الرعاية الصحية في كوبا

تدير الحكومة الكوبية نظامًا صحيًا وطنيًا وتأخذ على عاتقها المسؤولية المالية والإدارية للرعاية الصحية لجميع مواطنيها.[1] لا توجد مستشفيات أو عيادات خاصة لأن جميع الخدمات الصحية تديرها الحكومة. وزير الصحة العامة الحالي هو روبرتو موراليس أوجيدا.[2]

عانت الرعاية الطبية الكوبية مثل بقية القطاعات الاقتصادية بعد انتهاء الدعم الحكومي من الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وكان لتصعيد الحصار الأمريكي على كوبا في هذا الوقت تأثيرًا أيضًا.[3]

كان أداء الوضع الصحي في كوبا تاريخيًا -قبل وأثناء الحكم الشيوعي- أفضل من الدول الأخرى في المنطقة من حيث معدل وفيات الرضّع ومتوسط العمر المتوقع.[4] ذكر بعض الخبراء أنه يجب التشكيك في الإحصاءات الرسمية المقدمة من قبل الحكومة الحالية.[4][5]

التاريخ

كان الأطباء المدربون في كوبا يمارسون الطب الغربي الحديث منذ بداية القرن التاسع عشر على الأقل وأُنشئت أول عيادة جراحية عام 1823.[6] يوجد في كوبا العديد من الأطباء ذو مستوى عالمي، منهم كارلوس فينلي، الذي أُثبتت نظريته حول انتقال العدوى بالحمى الصفراء عن طريق البعوض بالدليل الدامغ تحت إشراف ولتر ريد وجيمس كارول وأريستيدس أغرامونتي.[7] خلال فترة وجود الولايات المتحدة (1898-1902)، تمّ التخلص من الحمى الصفراء نهائيًا بفضل جهود كلارا ماس والجراح جيسي ويليام لازير.[7][8]

كانت نسبة عدد الأطباء في خمسينيات القرن العشرين لكل ألف مواطن أعلى من بريطانيا وفرنسا وهولندا. وعلى مستوى أمريكا اللاتينية، احتلت المرتبة الثالثة بعد الأوروغواي والأرجنتين.[9] ومع ذلك، ظلّت هناك تفاوتات ملحوظة. كان معظم الأطباء الكوبيين متوزعين على المدن والبلدات المحلية المزدهرة نسبيًا، وكانت الظروف في المناطق الريفية، ولا سيما إقليم أورينتي، أسوأ بكثير.[10] كان معدل الوفيات ثالث أدنى معدل في العالم. كان للجزيرة أدنى معدل وفيات للأطفال في أمريكا اللاتينية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.[11]

تفاقمت الزيادة في الأمراض ووفيات الأطفال في ستينيات القرن العشرين عقب الثورة الكوبية وما تلاها من حصارٍ أمريكي على كوبا.[12] أكدت الحكومة الكوبية الجديدة أن الرعاية الصحية الشاملة ستصبح أولويةً في أولويات الدولة. رسم الطبيب الثوري تشي غيفارا عام 1960 الخطوط العريضة لمستقبل الرعاية الصحية الكوبية في مقالٍ بعنوان «عن الطب الثوري»، جاء فيه: «العمل الذي يُعهد به اليوم إلى وزارة الصحة والمنظمات المماثلة، هو تقديم خدمات الصحة العامة لأكبر عددٍ ممكنٍ من الأفراد، ووضِع برنامج للطب الوقائي، وتوجيه العامّة لممارسة عادات النظافة الصحية».[13] أعاقت هجرة نصف الأطباء الكوبيين تقريبًا إلى الولايات المتحدة تحقيق هذه الأهداف، بقي في البلاد ثلاثة آلاف طبيب فقط و16 أستاذًا في كلية الطب بجامعة هافانا.[14] بدأت وزارة الصحة العامة مطلع عام 1960 برنامج تأميم الخدمات الطبية وأقلمتها. أصبحت كوبا عام 1965 أول دولة في أمريكا اللاتينية تقنّن الإجهاض.[15]

في عام 1976، احتفظ برنامج الرعاية الصحية في كوبا بالمادة 50 من الدستور الكوبي المعدل الذي ينص على أن «لكل شخص الحق في الحماية والرعاية الصحية». تضمن الدولة هذا الحق:

