عمارة إسبانية

العمارة الإسبانية (بالإسبانية: Arquitectura de España) تشير إلى العمارة في أي مكان يعرف الآن بإسبانيا وفي كل أرجاء العالم، وعلى يد المهندسين المعمارين الإسبان. يتضمن هذا التعبير البنايات التي شُيّدت داخل الحدود الحالية لإسبانيا قبل إعلانها دولة، حين كانت الأراضي تُسمى إيبيريا، وهسبانيا، والأندلس، أو قبل أن تُقسّم بين بعض الممالك المسيحية. تبين تصاميم الهندسة المعمارية الإسبانية من مصادر كثيرة اختلافًا تاريخيًا وجغرافيًا بارزًا.[2] كان للهندسة المعمارية نزعة نحو الازدهار بصورة مشابهة لأساليب أُخرى من الهندسة المعمارية حول منطقة البحر المتوسط ومن شمال أوروبا.

ساغرادا فاميليا للمعماري الإسباني الكبير أنطوني غاودي التي يرجع تاريخ بنائها إلى عام 1882. تعدّ من أكثر الكنائس تفردًا في تاريخ الفن والعمارة.[1]
ساحة إسبانيا، في مدينة إشبيلية

حصل الازدهار الحقيقي في العمارة عند الفتح الروماني الذين خلَفوا أبرز المعالم الأثرية البارزة في هسبانيا الرومانية. فقدت تقنيات التشييد عند قدوم القوط الغربيين أهميتها بالمقارنة مع بقية الإمبراطورية الرومانية السالفة. حقق الأمويون عند وصولهم إلى الأندلس في عام 711 ميلادي تغييرًا جذريًا خلال القرون الثمانية التالية إذ كان هناك تقدم في الثقافة، ومن ضمنها الهندسة المعمارية. على سبيل المثال، أسست سلالة بني أمية مدينة قرطبة بصفتها عاصمة ثقافية في ذلك الوقت. برزت في الوقت ذاته المملكات المسيحية شيئًا فشيئًا ونمّت أنماطها الخاصة، وكانت في البداية بعيدة عن التأثيرات الأوربية في العمارة، وضُمّت في ما بعد إلى التيارات الرومانسكية والقوطية، وبلغت ذروتها الرائعة مع الكثير من النماذج على طول المنطقة برمتها. ميّزت الثقافة الأوربية التي دُمجت مع التأثيرات الإسلامية الطرازَ المُدجن منذ القرن الثاني عشر وحتى القرن السابع عشر.

شهِدت إسبانيا، في نهاية القرن الخامس عشر وقبل التأثير في أمريكا اللاتينية بعمارتها في المستعمرات الإسبانية، تجربةَ عمارة عصر النهضة التي طورها مهندسون معماريون محليون. برز الطراز الباروكي الإسباني بالزخرفة التشوريجية المبهجة والطراز الهيريري الأكثر هدوءًا، يزدهر كل منهما بعيدًا عن التأثيرات الدولية اللاحقة. ما زال الطراز الاستعماري الذي دام لقرون يملك تأثيرًا قويًا في أمريكا اللاتينية. بلغت العمارة النيوكلاسيكية أوجها في عمل خوان دي فيلانويفا وتلاميذه.

تضمن القرن التاسع عشر أمرين: أولهما هو محاولة الجهود الهندسية لإنجاز أسلوب جديد واستعمال الحديد والزجاج مواد أساسية للبناء لإحداث تغييرات هيكلية جيدة، وثانيهما هو التركيز الأكاديمي على التجديد ومذهب التركيبية أولًا، وعلى مذهب المناطقية لاحقًا. ظهرت شخصيات مثل أنطوني غاودي بعد وصول الحداثة إلى الميدان الأكاديمي والكثير من العمارة في القرن العشرين. هناك مجموعات أدارت الطراز الدولي مثل مجموعة «غاتيباك» (GATEPAC). تواجه إسبانيا ثورة في العمارة المعاصرة حاليًا، وهناك مهندسون معماريون إسبان نالوا شهرة عالمية النطاق مثل رافاييل مونيو، وسانتياغو كالاترافا، وريكاردو بوفيل.

صنفت اليونسكو العديدَ من الأماكن المعمارية في إسبانيا وجوانبًا من المدن على أنها مواقع تراث عالمية. تُعد إسبانيا ثالث دولة تمتلك أكبر عدد من مواقع التراث العالمي؛ تسبقها إيطاليا والصين فقط. هذه المواقع مدرجة في قائمة مواقع التراث العالمي في إسبانيا.

