عودة التأين

عودة التأين أو حقبة عودة التأين في الفلك (بالإنجليزية: Reionization) يقصد بحقبة عودة التأين في نظرية الانفجار العظيم بالفترة الزمنية التي تأينت فيه المادة (الهيدروجين) مرة ثانية قبل أن يصبح الكون شفافا للضوء المرئي. تعتبر تلك الفترة المرحلة الثانية الهامة يحدث فيها تغير طوري لغاز الهيدروجين في الكون . وبناء عن ذلك فالكون يعتبر «متأينا» إلى يومنا هذا ، أي يتكون بالإضافة إلى النجوم والمجرات والكواكب من بلازما.

رسم توضيح للتطور الزمني للكون منذ الانفجار العظيم ، وحقبة عودة تأين الهيدروجين . (الزمن من أعلى إلى أسفل بمقياس لوغاريتمي).

يعد طور ارتباط الإلكترونات والبروتونات نحو 400.000 سنة بعد الانفجار العظيم هو حقبة الارتباط الأولى . انخفضت درجة حرارة الكون خلالها إلى نحو 3000 كلفن مما جعل الهيدروجين يتكون من إلكترونات و بروتونات ، فأصبحت ذرات الهيدروجين متعادلة كهربائيا. فكان معدل تكون الهيدروجين المتعادل أكبر من معدل تأين ذراته. ونظرا لأن الإلكترونات في الهيدروجين المتعادل (وأيضا في عناصر أخرى) يستطيع امتصاص طاقة في هيئة فوتونات فيصبح مثارا (كما نجد مثلا في مجموعة خطوط لايمان) فإن الكون كان آنذاك معتما لبعض أطوال الموجات الضوئية التي تتسبب في إثارة الذرات .

مقدمة

بدأ مرحلة تغير الطور الثانية بعدما تكونت في الكون النشأ نجوم تستطيع بما تطلقه من طاقة تأيين الهيدروجين . وأثناء تلك المرحلة التي أصدرت فيها النجوم والمجرات طاقة في هيئة أشعة كهرومغناطيسية تغير المادة المنتشرة في الكون (الهيدروجين) من ذرات متعادلة إلى حالة البلازما (ذرات متأينة وإلكترونات).

استغرقت تلك المرحلة بين 150 مليون سنة إلى نحو 1000 مليون سنة ، وها الزمن يعادل انزياح أحمر بين بعد الانفجار العظيم . وعندما تكون البروتونات منفصلة عن الإلكترونات فهي لا تستطيع امتصاص طاقة في هيئة فوتونات . فيمكن للفوتونات مثلا الاصطدام والتشتت على جسيمات أخرى إلا أن هذا التعامل يكون نادرا جدا بسبب كثافة البلازما المنخفضة . بذلك يصبح الكون الذي يغلب فيه الهيدروجين المتأين «شفافا» عندما تكون كثافة البلازما منخفضة ، ويكون الكون على حالته الشفافة التي نجدها حاليا.

مصادر طاقةالتأين وعودة التأين

على الرغم من إمكانية حصر ظروف حدوث عودة التأين في الماضي السحيق فإن الاجرام التي أمدت هذه الظاهرة بالطاقة لازالت محل المشاهدة العلمية. يلزم لتأين ذرة الهيدروجين إمدادها بطاقة قدرها 6و13 إلكترون فولت (أي لانتزاع الإلكترون من الذرة). تلك الطاقة تعادل فوتونات لها طول موجة مساوية 91 نانومتر أو أقل . تلك الفوتونات توجد في نطاق الأشعة فوق البنفسجية بالنسبة إلى طيف الأشعة الكهرومغناطيسية. بالتالي تكون جميع الاجرام السماوية التي تصدر أشعة فوق البنفسجية هي السبب في إحداث تأين الهيدروجين. ويهمنا حصر أعداد تلك الأجرام وكذلك مدى عمرها حيث يحدث عودة ارتباط الإلكترون والبروتون ثانيا في حالة عدم وجود طاقة كافية للتأين . أي أن الإحداثية الحرجة لكل من تلك تلك الأجرام هي «معدل إصدارها للفوتونات التي تؤين الهيدروجين لكل وحدة حجمية كونية» .[1]). وطبقا لهذا الشرط تنحصر الاجرام في أشباه النجوم وفي الجيل الأول من النجوم ، فهي الاجرام التي تصدر أشعة فوق البنفسجية بغزارة.[2]

أشباه النجوم

تشكل أشباه النجوم مصادر ممكنة لتلك الطاقة حيث أنها ذات نشاط عالي في تحويل الكتلة إلى طاقة إشعاعية ، وهي تصدر ضوءا أشد من الطاقة اللآزمة لتأين الهيدروجين . ولكن يبقى السؤال مفتوحا: هل وجدت أعداد كبيرة من أشباه النجوم في تلك الحقبة الزمنية المبكرة بعد الانفجار العظيم ؟ نحن لا نستطيع في أيامنا هذه رصد إلا أشد تلك لنجوم الزائفة التي وجدت وقت عودة التأين . أي لا توجد لدينا معلومات عن أجرام أخرى أو أشباه نجوم ضعيفة في إصدارها للأشعة فوق البنفسجية . ولكننا نستطيع رصد ودراسة اشباه النجوم التي هي بالقرب منا من أجل تقدير ا تصدره من طاقة إشعاعية. ويمكننا افتراض أن عدد أشباه النجوم ومعدل ما تصدره من ضياء الذي نجده الآن في جوارنا هو نفس الاعداد التي كانت موجودة وقت عودة التأين . وتبين تلك الدراسات أن أشباه النجوم لم تكن موجودة بالأعداد الكافية وقت نشأة الكون ، وبالتالي فليست هي المسؤولة بمفردها عن عودة تأين الهيدروجين.[1][3] لهذا يبدو أن أشعة صادرة أيضا من مجرات نشطة ساعدت على تأين الهيدروجين ، وأن أعدادها كانت في ذلك الوقت كبيرة .[4] وتنتمي أشباه النجوم إلى المجرات النشطة إلا أنها تفوقها في شدة ما تصدره من إشعاعات .