  • من خلال توفير الرعاية الطبية والعناية في المستشفى مجانًا عبر إعداد التجهيزات لشبكة الخدمات الطبية الريفية والعيادات الشاملة والمستشفيات ومراكز العلاج الوقائي والمتخصص.
  • من خلال توفير عناية مجانية بالأسنان.
  • من خلال تشجيع حملات الدعاية الصحية، والتثقيف الصحي، والفحوص الطبية المنتظمة، واللقاحات العامة وغيرها من التدابير لمنع تفشي المرض. يتعاون جميع السكان في هذه الأنشطة والخطط عن طريق المنظمات الاجتماعية والجماعية.[16] كانت عملية خصخصة الرعاية الصحية في كوبا غير قانونية وغير ضرورية، إذ أن الرعاية عالية الجودة والمتساوية التي توفرها الدولة متاحة للجميع وإلزامية حسب ما ينص عليه دستور كوبا.[17]

ازدادت نسبة الأطباء بالنسبة للمرضى في كوبا بشكل ملحوظ في النصف الأخير من القرن العشرين، من 9.2 طبيب لكل 10.000 مواطن في عام 1958، إلى 58.2 طبيب لكل 10.000 مواطن في عام 1999.[18] طبقت الحكومة في ستينيات القرن العشرين برنامج التطعيمات الشاملة تقريبًا. ساعد ذلك في القضاء على العديد من الأمراض المعدية بما في ذلك شلل الأطفال والكزاز والخناق والحصبة الألمانية، على الرغم من زيادة بعض الأمراض خلال فترة المعاناة الاقتصادية في تسعينيات القرن العشرين، مثل السل والتهاب الكبد وجدري الماء. وشملت الحملات الأخرى برنامجًا لخفض معدل وفيات الرضّع في عام 1970 الموجه إلى رعاية الأمومة ومرحلة ما قبل الولادة.[18] انخفض معدل وفيات الرضع في كوبا اعتبارًا من عام 2012 إلى 4.83 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي مقارنة بـ 6.0 في الولايات المتحدة وأعلى من كندا بقليل إذ بلغت النسبة 4.8.[19] ومع ذلك، لاحظ الخبراء أن هذه الإحصائيات قد تعكس المعاملة القاسية للمرضى الحوامل أو أن تلك الإحصائيات قد تكون مزورة. لاحظ أحد الخبراء، على سبيل المثال، أن النساء الحوامل قد يُجبرن على الخضوع للإجهاض إذا اكتشفت تشوهات لدى الجنين أو وضعها تحت المراقبة القسرية. يملك الأطباء أيضًا دافعًا لتزوير الإحصاءات، لأن ارتفاع معدل وفيات الرضع سيكلفهم وظائفهم. لا تسمح كوبا بالتحقيق المستقل في بياناتها الصحية.[20]

ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي

أدى فقدان الدعم السوفيتي إلى نقص الغذاء في كوبا في أوائل تسعينيات القرن العشرين. كان نظام الحكم السلطوي سببَ المجاعة خلال الفترة الاستثنائية، إذ حرم الناس من الغذاء الذي كان يحق لهم عند توقف توزيع الغذاء على الجمهور؛ أُعطيت الأولوية للطبقات الراقية والجيش. لم يقبل النظام تبرعات الغذاء والدواء والمنح المالية من الولايات المتحدة حتى عام 1993.[21]

يصف عالم الأوبئة مانويل فرانكو الفترة الاستثنائية بأنها: «التجربة الطبيعية الأولى، وربما الوحيدة، التي واكبت ظروفًا مشؤومة، إذ كان للآثار البالغة على أمراض السكري والقلب والأوعية الدموية والوفيات الناجمة عن جميع الأسباب علاقة بفقدان الوزن بصورة مستدامة على مستوى السكان نتيجة زيادة النشاط البدني وانخفاض المدخول من السعرات الحرارية».[22]

أعلنت كوبا عام 2007 أنها أخذت على عاتقها حوسبة وإنشاء شبكات وطنية في بنوك الدم وطب الكلى والصور الطبية. كوبا هي ثاني بلد في العالم في هذا المجال، لا يسبقها إلا فرنسا. تعدّ كوبا سجلًا صحيًا محوسبًا ونظام إدارة المستشفيات والرعاية الصحية الأولية والشؤون الأكاديمية والمشاريع الوراثية الطبية وعلوم الأعصاب والبرامج التعليمية. والهدف من ذلك هو المحافظة على جودة الخدمات الصحية المجانية للشعب الكوبي، وزيادة التبادل بين الخبراء ودعم مشاريع تطوير البحث. إن عملية التشبيك هي أمر بالغ الأهمية لضمان وصول شبكة نقل البيانات وموقع الصحة في كوبا (INFOMED) إلى جميع وحدات وعمال النظام الصحي الوطني.

