مقال عن المنهج

ديكارت يبدأ السماح لنفسه ببعض الترف:

«الشعور الجيد هو كل شيءٍ بين الرجال، وهو يتوزع بينهم على حدٍ سواءٍ؛ كل واحدٍ يفكر بنفسه، حتى أن أولئك الذين هم الأكثر صعوبةً في تلبية كل شيءٍ آخر عادةً لا يرغبون في قياس أكبر من هذه النوعية من التي تمتلكها بالفعل»، في هذا فإن هوبز قد تبعه «لكن هذا قد أثبت أنه بدلًا من أن الرجال هم في هذه النقطة على قدم المساواة من غير تكافؤ، إلا أنه عادةً لا توجد علامةٌ أكبر من المساواة في توزيع أي شيءٍ من ذلك، كل رجلٍ هو قانعٌ بنصيبه»[2] ويتابع مع تحذير «لايكفي أن تمتلك عقلًا قويًا، الشرط الأساسي الذي يجب أن تطبقه هو أعظم العقول، كما أنها قادرةٌ على أعلى درجات الامتياز، فإنها تكون مفتوحة أيضًا لأعظم الانحرافات، وأولئك الذين يسافرون ببطءٍ شديدٍ ربما بعد إحراز تقدمٍ أكبر بكثيرٍ، شريطة أن يبقوا دائمًا على الطريق المستقيم، أفضل من أولئك الذين يضلّون».[3]

يصف ديكارت خيبة أمله مع تعليمه «سرعان ماكنت قد انتهيت من كامل الدراسة حتى وجدت نفسي متورطاً في الكثير من الشكوك والأخطاء، وأنني كنت مقتنعاً بأنني لم أتقدم بما فيه الكفاية من اكتشافٍ في كل منعطفٍ من جهلي بك». ويلاحظ فرحةً خاصةً به مع الرياضيات، وتتناقض لديه الأسس القوية في خطاباته من الأخلاق القديمة التي هي ذرى شاهقةً وقصورًا رائعةً مع أي أساسٍ أفضل من الرمل والطين.

".... the reading of good books is like a conversation with the best men of past centuries"

إن التفكير نشاط عقلي، وهو ما نبّه إليه ديكارت عندما اعتبر أن التفكير ميزة إنسانية لأنه فعالية عقلية، والعقل خاصية مميزة لإلنسان، حيث يقول في كتابه«مقال عن المنهج»:

" العقل هو أعدل الأشياء توزعاً بين الناس، إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية، حتى الذين لا يسهل عليهم أن يقنعوا بحظهم من شيء غيره، ليس من عاداتهم الرغبة في الزيادة لما لديهم منه. وليس براجح أن يخطئ الجميع في ذلك، بل الراجح أن يشهد هذا بأن قوة الإصابة في الحكم، وتمييز الحق من الباطل، وهي في الحقيقة التي تسمى بالعقل أو النطق، تتساوى بين كل الناس بالفطرة، وكذلك يشهد بأن اختلاف آرائنا لا ينشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر، وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا في مشارب مختلفة، ولا ينظر كل منا في نفس ما ينظر فيه الآخر، لأنه لا يكفي أن يكون للمرء عقل، بل المهم أن يحسن استخدامه... ويمكنني أن أكتفي بالقواعد الأربع التالية شريطة أن يكون عزمي على ألا أخل مرة واحدة بمراعاتها صادقا ودائما:

الأولى: ألا أقبل شيئا على أنه حق، ما لم أعرف يقينا أنه كذلك: يعني أن أتجنب بعناية التهور والإسراع في الحكم قبل النظر، ولا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في وضوح وتميّز بحيث لا يكون لدي مجال لوضعه موضع الشك.

الثانية: أن أقسّم كل واحدة من المشكلات التي سأختبرها إلى أجزاء قدر المستطاع، وعلى قدر ما تدعو الحاجة إلى حلّها على خير الوجوه.

الثالثة: أن أقود أفكاري بنظام بادئا بأبسط الأمور وأسهلها معرفة، كي أتدرج شيئا فشيئا حتى أصل إلى معرفة أكثر تعقيدا، بل وأن أفرض ترتيبا بين الأمور التي لا يسبق بعضها الآخر بالطبع.

والأخيرة: أن أعمل في كل الأحوال من الإحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة أنني لم أغفل شيئا"[4]