أسلمة ألبانيا
جرت أسلمة ألبانيا نتيجة للحكم العثماني لها في أواخر القرن الرابع عشر. أدخل العثمانيون عبر إدارتهم وجيشهم الإسلام إلى ألبانيا من خلال السياسات المختلفة والحوافز الضريبية، وشبكات التجارة والروابط الدينية العابرة للحدود الوطنية. في بضعة القرون الأولى من الحكم العثماني، كان انتشار الإسلام في ألبانيا بطيئًا اشتد بصورة رئيسية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بسبب تزايد التكامل الاجتماعي والعسكري العثماني، والعوامل الجغرافية السياسية وانهيار البنى الكنسية. كان واحدًا من أكثر التطورات أهمية في التاريخ الألباني إذ تحول الألبان في ألبانيا من غالبية سكانية مسيحية (كاثوليك وأرثوذكس) إلى غالبية مسلمة (سنة وبكتاش وبعض الطوائف الأخرى)، مع الاحتفاظ بأقليات إثنية ألبانية مسيحية بارزة في مناطق معينة. لعب الوضع الناتج حيث كان الإسلام السنّي المعتقد الأكبر في المنطقة الإثنية اللغوية الألبانية مع وجود معتقدات أخرى معه في خليط إقليمي دور تأثير رئيسي في تشكيل التطور السياسي لألبانيا في أواخر الفترة العثمانية. في معزل عن التغييرات الدينية، سبب اعتناق الإسلام تحولات اجتماعية وثقافية أخرى شكلت الألبان والثقافة الألبانية وأثرت فيهم.
جزء من سلسلة |
ألبان |
---|
حسب البلد |
مناطق الوُجود التقليدية
|
الثقافة |
الدين |
|
تاريخ ألبانيا |
خلال القرنين السادس عشر والثامن عشر، أُجبر المسيحيون الألبان على التحول إلى الإسلام من خلال العنف الفج، والمضايقات وزيادة الضرائب من قبل العثمانيين. أشعلت هذه المعاملة شرارة الثورات الألبانية التي قامت في أعوام 1433 – 1439، 1452، 1480 – 1481، 1506 – 1507، 1519 – 1520، 1594، 1601 – 1602، 1621، 1614، 1618، 1683 – 1684، 1737، 1833 – 1839، 1844، و1850.[1][2][3][4][5] رغم محافظة الألبان على ثقافة مسيحية متخفية، عُرفت باسم «لارامان»، واجه أولئك الذين حاولوا العودة إلى المسيحية، بتشجيع من البابا كليمنت الحادي عشر، عقوبة الموت وفقًا للقانون العثماني. في نهاية المطاف، تجاوز الألبان بقية المجموعات البلقانية في الطبقة والنفوذ ضمن الحكم العثماني مما أكسبهم مكانة بارزة، على الرغم من قلة عددهم.[6]
تاريخها
بدأ الألبان التحول للإسلام وقتما صاروا جزءًا من الدولة العثمانية في أواخر القرن الرابع عشر.[7] تختلف ألبانيا عن المناطق الأخرى في البلقان مثل بلغاريا والبوسنة في أنه وحتى القرن الخامس عشر، ظل الإسلام محصورًا بأعضاء الطبقة الأرستقراطية المختارة والمستوطنات العسكرية المتناثرة في يوروك.[8][9] بالتالي، حدث التحول الفعلي إلى الإسلام في البداية بصورة رئيسية بين النخبة المسيحية، التي أبقت على بعض الميزات السياسية والاقتصاية السابقة، وطبقة ملاك التيمار أو العقارات من السباهية الناشئة في النظام العثماني الجديد.[10]
تضمنت هذه شخصيات أرستقراطية مثل جورج كاستريوتي (إسكندر بك) الذي تحول للإسلام أثناء خدمته العثمانيين وعاد لاحقًا إلى اعتناق المسيحية إبان انتفاضة ألبانيا الشمالية على المحتل التركي التي بدأها في أواخر القرن الخامس عشر.[7] خلال ذلك، أمر أيضًا بقية الذيين اعتنقوا الإسلام أو كانوا من المُستعمرين المسلمين أن يتحولوا إلى المسيحية أو يواجهوا الموت المؤكد.[7] تلقى اسكندر بك مساعدة عسكرية من مملكة نابولي التي أرسلت في عام 1452 رامون دورتافا الذي عُين واليًا على ألبانيا وكُلف بمهمة حماية الكاثوليكية بين السكان المحليين من انتشار الإسلام.[11] أثناء النزاعات بين اسكندر بك والعثمانيين، دفعت المعارك المتعددة والغارات السلطان محمد الفاتح إلى بناء حصن إيلبصان (1466) في الأراضي المنخفضة لمواجهة المقاومة القادمة من المعاقل الجبلية.[12] قبل وفاة اسكندر بك (1468) وبعدها، هاجر أجزاء من الأرستقراطيين الألبان إلى جنوب إيطاليا مع عدد من الألبان هربًا من الغزو العثماني الذي ما زالت سلالته تعيش في الكثير من القرى التي استوطنوها.[13]