حصار الولايات المتحدة على كوبا

تسبب الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا خلال تسعينيات القرن العشرين بنشوب مشاكل بسبب القيود المفروضة على تصدير الأدوية من الولايات المتحدة إلى كوبا.[23][24] أصبح الحصار الأمريكي عام 1992 أكثر تشددًا مع تمرير قانون الديمقراطية الكوبية ما أدى إلى حظر جميع التبادلات التجارية للشركات التابعة الأمريكية، بما في ذلك تجارة الغذاء والدواء.[23] على الرغم من أن التشريع لم ينص على أن كوبا لا تستطيع شراء الأدوية من الشركات الأمريكية أو الشركات الأجنبية التابعة لها، إلا أن طلبات الترخيص كانت ترفض بصورة روتينية.[23] أبلغت لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الدول الأمريكية عام 1995 حكومة الولايات المتحدة بأن مثل هذه الأنشطة تنتهك القانون الدولي وطلبت أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات عاجلة لإعفاء الدواء من قانون الحظر.[25] أدانت مجلة ذا لانسيت والمجلة الطبية البريطانية أيضًا الحظر في تسعينيات القرن العشرين.[26]

أجبر الحصارُ الأمريكي استخدام كوبا المزيد من مواردها المحدودة من الواردات الطبية، لأن المعدات والأدوية من الشركات الأجنبية التابعة لشركات أمريكية أو من مصادر غير أمريكية كانت أعلى سعرًا وتكاليف الشحن أغلى. زاد قانون الديمقراطية لعام 1992 من تفاقم المشاكل في النظام الطبي الكوبي، إذ حظر التعامل التجاري للشركات الأجنبية التابعة للشركات الأمريكية مع كوبا، وبالتالي تقييد وصول كوبا إلى الأدوية والمعدات ورفع الأسعار. وبالإضافة إلى ذلك، منع القانون السفن التي ترسو في الموانئ الكوبية من الرسو للتحميل والتفريغ في الموانئ الأمريكية لمدة ستة أشهر. أدى ذلك إلى فرض قيود جائرة على النقل البحري، وزاد من تكلفة الشحن بنسبة 30% تقريبًا.[27]