حقبة ما قبل التاريخ

العمارة الميغاليثية (الجندلية)

نوفيتا دي تودنس في منوركا

اكتُشف في العصر الحجري أنّ الدولمين، أحد أنواع الجَندَل، هو الأكثر إنتشارًا في شبه الجزيرة الإيبيرية. تغرز هذه الأحجار الكبيرة في سطح الأرض لتشكل حُجرات جنائزية ذات تصاميم شبه دائرية أو على شكل شبه منحرف في العادة، وهناك أحجار أخرى فوقها لتكوّن السقف. مع تقدم التصنيف النموذجي، ظهر مدخل الرواق كجزء إضافي ونال الشهرة تدريجيًا وأصبحت سعته تقريبًا كسعة الحُجرة. انتشرت في المرحلة الأكثر تطورًا الأروقة المُسقفة والقُبب المزيفة. يشمل مجمع أنتقيرة أكبر الدولمينات في أوروبا. يُعد معلَم دولمين مانغا الذي شُيّد باثنتين وثلاثين حجرة من الجَندَل أفضلَ الدولمينات المحافظ عليها، ويبلغ ارتفاعه أربعة أمتار ويصل عمقه إلى خمسة وعشرين مترًا.

تقع في جزر البليار أفضل أمثلة الهندسة المعمارية المحفوظة من العصر البرونزي، حيث وجدت ثلاثة أنواع من المباني: التولا ذات شكل حرف تي، والتلاوي، والنافيتا. كانت التلاويات أبراجًا دفاعية بأشكال مخروطية أو هرمية تمتلك عادةً دعامة مركزية. صُنعت النافّيتات من صخور ضخمة وكان شكلها مشابهًا لهيكل السفينة.

العمارة الإيبيرية والكلتية

المستوطنات الكلتية في غاليسيا: كاسترو دي برونيا

شكّلت الكاسترو أغلب مباني الكلت المميزة، وتقع القرى المطوقة على قمة التلال أو الجبال عادةً. ازدهرت في المناطق الي يسكنها الكلت في وادي دويرو وغالسيا. تتضمن الأمثلة في إسبانيا موقع لاس كوغوتاس في مدينة آفيلا، وموقع كاسترو دي سانتا تيكلا في مدينة بونتيفيدرا. تتضمن في البرتغال معلَم سيتانيا دي برتيروس في مدينة براغا، ومتحف سيتانيا دي سانت لوزيا في مدينة فيانا دي كاستيلو، وموقع سانفنس في مدينة باكوس دي فيريرا.

تكون أغلب المنازل داخل مجمع كاسترو ذات أشكال دائرية مع بعض الأشكال المستطيلة، وترتكز السقوف المصنوعة من الحجر والقش على أعمدة من الخشب في مركز المبنى، ويبلغ ارتفاع هذه المنازل نحو 3.5 إلى 5 أمتار. توحي شوارعهم المتناسقة بعض الشيء إلى نوع التنظيم المركزي.

ترتبط المدن التي شيّدها آروفيكوس بالثقافة الإيبيرية، وقد بلغت بعض المدن تقدمًا حضاريًا بارزًا مثل مدينة نومنسيا، أما البعض الآخر من المدن فكان أكثر بساطة ومحفورًا في الصخور مثل منطقة تيرمينتيا.

الحقبة الرومانية

التقدم الحضري

شجع الفتح الروماني لهسبانيا، الذي بدأ في عام 218 قبل الميلاد، إتمام رومنة شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل كامل تقريبًا. اتخذ السكان المحليون الثقافة الرومانية بتعمّق. حُوّلت المخيمات العسكرية السابقة والمستوطنات الإيبيرية، والفينيقية، واليونانية إلى مدن كبيرة حيث ازدهر التحضر العمراني بصورة كبيرة في المقاطعات؛ مستوطنة لاغوستا إميريتا في لوستينيا، وقرطبة، وإتاليكا، وإشبيلية، وقادس في هسبانيا بايتيكا، وطراغونة، وسرقسطة، وأسترقة، وليون، ولوجو في هسبانيا تاراكونيس. تشبه مميزات بعض المعالم التذكارية الموجودة في المباني المتطورة تلك الموجودة في العاصمة روما.[3]

أعمال البناء

جسر القنطرة العائدة لعهد الإمبراطور تراجان

تتضح الهندسة المدنية في المباني الفخمة مثل قناة شقوبية أو معلم ماردة، وفي الجسور مثل جسرة القنطرة، والجسر الروماني فوق نهر يانة، أو جسر قرطبة فوق نهر الوادي الكبير. ازدهرت الأعمال المدنية في ظل حكم الإمبراطور تراجان (98 -117 ميلادي) ازدهارًا واسعًا. وشُيّدت المنارات أيضًا مثل منارة برج هرقل التي ما تزال تستخدم حتى الآن في مدينة لاكورونيا.

