تطور رباعيات الأطراف

بدأ تطور رباعيات الأطراف (بالإنجليزية: Tetrapods)‏ منذ 400 مليون عام خلال العصر الديفوني، علماً أن أقدمها قد تطوّر عن لحميّات الزعانف،[1] وتُصنّف عموماً ضمن عِمارة رباعيات الأرجل (Tetrapoda) الحيوية التي تتضمن جميع البرمائيات، والزواحف، والطيور والثدييات، الحي منها والمنقرض، ورغم أن معظم الأنواع الحالية برّية، قليلة هي الأدلة التي تدعم فكرة أنّ أياً من رباعيات الأرجل القديمة استطاع التنقّل على اليابسة، إذ لم تتمكن أطرافها من حمل القسم المتوسط من أجسامها عن الأرض، كما لا تشير المسارات المعروفة على الأرض إلى أنها عمدت لجرّ أجسامها في الأرجاء، بل من المحتمل أن تلك المسارات قد نشأت عن تنقّلات على امتداد قيعان مياه ضحلة،[2] وما تزال المعرفة بالأسلاف المائية المعيّنة لرباعيات الأرجل، والعملية التي استعمرت اليابسة بها، غير واضحة وقيد البحث والجدال بين علماء الأحياء القديمة حالياً.

ما تزال معظم البرمائيات اليوم شبه مائية، تعيش مرحلتها الأولى من الحياة كشراغيف تشبه السمك، وقد فقدت العديد من مجموعات رباعيات الأرجل، مثل الأفاعي والحيتانيات بعض أطرافها أو جميعها، كما أن العديد منها عاد لحياة مائية سواءً جزئياً أوكلياً خلال تاريخ المجموعة (ومن الأمثلة الحديثة على رباعيات الأرجل المائية كلياً الحيتانيات والخيلانيات)، وقد طرأت أولى حالات العودة تلك مبكراً جداً كما في العصر الفحمي،[3] بينما طرأت أخرى منذ وقت قريب كحقبة الحياة الحديثة، كما هي الحال الحيتانيات، وزعنفيات الأقدام،[4] والعديد من البرمائيات الحديثة.[5]

ويُعتبر التغير من خطة جسدية تتضمن التنفس والتنقل ضمن الماء لأخرى تمكّن الحيوان من التحرك على اليابسة أحد أعمق التغيرات التطورية المعروفة،[6] كما أنها مفهومة بشكل جيد بفضل عدد من الأحفورات الانتقالية المهمة التي عُثر عليها في نهايات القرن العشرين، إلى جانب تقنية تحليل تطور السلالات المُطوّرة.[1]

الأصل

تطوّر السمك

تُعرف الحقبة الديفونية تقليدياً بـ(عصر الأسماك)، إشارةً لتنوّع العديد من مجموعات الأسماك الكبيرة المنقرضة والحديثة،[7] ومن بينها الأسماك العظمية، التي تنوعت وانتشرت في المياه العذبة والبيئات قليلة الملح في بداية هذه الحقبة، وقد شابهت الأنواع المبكرة الأسلاف الغضروفية بالعديد من الصفات التشريحية، بما فيها الزعنفة الذيلية المشابهة للقرش، والأمعاء الحلزونية، والزعانف الصدرية المثبّتة في الأمام بعناصر هكلية وهيكل عظمي محوري غير متعظم بغالبه.[8]

ولكن الأسماك العظمية تميّزت عن نظريتها الغضروفية بصفات معينة ستصبح محورية في تطوّر الأشكال البرية، فباستثناء زوج من المتنفسات، لم تفتح الخياشم بمفردها إلى الخارج كما هي الحال لدى القروش، وإنما كانت مغلفة بحجرة مخصصة تثبتها عظام غشائية مغطاة بغشاء خيشومي متعظم، بفتحة وحيدة للخارج.

كما عمل العظم الترقوي الإضافي، الذي شكّل الهامش الخلفي لحجرة الخيشوم، كمثبّت للزعانف الصدرية في الأسماك الغظمية فقط، وغاب عن تلك الغضروفية، متيحاً مفصلاً متحركاً في قاعدة الزعانف لدى الأسماك العظمية المبكرة، وعمل تباعاً ضمن بنية حاملة للثقل لدى رباعيات الأرجل، علاوةً على تميّز الأسماك العظمية على نحو أهم بزوج من الرئتين البطنيتين،[9] وهي صفة تغيب عن القروش وأسماك الشفنين.

