مقاطعات مصر القديمة

تقسيم مصر القديمة إلى مقاطعات يمكن أن يرجع إلى عصر ما قبل الأسرات ( أي ما قبل عام 3100 ق.ح.ع) ، و كانت هذه المقاطعات موجودة أصلا كدويلات مدن مستقلة، ولكنها بدأت فيما بعد في التوحد، وكانت نهاية فترة هذه الدويلات في حكم الملك مينا أو نعرمر الذي وحد الدولة ككل نهائياً.[4]

لم يبق حال المقاطعات كما هو لثلاثة آلاف عام وحسب، بل ظلت كذلك مساحات وحدود المقاطعات وترتيبهم مستقرين بشكل ملحوظ. فالبعض، مثل خيوس في الوجه البحري أو خنت في الوجه القبلي، جاء ذكرهم الأول على حجر باليرمو، الذي تم نقشه في عصر الأسرة الخامسة. كما أنه هناك أسماء قليلة، مثل مقاطعة تل بسطة، لم تذكر في أي عصر قبل الدولة الحديثة. و في ظل النظام الذي كان سائداً طوال أغلب فترات التاريخ المصري القديم، تم تقسيم البلاد إلى 42 مقاطعة.[1]

مصر السفلى (الوجه البحري) ، من عاصمة الدولة القديمة منف إلى البحر المتوسط ، تضم 20 مقاطعة، امتدت المقاطعة الأولى حول منف وسقارة و الجيزة الحالية، في المنطقة الحالية التي تشغلها القاهرة الكبرى. وقد تم ترقيم المقاطعات بطريقة منظمة نسبياً من الجنوب إلى الشمال عبر دلتا النيل، فهي أولا تغطي الأراضي في الغرب قبل المتابعة مع أرقام الأعلى إلى الشرق، وبهذا بينما كانت الإسكندرية في المقاطعة الثالثة كان تل بسطة في الثامنة عشر.[1]

أما صعيد مصر (الوجه القبلي) فقد كان مقسماً إلى 22 مقاطعة. وكانت أولى المقاطعات في هذا الوجه تمتد بالقرب من الحدود المصرية مع النوبة في الشلال الأول عند إلفنتين، أي المنطقة التي تشغلها محافظة أسوان حالياً بالتقريب. و من هناك يزداد الترقيم بشكل منظم مع اتجاه النهر للشمال على طول الشريط الخصب الضيق المحاذي لوادي النيل. فقد كانت واست (طيبة القديمة أو الأقصر الحالية) في المقاطعة الرابع، و تل العمارنة في الرابعة عشر، و ميدوم في الحادية والعشرين.[1]

تم إضافة بعض المقاطعات أو إعادة تسميتها أثناء فترة الحكم اليوناني الروماني لمصر.[5] فعلى سبيل المثال أعاد البطالمة تسمية المقاطعة 21 من مقاطعات الوجه القبلي (الفيوم الحالية) باسم أرسينوي. كما أنشأ الإمبراطور الروماني هادريان مقاطعة جديدة اسماها أنطينوبولس، والتي كانت عاصمتها تسمى أنطينوبولس (الشيخ عبادة الحالية).

بقت المقاطعات إلى العصر الروماني، وتحت الحكم الروماني، صكت كل مقاطعة العملة الخاصة بها، فيما يسمى بـ "عملات المقاطعات"، والتي تعكس تفردية كل مقاطعة. و احتفظت المقاطعات المصرية بأهميتها كوحدات إدارية حتى أعيد ترتيب الأسس البيروقراطية خلال عهدي الامبراطورين دقلديانوس وقسطنطين.

فمنذ 307 - 308 م، تم استبدالها مكانها بوحدات أصغر تسمى البيجوس (Pagus). و في نفس الوقت ظهر المسؤولون المحليون الأقوياء الذين كانوا يسمون باجارك (pagarch) ، و قد كان الدور الأساسي للباجارك هو جمع الضرائب، وفي وقت لاحق تولى باجارك بعض الوظائف العسكرية أيضا. و كان الباجارك في كثير من الأحيان ملاك أراضي أثرياء حكموا البيجوس التي ولدوا فيها.

وبالنسبة لغالبية تاريخ هذه الوحدات الإدارية، كان على رأس كل مقاطعة حاكم محلي، وكان منصب الحاكم المحلي في بعض الأحيان وراثياً، بينما في أحيان أخرى كانوا يعنون من قبل الملك . و في العموم، عندما تكون الحكومة المركزية قوية، كان الحكام المحليون يعينون من قبل الملك، بينما عندما تكون الحكومة المركزية ضعيفة، مثل أثناء الغزوات الأجنبية أو الحروب الأهلية فأن المقاطعات يثبتون أنفسهم وينشؤون أسرهم وراثية الخلافة على حكم تلك المقاطعات. وكانت الصراعات بين هذه الحكومات المحلية الوراثية شائعة جداً، وعلى الأخص خلال عصر الاضمحلال الأول، وهي الفترة التي شهدت انهياراً للسلطة المركزية استمر من الاسرة السابعة إلى الأسرة الحادية عشرة، والتي انتهت عندما أصبح واحدا من الحكام المحليين قوياً بما يكفي لتأكيد السيطرة على البلد بأكمله كملك متوج على عرش حور.