إطار الرؤية وتحصره. والتبئير سمةٌ أساسيةٌ من سمات المنظور السردي، لهذا ينبغي تجنب الخلط بين المنظور والصوت: فالمنظور يجيب عن السؤال: (من يرى؟) أما الصوت فيجيب عن السؤال: (من يتكلم؟) وبكن التبئير لا ينحصر في إطار النظر، وإن كان النظر هو أهم مصادر التبئير، فقد يكون بالسمع أيضًاز فالمقصود بالتبئير هو حصر معلومات الراوي (وبالتالي القارئ) حول ما يجري في الحكاية. أما أصناف التبئير فثلاثة، تتحصل من مقارنة معلومات الراوي بمعلومات الشخصية التي يتناولها التبئير. فإذا كان الراوي يعلم أكثر مما تعلم الشخصية كان التبئير غير موجود (أي كان السرد في حالة لا تبئير) وإذا تساويا في المعرفة كان التبئير داخليًا، وإذا كان الراوي يعلم أقل مما تعلم الشخصية كان التبئير خارجيًا . نادرة هي الروايات التي تعتمد صنفًا واحدًا من التبئير؛ لأن التبئير الواحد يضيِّع على الرواية الأثر الذي يخلقه الانتقال من تبئير إلى آخر. فالروايات التي تتبنى التبئير الداخلي الصرف والتي تحصر معرفة الراوي بما تعرفه الشخصية (كما في الحسد La Jalousis لروب غرييه Robbe Grillet) لا تختلف عن تلك التي يغيب فيها التبئير، إذا اكتفى الراوي بوصف الحدث من دون بيان أسبابه أو نتائجه، ومن دون كشف مشاعر الشخصيات المشاركة فيه. كذلك يصعب أحيانًا تحديد نوع التبئير، فليس الأمر سهلاً كما يبدو في الظاهر. فالتبئير الداخلي قد يختلط باللاتبئير إذا لم يكن الراوي محتاجًا إلى تجاوز الواقع الظاهر ." "المنظور والصوت perspecive and Voice يعني المصطلح وفقًا لما يقوله جينيت: الفرق بين من يرى ومن يتكلم في الرواية. وتقول مييك بال إن المنظور يشمل الأبعاد النفسية والمادية، ولكنه لا يتضمن الراوي أو المتكلم (1985- ص101). وهنا يأتي مصطلح آخر هو التركيز أو تحديد البؤرة Focalization، وكثير من الروايات التي كانت توصف في الماضي بأنها تقوم على معرفة المؤلف بكل شيء Omniscience توصف اليوم أنها ذات بؤرة صفرية Zero Focalization، أما الرواية ذات البؤرة فهي رواية ذات منظور داخلي Internal Perspective بمعنى أن الراوي له وعي داخلي تنطبع فيه الأحداث وتخرج منه، وقد تكون هذه الروايات ذات البؤرة ثابتة Fixed أو متغيرة Variable، وعلى العكس من ذلك تعتمد الرواية على البؤرة الخارجية External Focalization على ما يستطيع الشخص أن يراه (من الخارج) فقط؛ أي أنها لا تتضمن أفكار الشخصيات أو مشاعرها إلا إذا كانت قد أفصحت عنها للراوي. ويقول جينيت إن البؤرة الداخلية قد تتضمن منظورًا داخليًا ولو كان خارجيًا بالنسبة للشخصيات. وكتب جوناثان كالر في مقدمته لكتاب جينيت بعنوان (الخطاب السردي) Narrative Focalization يقول إن مييك بال تنتقد جينيت بسبب تفرقته بين البؤرة الداخلية والبؤرة الخارجية، وهو يدافع عن هذين المصطلحين قائلاً إن لكل منهما معناه، ويضيف: "يعني جينيت بما يسميه بالبؤرة الداخلية أن بؤرة القصة تبرز من خلال وعي إحدى الشخصيات ...ولكن البؤرة الخارجية يختلف تمامًا، فهي تقع (أي بؤرة القصة) على إحدى الشخصيات لا من خلالها" (جينيت 1980- ص10). ويستخدم تعبير الرؤية Vision بديلاً عن البؤرة أحيانًا، ولو أنه غير شائع، وأخيرًا خرج علينا سيمور تشاتمان Seymour Chatman ببديلين عن هذين المصطلحين، الأول هو (الانحراف) Slant الذي يعني كما يقول: "النشاط النفسي على هذا الجانب (أي الجانب المباشر) من حاجز الكلام، والثاني هو المرشح أو الترشيح Filter الذي يقصد به "إدراك شيء من وظيفة التوسط (أي وسيلة المعرفة) التي يمثلها وعي إحدى الشخصيات" "فيما يتعلق بالأحداث التي تعرف بها من مسافة تفصلنا عن عالم القصة" وتصل إلينا عبر (المرشح) (1990- ص144). والواضح أن الاختلافات بين معاني هذه المصطلحات تقتضي الحذر في استخدامها ." هناك طريقتان عند تصنيف الراوي في العمل القصصي، فهناك من يجعل حضور الراوي أو غيابه أساسًا للتصنيف، وهناك من يجعل معرفة الكاتب هي الأساس في التصنيف؛ ولابد من معرفة وجهتي النظر قبل الاختيار.
