الحرورية
الحرورية هم فرقة مِن فرَق الخوارج، وكان مبدأُ خُروجِهم من بلدة حَرُوراءَ بقرب الكوفة بالعراق فنُسِبوا إليها، وهم مَن أنكَروا على الخليفة الراشدي الرابع الإمام علي بن أبي طالب التَّحكيم في قتالِه مع معاوية بن أبي سفيان، ثمَّ قاتَلوه، وكفَّروا المسلمين، واستحَلُّوا دماءَهم.[1] ويقال لهم أيضاً: أهل النَّهروان لأنَّ علياً قاتلهم هناك، كما سُمُّوا أيضاً بـ المُحَكِّمَة؛ لرفعهم شعار لا حُكْمَ إلّا لله، والتفافهم حوله، وسموا كذلك بِـ النَّواصِب؛ لِمُناصَبَتِهِم علياً ومن والاه العداوة والبغضاء، وبراءتهم من كثيرٍ من الصَّحابة من السّابقين الأَوَّلين من أهل بدرٍ وغيرهم، وسمُّوا بـ الوَعِيدِيَّة؛ لقولهم بتخليد من ارتكب كبيرةً في النّار، واستحلُّوا دماءهم وأموالهم،[2] ووصفوا بأنَّهم يَجتهِدون في العبادة والصَّلاة والصِّيام،[3] وكان أول رئيس لهم هو عبد الله بن وهب الراسبي الذي قاد المعركة ضد علي بن أبي طالب في النهروان فقتلوا هناك شر قتلة. ومن أبشع جرائمهم قتلهم عبد الله بن خباب ابن صاحب رسول الله ﷺ بعد أن حدثهم بحديث يوجب القعود عن الفتن، فذبحوه على حافة النهر وبقروا بطن امرأته وكانت حبلى[4]
جزء من سلسلة مقالات حول |
الإسلام |
---|
بوابة الإسلام |
التسمية
كانت تسمية الحرورية نسبة إلى بلدة حَرُوراءَ، مركز خروجهم على علي بن أبي طالب.
وجاء في الحديث «أنَّ امْرَأَةً قالَتْ لِعائِشَةَ: أتَجْزِي إحْدانا صَلاتَها إذا طَهُرَتْ؟ فقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ كُنَّا نَحِيضُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلا يَأْمُرُنا به أوْ قالَتْ: فلا نَفْعَلُهُ.[5]» وقول عائِشةُ للمرأة التي استشكلت قضاء الحائض الصوم دون الصلاة مُستنكِرةً: أحَرُوريَّةٌ أنتِ؟ أي: هل أنتِ مِن هذه الفِرقةِ مِن الخَوارجِ؟ لأن كان بعضُهم يأمُرُ الحائضَ بقضاءِ الصلاةِ تنطُّعاً في الدِّينِ.[6]
وقد وردت هذه التسمية في الصحيحين عن مصعب قال: «سَأَلْتُ أبِي: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ [الكهف:103]، هُمُ الحَرُورِيَّةُ؟ قالَ: لا، هُمُ اليَهُودُ والنَّصَارَى؛ أمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بالجَنَّةِ وقالوا: لا طَعَامَ فِيهَا ولَا شَرَابَ، والحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وكانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الفَاسِقِينَ.[7]»
ويسمى الخوارج حرورية لتعنتهم ومخالفتهم السنة وخروجهم على جماعة المسلمين.[8]
وعن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدرى فسألاه عن الحرورية فقال: «أجل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحرورية، وما أدري ما الحرورية، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم، أو حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ينظر الرامي إلى سهمه، ثم إلى نصله، ثم إلى رصافه، فينظر ويتمارى في الفوق، هل علق به شيء من الدم أم لا؟ [9][10]»[11]
وقال أحد شعراء الخوارج مقارناً بين جحف الثريد أي أكلُهُ وبين جحف الحروري بالسيف أي ضربه به[12]
ولا يستوي الجحفان جحف ثريدة | وجحف حروري بأبيض صارم |
وقال شاعر آخر:
اذا الحرورية الحرى ركبوا | لا يستطيع لهم أمثالك الطلبا |
موقف عمر بن عبد العزيز منهم
روى إسحاق عن أسلم عن يونس عن ابن وهب قال: أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال: خرجت حرورية بالعراق في خلافة عمر بن عبد العزيز وأنا يومئذ بالعراق مع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فكتب إلينا عمر بن عبد العزيز يأمرنا أن ندعوهم إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلما أعذر في دعائهم كتب إليه أن قاتلهم فإن الله وله الحمد لم يجعل لهم سلفاً يحتجون به علينا، فبعث إليهم عبد الحميد جيشاً فهزمتهم الحرورية، فلما بلغ ذلك عمر بعث إليهم مسلمة بن عبد الملك في جيش من أهل الشام وكتب إلى عبد الحميد أنه قد بلغني ما فعل جيشك السوء وقد بعثت إليك مسلمة بن عبد الملك فخل بينه وبينهم فلقيهم مسلمة فأظفره الله عليهم وأظفره بهم.[13]
المعتقدات
الإيمان عندهم قولٌ وعمل وعقيدة، ولكنه لا يزيد ولا ينقص، وعندهم أن الإنسان إذا ترك واجباً فإنه يكون خارجاً من الدين وهم يكفرون علي بن أبي طالب[14] وعثمان وأصحاب الجمل ومن رضي بالتحكيم، وهم الذين يكفرون بالمعاصي، ويرون الخروج على إمام المسلمين وجماعتهم، ويتولون فرقة المحكمة الأولى،[15] وأختلفوا العلماء في الحكم على الخوارج بأنهم نصيون أو مؤولون، فذهب بعضهم إلى أن الخوارج نصيون يجمدون على المعنى الظاهر من النص دون بحث عن معناه الذي يهدف إليه، وهذا رأي أحمد أمين، وأبي زهرة. وذهب آخرون إلى أن الخوارج يؤولون النصوص تأويلاً يوافق أهوائهم، وقد غلطوا حين ظنوا أن تأويلهم هو ما تهدف إليه النصوص، وعلى هذا الرأي ابن عباس وابن تيمية، وابن القيم. ومن العلماء من ذهب إلى القول بأن الخوارج ليسوا على رأي واحد في هذه القضية؛ بل منهم نصيون ومنهم مؤولون، كما ذهب إلى هذا الأشعري في مقالاته[16]
