اللغة الفينيقية

اللغة الفينيقية (الكنعانية) من اللغات السامية التي كان يتحدث بها سكان الساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط قديما، والتي تشمل لغات الشعوب الكنعانية مثل الفينيقيين والعبرانيين ومن بعدهم الفلستيين. اللغة الفينيقية قريبة جدًا من اللغة العربية واللغة العبرية وتَبعُد نسبيًا عن الآرامية واللغات السامية في وادي الرافدين كالأكدية.

فينيقية
الاسم الذاتي
𐤃𐤁𐤓𐤉𐤌 𐤊𐤍𐤏𐤍𐤉𐤌
دبريم كنعنيم (نقحرة)
المنطقة لبنان، سوريا، تونس، جنوبي البحر المتوسط وشرقيه، إسبانيا، مالطا، جنوبي فرنسا، قبرص، صقلية، وبعض داخل شمالي أفريقيا.
الحقبة مذ الألفية الثانية ق م - اندثرت في القرن الأول الميلادي، إلا أنها استمرت في اللغة البونيقية في شمال أفريقيا حتى القرن السابع الميلادي
الكتابة أبجدية فينيقية 
النسب أفريقية آسيوية
أيزو 639-2 phn 
أيزو 639-3 phn 
 قد تحتوي هذه الصفحة على حروف يونيكود.

انقرضت كل اللغات الكنعانية مع بدايات الألفية الأولى بعد الميلاد وظلت العبرية لغة يتم التحدث بها وتدارسها على نطاق ضيق في أغراض كتابة التعاليم الدينية عند اليهود. قام الفينيقيون (وخاصة القرطاجيون) بنشر اللغة الفينيقية في غربي المتوسط؛ إلا أن اللغة ماتت هناك أيضا بالرغم من أنها بقيت حتى بعد سقوط فينيقيا. مع بداية التاريخ الميلادي أصبحت الآرامية، والتي استمدت ابجديتها من الفينيقية، هي لغة فينيقيا في الشرق. بينما ظل أهل شمال إفريقيا حول قرطاج، المستعمرة الفينيقية، يتحدثون اللغة الفينيقية حتى القرن السادس الميلادي بلغة تنحدر منها تُعرف بالبونيقية.

المصادر والكتابات

المصدر الرئيس -بطبيعة الحال- لمعرفة اللغة الفنيقية هو دراسة آثارها ونصوصها المكتشفة في بلاد الفينيقيين القديمة، وعددها الكليّ نحو 7,000 نص[arabic-abajed 1][arabic-abajed 2][1] معظمها من صور وجبيل وصيدا والمناطق المحيطة بهذه المدن الثلاث. وقد اكتشفت في هذه المدن نصوصٌ يتراوح تاريخها بين القرن الحادي عشر والثاني قبل الميلاد، على أنَّ بين هذه النصوص فراغاتٍ زمنية واسعة وبعضها متركّزة حول تواريخ معيَّنة فلا تُغطّي تاريخ اللغة الفينيقية بالتساوي (فمعظم النصوص المكتشفة تعود إما إلى القرن العاشر قبل الميلاد أو إلى ما بين القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد).[2] وأكبر مصادر النصوص الفينيقية هي مئاتٌ من شواهد القبور والبنايات الأثرية في قرطاج وشمال أفريقيا.[3]

فضلاً عن ذلك، فإنَّ بعض النصوص الفينيقية دُوِّنَت (أي نُقْحِرَت) بأبجديات أخرى في الأزمنة القديمة، ومن الأبجديات التي عُثِرَ على نصوصٍ فينيقية بها الأبجدية الأكادية والعبرية واليونانية واللاتينية، ومنها -على سبيل المثال- مصطلحات فينيقية كثيرةٌ نقحرها القديس أوغسطينوس (354 إلى 430م). كما أن في مسرحية «الفينيقي الصغير» للكاتب اليوناني بلاوتوس اقتباساتٍ من اللغة الفينيقية، لكنها حُرِّفَت بالتناقل والتواتر حتى لم تَعُد ذات قيمة لغوية أو مصدرية.[3]

