الشفقة

الشفقة هي الشعور بالحزن والرحمة نتيجة للتفاعل مع معاناة الآخرين، ويُعتبر الإحساس بالشفقة شعورمشابه للتعاطف أو المواساة أو التقمص الوجداني وتعود جذور كلمة الشفقة إلى اللغة اللاتينية (pietās (etymon والتي تعني التقوى).وتُعرف الشفقة على الذات بأنها الشفقة الموجهة نحو الذات.

تنقسم الشفقة إلى نوعين شائعين وهما "الشفقة الإيجابية" و "الشفقة السلبية" (انظر كيمبال)، حيث تُستخدم الشفقة المزيفة أو المصحوبة بالازدراء أو الاستعلاء أو الاحتقار.[1]

المصادر النفسية

ويُرجع علماء النفس نشأة الشفقة إلى مرحلة الطفولة المبكرة والتي تبدأ بمحاولة الرضيع التعرف على المحيطين به والتآلف معهم.[2]

ويفسر التحليل النفسي بعض أنواع الشفقة لدى البالغين بطريقة معقدة حيث يمكن أحياناً أن تُفسر المشاعر العدوانية تجاه الاخرين بنوع من أنواع الشفقة، وبخلاف العدوانية فإن مفهوم الشفقة الذاتي يعكس قدرة الإنسان على التساهل مع النفس ومنحها أقصى درجات التسامح.[3]

ينظر الإسكندر بنظرات تشوبها الشفقة إلى داريوس عند موته نتيجة لتأثره بجراحه.
ذكر الشاعر ويليام بلايك في قصيدته موجز البشرية ضمن مجموعة أغاني البراءة والخبرة مقولته الرائدة "لو أحسن البشر معاملة بعضهم فأنه لا حاجة للشعور بالشفقة" (1-2). كُتبت هذه النسخة عام 1795 ويحتفظ بها حاليًا في مركز Yale للفنون البريطانية.[4]

المنظور الديني

  • عُزز المفهوم الديني للشفقة في الغرب بعد قبول المفاهيم اليهودية - المسيحية عن شفقة الله التي تشمل البشرية، كما وُجد في البداية في التقليد اليهودي:" إن الرب يشفق على أبنائه الذين يخشونه مثل إشفاق الأب على أطفاله".[5] الكلمة العبرية "Hesed" مترجمة في LXX بكلمة "Eleos" حيث تُعتبر تقريباً مكافئة لكلمة الشفقة التي تحمل معنى الرحمة واللطف والمحبة. (انظر الكتاب المقدس اللاهوتي للعهد القديم، 698 أ.)
  • في مذهب ماهايانا في الديانة البوذية ورد وصف المستنيرين (الزاهدين في الديانة البوذية) في جزء من الكتاب المقدس الذي يُعرف باسم لوتس سوترا بأنهم" أشخاص تدفعهم شفقتهم إلى الرغبة في أن تعم السكينة جميع الكائنات حتى تتحقق لهم الرفاهية والسعادة".[6]