هناك بعض النقاط لابد من الوقوف عندها: من هو معطي القصة؟ يذكر رولان بارت أن هناك ثلاثة مفاهيم تجيب عن هذا السؤال: المفهوم الأول: أن القصة يرسلها شخص (المؤلف) ويتم فيه تبادل (الشخصية) وفن الفرد المتطابقين تمامًا دون توقف؛ فالرواية –في هذه الحالة- ليست سوى تعبير عن (أنا) خارج عنها . أما المفهوم الثاني فيجعل من الراوي نوعًا من أنواع الوعي الكلي، فيعرف بما يدور بداخل الشخصيات ولكنه لا يتطابق مع شخصية أكثر من الأخرى . والمفهوم الثالث -ويمثله سارتر وجيمس- يملي على الراوي أن يقف بقصته عند حدود ما تستطيع الشخصيات أن تلاحظه وتعرفه، فكأن كل شخصية تتناوب الدور مع الأخرى لتكون مرسلة للقصة . ثم يعقب بارت ويقول إن هذه المفاهيم الثلاثة مزعجة؛ وذلك لأنها تبدو وكأنها تري في الراوي والشخصيات شخصيات واقعية حية، فبارت يرى أن الشخصيات –في الأساس- كائنات ورقية، وإن المؤلف (المادي) للقصة لا يمكن أن يختلط مع راويها في أي شيء من الأشياء . يعرف بوث (Wayne G.Booth) زاوية الرؤية (point de vue) بقوله: " إننا متفقون جميعًا على أن زاوية الرؤية، هي بمعنى من المعاني "مسألة تقنية ووسيلة من الوسائل لبلوغ غايات طموحه" ، ويتبين لنا من خلال هذا التعريف أن زاوية الرؤية عند الراوي متعلقة بالتقنية المستخدمة لحكي القصة المتخيلة؛ وأن الذي يحدد شروط اختيار هذه التقنية دون غيرها، الغاية التي يهدف إليها الكاتب عبر الراوي. وهذه الغاية لابد أن تكون طموحة، أي تعبر عن تجاوز معين لما هو كائن، أو تعبر عما في إمكان الكاتب، ويُقصد من هذا العرض التأثير على المتلقي .
يطرح والاس مارتن في كتابه (نظريات السرد الحديثة) فكرة تغيير أسلوب السرد وأثر ذلك: "لقد أكد بعض الروائيين الفكرة التي ترى أن القصة قد تبقى هي نفسها، على الرغم من التغييرات في أسلوب سردها. وقد غيرت جين أوستن (العقل والعاطفة) من رواية رسائلية إلى رواية الشخص الثالث (الغائب)، وكانت النسخ الأولى من رواية دستويفسكي المعنونة (الجريمة والعقاب)، ورواية كافكا المعنونة (القلعة) مكتوبة بأسلوب الشخص الأول (المتكلم)، ثم غُيرتْ إلى الثالث" . فقد يكون تغيير أسلوب السرد لن يؤثر كثيرًا على شكل القصة وهيئتها وبنائها؛ ولكن "في أحوال كثيرة قد تتغير قصة إلى حد لا يمكن من التعرف عليها، أو قد تختفي كليًا، إذا غُيرتْ وجهة النظر" .