حتى بعد وقت طويل من سقوط اسكندر بك، تمردت أجزاء ضخمة من الريف الألباني على الحكم العثماني، متكبدين في غالب الأوقات خسارات بشرية كبيرة، تضمنت هلاك قرىً بأكملها.[14] في سبعينيات القرن الخامس عشر، بدأ الحكام العثمانيون سعيًا منسقًا غرضه تحويل السكان الأصليين إلى الإسلام بغية وقف التمردات الموسمية في إيلبصان وريكا، وسبقت تمردًا فاشلًا في عام 1596 بين الكاثوليكيين في الشمال سلسلة من الإجراءات العقابية القاسية التي أدت إلى التحول للإسلام.[15] بلغت أسلمة ألبانيا ذروتها في وقت متأخر جدًا عن بقية المناطق المُأسلمة بصورة كاملة أو جزئية: أظهرت بيانات إحصاء السكان العثمانية للقرن السادس عشر أن السناجق التي عاش فيها الألبان بقيت مسيحية بغالبيتها بنسبة مسلمين لا تتعدى 5% في معظم المناطق في حين أنه وخلال هذه الفترة كان المسلمون قد أصبحوا يشكلون نسبًا كبيرةً في أجزاء من البوسنة (البوسنة 46%، الهرسك 43%، ساراييفو المدنية 100%)، شمال اليونان (تريكالا 17.5%)، مقدونيا المدنية (كلتا سكوبي وبيتولا 75%) وبلغاريا الشرقية (سيليسترا 72%، تشيرمين 88%، نيكوبول 22%). لاحقًا، في القرن التاسع عشر، وقتما توقفت عملية الأسلمة في معظم البلقان، استمرت في إحراز تقدم كبير في ألبانيا، لا سيما في الجنوب.[16]
في الفترة المبكرة من حكم العثمانيين، أُعيد تنظيم المناطق التي تشكل ألبانيا المعاصرة في وحدة إدارية سُميت سنجق – آي أرنافيد أو سنجق – آي أرنافود.[17] في بداية الحكم العثماني، حُولت الكنائس البارزة التي تحمل معنًى رمزيًا أو قيمة ثقافية فقط في المستوطنات الحضرية إلى مساجد.[18] معظم المساجد التي شُيدت في ألبانيا بُنيت في الأساس ضمن حصون للحامية العثمانية في بعض الأحيان من قبل السلاطين العثمانيين خلال حملاتهم العسكرية في المنطقة مثل مسجد السلطان محمد الفاتح في إشقودرة والمسجد الأحمر في بيرات وغيرها.[19][20]
من ناحية الحكم، تسامح الحكم العثماني مع الأتباع المسيحيين إلى حد كبير لكنه مارس التمييز ضدهم أيضًا، وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية وفرض عليهم ضرائب عالية إضافة إلى قيود قانونية متعددة مثل عدم قدرتهم على محاكمة المسلمين، أو اقتناء الخيول، أو الأسلحة، أو منازل تطل على منازل المسلمين. بينما كانت السلطات العثمانية دائمة الشك في الكاثوليكية، لكنها سمحت للكنيسة الأرثوذكسية إلى حد كبير بالعمل دون عوائق، باستثناء عدة فترات جرى فيها قمع الكنيسة وطرد الأساقفة والاستيلاء على الممتلكات والإيرادات. خلال الفترة العثمانية، عاش معظم المسيحيين إلى جانب معظم المسلمين بدرجة من التوفيق بين المعتقدات، واستمرت ممارسة الشعائر الوثنية المختلفة؛ لكن بقي معظمها محفوظًا أفضل الحفظ ضمن طوائف سرية مثل البكتاشية.[21]
انظر أيضًا
المراجع
- The Ukrainian Quarterly (باللغة الإنجليزية)، Ukrainian Congress Committee of America، 1991، ص. 56، مؤرشف من الأصل في 30 أغسطس 2020، اطلع عليه بتاريخ 03 أبريل 2020.