غلت الحرورية في إثبات الوعيد والخوف للمؤمنين من التخليد في النار مع وجود الإيمان. وهم مضادون للمرجئة في النفي والإثبات والوعد والوعيد، ومن مفرداتهم أن من ارتكب كبيرة فهو مشرك ومذهب عامة الخوارج أنه كافر وليس بمشرك، قال بعضهم هو منافق في الدرك الأسفل من النار، فعند الحرورية أن الاسم يتغير بارتكاب الكبيرة الواحدة فلا يَسمى مؤمناً بل كافراً مشركاً، والحكم فيه أنه يخلد في النار واتفقوا على أن الإيمان هو اجتناب كل معصية.[17]
مناظرة ابن عباس
قال عبد الله بن عباس: لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد بالظهر، لعَليّ آتي هؤلاء القوم فأكلمهم، فقال علي: إني أخاف عليك. قلت: كلا. قال: فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون، فسلمت عليهم. فقالوا: مرحبا بك يابن عباس، فما جاء بك؟
قلت لهم: أتيتكم من عند أصحاب النبي ، وصهره، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد، لابلّغكم ما يقولون، وأخبرهم بما تقولون.
أخبروني ماذا نقمتم على أصحاب رسول الله وابن عمه؟ قالوا: ننقم منه ثلاثًا.
فقال ابن عباس:
|
فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار.[18]
انظر أيضاً
المراجع
- "الحروري الأزرقي"، www.islamweb.net، مؤرشف من الأصل في 27 فبراير 2019، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- "معنى : حرورية"، islamic-content.com، مؤرشف من الأصل في 20 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- "ص392 - كتاب موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام الدرر السنية - المبحث الثاني مبالغتهم في العبادة والزهد - المكتبة الشاملة"، shamela.ws، مؤرشف من الأصل في 21 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- "ص357 - كتاب موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام الدرر السنية - المبحث الثالث التعريف بفرق الخوارج - المكتبة الشاملة الحديثة"، al-maktaba.org، مؤرشف من الأصل في 21 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- أخرجه البخاري (321) واللفظ له، ومسلم باختلاف يسير (335)
- فرق معاصرة لغالب عواجي 1/230، الموسوعة الحديثية شرح حديث البخاري (321)
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب تفسير القرآن - سورة الكهف - باب قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا"، islamweb.net، مؤرشف من الأصل في 12 نوفمبر 2020، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- «عمدة الأحكام من كلام خير الأنام صلى الله عليه وسلم» (ص53):
- رواه البخاري (6931)، ومسلم (1064)
- "كتاب السنة لابن أبي عاصم"، shamela.ws، مؤرشف من الأصل في 21 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- "أسماء الخوارج - والتعريف بالحرورية"، موسوعة الفرق - الدرر السنية، 05 يونيو 2021، اطلع عليه بتاريخ 05 يونيو 2021.
- "كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها - الفصل الثالث أسماء الخوارج وسبب تلك التسميات"، shamela.ws، مؤرشف من الأصل في 21 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- ابن أبي زَمَنِين (١٤١٥ هـ)، رياض الجنة بتخريج أصول السنة (ط. الأولى)، المدينة النبوية - المملكة العربية السعودية: مكتبة الغرباء الأثرية، ص. 306، مؤرشف من الأصل في 01 ديسمبر 2018، اطلع عليه بتاريخ 5 يونيو 2021.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - "كتاب شرح العقيدة الواسطية للغنيمان - وسطية الفرقة الناجية بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية"، shamela.ws، مؤرشف من الأصل في 21 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- "ص330 - كتاب موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام الدرر السنية - المبحث الثاني تعريف الخوارج اصطلاحا - المكتبة الشاملة"، shamela.ws، مؤرشف من الأصل في 20 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- "ص400 - كتاب موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام الدرر السنية - المطلب الثاني بين ظاهر النص والتأويل - المكتبة الشاملة"، shamela.ws، مؤرشف من الأصل في 21 نوفمبر 2021، اطلع عليه بتاريخ 20 نوفمبر 2021.
- كتاب: الخطط المقريزية المسمى بـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار نداء الإيمان. وصل لهذا المسار في 11 مايو 2016 نسخة محفوظة 9 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
- مناظرة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما مع الحرورية العقائد الإسلامية. وصل لهذا المسار في 11 مايو 2016 نسخة محفوظة 16 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- بوابة الإسلام