نُقِّبَ عن نصوص كثيرة متناثرة عبر بلاد الفينيقيين كُتِبت بلهجات أو لغات متقاربة في قواعدها وأبجديتها، وتترامى هذه النصوص والآثار الفينيقية في أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط: من الشام شرقاً إلى إسبانيا غرباً ومن شمال أفريقيا إلى الأناضول وقبرص واليونان وإيطاليا.[4] على أن لغة الفينيقيين تغيرت مع انتشارها واتساع رقعتها فتحوَّلت ملامحها، فتحوَّلت برأي الباحثين منذ نهاية الحرب البونيقية الثالثة -بين قرطاج وروما- إلى لغةٍ جديدة أطلقوا عليها اسم اللغة البونيقية، وذلك منذ عام 146 قبل الميلاد فصاعداً.[5]

المصادر الأولى

واكتشفت أقدم كتابة فنيقية خارج حدود فينيقيا (أي دوناً عن سواحل الشام) في أطلال مدينة نورا بجزيرة سردينيا، وقد نُقِشَت عليها كلمة «بعل» (𐤐𐤏𐤋، أي «فعل» بالعربية).[4]

لم تكتشف إلا آثارٌ قليلة للغة من القرن العاشر قبل الميلاد، ومنها وعاء برونزي عُثِرَ عليه في قبر بأطلال مدينة كنوسوس في جزيرة كريت اليونانية (لكن تفسير ما عليه من نقشٍ استعصى على الباحثين). وأما في القرن التاسع فتكثرُ مصادر اللغة الفينيقية من نصوص تجارية وملكية، ووصلتنا معظمها من نقش كوالاموا في أطلال مدينة سمأل شمال سوريا، وكذلك من نقشين آخرين في جزيرة قبرص وأطلال مدينة نورا بسردينيا، وكلّها تعود إلى نحو عام 825 ق.م. وأُرِّخت نصوص عِدَّة إلى القرن الثامن قبل الميلاد في جنوب شرق هضبة الأناضول، ومن أشهرها نقش في آثار حسان-بيلي (نحو 750 ق.م) وفي كاراتبه (نحو 725 ق.م) وإفريز (730 إلى 710 ق.م) وشينيكوي (نحو 715 ق.م).[5]

وتتنوَّع مصادر اللغة الفينيقية بدءاً من القرن السابع إلى الثاني قبل الميلاد، فمنها ما يأتي من جنوب الشام (على هيئة لِخَاف، أي شقف مرسومة، أو جرارٍ وأغراض منقوشة) ومن بلاد ما بين النهرين (في صندوق لوحة الحرب والسلم السومرية، ولو أن النقش الفينيقي أجددُ من اللوحة فيعود إلى نحو 625 ق.م) والأناضول (في نقوش شيبيل إريس داغي بمنطقة قيليقية) وقبرص (وفيها مئات النصوص) ومصر (على ورقي البردي والصخر ومنحوتاتٍ صغيرة) واليونان وقرطاج وإيطاليا وسردينيا ومالطا وإسبانيا.[5]

الأبجدية

يجمع معظم علماء اللغات والآثار على أن الفنيقيين هم من اخترعوا الأبجدية الصوتية الأم، بينما يعتبرها اخرون تطورًا لأبجدية اخترعها المصريون القدماء (راجع تاريخ الكتابة)، والتي وُلدت منها جميع أبجديات العالم مثل اليونانية واللاتينية والعربية والعبرية. كانت الكتابات المتداولة آنذاك، مثل الهيروغليفية، تعتمد على الرمزية التصويرية وكانت كتابتها صعبة ومعقدة وقراءتها متاحة لأفراد محددين. ومن أجل تيسير تجارتهم، بسط الفينيقيون الأحرف بالتخلص من العلامات التصويرية واستبدالها بنظام أبجدي يعتمد على اثنين وعشرين رمزًا يمثل كل رمز منها صوتًا منفردًا واحدًا، كما كانت اللغة الفينيقية تكتب من اليمين إلى اليسار. بسبب أسفارهم للتجارة حول البحر المتوسط نشر الفينيقيون أسلوبهم في الكتابة، وتبنته العديد من الشعوب وطوروه لخدمة لهجاتهم.

أطوارها

قسم علماء الآثار واللغويات الأبجدية الفينيقية إلى ثلاث مراحل رئيسة هي:

مقارنة العربية بالأبجدية الفنيقية بأطوارها الثلاث

الخط الفينيقي القديم

وهو الخط الذي كُتبت به النصوص الملكية في جبيل (11ق.م - 9 ق.م)، مثل نص الملك أحيرام، ونص عُثر عليه في سردينيا. وأبرز ما يميزه أن الحرف كان قويًا وكثيفًا، وأميل إلى الانكسار. وكان الفصل بين الكلمات يتم باستخدام خط عامودي.