المباني التي توضح العمارة اللودية هي المسارح مثل مسرح ماردة، ومسرح ساغونتو، ومسرح تيرمس، والمدرجات مثل الموجودة في ماردة، وإتاليكا، وتاراغونا، وسيغوريغا، وفي قاعات السيرك المشيّدة في ماردة، وقرطبة، وتوليدو، وساغونتو، وغيرها.

شاعت الهندسة المعمارية الدينية على طول شبه الجزيرة؛ تتضمن الأمثلة معابد قرطبة، وفيتش، وماردة، ومارس، وتالافيرا لا فيغا. المواقع الأكثر صلة التي تقع في البرتغال هي معبد ديانا، وإيفورا، وسيفيتاس كونيمبريغا، وكويمبرا. النُصُب التذكارية الجنائزية الرئيسية هي برج أسبيونيس في تاراغونا، ومعبد زالاميا دي لا سيرينا، وأضرحة عائلة آتلي في بلدة سادابا، وعائلة فابارا في مدينة إمبيوريز، ويقع كلاهما في سرقسطة. يمكن إيجاد أقواس النصر في مدينة كابارا (أربعة أوجه)، ومدينة بارا، ومدينة سالم.

الحقبة ما قبل الرومانسكية

يشير تعبير ما قبل الرومانسي إلى الفن المسيحي بعد العصر الكلاسيكي وقبل الفن والعمارة الرومانسكية. وهو يشمل جميع العروض الفنية المتنوعة التي ازدهرت في قرون وثقافات مختلفة. تتباهى منطقة إسبانيا بامتلاكها مجموعة وافرة التنوع من الهندسة المعمارية ما قبل الرومانسية؛ بلغت بعض أجزائها، مثل العمارة الأستورية، مستويات عالية من الدقة بالنسبة إلى حقبتها وإطارها الثقافي.

العمارة الأستورية

الجزء الداخلي لكنيسة سانتويانو وهي موقع تراث عالمي.

ظهرت مملكة أستورياس في عام 718، حين تجمعت قبائل الأستور في المجلس وقررت تعيين بيلايو قائدًا لها. كان بيلايو يهدف إلى استرجاع النظام القوطي تدريجيًا، إذ اتحد مع القبائل المحلية والقوط الغربيين اللاجئين تحت سلطته.

تُعد العمارة ما قبل الرومانسية الأستورية سمة استثنائية في كل إسبانيا، وقد أسست أساليبها ومميزاتها في الفترة التي مزجت فيها الطرز الأخرى مثل القوطية الغربية والتراث المحلي، وبلغت مرحلة هامة من التقدم لا في ما يخص في المباني فقط، بل في الجماليات أيضًا.

كنيسة سانتا ماريا ديل نارانكو

في ما يتعلق بتطورها، اتبعت العمارة ما قبل الرومانسية الأسترية منذ ظهورها «سلسة متعاقبة من الأساليب المرتبطة بعناية مع التقدم السياسي للمملكة، ووضعت مراحلها بوضوح». كانت المحكمة تمثل الهندسة المعمارية بصورة رئيسية، ومُيِّزت المراحل الخمس: الحقبة الأولى من فترة حكم الملك فافيلا إلى الملك فيرمودو الأول (منذ عام 737 وحتى عام 791)، والحقبة الثانية في فترة حكم ألفونسو الثاني (منذ عام 791 وحتى عام 842) التي دخلت مرحلة تحديد أسلوبي. تحصل هاتان المرحلتان الأوليتان على اسم «ما قبل الرومانسي». تُعد كنيسبة سان جوليان دي لوس برادوس في أوفييدو من أهم الكنائس وهي ذات حجم مُلفِت للإنتباه ومُخطط جصي أيقوني معقد يتصل بالجداريات الرومانية بدقة. ظهرت في هذه المرحلة الشبكات الفريدة والنوافذ العلوية الثلاثية لأول مرة. تُنسب الحُجرة المقدسة في كاتدرائية أوفييدو، سان بيدرو دي نورا وسانتا ماريا دي بندونيس إلى هذه المرحلة أيضًا.

