العبودية في موريتانيا

العبودية في موريتانيا هي ظاهرة متجذرة في بنية المجتمع الموريتاني، ولها ارتباط وثيق بالتركيبة العرقية للبلاد.[1]

في عام 1981، أصبحت موريتانيا آخر بلد في العالم يلغي الرق،[2] بعد إصدارها مرسوم رئاسي يمنع هذه الممارسة، لكن غياب الترسانة القانونية جعلها حبر على ورق.[2][3][4] وفي عام 2007، وبفضل الضغط الدولي والمنظمات الحقوقية المحلية، أصدرت الحكومة قانونا يسمح بمحاكمة المتاجرة بالعبيد. على الرغم من هذا، فقد قُدِّر عدد العبيد في البلاد من قبل منظمة SOS الرق حوالي 600,000، أي 17٪ من السكان، وصُنفت موريتانيا في مؤشر الرق العالمي لسنة 2014 الصادر من مؤسسة وولك فري "Walk Free Foundation" كأول دولة في العالم على مقياس ممارسة أشكال «العبودية العصرية»، كون 4% في مجموع سكان موريتانيا، حوالي 140.000 نسمة، يعانون من شكل من اشكال العبودية المعاصرة. وفي مطلع عام 2015 أصدرت الدولة الموريتانية قانونا يصنف الجرائم المرتبطة بالاسترقاق كجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.

ترفض السلطة الموريتانية الاعتراف بوجود الرق كممارسة ما زالت موجودة، لكنها تقر بأن «ممارسات» مرتبطة بالرق لا تزال معاشة في البلاد، ويصطدم هذا الموقف بإصرار من مدافعين عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين يؤكد على وجود حالات من العبودية تمارس ضد الحراطين، وتقول إنها تتركز أساسا في المناطق القروية حيث يغيب نشاط الجمعيات والحركات الحقوقية.

تاريخ

يعود استعباد سكان ما يعرف اليوم بموريتانيا بعضهم بعضاً انطلاقاً من قانون الغلبة والسيطرة الذي هو أهم روافد الرق وعن طريق الخطف والبيع الناتج من الفاقة والحاجة وتطور النخاسة تارة أخرى. وقد مثّلت قبائل إيزكارن شأنها في ذلك شأن أخواتها إيرنكانن، أول روافد الاستعباد المعروف في البلاد، فقد اصطدمت قبائل إيزكارن بأفواج صنهاجة الأولى التي قدمت من بلاد شنقيط مستهل العهد المسيحي، ولا يزال استعباد إيزكارن موجوداً في التقاليد المروية ليومنا هذا، حسب ما يرى الباحث الحسين ولد محنض.

ويرى الباحث الحقوقي محمد الأمجد ولد محمد الأمين في كتابه مسيرة الحرية أو قصة العبودية في موريتانيا أن الثقافة الشعبية للمجتمع الموريتاني بأمثلتها وشعرها الشعبي تعبير عن مثال واضح لترسخ إيديولوجية الاستعباد وما يرتبط به من نظرة تراتبية طبقية، ومن نافلة القول إن هذه الإيديولوجية هي مركب من مشترك يتزاوج فيه تراث وتاريخ الممارسات الاسترقاقية البربرى ة والزنجية والعربية.[5]

وقد حارب المستعمر الفرنسي العبودية رمزياً وكان أول من سن قوانين تمنع هذه التجارة. ومع استقلال البلاد عن فرنسا في 28 تشرين الثاني 1960 بدأت الدولة بمحاربة الظاهرة. وتعهدت حركة الحر من خلال المادة الأولى لميثاقها بالكفاح الجاد من أجل الانعتاق والمساواة والكرامة والسعادة للأرقّاء.

من بين الأسباب التي تعيق إنهاء العبودية في موريتانيا صعوبة تطبيق أي قوانين في الصحراء الشاسعة في البلاد وبسبب الفقر وعدم قدرة المتحرر من إعالة نفسه والاعتقاد بأن العبودية هي جزء من النظام الطبيعي لهذا المجتمع.

قوانين منع الرق

وبعد عقدين على الاستقلال، أصدر حكام عسكريون في عام 1981 أول نص قانوني يحرم ممارسة الرق في موريتانيا،[6] وساهم ذلك في تحريم الرق، حيث كانت هذه أول مرة يجد العرب البيض (البيظان) أنفسهم أمام أمر واقع يمنعهم من معاملة العرب السود (الحراطين) كعبيد لهم، كما كان عليه الحال منذ قرون في هذا البلد، ورغم أن الكثيرين بادروا إلى تحرير عبيدهم بسبب هذا القانون إلا أن الممارسة بحسب منظمات حقوقية ظلت قائمة، بسبب غياب الترسانة القانونية حال دون معالجة الظاهرة بشكل كاف، ليأتي أول برلمان تعددي وعلى رأسه أحد الأرقاء السابقين هو رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير،[7] ليصدر بالإجماع قانوناً يجرم ممارسة الظاهرة سنة 2007، وهو القانون الجاري به العمل الآن. أعقبته قرارات أخرى تتعلق بالموضوع ذاته منها إنشاء محكمة خاصة بالنظر في الجرائم المتعلقة بالعبودية، وأقرت الجمعية الوطنية، وهي الغرفة الأولى في البرلمان الموريتاني، مطلع عام 2015 قانونا يعتبر أن الجرائم المرتبطة بالاسترقاق جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.