"وقد يتمكن السارد من الدخول إلى عقول كثيرة (هو كلي المعرفة، يعرف كل شيء، وقصة همنجواي مثل على ذلك)، أو إلى عقل واحد كما في قصة (غبطة)، ويكون للسارد خيار إبقاء القصة في العالم الخارجي. ويشكل الزمان وصيغة الفعل محاور تحليل لا يمكن الاستغناء عنها، فتستطيع الرسائل واليوميات والحوارات الأحادية (منطوقة أو غير منطوقة) استخدام صيغة الحاضر، أما السرد فهو بصيغة الماضي دومًا، وهناك جمل سردية تجمع بين الصيغتين .
غير أن معظم الأعمال النظرية التي تتناول هذا الموضوع تعاني من خلط مزعج بين صيغة السرد والشخصية الساردة، أو ما يعبر عنه جيرار جنيت "من يرى؟ ومن يتكلم؟" وهناك جدول يلخص البؤرة السردية –المعادلة لمفهوم وجهة النظر- وهو يتضمن تنميطًا رباعي الأطراف : أحداث محلَّلة من الداخل أحداث ملاحَظة من الخارج سارد حاضر بصفته شخصية في العمل 1 البطل يحكي قصته 2 شاهد يحكي قصة البطل سارد غائب بصفته شخصية في العمل 4 المؤلف المحلل أو العليم يحكي القصة 3 المؤلف يحكي القصة من الخارج
إلا أنه يبدو أن الحد العمودي الفاصل هو وحده الذي يهم "وجهة النظر" (الداخلية أو الخارجية)، بينما ينصب الحد الأفقي الفاصل على الصوت (أي هوية السارد)، دون أي اختلاف حقيقي بين1 و4 (لنقل: أدولف وأرمانس) ولا بين 2 و3 (جورج واطسن الذي يروي عن شيرلوك هلمز، وأجاثا كريستي التي تروي عن هركول بوارو) . التبئيرات 1- النمط الأول: يطلق على الحكاية الكلاسيكية عمومًا اسم "الحكاية غير المبرأة" أو "الحكاية ذات التبئير الصفر". 2- النمط الثاني: الحكاية ذات التبئير الداخلي بأنواعها: الثابت والمتغير والمتعدد. 3- النمط الثالث: الحكاية ذات التبئير الخارجي. والتحيز للتبئير ليس ثابتًا بالضرورة على مدى حكاية بأكملها، ثم إن التمييز بين مختلف وجهات النظر ليس دائمًا بالوضوح الذي يوحي به التناول النظري لهذه الأنماط؛ فقد يكون التبئير الخارجي مثلاً على شخصية ما أن يكون تبئيرًا داخليًا على شخصية أخرى . ولابد من الإشارة أن ما نسميه تبئيرًا داخليًا قلما يطبق بكيفية صارمة تمامًا؛ وبالفعل فمفهوم التبئير الداخلي يستتبع استتباعًا صارمًا تمامًا ألا يصف السارد الشخصية البؤرية أبدًا، ولا حتى أن يشير إليها من الخارج، وألا تحلل أفكارها أو إدراكاتها تحليلاً موضوعيًا أبدًا . ولا يتحقق التبئير الداخلي تحقيقًا تامًا إلا في الحكايات ذات المونولوج الداخلي أو الراوية التي تُحصر الشخصية المركزية تمًا مًا في موقعها البؤري وحده، ولا تستنبط إلا منه مثل رواية "الغيرة" لـ ألان روب جرييه . تودوروف ومتغيرات السارد يقول تودوروف أن هناك عددًا من المتغيرات القابلة للتأليف فيما بينها، وهم –وفقًا لما أورده- ستة متغيرات: (سياق التلفظ- هوية السارد- حضور السارد- مسافات السارد- علم السارد- والأخير ما بلوره عن تميز أنواع السرد عن الوسائل اللسانية التي نضمن فيها التعبير) . ويقوم تودوروف بتوضيح كل متغير من المتغيرات الستة في كتابه "مفاهيم سردية" على النحو التالي: 1- سياق التلفظ: يمكن أن يقدم الحكي من تلقاء نفسه، طبيعيًا وشفافًا، أو بالعكس يمكن أن يوجد فعل التلفظ مشخصًا في النص. سنميز في هذه الحالة الأخيرة النصوص التي يكون فيها المتحدث حاضرًا كذلك (السارد الجالس في زاوية قرب النار في ليلة شتوية متوجهًا إلى شخصية شابة من معارفه) . 