انظر أيضًا

المراجع

  1. Harvard Public Health Review/Summer 2002 نسخة محفوظة 2012-05-30 at Archive.is The Cuban Paradox
  2. "WHO | Dr Roberto Morales Ojeda
    Minister of Public Health of Cuba"
    ، who.int، مؤرشف من الأصل في 10 مايو 2020، اطلع عليه بتاريخ 06 أكتوبر 2017.
  3. The effects of the U.S. embargo on medicines in Cuba have been studied in numerous reports.
    • R Garfield and S Santana. Columbia University, School of Nursing, New York; "The impact of the economic crisis and the US embargo on health in Cuba" "this embargo has raised the cost of medical supplies and food Rationing, universal access to primary health services"
    • American Association for World Health; Online. American Association for World Health Report. March 1997. Accessed 6 October 2006. Supplementary source : American Public Health Association website نسخة محفوظة 2006-08-13 على موقع واي باك مشين. "After a year-long investigation, the American Association for World Health has determined that the U.S. embargo of Cuba has dramatically harmed the health and nutrition of large numbers of ordinary Cuban citizens."
    • Felipe Eduardo Sixto; An evaluation of four decades of Cuban Healthcare نسخة محفوظة 2010-06-19 على موقع واي باك مشين.."The lack of supplies accompanied by a deterioration of basic infrastructure (potable water and sanitation) resulted in a setback of many of the previous accomplishments. The strengthening of the U.S. embargo contributed to these problems."
    • Pan American Health organization; Health Situation Analysis and Trends Summary "The two determining factors underlying the crisis are well known. One is the dissolution of the Soviet Union and the socialist bloc, and the other is the economic embargo the Government of the United States."
    • Harvard Public Health; Review/Summer 2002: The Cuban Paradox نسخة محفوظة 2012-05-30 at Archive.is "Because its access to traditional sources of financing is seriously hindered by the sanctions, which until recently included all food and medicine, Cuba has received little foreign and humanitarian aid to maintain the vitality of its national programs"
    • The Lancet medical journal; Role of USA in shortage of food and medicine. "The resultant lack of food and medicines to Cuba contributed to the worst epidemic of neurological disease this century."
  4. "Justin Trudeau's claim that Castro made 'significant improvements' to Cuban health care and education"، Washington Post، مؤرشف من الأصل في 17 أبريل 2020، اطلع عليه بتاريخ 19 أغسطس 2017.
  5. Berdine, Gilbert؛ Geloso, Vincent؛ Powell, Benjamin (2018)، "Cuban infant mortality and longevity: health care or repression?"، Health Policy and Planning (باللغة الإنجليزية)، 33 (6): 755–757، doi:10.1093/heapol/czy033، PMID 29893849.
  6. Official site of the Finlay medical center نسخة محفوظة 2019-09-11 على موقع واي باك مشين.
  7. The Philip S. Hench Walter Reed Yellow Fever On-line Collection [02954005]&query=james+carroll Online نسخة محفوظة 5 أكتوبر 2013 على موقع واي باك مشين.
  8. "Clara Louise Maass"، مؤرشف من الأصل في 05 ديسمبر 2006، اطلع عليه بتاريخ 05 فبراير 2007.
  9. Gott, R. (2004) Cuba: A New History (Yale : Yale University Press) p165. (ردمك 0-300-10411-1)
  10. Hugh Thomas, Cuba : The pursuit of Freedom. p968-970 "[since the revolution] The distribution of food has been erratic. Still, few die of malnutrition and, particularly in Oriente province, the very poor peasants must be fed better and more regularly than before the revolution" – "The revolution has in many ways improved everybody's health. Medicines are more fairly distributed throughout the country. Preventative medicine has been much emphasized and many clinics have been established in rural areas."
  11. "Cuba Before Fidel Castro"، مؤرشف من الأصل في 08 يونيو 2013.
  12. Dominguez, Jorge (1993), "Cuba since 1959", in Bethell, Leslie (ed., 1993), Cuba: a short history, Cambridge: Cambridge University Press
  13. On Revolutionary Medicine by Che Guevara Monthly review نسخة محفوظة 2011-03-17 على موقع واي باك مشين.
  14. Cuban Healthcare: An analysis of a Community-based model Essam Farag online نسخة محفوظة 2017-12-23 على موقع واي باك مشين.
  15. "En Uruguay, le Parlement vote la dépénalisation de l'avortement"، Le Monde.fr، 17 أكتوبر 2012، مؤرشف من الأصل في 18 أغسطس 2019.
  16. ° English translation of the 1976 Constitution of Cuba Wikisource 1976 Constitution of Cuba 1976 (in Spanish) 404 نسخة محفوظة 2006-09-02 على موقع واي باك مشين.
  17. De Vos, Pol (24 يونيو 2016)، ""No One Left Abandoned": Cuba's National Health System since the 1959 Revolution"، International Journal of Health Services (باللغة الإنجليزية)، 35 (1): 189–207، doi:10.2190/m72r-dbkd-2xwv-hjwb، PMID 15759563.
  18. An evaluation of four decades of Cuban healthcare نسخة محفوظة 2010-06-19 على موقع واي باك مشين.. Filipe Eduardo Sixto, 2002. [وصلة مكسورة]
  19. CIA World Factbook.
  20. "Sen. Tom Harkin says Cuba has lower child mortality, longer life expectancy than U.S."، @politifact، مؤرشف من الأصل في 13 يناير 2020، اطلع عليه بتاريخ 30 نوفمبر 2016.
  21. "Health consequences of Cuba's Special Period"، CMAJ : Canadian Medical Association Journal، 179 (3): 257، 2008، doi:10.1503/cmaj.1080068، PMC 2474886، PMID 18663207.
  22. Carroll, Rory (27 سبتمبر 2007)، "Economic crisis boost to health of Cubans"، The Guardian، London، مؤرشف من الأصل في 06 نوفمبر 2018، اطلع عليه بتاريخ 04 مايو 2010.
  23. The impact of the economic crisis and the US embargo on health in Cuba. American journal of public health. 1997 January. Accessed 6 October 2006. نسخة محفوظة 2020-05-10 على موقع واي باك مشين.
  24. The Impact Of The US Embargo On The Health And Nutrition In Cuba. Online. American Association for World Health Report. March 1997. Accessed 6 October 2006. Supplementary source : American Public Health Association website نسخة محفوظة 2006-08-13 على موقع واي باك مشين.
  25. Role of the USA in shortage of medicines in Cuba. Anthony F. Kirkpatrick. The Lancet. 2004. Accessed 6 October 2006. نسخة محفوظة 2020-05-10 على موقع واي باك مشين.
  26. BMA must voice its opposition to Cuban embargo 404. British Medical Journal. 1998. Accessed 6 October 2006. نسخة محفوظة 21 نوفمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  27. Myths and Facts about the US embargo on medicines and supplies. Oxfam America and the Washington Office on Latin America. نسخة محفوظة 10 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  • بوابة صحة
  • بوابة كوبا
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.