افتُرض تطوّر الأسماك لدرجة كبيرة حول الشعاب، ولكنها عاشت منذ نشوئها حوالي 480 مليون عام مضى في بيئات شبه شاطئية، مثل المناطق المدّية، أو في بحيرات ضحلة على الدوام، ولم تبدأ بالتكاثر في أوساط حيوية أخرى قبل مضيّ 60 مليون عام لاحق، فتأقلم بعضها مع المياه الأعمق، بينما بقيت الأشكال الصلبة والثقيلة في مكانها أو هاجرت للمياه العذبة،[10][11] وطوّرت رباعيات الأرجل المبكرة تحملاً للبيئات متفاوتة الملوحة، مثل مصبات الأنهار والدلتا.[12][13]

الرئتان قبل اليابسة

نشأت الرئة أو نفاخة العوم في الأصل كامتداد لنمو الأحشاء، مشكلةً نفاخة مملوءة بالهواء فوق الجهاز الهضمي، وبشكلها البدائي كانت مفتوحة على القناة الهضمية، وهي حالة ما زالت مُشاهدة لدى الكثير من الأسماك،[14] بيد أن وظيفتها الأولية ما تزال غير مؤكدة بالكامل، لكن يُعد الطفو أحد الاقتراحات، فلابدَ أن الدرع الثقيل للأسماك العظمية المبكرة كان ليهبط بها نحو الأسفل، أما النسبة للأسماك الغضروفية التي تفتقر لنفاخة العوم، فكان عليها أن تسبح باستمرار في المساحات المفتوحة للبحار لتتجنب الغرق للأعماق، وتولّت الزعانف الصدرية حملها.[15]

ومن العوامل المُقترحة الأخرى استهلاك الأوكسجين، إذ كان الأوكسجن المحيط منخفضاً نسبياً في العصر الديفوني المبكر، وربما بنصف قيمه في العصر الحالي، [16] ومن ثم شهد العصر الديفوني تزايداً في مستويات الأكسجين، ما سمح بنشوء محاريب بيئية جديدة بتمكين المجموعات القادرة على استغلال الأوكسجين الزائد من التطور لحيوانات نشطة وكبيرة الحجم، وربما حفّز أوكسجين الجو الأكثر ثباتاً في مَواطن المستنقعات الاستوائية خصّيصاً الاعتماد على الرئتين عوضاً عن الخياشيم كآلية رئيسية للتنفس.[16]

التنفَس

حتى تتيح الرئتان التبادل الغازي، يجب أن تحتويا على الغاز بداخلهما، وتحتفظ رباعيات الأقدام الحالية بثلاث آليات مهمة للتنفس استخدمها الأسلاف، أولها نظام تحرٍّ لتراكيز CO2/H+، ففي آليات تنفس رباعيات الأقدام الحالية، يتحفّز الاندفاع لأخذ النفس بتراكم ثنائي أكسيد الكربون في مجرى الدم، وليس نقص الأكسجين،[17] ووُجد نظام تحرٍّ مشابه لدى جميع الأسماك العظمية، ما يشير إلى أن السلف المشترك الأخير لها احتاج آلية كهذه.[17][18]

بينما تتمثّل الآلية الثانية في نظام توتر سطحي في الرئتين يسهّل التبادل الغازي، وهو يوجد أيضاً لدى جميع الأسماك العظمية، حتى تلك المائية منها بشكل شبه كامل،[19][20] فيبدو أنها احتاجت لهذا النظام بأمر ما، رغم غياب الغازات تحت الماء، أما الآلية الثالثة للتنفس تكمن في حركة النفس بذاتها، وهي تسبق السلف المشترك الأخير للأسماك العظمية، إذ يمكن مشاهدتها لدى الجلكيات، وهي فرع حيوي شقيق للأسماك العظمية.

فتحات الأنف الخارجية والداخلية

تختلف فتحات الأنف لدى معظم الأسماك العظمية عن تلك الموجودة لدى رباعيات الأقدام، فعادة ما تمتلك الأولى أربع فتحات، تقع الواحدة منها خلف الأخرى على كلا الجانبين، فيتدفق الماء داخل الزوج الأمامي عبر النسيج الشمّي ويخرج من الفتحتين الخلفيتين أثناء سباحة السمكة.