عائلة نجمية III

محاكاة حاسوبية لأول النجوم , 400 مليون سنة بعد الانفجار العظيم.

العائلة النجمية III هي نجوم لا تتكون سوي من الهيدروجين و الهيليوم ولا تحتوي على عناصر أثقل من ذلك . فقد تكون خلال الانفجار العظيم الهيدروجين والهيليوم وآثار قليلة جدا من الليثيوم (الوزن الذري 6) ، ومن تلك المواد تكونت النجوم المبدئية و أشباه النجوم . وعلى الرغم من ذلك فيبين تحليل طيف أشباه النجوم أن بعضا من العناصر الثقيلة كانت موجودة في الوسط بين النجمي . تنتج تلك العناصر الثقيلة من انفجار المستعرات العظمى ، أي من انفجار نجوم كبيرة من نوع العائلة النجمية III الساخنة جدا ، والتي ينتهي عمرها سريعا بانفجارها في صورة مستعر أعظم. ومن المرجح أن تلك النجوم ساهمت إلى جانب أشباه النجوم بإعادة تأين الهيدروجين في هذه الحقبة الزمنية بين 150 مليون سنة إلى نحو 1000 مليون سنة بعد الانفجار العظيم . وعلى الرغم عدم النجاح في رصدها عمليا إلا أن هذا التصور يتوافق مع النماذج المحسوبة بالمحاكاة,[5] ويتوافق مع بعض المشاهدات الأخرى.[6]

كما تؤيد ذلك دراسات أجريت لإحدى المجرات التي تعرضت صورتها للانحناء بسبب عدسة جاذبية .[7] كذلك تعتبر الدراسات النظرية لتلك النجوم مصدرا هاما للمعلومات التي تسهل تفسيرها على الرغم من ندرة إمكانية رصدها عمليا . فنجوم العائلة النجمية III أكثر كفاءة ونشاطا كمصدر أشعة لتأين الهيدروجين من العائلة النجمية II[8] وطبقا لبعض النماذج النظرية فهي قادرة على إعادة تأين الهيدروجين إذا كانت لها كتل كبيرة .[9]

لذلك يرجح ان نجوم العائلة النجمية III هي المصدر الرئيسي للأشعة فوق البنفسجية التي أدت إلى عودة تأين الهيدروجين.[10]

وصلات خارجية

اقرأ أيضا

مراجع

  1. Piero Madau؛ وآخرون (1999)، "Radiative Transfer in a Clumpy Universe. III. The Nature of Cosmological Ionizing Source"، The Astrophysical Journal، 514: 648–659، doi:10.1086/306975، مؤرشف من الأصل في 25 يناير 2020. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  2. Loeb and Barkana (2000)، "In the Beginning: The First Sources of Light and the Reionization of the Universe"، Physics Reports، 349: 125–238، doi:10.1016/S0370-1573(01)00019-9، مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2018.
  3. Paul Shapiro & Mark Giroux (1987)، "Cosmological H II regions and the photoionization of the intergalactic medium"، The Astrophysical Journal، 321: 107–112، doi:10.1086/185015، مؤرشف من الأصل في 06 نوفمبر 2017.
  4. Xiaohu Fan؛ وآخرون (2001)، "A Survey of z>5.8 Quasars in the Sloan Digital Sky Survey. I. Discovery of Three New Quasars and the Spatial Density of Luminous Quasars at z~6"، The Astronomical Journal، 122: 2833–2849، doi:10.1086/324111، مؤرشف من الأصل في 03 نوفمبر 2017. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  5. Nickolay Gnedin and Jeremiah Ostriker (1997)، "Reionization of the Universe and the Early Production of Metals"، Astrophysical Journal، 486: 581–598، doi:10.1086/304548، مؤرشف من الأصل في 25 أغسطس 2019.
  6. Limin Lu؛ وآخرون (1998)، "The Metal Contents of Very Low Column Density Lyman-alpha Clouds: Implications for the Origin of Heavy Elements in the Intergalactic Medium"، أرشيف خي:astro-ph/9802189. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Cite journal requires |journal= (مساعدة)، Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  7. R. A. E. Fosbury؛ وآخرون (2003)، "Massive Star Formation in a Gravitationally Lensed H II Galaxy at z = 3.357"، Astrophysical Journal، 596 (1): 797–809، doi:10.1086/378228، مؤرشف من الأصل في 02 يونيو 2016. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  8. Jason Tumlinson؛ وآخرون (2002)، "Cosmological Reionization by the First Stars: Evolving Spectra of Population III"، ASP Conference Proceedings، 267: 433–434، مؤرشف من الأصل في 27 مارس 2019. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  9. Aparna Venkatesan؛ وآخرون (2003)، "Evolving Spectra of Population III Stars: Consequences for Cosmological Reionization"، Astrophysical Journal، 584: 621–632، doi:10.1086/345738، مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2018. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  10. Marcelo Alvarez؛ وآخرون (2006)، "The H II Region of the First Star"، Astrophysical Journal، 639: 621–632، doi:10.1086/499578، مؤرشف من الأصل في 24 أغسطس 2019. {{استشهاد بدورية محكمة}}: Explicit use of et al. in: |مؤلف= (مساعدة)
  • بوابة علم الفلك
  • بوابة علم الكون
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.