السطر الأول من الكتابة على قبر أحيرام

نقش أحيرام
السطر الأول الفينيقي ز ف ع ل | (أ) ت ب ع ل | ب ن أ ح ر م| م ل ك ج ب ل | ل أ ح ر م | أ ب هـ | ك ش ت هْـ | ب ع ل
السطر الآول العربي
هذا التابوت صنعه إيتوبعل بن أحيرام ملك جبيل، لأبيه أحيرام، لمّا سجاه إلى الأبد.
السطر الثاني الفينيقي م ل ك | ب م ل ك م | وس ك ن | ب س (ك) ن م | وت م أ | م ح ف ت ع ل ي | ج ب ل | وي ج ل | أ ر ن | ز ن | ت ح ت س ك | ح ط ر | م ش ف ط هـ | ت هـ ت ف ك | ك س أ | م ل ك هـ | ون ح ت | ت ب ر ح | ع ل | ج ب ل | وهـ أ | ي م ح س ف ر هـ | ل ف ف | ش ب ل
السطر الثاني العربي
لكن إذا ملك من الملوك أو حاكم بين الحكام، أو قائد جيش، زحف إلى جبيل، وأزاح هذا التابوت، فسوف تكسر عصا سلطته، ويقلب كرسي عرشه، ويزول السلام عن جبيل، وسوف يمحي نقشه بحد السيف.

الخط الفينيقي المتوسط

وهو الخط الذي كُتبت به معظم النقوش الفينيقية (9ق.م - 6ق.م)، ويمتاز هذا الخط باستطالة الحروف إلى الأعلى أو إلى الأسفل، وبعض حروفها تأخذ اتجاهًا واضحًا نحو اليمين أو اليسار، مما يسمح بتميز الحروف التي غالبًا ما تلتبس فيما بينها· ويلحظ عدم وجود فواصل بين الكلمات كما كان مستخدمًا في الخط الفينيقي القديم. والنقوش المكتوبة بهذا الخط عُثر عليها في فينيقيا، ومصر، واليونان، ومالطا، وسردينيا، وإسبانيا، وإيطاليا، ونورد هنا مثالًا على هذا الخط القديم، الذي يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. وقد عُثر عليه في صيدا سنة 1887 ويعرف بنص «تبنت» ملك صيدا.

# فينيقي نقحرة ترجمة
𐤀𐤍𐤊 𐤕𐤁𐤍𐤕 𐤊𐤄𐤍 𐤏𐤔𐤕𐤓𐤕 𐤌𐤋𐤊 𐤑𐤃𐤍𐤌 𐤁𐤍انك تبنت كهـن عسترت ملك صدنم بنأنا تبنت كاهن عشتروت ملك الصيدونيين ابن
𐤀𐤔𐤌𐤍𐤏𐤆𐤓 𐤊𐤄𐤍 𐤏𐤔𐤕𐤓𐤕 𐤌𐤋𐤊 𐤑𐤃𐤍𐤌 𐤔𐤊𐤁 𐤁𐤀𐤓𐤍 𐤆أسمن عزر كهن عسترت ملك صدنم سكب بارن زأشمن عزر كاهن عشتروت ملك الصيدونيين، أرقد في هذا التابوت.
𐤌𐤉 𐤀𐤕 𐤊𐤋 𐤀𐤃𐤌 𐤀𐤔 𐤕𐤐𐤒 𐤀𐤉𐤕 𐤄𐤀𐤓𐤍 𐤆مي ات كل ادم اس تفق ايت هـارن زلتكن من كُنْتَ أي إنسان يطأ هذا التابوت،
𐤀𐤋 𐤀𐤋 𐤕𐤐𐤕𐤇 𐤏𐤋𐤕𐤉 𐤅𐤀𐤋 𐤕𐤓𐤂𐤆𐤍ال ال تفتح علتي وال ترجزنلا، لا تفتح عليَّ ولا تزعجني،
𐤊 𐤀𐤉 𐤀𐤓𐤋𐤍 𐤊𐤎𐤐 𐤀𐤉 𐤀𐤓 𐤋𐤍 𐤇𐤓𐤑 𐤅𐤊𐤋 𐤌𐤍𐤌 𐤌𐤔𐤃ك اي ارلن كسف اي ار لن حرص وكل منم مسدلأنه لا أحد أدى لنا فضة لا أحد أدى لنا ذهبًا، أو أي شيء ثمين،
𐤁𐤋𐤕 𐤀𐤍𐤊 𐤔𐤊𐤁 𐤁𐤀𐤓𐤍 𐤆بلت انك سكب بارن زغير أنني أرقد في هذا التابوت.
𐤀𐤋 𐤀𐤋 𐤕𐤐𐤕𐤇 𐤏𐤋𐤕𐤉 𐤅𐤀𐤋 𐤕𐤓𐤂𐤆𐤍ال ال تفتح علتي وال ترجزنلا، لا تفتح عليَّ ولا تزعجني،
𐤊 𐤕𐤏𐤁𐤕 𐤏𐤔𐤕𐤓𐤕 𐤄𐤃𐤁𐤓 𐤄𐤀ك تعبت عسترت هدبر هالأن هذا العمل فظيع عند عشتروت.
𐤅𐤀𐤌 𐤐𐤕𐤇 𐤕𐤐𐤕𐤇 𐤏𐤋𐤕𐤉 𐤅𐤓𐤂𐤆 𐤕𐤓𐤂𐤆𐤍وام فتح تفتح علتي ورجز ترجزنوإن فتحًا تفتح عليَّ، وإزعاجًا تزعجني،
𐤀𐤋 𐤉𐤊𐤍 𐤋𐤊 𐤆𐤓𐤏 𐤁𐤇𐤉𐤌 𐤕𐤇𐤕 𐤔𐤌𐤔ال يكن لك زرع بحيم تحت سمسفلن تكون لك ذرية في الحياة تحت الشمس،
𐤅𐤌𐤔𐤊𐤁 𐤀𐤕 𐤓𐤐𐤀𐤌ومسكب ات رفامولا قبر بين الرفائيين.