- Shaw, Stanford J. (2016)، The Jews of the Ottoman Empire and the Turkish Republic (باللغة الإنجليزية)، Springer، ص. 38، ISBN 978-1-349-12235-6، مؤرشف من الأصل في 30 أغسطس 2020، اطلع عليه بتاريخ 03 أبريل 2020.
- Treptow, Kurt W. (1992)، From Zalmoxis to Jan Palach: Studies in East European History (باللغة الإنجليزية)، Eastern European Monographs، ص. 43، ISBN 978-0-88033-225-5، مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2014، اطلع عليه بتاريخ 03 أبريل 2020.
- Fine, John V. A.؛ Fine, John Van Antwerp (1994)، The Late Medieval Balkans: A Critical Survey from the Late Twelfth Century to the Ottoman Conquest (باللغة الإنجليزية)، University of Michigan Press، ص. 535، ISBN 978-0-472-08260-5، مؤرشف من الأصل في 1 أغسطس 2020، اطلع عليه بتاريخ 03 أبريل 2020.
- Kiel, Machiel (1990)، Ottoman architecture in Albania, 1385-1912 (باللغة الإنجليزية)، Research Centre for Islamic History, Art and Culture، ص. 156، ISBN 978-92-9063-330-3، مؤرشف من الأصل في 2 ديسمبر 2016، اطلع عليه بتاريخ 03 أبريل 2020.
- Shaw, Stanford J.؛ Shaw, Ezel Kural (1976)، History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Volume 1, Empire of the Gazis: The Rise and Decline of the Ottoman Empire 1280-1808 (باللغة الإنجليزية)، Cambridge University Press، ص. 69، ISBN 978-0-521-29163-7، مؤرشف من الأصل في 19 أغسطس 2020، اطلع عليه بتاريخ 03 أبريل 2020.
- Ramet 1998، صفحة 209. "The Ottomans first invaded Albania in 1385. A second Ottoman force was sent to Albania 1394-96, occupying the country. Given both the Ottoman disposition to tolerate religious diversity among loyal subjects and the generally bellicose traditions of the Albanians, Ottoman authorities adopted a conciliatory policy toward Albanian Christians in the early decades of occupation. Still, although conversion to Islam was not required, a Christian Albanian lord could count on winning favor if he converted. If the Ottomans did not believe that religious reasons could compel a Christian to convert to Islam, they nonetheless looked askance when a Muslim converted (or reconverted) to Christianity. This happened in 1443 when Gjergj Kastrioti (called Skenderbeg), who had been reared as a Muslim in the sultan's palace, abandoned the Islamic faith and publicly reverted to the creed of his forefathers. But this conversion was not merely a public gesture of defiance. It was the first act in a revolutionary drama. For, after changing his religious allegiance, Skenderbeg demanded that Muslim colonists and converts alike embrace Christianity on pain of death, declaring a kind of holy war against the sultan/caliph."
- Zhelyazkova, Antonina. ‘’Albanian Identities’’. Sofia, 2000: International Center for Minority Studies and Intercultural Relations. Page 15-16
- Florian Bieber (19 أغسطس 2010)، "Muslim identity in the Balkans before the establishment of nation states"، Nationalities Papers: The Journal of Nationalism and Ethnicity، ص. 15–19.
- Ergo 2010، صفحة 22.
- Marinescu 1994، صفحة 182.
- Inalcik 1989، صفحة 327.
- Nasse 1964، صفحات 24–26
- Zhelyazkova, Antonina, ‘’Albanian identities’’, page 15.
- Zhelyazkova, Antonina. ‘’Albanian Identities’’. Pages 15-16, 19.
- Anton Minkov، Conversion to Islam in the Balkans، ص. 41–42.
- Norris 1993، صفحات 36–37.
- Ergo 2010، صفحة 18.
- Nurja 2012، صفحات 197–198.
- Ergo 2010، صفحات 34–35.
- Vryonis, Spyros. Religious Changes and Patterns in the Balkans, 14th-16th centuries
- بوابة التاريخ
- بوابة ألبانيا
- بوابة الإسلام