أطروحات فلسفية

  • ذكر أرسطو في تأويله البلاغي (فن البلاغة 2.8) عن مفهوم الشفقة أنه يجب أن يكون الشخص قد عانى من تجربة مشابهة ولا تربطه أي علاقة بصاحب المعاناة وذلك ليتمكن المتعاطف من الشعور بالشفقة على الاخرين. وقد عرف أرسطو الشفقة كما يلي: "إن الشفقة نوعاً من الألم ينتج عند حدوث ضرر مدمر ومؤلم لشخص لا يستحق ما حل به من الشقاء، حيث أن المُشفق قد يُسقط ما حدث من معاناة عليه أو على أحد أقارباءه ". وقد أشار أرسطو أيضًا إلى أن "الناس يشفقون على معارفهم الذين لا تربطهم بهم صلة قرابة لأنهم يسقطون تلك المشاعر على أنفسهم كما لو أنهم تعرضوا لنفس الضرر"، وأضاف أرسطو ليشعر الإنسان بالشفقة فأنه يجب عليه أن يعتقد بأن المُشفق عليه لا يستحق ما حدث له. وفي مجال الشعر فقد احتوت أعمال أرسطو على محاولة لتطوير وجهة النظر اليونانية التقليدية حيث يُعرف المأساة بأنها نوع من الشعر المقلد الذي يثير الشفقة والخوف.[7]
  • أوضح ديفيد هيوم في أطروحته عن الطبيعة البشرية (القسم السابع بعنوان التعاطف) بأن الشفقة هي الإكتراث لمعاناة الاخرين بدون أي علاقة صداقة تربطهم قد تؤثر على نوع هذه الشفقة" ويضيف هيوم بأن الشفقة "مشتقة من التوهم". فعندما يلاحظ المرء شخصاً وقع في محنة فقد يتوهم الشخص المشاهد للموقف مشاعر الاسى التي يشعر بها ذلك الشخص ولكن في واقع الأمر قد لا يشعر ذلك الشخص بتلك المشاعر. وبينما نحمر خجلاً أمام من يتصرفون بحماقة أمامنا إلا أنهم لا يشعرون بأي نوع من الإحراج، ولا يبدو أنهم يعون حماقتهم التي ارتكبوها وبناءً على ماورد سابقاً فأن هيوم يعتقد " بأن الشخص الغير مدرك لحالته البائسة هو المستحق للشفقة أكثر من غيره" [8]
  • كان لدى جان جاك روسو وجهة نظر مختلفة حيث يعتقد أن الشفقة على الغير هي شعور معاكس للمحبة:" لذلك فمن المؤكد أن الشفقة هي مشاعر وجدانية طبيعية والتي تتمثل من خلال اعتدال كل فرد في ممارسة حبه لذاته وبالتالي فإن ذلك يساهم في المحافظة المشتركة على البشرية. هذه الشفقة هي التي تدفعنا دون أي تردد لمساعدة أولئك الذين وقعوا في محنة، ذلك الشعور بالشفقة هو بمثابة القانون والفضيلة والأخلاق الحميدة في الحياة البدائية للبشرية حيث لا يستطيع أي شخص عصيان صوتها الخفي واللطيف، تلك الشفقة هي التي ستمنع الشخص الهمجي الذي يمتلك أضعف الوسائل لتوفير قوت يومه من نهب ممتلكات طفل ضعيف أو عجوز مسكين حصل عليه بعد مكابدة العناء والمشقة. وعوضاً عن ذك المبدأ السامي للعدالة الجدلية والذي ينص على عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك، فإن الشفقة تلهم البشرية المتمتعين بالخيرة الفطرية والتي قد تكون أقل مثالية من ذلك المبدأ ولكنها أكثر نفعاً، لذلك أحب للناس ماتحب لنفسك من السعادة والخير. "
  • ذكر نيتشه بما أن الإنسان يمتلك الشعور بإحترام الذات وتقديرها، فإن شفقة الاخرين قد تؤثر سلباً على ذلك، وقد ااعتبر نيتشه موقفه من الشفقة نقطة ضعف لازمته مدى الحياة.[9] بل ذهب إلى أبعد من ذلك وانتقد ما أسماه "مفهوم فضيلة الشفقة عند شوبنهاور".[10]