الخط الفينيقي الحديث

النصوص المكتوبة بهذا الخط قليلة جدًا (القرن 5ق.م - القرن الأول الميلادي)، وأكثرها على العملات النقدية، وجاءت فيها أشكال الحروف مشوهة. يعود أقدم نصوص هذا الخط إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وقد استمر حتى السنة 146ق. م، وهو تاريخ سقوط قرطاجنة بيد الرومان. وقد كتبت نصوص الخط الفينيفي المتأخر بلهجة عُرفت باسم البونية، وهي لهجة متطورة عن الفينيقية المتوسطة واليونانية، حيث ظهرت لهجة جاءت متأثرة باليونانية، وهذا الاحتكاك أدى إلى ضعف النطق بأصوات الحلق في البونية الحديثة، فحدث خلط بين حرفي العين والهمزة، والحاء والهاء.[6]

مقارنة 5 لغات

الملاحظات

  1. جمعَ المستشرق الفرنسي إرنست رينان هذه النصوص كافة في فهرس أصول نصية اسمه Corpus Inscriptionum Semiticarum (CIS)، وقد كُتِبَ الفهرس باللغة اللاتينية وابتدأ العمل عليه في عام 1867، واكتمل بعدها بخمسة وتسعين عاماً.[1]
  2. ترجع معظم هذه النصوص إلى شواهد القبور في مدينة قرطاج، والغالبية العظمى منها متماثلةٌ لغةً ما عدا اختلاف أسماء أصحاب القبور وألقابهم، ممَّا يعني أنها لا تحتوي تنوعاً لغوياً كبيراً.

مراجع

  • الدكتور جمال الدين الخضّور، عودة التاريخ - الأنتربولوجية المعرفية العربية - دراسة في الأناسة المعرفية العربية التاريخية - اللغوية ووحدتها، الجزء الأول، حتى الألف الثاني قبل الميلاد، منشورات اتحاد الكتاب العرب]
  • جان بيير ثيوت، Je m'appelle Byblos، نشر: باريس H & D، Paris، 200
  • ماريا اوجين اوبيه،The Phoenicians and the West، نشر Cambridge University Press، لندن عام 2001
  • بيتر دانييل،The World's Writing Systems Oxford، أكسفورد 1996
  • غلين ماركوه،Phoenicians، دار نشر جامعة جامعة كاليفورنيا، 2000
  • بوابة تونس
  • بوابة لبنان
  • بوابة اللغة
  • بوابة الشرق الأوسط القديم
  • بوابة المتوسط
  • بوابة اللغات السامية
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.