2- هوية السارد: يوجد سارد أو عدد من الساردين، وفي هذه الحالة الأخيرة يتموقعون إما في المستوى نفسه أو في مستويات مختلفة. ومستويات السرد هذه متعلقة بنوع العلاقة بين المتتاليات داخل الحكاية (التضمين أو التسلسل) . 3- حضور السارد: نستطيع أن نميز فيه عددًا من الدرجات: أ- السارد حاضر على مستوى العالم المستحضر أو عالم الحكي؛ فقد يكون هناك تجاور بين الشخصيات والسارد، أو السارد لا يتدخل في العالم المشخص ولكنه يصفه بوضوح، ومن الممكن أن يأتي السارد شخصيةً وكاتبًا في آن واحد. ب- عندمًا يشخص السارد على مستوى الشخصيات يمكن أن يكون عونًا أو شاهدًا؛ ويتموقع بينهما عدد غير متناه من الحالات الخاصة، فمن الممكن أن يكون السارد أحيانًا هو الشخصية الرئيسة، وهو مرة أخرى كائن غير معروف، لانعرف عنه سوى وجوده (كما في الأخوة كرمازوف) . 4- مسافات السارد: المسافات -التي هي مدار البحث- يمكن أن تلعب من كاتب ضمني إلى سارد، ومن سارد إلى قارئ ضمني، ومن كاتب ضمني إلى قارئ ضمني، ومن كاتب ضمني إلى شخصيات ...إلخ. ومن ناحية أخرى يمكن لطبيعة المسافة أن تتغير: أن تكون بنظام أخلاقي وعاطفي (اختلاف في درجات اليمة المحمولة)؛ عقلاني (اختلاف في درجة فهم الأحداث)؛ زماني ومكاني (الابتعاد النسبي للمصطلحات). هذه الصيغ المختلفة للمسافة يمكن أن تتابع حتى بداخل أثر واحد. وكل واحدة من هذه المسافات يمكن أن تُقلص إلى الصفر، وهذا ما يخلق أدوارًا سردية مركبة. وقد تكون المسافات إلى حد ما مبنية بطريقة نسقية تقريبًا ...إلخ. 5- "علم" السارد: فهناك السارد العالم بكل التفاصيل وأدقها، وهناك السارد محدود المعارف. ولدينا هنا حالتان منعزلتان في مجموعة متواصلة، نستخرج منها: أ-الرؤيا الداخلية والخارجية: يصف السارد العالَمَ الذهنيَ للشخصيات من الداخل أو الخارج. ويمكن أن تطبق الحالة التي يتدخل فيها السارد في ذهن الشخصيات على بطل أو عدة أبطال، وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن أن يتبع المرور من شعور إلى آخر رسمًا دقيقًا أو لا يتبعه. عندما يقلص هم تبرير معارف السارد إلى الحد الأدنى، حينئذ نتحدث عن كاتب "سارد" متعدد العلوم . ب-يمكن أن نميز درجات "عمق" التداخل غير المتساوي للسارد "أو زاوية رؤيته" فإنه لا يصف إلا غيبيات ويكتفي بالملاحظة، أو يحمل أفكار الشخصية حيث يعد هو الوحيد الذي يعرف؛ أو يعطينا معرفة المسار الذي تجهل الشخصية فيه كل شيء. ويمكن أن نميز أيضًا بين أنواع المعرفة المتضمنة: نفسية- وقائعية...إلخ . ج-يجب هنا إعادة ربط الظاهرة المستحضرة في شعرية أرسطو تحت اسم المعرفة، والتي تعني لحظةً سابقةً، حيث نجد المعرفة الصحيحة في مقابل عدم المعرفة أو الخطأ؛ بتعبير آخر رؤية خاطئة من وجهة نظر الحقيقة .
- تميز أنواع السرد عن الوسائل اللسانية التي نضمن فيها التعبير: حيث أنه يتعذر تحديد رؤية بطريقة شفاهية، فقد يكون لها تعدد الوظائف التعبيرية المختلفة جدًا. مثلاً أن يكون الحكي بضمير المتكلم أو المخاطب، هذا ينبهنا، ولكنه لا يصدر حكمًا مسبقًا على "حضور" و"علم" و"مسافات" السارد. فمثلاً الحكي بضمير المخاطب لا يمنع الحضور القوي للسارد أو تقليص المسافة بينه وبين الشخصيات؛ بل يمكننا -في أحسن الحالات- عن القرابة بين أنواع الرؤية والأسلوب، وليس عن تساوٍ أو اتحاد قوي .
مراجع
- قاموس المورد، البعلبكي، بيروت، لبنان.