في المقابل تمتلك رباعيات الأرجل زوجاً واحداً فقط من الفتحات الأنفية الخارجية، ولكنها تحمل زوجاً من الفتحات الداخلية أيضاً، يُسمّى الواحد منها بالمنعر، ويتيح سحب الهواء عبر الأنف.

مورفولوجيا الجمجمة

تعود جذور رباعيات الأرجل للأسماك أشباه رباعيات الأطراف المبكرة في العصر الديفوني،[21] إذ تطورت رباعيات الأرجل البدائية من هكذا أسماك عظمية مفصصة-لحمية الزعانف، بأدمغة ثنائية الفص وجمجمة مسطحة.

من الزعانف للأقدام

تُعد السمكة المسماة (Kenichthys) والمُكتشفة في الصين أقدم أشباه رباعيات الأقدام المعروفة، وتعود لـ395 مليون عام مضى، ويمكن تتبع صفات رباعيات الأرجل العالمية للأطراف الأمامية التي تنطوي للأمام من الكوع والأطراف الخلفية التي تنطوي للخلف من الركبة بكشل معقول لهذه الأنواع التي عاشت في المياه الضحلة، وتشير أحفورات عظم الحوض من أسماك التيكتاليك، إذا كانت تمثّل رباعيات الأقدام المبكرة عموماً، أن الزوائد الخلفية والتنقل المدفوع بالحوض نشأا في الماء قبل أن تتأقلم برياً.[22]

وتُعد طريقة التغذية من المؤشرات الأخرى على أن الأقدام وسمات رباعيات الأقدام الأخرى تطورت عندما كانت هذه الحيوانات لا تزال مائية، إذ لم تمتلك التعديلات على الجمجمة والفك التي سمحت لها بابتلاع الفريسة على اليابسة، فلربما قبضت هذه الحيوانات على فرائسها في المياه الضاحلة، أو على الشواطئ أو اليابسة، ولكن كان عليها العودة للمياة حتى تأكلها، حيث تدفع القوى الهيدروديناميكية الناتجة عن توسّع الجوف الشدقي الطعام داخل المريء.[23]

وقد اقتُرح أن تطور أطراف رباعيات الأرجل من الزعانف المفصصة لدى الأسماك يتعلق بالتعبير عن الجينة (HOXD13) أو فقدان البروتينين أكتينودين 1 وأكتيونيدين 2 المشاركين في تطور زعانف الأسماك.[24]

