البيان والتبيين
البيان والتبيين هو كتاب من أعظم مؤلفات الجاحظ، وهو يلي كتاب الحيوان من حيث الحجم ويربو على سائر كتبه. وإذا كان كتاب الحيوان يعالج موضوعاً علمياً فإن كتاب البيان والتبيين ينصب على معالجة موضوع أدبي. ولكن الجاحظ في هذين الكتابين، شأنه في جميع كتبه، ينحو منحى فلسفياً. فهو لا يقتصر في كتاب الحيوان على أخبار الحيوانات وخصالها وطباعها، بل يتطرق إلى موضوعات فلسفية كالكمون والتولد، والجواهر والأعراض، والجزء الذي لا يتجزأ، والمجوسية والدهرية الخ. وفي كتاب البيان والتبيين لا يكتفي بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار، بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
جزء من سلسلة مقالات حول |
الجاحظ |
---|
بوابة فكر إسلامي |
البيان والتبيين | |
---|---|
معلومات الكتاب | |
المؤلف | الجاحظ |
اللغة | العربية |
ويكي مصدر | البيان والتبيين - ويكي مصدر |
مؤلفات أخرى | |
البخلاء - الحيوان - الرسائل | |
ويعني الجاحظ بالبيان الدلالة على المعنى، وبالتبيين الإيضاح، وقد عرف الكتاب خير تعريف بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث: «هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطعات المتخيرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة».
بعض أقوال القدماء فيه
فيه يقول أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري المتوفي سنة 395 هـ. في الصناعتين، عند الكلام على كتب البلاغة: ((وكان أكبرها واشهرها كتاب البيان والتبيين، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. وهولعمري كثير الفوائد، جم المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفقر اللطيفة، والخطب الرائعة، والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة وغير ذلك من فنونه المختارة، ونعوته المستحسنة. إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة واقسام البيان والفصاحة، مبثوثة في تضاعيفه، ومتثرة في أثنائه، فهي ضالة بين الامثلة، لا توجد الا بالتأمل الطويل، والتصفح الكثير)).
ويقول ابن رشيق القيرواني (390هـ - 463هـ) في العمدة:[1] ((وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ -وهو علامة وقته- الجهد، وصنع كتابا لا يبلغ جودة وفضلا، ثم ما ادعى احاطته بهذا الفن، لكثرته، وان كلام الناس لا يحيط به إلا الله عز وجل)).
أما ابن خلدون (732هـ - 808هـ) فيسجل لنا رأي قدماء العلماء في هذا الكتاب، إذ يقول عند الكلام على علم الأدب: ((وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين: وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الأمالي لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها)).
ونجد في كل جزء من أجزاء الكتاب الثلاثة بحثاً في البيان والتبيين، ومجموعات من الأحاديث والخطب والمقطعات والجوابات والأشعار. ولقد التزم الجاحظ هذا التصميم وقصد إليه قصداً ليجنب القارئ الملل أو السأم بتنويع الموضوعات. وقد عبر عن ذلك بقوله: «وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال له، فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم».
بهذا برر الجاحظ طرقه الموضوعات ذاتها في كل جزء من أجزاء الكتاب. فموضوع علم البيان وفلسفة اللغة توزع على الأجزاء الثلاثة: في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان، والبلاغة والفصاحة. وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء، وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر. وفي كل جزء من الأجزاء الثلاثة أورد أبو عثمان منتخبات من كلام الأنبياء، خطباً ومقطعات وأحاديث ورسائل وأشعاراً، نسبها إلى مختلف طبقات الناس: عقلاء وحمقى، نساك ومتهتكين، أعراب ومتحضرين، رؤساء وسوقة.
بعض ماورد في الكتاب
35ـ الخروج مما بُني عليه أول الكلام إِسهاب.
44ـ وأجرأ من رأيت بظهر عيب.......على عيب الرجال ذوو العيوب
58ـ القلم أحد اللسانين، والقلم أبقى أثراً، واللسان أكثر هذراً.
66ـ إذا كان الحب يعمي عن المساوي فالبغض يعمي عن المحاسن.
74ـ حدِّث الناس ما حدجوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم، فإن رأيت منهم فترة فأمسك.
81ـ كان السلف يخافون من فتنة القول أكثر مما يخافون من فتنة السكوت.
85ـ كانوا يمدحون جهور الصوت، ومدحوا سعة الفم.
94ـ قيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك الشيب فقال: وكيف لا يعجل علي، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.
110ـ مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها.
_ قال الحسنْ: «لسان العاقِل مِنْ وراء قلبِه، فإذا أراد الكلامَ تفكّر، فإنْ كان له قال، وإن كان عليه سكتْ. وقَلْبُ الجاهـل من وراء لسانِه، فإنْ همَّ بالكلام تكلّم به، لـه أو عليـه»
131ـ دع الاعتذار، فإنه يخالطه الكذب.
ـ يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال.
141ـ يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق.
144ـ إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.
164ـ كان عمر بن الخطاب لا يعرض له أمراً إلا أنشد فيه شعراً.
173ـ عليك بأوساط الأمور فإنها.....نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعبا
183ـ السكوت عن قول الحق هو في معنى النطق بالباطل.
200ـ قال عمر: استغزروا الدموع بالتذكر.
38ـ خطب أحدهم.. ثم قال أحد السامعين هذا خطيب العرب، لو كان في خطبته شيء من القرآن.
40ـ طبقات الشعراء: شاعر، شويعر، شعرور.
58ـ نشاط القائل على قدر فهم السامع.
59ـ سوء الاستماع نفاق.
ـ التثبت نصف العفو.
80ـ إنما الناس أحاديث فإن استطعت أن تكون أحسنهم حديثاً فافعل.