تشمل الحقبة الثالثة فترة حكم راميرو الأول (منذ عام 842 وحتى عام 850) وحكم أردوينو الأول (منذ عام 850 وحتى عام 866). تُسمى هذه الحقبة «ريميرنس»، وتُعد ذروةَ هذا الطراز، ويعود الفضل في ذلك إلى مهندس معماري مجهول أحدث إنجازات عمرانية وزخرفية جديدة مثل العقادة، واستخدم الأقواس والدعامات المستعرضة بصورة متناسقة، وهذا ما أنتج طرازًا قريبًا من الإنجازات العمرانية الرومانسية بعد قرنين لاحقين. ينسب بعض الكُتّاب الزخرفة الوافرة إلى تأثير سوري غير واضح. ازدهرت أغلب الأعمال الفنية المعمارية في هذا الطراز: شُيّدت في تلك الحقبة أجنحة قصر جبل نارانكو (كنيسة سانت ماريا ديل نارانكو وكنيسة سان ميغيل دي ليلو) وكنيسة سانت كريستينا دي لينا.

تُنسب الحقبة الرابعة إلى فترة حكم ألفونسو الثالث (منذ عام 866 وحتى عام 910)، حيث بلغ تأثير المستعربين الشديد الهندسةَ المعمارية الأسترية، وانتشر استعمال قوس حدوة الحصان. تزامنت الحقبة الخامسة والأخيرة مع تغيير مكان المحكمة إلى ليون، وزوال المملكة الأستورية، وفي الوقت نفسه زوال ما قبل الرومانسية الأستورية.

عمارة إعادة التعمير

كنيسة سان بيدرو في لاريدي

بين نهاية القرن التاسع وبداية القرن الحادي عشر، شُيّدت مجموعة من الكنائس في المَملكات المسيحية الشمالية. وهي تشتهر بصورة شائعة لكن خاطئة باسم عمارة المستعربين. هذه العمارة هي خلاصة العناصر الأصلية المختلفة المُصنفة بصورة غير منتظمة، إذ تسيطر عناصر الحقبة المسيحية القديمة أو القوطية الغربية أو الأستورية في بعض الأحيان، بينما تعزز الانطباع الإسلامي في أحيانٍ أخرى.

تمتلك الكنائس عادة باسيليكا أو خريطة مركزية، وأحيانًا أنصاف دوائر متضادة. يكون تصميم الكنائس الصغيرة الرئيسية مستطيلًا في الخارج ونصف دائري في الداخل. تُستخدم أقواس حدوة الحصان التي صنعها المسلمون، إذ تكون مقفولة ومنحدرة أكثر قليلًا من أقواس القوط الغربيين، بالإضافة إلى الفيز. تضاعف النوافذ الثلاثية من التراث الأستري، وتُكوِّن الأعمدة المتراصفة الدعامات المركبة ذات الرأس الكورنثي المزين بعناصر ذات طابع معين.

يتشكل تخطيط الحدود والزخرفة الخارجية المعتدلة بواسطة الزخرفة التي ترتكز على الحجم، والصلبان المعقوفة، والأفكار التي تخص النباتات والحيوانات المُماثلة لزخرفة القوط الغربيين. تُقدم بعض الأفكار الجديدة، مثل النتوء الكبير المفصص الذي يسند الطنف الواضح. يمكن الانتباه إلى أمر بارز في أسلوب البناء، وهو استعمال الحجر المربع للبناء، وتعزيز الجدران بالدعامات الخارجية، والتغطية بواسطة قناطر منفصلة، ومن ضمنها القناطر البرميلية التقليدية.

انظر أيضًا

مراجع

  1. Rainer Zerbst, Gaudí – a Life Devoted to Architecture., pp. 190–215
  2. "A picture of a Celtiberian .about.com/library/graphics/numantia_3.jpg"، مؤرشف من الأصل في 12 مارس 2007، اطلع عليه بتاريخ أغسطس 2020. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)
  3. Chueca Goitia, Fernando. De Grecia al Islam. Seminarios y Ediciones, 1974. (ردمك 84-299-0054-3) Pages 172-174, 179 DOSSAT, 2000, (ردمك 84-95312-32-8)
  • بوابة إسبانيا
  • بوابة ثقافة
  • بوابة عمارة
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.