حيوان معدل وراثيا
الحيوانات المعدّلة وراثيًا هي حيوانات عُدلَت وراثيًا لأغراض متنوّعة من بينها إنتاج الدواء، وتحسين الإنتاجيّة، وزيادة مقاومة الأمراض، إلخ. ما زالت النسبة العظمى من الحيوانات المعدلة وراثيًا في مرحلة البحث، ويبقى عدد الحيوانات المعدلة وراثيًا القريبة من مرحلة الدخول إلى السوق قليلًا.[1]
الإنتاج
الهندسة الوراثية للثدييات هي عملية بطيئة ورتيبة ومكلّفة. مثلها مثل الكائنات الأخرى المعدلة وراثيًا؛[2] يتعيّن على المهندسين الوراثيين بداية عزل الجين الذي يرغبون بإدخاله إلى الكائن المضيف. يمكن الحصول على الجين من خلية تحتوي عليه أو عن طريق التخليق الاصطناعي.[3] إذا كان الجين المُختار أو الجينوم الخاص بالكائن المانح مدروسَين بعناية فيمكن عند ذلك الحصول على الجين من المكتبة الوراثية.[4] يُدمج الجين بعد ذلك مع عناصر جينية أخرى، من بينها منطقتي المحرض والمُنهي وتُضاف عادةً واسمة مُختارة.[5]
توجد تقنيات عديدة متاحة لإدخال الجين المعزول إلى جينوم الكائن المضيف. يُدخَل للحمض النووي دنا (DNA) الخاص بالحيوانات باستخدام الحقن الميكروي، الذي يمكن عن طريقه إدخاله عبر الغشاء الخلوي مباشرة إلى النواة، أو باستخدام نواقل فيروسيّة. أُنتِجت أوّل الحيوانات المعدلة وراثيًا عبر إدخال الدنا الفيروسي إلى الأجنّة ومن ثم زرع الأجنّة ضمن أجسام الإناث.[6] من الضروري التأكد من وجود الدنا المُدخَل في الخلايا الجذعية الجنينية. سيتطور الجنين على أمل أن تحتوي خلاياه التناسلية بعض المواد الوراثية المُدخلة. ينتظر الباحثون بعد ذلك وصول الحيوان إلى سنّ التزاوج ويفحصون النسل الناتج بحثًا عن وجود الجين في جميع الخلايا،[7] باستخدام تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)، ولطخة ساوثرن (Southern blot)، وسَلسَلة الحمض النووي (DNA sequencing).[8]
تجعل التقنيات الجديدة التعديل الوراثي أكثر سهولة ودقة. طُوِّرت تقنيات استهداف الجين التي تصنع فواصل في السلسلة المزدوجة وتستغل أنظمة الإصلاح الطبيعية الخلوية المعتمدة على التأشيب المتماثل لتوجيه إدخال الدنا إلى المواقع المحددة. يَستخدم التحرير الجيني أنزيمات نوكلياز (Nucleases) مُخلَّقة اصطناعيًا في صنع فواصل في نقاط محددة. تُوجد أربع عائلات من أنزيمات نوكلياز الاصطناعية: أنزيمات ميغا نوكلياز (Meganucleases)، وأنزيمات نوكلياز إصبع الزنك (ZFNs)، وأنزيمات نوكلياز المُستفعلة المشابهة لمنشط النسخ (اختصارًا: أنزيمات تالن) ((Transcription activator-like effector nucleases (TALENs)،[9][10] ونظام كاس ناين- رنا الموجِّه (Cas9-guide RNA) (المُعدل عن كريسبر). يعتبر نظام كاس ناين- رنا الموجِّه وأنزيمات تالن الأكثر شيوعًا ولكل منهما ميزاته الخاصة. تمتلك أنزيمات تالن انتقائية عالية للهدف، بينما يعتبر نظام كاس ناين- رنا الموجِّه أسهل تصميمًا وأكثر كفاءة. أدى تطوير نظام تحرير كريسبر - كاس ناين (CRISPER-Cas9 editing system) إلى تقليل الوقت اللازم لتطوير الحيوانات المعدلة وراثيًا إلى النصف.[11][12]
التاريخ