المراجع

  1. Shubin, N. (2008)، Your Inner Fish: A Journey Into the 3.5-Billion-Year History of the Human Body، New York: Pantheon Books، ISBN 978-0-375-42447-2، مؤرشف من الأصل في 3 أغسطس 2020.
  2. Clack (1997)، "Devonian tetrapod trackways and trackmakers; a review of the fossils and footprints"، Palaeogeography, Palaeoclimatology, Palaeoecology، 130 (1–4): 227–250، doi:10.1016/S0031-0182(96)00142-3.
  3. Laurin, M. (2010)، How Vertebrates Left the Water، Berkeley, California, USA.: University of California Press، ISBN 978-0-520-26647-6.
  4. Canoville؛ Laurin (2010)، "Evolution of humeral microanatomy and lifestyle in amniotes, and some comments on paleobiological inferences"، Biological Journal of the Linnean Society، 100 (2): 384–406، doi:10.1111/j.1095-8312.2010.01431.x.
  5. Laurin؛ Canoville؛ Quilhac (2009)، "Use of paleontological and molecular data in supertrees for comparative studies: the example of lissamphibian femoral microanatomy"، Journal of Anatomy، 215 (2): 110–123، doi:10.1111/j.1469-7580.2009.01104.x، PMC 2740958، PMID 19508493.
  6. "The greatest step in vertebrate history: a paleobiological review of the fish-tetrapod transition"، Physiol. Biochem. Zool.، 77 (5): 700–19، 2004، doi:10.1086/425183، PMID 15547790، مؤرشف من الأصل في 12 أبريل 2016، اطلع عليه بتاريخ 09 مارس 2014. as PDF نسخة محفوظة 2013-10-29 على موقع واي باك مشين.
  7. Wells, H. G. (1922)، "Chapter IV: The Age of Fishes"، A Short History of the World، Macmillan، ISBN 978-1-58734-075-8، مؤرشف من الأصل في 01 فبراير 2014، اطلع عليه بتاريخ 09 مارس 2014{{استشهاد بكتاب}}: صيانة CS1: postscript (link).
  8. Colbert, Edwin H. (1969)، Evolution of the Vertebrates (ط. 2nd)، John Wiley & Sons، ص. 49–53، مؤرشف من الأصل في 10 يونيو 2022.
  9. Benton 2005، صفحة 67
  10. نسخة محفوظة 12 نوفمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  11. The nearshore cradle of early vertebrate diversification | Science نسخة محفوظة 08 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
  12. The Terrestrialization Process: Modelling Complex Interactions at the Biosphere-geosphere Interface نسخة محفوظة 12 نوفمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  13. Euryhaline ecology of early tetrapods revealed by stable isotopes - Nature نسخة محفوظة 23 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
  14. Steen, Johan B. (1970)، "The Swim Bladder as a Hydrostatic Organ"، Fish Physiology، San Diego, California: Academic Press, Inc.، ج. 4، ص. 413–443.
  15. Videler, J.J. (1993)، Fish Swimming، New York: Chapman & Hall.
  16. "Devonian rise in atmospheric oxygen correlated to the radiations of terrestrial plants and large predatory fish"، Proc. Natl. Acad. Sci. U.S.A.، 107 (42): 17911–5، أكتوبر 2010، Bibcode:2010PNAS..10717911D، doi:10.1073/pnas.1011287107، PMC 2964239، PMID 20884852، مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2019.
  17. Fernandes, Marisa Narciso؛ da Cruz؛ da Costa؛ Perry (سبتمبر 2012)، "Morphometric partitioning of the respiratory surface area and diffusion capacity of the gills and swim bladder in juvenile Amazonian air-breathing fish, Arapaima gigas"، Micron (Oxford, England: 1993)، 43 (9): 961–970، doi:10.1016/j.micron.2012.03.018، ISSN 1878-4291، PMID 22512942.
  18. Brauner, C. J.؛ Matey؛ Wilson؛ Bernier؛ Val (01 أبريل 2004)، "Transition in organ function during the evolution of air-breathing; insights from Arapaima gigas, an obligate air-breathing teleost from the Amazon"، Journal of Experimental Biology، 207 (9): 1433–1438، doi:10.1242/jeb.00887، ISSN 0022-0949، PMID 15037637، مؤرشف من الأصل في 13 نوفمبر 2017، اطلع عليه بتاريخ 13 نوفمبر 2017.
  19. Daniels, Christopher B.؛ Orgeig؛ Sullivan؛ Ling؛ Bennett؛ Schürch؛ Val؛ Brauner (سبتمبر 2004)، "The origin and evolution of the surfactant system in fish: insights into the evolution of lungs and swim bladders"، Physiological and Biochemical Zoology، 77 (5): 732–749، CiteSeerX 10.1.1.385.9019، doi:10.1086/422058، ISSN 1522-2152، PMID 15547792.
  20. Orgeig, Sandra؛ Morrison؛ Daniels (31 أغسطس 2011)، "Prenatal development of the pulmonary surfactant system and the influence of hypoxia"، Respiratory Physiology & Neurobiology، 178 (1): 129–145، doi:10.1016/j.resp.2011.05.015، ISSN 1878-1519، PMID 21642020.
  21. Ruta؛ Jeffery؛ Coates (2003)، "A supertree of early tetrapods"، Proceedings of the Royal Society B، 270 (1532): 2507–16، doi:10.1098/rspb.2003.2524، PMC 1691537، PMID 14667343.
  22. Monash University. "West Australian Fossil Find Rewrites Land Mammal Evolution نسخة محفوظة 2017-08-21 على موقع واي باك مشين.." ScienceDaily 19 October 2006. Accessed 11 March 2009
  23. "Tetrapoda"، Palaeos website، مؤرشف من الأصل في 29 مارس 2013، اطلع عليه بتاريخ 11 أكتوبر 2012، Even closer related was سمكة باندر, who even had a choana. These fishes used their fins as paddles in shallow-water habitats choked with plants and detritus.
  24. "375 million-year-old Fish Fossil Sheds Light on Evolution From Fins to Limbs"، مؤرشف من الأصل في 07 أبريل 2014، اطلع عليه بتاريخ 31 مايو 2014.
  • بوابة علم الأحياء التطوري
  • بوابة سمك
  • بوابة علم الأحياء القديمة
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.