81ـ من لم يصبر على كلمة سمع كلمات.
84ـ اصحب من يتناسى معروفه لديك، ويتذكر إحسانك إليه، وحقوقك عليه.
89ـ لكل داخل دهشة فآنسوه بالتحية.
92ـ ما قرأتُ كتاب رجل قط إلا عرفت فيه عقله.
93ـ قال حذيفة: كن في الفتنة كابن لبون: لا ظهر فيركب ولا لبن فيُحلب.
96ـ ثلاثة أشياء تدل على عقل صاحبها: الكتاب، الرسول، الهدية.
100ـ قيل لبعض العلماء: أي الأمور أمتع ؟ قال: مجالسة الحكماء، ومذاكرة العلماء.
167ـ لا تسم غلامك إلا باسم يخف على لسانك.
171ـ قال عمر: تعلموا اللحن كما تعلمون السنن والفرائض.
173ـ قيل لأعرابي: ألقي عليك بيتاً قال: على نفسك فألقه.
213ـ كن إلى الاستماع أسرع منك إلى القول.
ـ العلم مثل السراج من مر به اقتبس منه.
5ـ قال عمر: من خير صناعات العرب الأبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، يستنزل بها الكريم، ويستعطف بها اللـءيم.
9ـ قيل لعمر: فلان لا يعرف الشر، قال: ذلك أجدر أن يقع فيه.
26ـ قال أيوب: في أصحابي من أرجو دعوته ولا أقبل شهادته.
27ـ وإن سيادة الأقوام فاعلم لها صعداء مطلعها طويل
71ـ قال أحد العلماء: اقصد من أصناف العلم إلى ما هو أشهى إلى نفسك وأخف على قلبك فإن نفاذك فيه على حسب شهوتك له، وسهولته عليك.
117ـ سُـأل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان، فقال: تلك دماء كف الله يدي عنها، فأنا لا أحب أن أغمس لساني فيها.
163ـ قال ابن واسع: الإبقاء على العمل أشد من العمل.
165ـ رأيت صلاح المرء يصلح أهله..........ويعديهم داء الفساد إذا فسد
يُعظم في الدنيا بفضل صلاحه.......ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد
منْ لمْ ينشطْ لحديثك فارفع عنْه مؤونـة الاستماع منْك.
عبد الله بن مسعود: «وخيرُ الأمور أوساطها، وما قلّ وكفى خيرٌ ممّـا كثر وألهى، نفسٌ تنجيـها، خيرٌ من إمـارة لا تحْصـيها».
أبو هريرة النحويّ: «كفَى بترْك العلم إضاعة».
إنّمـا الناسُ أحاديـث، فإنْ استطعتَ أن تكون أحسَنهم حديثاً، فافْعلْ.
تصحيح عنوان الكتاب
وُجّه سؤال لفضيلة العلامة المحقق عبد السلام هارون: (سمعتكم تقولون... «البيان والتبَيُّن»، وقد كان المتداول في اسم الكتاب هو «البيان والتبيين» ما تفسيركم لذلك ؟
هذه ملاحظة وجيهة بلا ريب، وأنا معك في أنّ المعروف المتداول في اسم الكتاب هو «البيان والتبيين» – بياءين – ولكن طبيعة الأمور ترى أنّ هذه التسمية لا تتمشى مع المنطق، فإنّ البيان هو التبيين بعينه، ونحن نربأ بالجاحظ أن يقع في مثل هذا العيب في تسمية أشهر كتبه وأسيرها. والدارس لهذا الكتاب يرى أنه ذو شقين متداخلين:
الشق الأول: هو ما اختاره الجاحظ من النصوص والأخبار والأحاديث والخطب والوصايا، وكلام الأعراب والزهّاد ونحو ذلك، وهو يعنيه الجاحظ بكلمة «البيان».
والشق الثاني: هو النقد الأدبي في صورته المبكرة، فللجاحظ في هذا الكتاب نظرات فاحصة في نصوصه، وفي الكلام بصفة عامة، تسمى بعد ذلك بفن «النقد»، فهذه النظرات والقواعد التي ساقها الجاحظ هو ما عناه بكلمة «التبيُّن».
هذا من ناحية، وهناك ناحية أخرى تاريخية وثائقية فإنّ النسخ العتيقة من هذا الكتاب – وقد أثبتُّ صورتها في تقديمي للكتاب – تقطع بأنّ عنوانه هو «البيان والتبيُّن» وهذا ما يجده القاريء بوضوح في مصورة مخطوطة كوبريلي المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (4370 أدب)، وتاريخ كتابتها هو سنة 684، وكذلك نقرأ هذا العنوان بوضوح في مصورة مخطوطة مكتبة فيض الله، وهي في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم (887) وهناك بحمد الله صورة منها، وهذه النسخة مكتوبة بخط أبي عمرو محمد بن يوسف بن حجاج اللخمي. وقد قرأها على الإمام أبي ذر ابن محمد بن مسعود الخشني في سنة 587 هج، وكتب هذا الناسخ أنه وجد في آخر السِّفرالذي نسخ منه الثلث الثالث من هذا الكتاب ما نصه:
«كتب هذا السفر، وهو مشتمل على كتاب البيان والتبيُّن نسخة أبي جعفر البغدادي، وهي النسخة الكاملة، فتم بعون الله وتأييده في غرة ربيع الآخر من سنة سبع وأربعين وثلثمئة». أي بعد وفاة الجاحظ بمدة لا تزيد على 92 سنة.
وسأُعيد هذه التسمية الصحيحة إلى نصابها في الطبعة الخامسة إن شاء الله.) انتهى. «قطوف أدبية» (ص: 97 – 98).
انظر أيضاً
الهوامش
- العمدة (171:1) في باب البيان.