استأنس البشر الحيوانات منذ 12,000 سنة تقريبًا، مستخدمين التربية الاصطفائية أو الاصطفاء الاصطناعي (المخالف للاصطفاء الطبيعي). تُستخدَم في الاصطفاء الاصطناعي الكائنات التي تمتلك صفات مرغوبة (وبالتالي جينات مرغوبة) لإعطاء النسل التالي وتُستبعد الكائنات التي لا تمتلك الصفة من برنامج التربية، وتُعد تلك العملية أساسًا لمفهوم التعديل الوراثي الحديث. سمح التقدّم الكبير في علم الوراثة للإنسان بإجراء تغييراتٍ على الدنا بشكل مباشر وتعديل جينات الكائنات الحيّة عن طريق ذلك. صنع بول بيرغ في عام 1972 أول جزيء دنا مؤشب عندما جمع جزيء دنا مأخوذ من الفيروس القردي 40 مع الدنا الخاص بالفيروس لامبدا (Enterobacteria phage λ).[13][14]
صنع العالم رودولف يانش في عام 1974 فأرًا معدلًا وراثيًا عن طريق إدخال دنا غريب إلى جنين الفأر، ليصبح أول حيوان معدل وراثيًا في العالم. ولكن الأمر استغرق أكثر من ثماني سنوات أخرى قبل أن تُطور فئران معدلة وراثيًا قادرة على نقل الجين المضاف إلى نسلها. طُوِّرت فئران معدلة وراثيًا في عام 1984 تحمل جينات ورمية تؤهبها للإصابة بالسرطان. صُنِعت فئران تمتلك جينات معطِّلة في عام 1989. أُنتج أول المواشي المعدلة وراثيًا في عام 1985، وعُدِّل الفأر في عام 1987 ليكون أول حيوان قادر على تخليق بروتينات من جين منقول ضمن حليبها، وعُدِّلت لإنتاج منشِّط مولد البلازمين النسيجي البشري. [15][16]
أول حيوان معدل وراثيًا يُسوَّق له تجاريًا هو السمك المضيء (GloFish)، الذي هو عبارة عن سمكة دانيو مخطط أضيفَت لها جينة تألق (fluorescent gene) تسمح لها بالتوهج في الظلام تحت ضوء من الأشعة فوق بنفسجية. أُطلِقَت في أسواق الولايات المتحدة في عام 2003. كان أول حيوان معدل وراثيًا يُعتمد للاستخدام الغذائي هو سمك السلمون «أكو أدفانتج» (AquAdvantage salmon) في عام 2015. عُدِّل سمك السلمون ذاك بإضافة جين منظم لهرمون النمو مأخوذ من السلمون الملكي (Oncorhynchus tshawytscha) ومحرض من سمكة الإلبوت الأمريكية (Zoarces americanus)، وسمح ذلك لها بالنمو على مدار السنة بدلًا من النمو فقط خلال فصلي الربيع والصيف.[17]
الثدييات
تُطوَّر الثدييات المعدلة وراثيًا لأغراض بحثية، أو لتخليق المنتجات الصناعية والعلاجية، أو للاستخدامات الزراعية أو لتحسين صحتها. يوجد أيضًا سوق لتطوير حيوانات أليفة معدلة وراثيًا.[18]
الطب
تُعد الثدييات أفضل النماذج لدراسة الأمراض البشرية، وهذا ما يجعل الثدييات المعدلة وراثيًا ضرورية لاستكشاف وتطوير علاجات للعديد من الأمراض الخطيرة. يسمح تعطيل الجينات المسؤولة عن الأمراض الوراثية البشرية للباحثين بدراسة آلية عمل المرض واختبار العلاجات الممكنة. كانت الفئران المعدلة وراثيًا أكثر الثدييات شيوعًا للاستخدام في البحوث الطبية الحيوية، لرخص ثمنها وسهولة التعديل عليها. تعتبر الخنازير أيضًا هدفًا جيدًا لامتلاكها حجم جسم وميزات تشريحية وفيزيولوجيا واستجابات فيزيولوجية مرضية وحمية غذائية شبيهة بالبشر. تُعتبر الرئيسيات غير البشرية هي النماذج الحية الأكثر شبهًا بالبشر،[19] ولكن يوجد قبول عام قليل تجاه استخدامها بصفة حيوانات بحثية. أعلن العلماء في عام 2009 أنهم نجحوا في نقل جين إلى نوع من الرئيسيات (قرود القِشَة) وإنتاج نسل ثابت من الرئيسيات المعدلة وراثيًا الخصبة لأول مرة. كان أول هدف بحثي لديهم في قرود القشة هو مرض باركنسون، ولكن كانوا يأخذون بعين الاعتبار أيضًا التصلب الجانبي الضموري وداء هنتنغتون.[20]