العبودية في المجتمع والقوانين الموريتانية

تحولت محاربة العبودية إلى قضية رأي عام في موريتانيا، بسبب نضال بعض المنظمات الحقوقية، وأصبح من الطبيعي أن تخرج مظاهرات لرفض العبودية في شوارع نواكشوط ومدن كبيرة أخرى، فيما دخلت على الخط أحزاب سياسية فرضت سن قوانين جديدة تكافح العبودية خلال حوار سياسي نظم عام 2011 وأسفر عن تجريم العبودية في الدستور الموريتاني لأول مرة. من جهة أخرى أنشأت السلطات وكالة لمكافحة ما سمته «آثار الرق»، وتحاول هذه الوكالة أن تقيم مشاريع لتحسين الظروف المعيشية لسكان الريف من أبناء العبيد السابقين، في إطار سياسة تمييز إيجابي يؤكد المدافعون عنها أن سبب العبودية هو الجهل والفقر. ويواجه القضاء على العبودية في موريتانيا عراقيل كثيرة في مقدمتها عدم تطبيق القوانين والنظام الاجتماعي الذي يكرس نوعًا من الطبقية التي جعلت العبودية أمرًا طبيعيًا جدًا يقبل به حتى العبيد أنفسهم، هذا بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي يعانيه العبيد ما يعني استحالة انفصالهم عن أسيادهم. ورغم النفي الرسمي لوجود العبودية في موريتانيا، تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمات حقوقية دولية آخرها منظمة «وولك فري» التي صنفت موريتانيا في مقدمة البلدان من حيث نسبة المواطنين الذين يخضعون للعبودية، وقدرت المنظمة نسبة العبيد في موريتانيا بأنها تتراوح ما بين 10 إلى 20 في المائة.

و يرى الباحثون أن العبودية في موريتانيا في طريقها إلى الاندثار، لكن المعتقدات تحول دون القضاء عليها في صفوف الكبار، حيث يعتقدون بأنها جائزة شرعاً، وهذا الفهم السيّئ للدين يساهم في بقاء الظاهرة. حيث عاشت موريتانيا عهود الرق والاستعباد حتى وقت قريب، وظلت الأسر الموريتانية من مختلف المحافظات تملك جواري وخدماً يقومون بخدمتها، ويجري توارثهم من طرف أفراد الأسرة كما يتوارث العقار والمال. كذلك كانت تجارة الرقيق مهنة عادية كبيع الجمال والخرفان. ومن عادة الكثير من الموريتانيات رفض دخول المطبخ وإعداد وجبات لعائلاتهن، لأنهن يعتبرن القيام بالأعمال المنزلية انتقاصاً من مكانتهن.

في 26 مارس 2015 أصدرت رابطة العلماء الموريتانيين، وهو أكبر تجمع للعماء في البلاد، بيانا اعتبرت فيه الرق محرما شرعا لكنها نفت فيه وجود أي حالة استرقاق في البلاد، وهو ما يتناقض تماما مع مواقف حركة ايرا، وهي أشهر حركة مدافعة عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين، التي تؤكد وجود حالات عبودية واستغلال في القرى والأرياف والمناطق المعزولة.

وأصدر العالم الموريتاني الشيخ محمد الحسن ولد الددو في أبريل 2015 فتوى تعتبر جميع أنواع الاسترقاق باطلة من الناحية الشرعية.


و أقرت الجمعية الوطنية الموريتانية (الغرفة الأولى للبرلمان) في عام 2015 مشروع قانون رقم 049/15 يلغي ويحل محل القانون رقم 13/011 الصادر بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2013 يقضي بمعاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية.

القانون الذي يتكون من 26 مادة، تنص مادته الثانية على أن «الاستعباد يشكل جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم»، وتبين المادة الثالثة الحالات التي توصف بأنها استعباد، ومعاقبة كل إنتاج أو عمل ثقافي وفني يمجد الاستعباد، بعقوبة ست سنوات سجنا ومصادرة ذلك العمل.

كما فرض القانون غرامات مالية على كل من شتم علنا شخصا ووصفه بأنه عبد، أو ينتسب إلى العبيد. وقد تصل العقوبة إلى عشر سنوات سجنا نافذا، وتصل الغرامة المالية إلى خمسة ملايين أوقية (حوالي 14 ألف دولار) ونص القانون الجديد على استحداث محاكم متخصصة لمواجهة الرق بقضاة متخصصين، ألزمهم بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، وتنفيذ الأحكام القضائية التي تتضمن تعويضا لضحايا العبودية، دون انتظار الاستئناف.

مراجع

  1. Ghanem, Omar (21 أغسطس 2007)، "Slavery in Mauritania Emancipating the Free"، onislam.net، مؤرشف من الأصل في 24 سبتمبر 2018، اطلع عليه بتاريخ 28 أكتوبر 2014.
  2. OKEOWO, ALEXIS (08 سبتمبر 2014)، "Freedom Fighter"، The New Yorker، مؤرشف من الأصل في 09 أكتوبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 16 أكتوبر 2014.
  3. "Mauritanian MPs pass slavery law"، بي بي سي نيوز، 09 أغسطس 2007، مؤرشف من الأصل في 09 يوليو 2018، اطلع عليه بتاريخ 23 مايو 2010.
  4. Corrigan, Terence (06 سبتمبر 2007)، "Mauritania: Country Made Slavery Illegal Last Month"، The East African Standard، مؤرشف من الأصل في 22 يوليو 2012، اطلع عليه بتاريخ 21 يناير 2008.
  5. ... وتبقى العبودية في موريتانيا الأخبار، تاريخ الولوج 21 سبتمبر 2015 نسخة محفوظة 24 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
  6. فتوى ببطلان الرق في موريتانيا.. هل تطوي ملف العبودية؟ نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  7. مسعود ولد بلخير الجزيرة.نت نسخة محفوظة 28 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
  • بوابة أفريقيا
  • بوابة حقوق الإنسان
  • بوابة موريتانيا
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.