شواهد أدبية

  • اعتبر جوفينال الشفقة من أسمى صفات الطبيعة البشرية.[11]
  • كان الشاعر الصوفي ويليام بليك وجهة نظر متباينة بشأن الشفقة حيث صنفها في بداية الأمر كمفهوم سلبي ولكنه بعد ذلك أخذ منحى آخر وأستدل على أن الشفقة عبارة عن عاطفة نبيلة توحد الكائنات جميعها. وفي كتاب شفقة يورايزون تظهر عاطفة الشفقة جلية عندما ينظر لوس إلى جسم يورايزون وهو مقيداً بالسلاسل (Urizen 13.50–51). وبالرغم من ذلك، فإن الشفقة تؤدي إلى الانهيار كما ذكر بلايك أن "للشفقة ترهق الروح" (13.53)، فقد فرقت بين لوس وإيناثارمون (والتي سميت بالشفقة عند ولادتها). أكد بلايك أن شعورالسخط الناتج عن شفقة الاخرين قد يعيق الإنسان عن القيام بالعمل الصحيح وقد استنكر بلايك وجود الشفقة في قصيدته موجز البشرية حيث ذكر بلايك بأنه: "إذا أحسن البشر إلى بعضهم فأنه لا يوجد حاجة للشفقة" (1-2).
  • أستخدم جون رونالد تولكين الشفقة - تلك التي حظي بها غولوم من الهوبيت وجعلها مفهوم ذو أثر بالغ في سير أحداث سيد الخواتم: [12] "إن الشفقة التي امتلكها بيلبو قد تغير مصير الكثيرين".[13]
  • أستهل ويلفريد أوين مجموعته عن شعر الحرب بالقول إن "موضوعي هو الحرب ومآسيه، حيث أستلهم شعره من الشفقة الناتجة من مآسي الحرب" [14] - اعتبر تشارلز هيبرت سيسن أن الشفقة عبارة عن شعور يلامس الوجدان.[15]

انظر أيضاً


المراجع

  1. Stuff Pity! نسخة محفوظة 6 سبتمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  2. D Goleman, Emotional Intelligence (London 1995) p. 98-9
  3. O Fenichel, The Psychoanalytic Theory of Neurosis (London 1946) p. 476
  4. Robert N. Essick؛ Joseph Viscomi (المحررون)، "Songs of Innocence and of Experience, copy L, object 47 (Bentley 47, Erdman 47, Keynes 47) "The Human Abstract""، William Blake Archive، مؤرشف من الأصل في 1 أبريل 2019، اطلع عليه بتاريخ 10 يونيو 2014. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |editor1= مفقود (مساعدة)
  5. King James Version, ‘’Holy Bible’’ (USA 1979) p. 780 (Psalm 103:13)
  6. E Conze ed., Buddhist Scriptures (Penguin 1959) p. 209
  7. Aristotle. فن الشعر, section 6.1449b24-28.
  8. "A Treatise of Human Nature, by David Hume : B2.2.7"، ebooks.adelaide.edu.au، مؤرشف من الأصل في 6 سبتمبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 11 يوليو 2019.
  9. W Kaufmann ed., The Portable Nietzsche (London 1987) p. 440
  10. W Kaufmann ed., The Portable Nietzsche (London 1987) p. 540 and p. 573
  11. J D Duff ed., Fourteen Satires of Juvenal (Cambridge 1925) p. 450
  12. T Shippey, J. R. R. Tolkien (London 2001) p. 143
  13. J. R. R. Tolkien, رفقة الخاتم (London 1991) p. 58 (Bk 1, Ch 2)
  14. J Silkin ed, Wilfred Owen: The Poems (Penguin 1985) p. 43
  15. C. H. Sisson English Poetry 1900-1950 (Manchester 1981) p. 83

مراجع إضافية

  • Kimball, Robert H. (2004)، "A Plea for Pity"، Philosophy & Rhetoric، 37 (4): 301–316، doi:10.1353/par.2004.0029.
  • David Konstan, Pity Transformed. London: Duckworth, 2001. pp. 181. (ردمك 0-7156-2904-2)ISBN 0-7156-2904-2.
  • David Hume, An Enquiry concerning the Principles of Morals, in his Enquires concerning Human Understanding and concerning the Principles of Morals. (1751) ed. L.A. Selby-Bigge, 3rd ed. P.H. Nidditch (Oxford: Oxford University Press, 1975 [1st]) Sec. VI Part II, p. 248, n.1.
  • Stephen Tudor, Compassion and Remorse: Acknowledging the Suffering Other, Leuven, Peeters 2000.
  • Lauren Wispé. The Psychology of Sympathy. Springer, 1991. (ردمك 0-306-43798-8)ISBN 0-306-43798-8, (ردمك 978-0-306-43798-4).

روابط خارجية

  • بوابة الأديان
  • بوابة علم النفس
  • بوابة فلسفة
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.