البروتينات البشرية المُصنعة ضمن الثدييات أكثر شبهًا بنظيراتها الطبيعية من البروتينات البشرية المُصنعة ضمن النباتات أو الأحياء الدقيقة. نجح العلماء بإدخال جينات ذات تعبير ثابت لتصنيع بروتينات بشرية إلى الخراف والخنازير والفئران وحيوانات أخرى. في عام 2009، اعتُمِدَ أول دواء بشري بيولوجي مُنتج عن طريق الحيوانات (من الماعز). استُخرج الدواء أترين (ATryn) من حليب الماعز، وهو مضاد تخثر يقلّل احتمالية تشكل الخثرات الدموية أثناء العمليات الجراحية والولادة. أُنتِج أيضًا بروتين ألفا 1-أنتيتريبسين (Alpha 1-antitrypsin) البشري الذي يُستخدم في علاج البشر الذين يعانون من عَوَز ألفا 1-أنتبيتريبسين. من المجالات الأخرى، تطوير خنازير تمتلك قدرة أكبر على استقبال الأعضاء البشرية المنقولة (نقل الأعضاء بين الكائنات الحية). عُدلت الخنازير وراثيًا بحيث لا يمكن لأعضائها حمل الفيروسات القهقرية (Retroviruses) أو لإجراء تعديلات عليها تقلل احتمالية رفض استقبال العضو. يُنظر الآن في موضوع نقل رئتي الخنازير المعدلة وراثيًا إلى البشر. توجد أيضًا إمكانية لتطوير خنازير خيمرية (Chimeric pigs) تحمل في أجسامها أعضاءً بشرية.[21][22]
المراجع
- Forabosco F, Löhmus M, Rydhmer L, Sundström LF (مايو 2013)، "Genetically modified farm animals and fish in agriculture: A review."، Livestock Science، 153 (1–3): 1–9، doi:10.1016/j.livsci.2013.01.002.
- Murray, Joo (20). Genetically modified animals. Canada: Brainwaving نسخة محفوظة 13 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Liang J, Luo Y, Zhao H (2011)، "Synthetic biology: putting synthesis into biology"، Wiley Interdisciplinary Reviews: Systems Biology and Medicine، 3 (1): 7–20، doi:10.1002/wsbm.104، PMC 3057768، PMID 21064036.
- Nicholl, Desmond S. T. (29 مايو 2008)، An Introduction to Genetic Engineering، Cambridge University Press، ص. 34، ISBN 9781139471787، مؤرشف من الأصل في 13 مارس 2020.
- Berg P, Mertz JE (يناير 2010)، "Personal reflections on the origins and emergence of recombinant DNA technology"، Genetics، 184 (1): 9–17، doi:10.1534/genetics.109.112144، PMC 2815933، PMID 20061565.
- Chen I, Dubnau D (مارس 2004)، "DNA uptake during bacterial transformation"، Nature Reviews. Microbiology، 2 (3): 241–9، doi:10.1038/nrmicro844، PMID 15083159.
- National Research Council (US) Committee on Identifying and Assessing Unintended Effects of Genetically Engineered Foods on Human Health (01 يناير 2004)، Methods and Mechanisms for Genetic Manipulation of Plants, Animals, and Microorganisms (باللغة الإنجليزية)، National Academies Press (US)، مؤرشف من الأصل في 14 ديسمبر 2019.
- Setlow, Jane K. (31 أكتوبر 2002)، Genetic Engineering: Principles and Methods، Springer Science & Business Media، ص. 109، ISBN 9780306472800، مؤرشف من الأصل في 14 أبريل 2020.
- Grizot S, Smith J, Daboussi F, Prieto J, Redondo P, Merino N, Villate M, Thomas S, Lemaire L, Montoya G, Blanco FJ, Pâques F, Duchateau P (سبتمبر 2009)، "Efficient targeting of a SCID gene by an engineered single-chain homing endonuclease"، Nucleic Acids Research، 37 (16): 5405–19، doi:10.1093/nar/gkp548، PMC 2760784، PMID 19584299.
- Gao H, Smith J, Yang M, Jones S, Djukanovic V, Nicholson MG, West A, Bidney D, Falco SC, Jantz D, Lyznik LA (يناير 2010)، "Heritable targeted mutagenesis in maize using a designed endonuclease"، The Plant Journal، 61 (1): 176–87، doi:10.1111/j.1365-313X.2009.04041.x، PMID 19811621.
- "How CRISPR is Spreading Through the Animal Kingdom"، www.pbs.org (باللغة الإنجليزية)، مؤرشف من الأصل في 2 سبتمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 20 ديسمبر 2018.
- Malzahn A, Lowder L, Qi Y (24 أبريل 2017)، "Plant genome editing with TALEN and CRISPR"، Cell & Bioscience، 7: 21، doi:10.1186/s13578-017-0148-4، PMC 5404292، PMID 28451378.
- Jackson DA, Symons RH, Berg P (أكتوبر 1972)، "Biochemical method for inserting new genetic information into DNA of Simian Virus 40: circular SV40 DNA molecules containing lambda phage genes and the galactose operon of Escherichia coli"، Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America، 69 (10): 2904–9، Bibcode:1972PNAS...69.2904J، doi:10.1073/pnas.69.10.2904، PMC 389671، PMID 4342968.
- M. K. Sateesh (25 أغسطس 2008)، Bioethics And Biosafety، I. K. International Pvt Ltd، ص. 456–، ISBN 978-81-906757-0-3، اطلع عليه بتاريخ 27 مارس 2013.
- Jaenisch, R. and Mintz, B. (1974 ) Simian virus 40 DNA sequences in DNA of healthy adult mice derived from preimplantation blastocysts injected with viral DNA. Proc. Natl. Acad. 71(4): 1250–54 نسخة محفوظة 7 يوليو 2019 على موقع واي باك مشين.
- "'Any idiot can do it.' Genome editor CRISPR could put mutant mice in everyone's reach"، Science | AAAS، 02 نوفمبر 2016، مؤرشف من الأصل في 3 يوليو 2019، اطلع عليه بتاريخ 02 ديسمبر 2016.
- Bodnar, Anastasia (أكتوبر 2010)، "Risk Assessment and Mitigation of AquAdvantage Salmon" (PDF)، ISB News Report، مؤرشف من الأصل (PDF) في 12 أبريل 2019.
- Rudinko, Larisa (20). Guidance for industry. USA: Center for veterinary medicine Link. نسخة محفوظة 8 يناير 2019 على موقع واي باك مشين.
- Sato K, Sasaki E (فبراير 2018)، "Genetic engineering in nonhuman primates for human disease modeling"، Journal of Human Genetics، 63 (2): 125–131، doi:10.1038/s10038-017-0351-5، PMID 29203824.
- Cyranoski D (مايو 2009)، "Marmoset model takes centre stage"، Nature، 459 (7246): 492، doi:10.1038/459492a، PMID 19478751.
- Perleberg C, Kind A, Schnieke A (يناير 2018)، "Genetically engineered pigs as models for human disease"، Disease Models & Mechanisms، 11 (1): dmm030783، doi:10.1242/dmm.030783، PMC 5818075، PMID 29419487.
- Wu J, Platero-Luengo A, Sakurai M, Sugawara A, Gil MA, Yamauchi T, Suzuki K, Bogliotti YS, Cuello C, Morales Valencia M, Okumura D, Luo J, Vilariño M, Parrilla I, Soto DA, Martinez CA, Hishida T, Sánchez-Bautista S, Martinez-Martinez ML, Wang H, Nohalez A, Aizawa E, Martinez-Redondo P, Ocampo A, Reddy P, Roca J, Maga EA, Esteban CR, Berggren WT, Nuñez Delicado E, Lajara J, Guillen I, Guillen P, Campistol JM, Martinez EA, Ross PJ, Izpisua Belmonte JC (يناير 2017)، "Interspecies Chimerism with Mammalian Pluripotent Stem Cells"، Cell، 168 (3): 473–486.e15، doi:10.1016/j.cell.2016.12.036، PMC 5679265، PMID 28129541.
- بوابة زراعة
- بوابة علم الأحياء الخلوي والجزيئي