تمدد عمراني
التمدد العمراني أو الزحف العمرانيّ هو مفهوم عام متعدد الوُجوه يُشير إلى توسع مدينة ما وضواحيها على حساب الأراضي والمناطق المحيطة بها. تؤدي هذه الظاهرة إلى تطوير المناطق الريفيَّة المجاورة للمدن الكبيرة تدريجياً وزيادة كثافتها السكانيَّة شيئاً فشيئاً، كما تُساعد على رفع مستوى الخدمات فيها وتتسبب بانتشار استخدام السيارات ووسائل النقل الحديثة بها على مستوى أوسع.[1]
تعريف مصطلح تمدد المدن ليسَ واضحاً كثيراً، وهوَ مثيرٌ للكثير من الجدالات حول المعنى الدقيق وراءَه، فيُعرفه البعض على أنه إنشاء مدن مخدومة ومتطورة بشكل متفجر وغير قابل للسيطرة، في حين يَقيسه آخرون على سبيل المثال بمتوسط عدد الوحدات السكنيَّة في كل آكر لا أكثر، كما يَقيسه آخرون وفق "اللامركزية" (تمدد التجمعات السكان دون مرجعيَّتها في تمددها إلى مركز واضح تنطلق منه وتتوسع في الاتجاهات الأخرى) والتطور التقني ووفرة الخدمات.
التعريف
استُخدم مصطلح «التمدد العمراني» أول مرة في مقال نشرته صحيفة ذه تايمز عام 1955 في تعليق سلبي على الوضع في ضواحي لندن. تتنوع تعريفات التمدد، ويدرك الباحثون في هذا المجال أن المصطلح يفتقر إلى الدقة.[2] عرّفت باتي وآخرون التمدد بأنه «نمو غير منسّق: توسع المجتمع دون الاكتراث بالعواقب، باختصار هو نمو عمراني تدريجي غير مخطط له ويعتبر غالبًا غير مستدام».[3] كتب بهاتا وآخرون عام 2010 أنه على الرغم من الخلاف حول التعريف الدقيق للتمدد، هناك «إجماع عام على أن التمدد العمراني يتميز بنمط نمو غير مخطط له وغير متوازٍ، تدفعه الكثير من العمليات ويؤدي إلى استهلاك الموارد بصورة عديمة الكفاءة».[4]
أظهر ريد إيونغ أن التمدد يوصف نموذجيًا بأنه تنمية حضرية تتسم بواحدة على الأقل من الخصائص التالية: النماء منخفض الكثافة أو ذو الاستخدام الواحد، أو النماء القطاعي، أو النماء المتناثر، و/أو قفزات النماء (مناطق من النماء تتخللها أراضٍ خالية).[5] وجادل أن الطريقة الأفضل لتحديد التمدد هي استخدام المؤشرات بدلًا من الخصائص لأنها أكثر مرونة وأقل اعتباطية. اقترح إيونغ استخدام «إمكانية الوصول» و«المساحات المفتوحة الوظيفية» بوصفها مؤشرات.[6] انتُقد نهج إيوينغ لأنه يفترض أن التمدد محدّد بخصائصه السلبية.
يمكن اعتبار ما يحدد التمدد مسألة درجة وسيبقى دومًا ذاتيًا إلى حد ما في ظل تعريفات المصطلح الكثيرة. جادل إيوينغ بأن نماء الضواحي لا يشكل بحد ذاته تمددًا بالاعتماد على الشكل الذي يأخذه، جادل جوردون وريتشاردسون بأن مصطلح التمدد يستخدم أحيانًا مرادفًا لنماء الضواحي بصورة ازدراء.[7]
على الرغم من شهرتها بأنها مدينة تمدد عمراني فإن المنطقة الحضرية في لوس أنجلوس على سبيل المثال هي المنطقة الحضرية الرئيسية الأكثر كثافة سكانية في الولايات المتحدة (أكثر من 1,000,000 نسمة)، وهي تفوق المنطقة الحضرية في نيويورك والمنطقة الحضرية في سان فرانسيسكو كثافةً.[8][9][10] في الأساس، بُنيت معظم المنطقة الحضرية في لوس أنجلوس لتأوي كثافة سكانية منخفضة إلى معتدلة، ما أدى إلى كثافة إجمالية أعلى بكثير. بخلاف مدن مثل نيويورك أو سان فرانسيسكو أو شيكاغو ذات المراكز المضغوطة للغاية والكثيفة جدًا والمحاطة بمساحات واسعة ذات كثافة منخفضة جدًا.
تثير حالات التمدد عبر العالم تساؤلات حول تعريف المصطلح والشروط اللازمة ليعد النمو الحضري تمددًا. المناطق الحضرية مثل مكسيكو سيتي الكبرى[11] ومنطقة العاصمة الوطنية في دلهي وبكين، تعتبر مدنًا متمددة (زاحفة) على الرغم من كونها كثيفة نسبيًا ومختلطة الاستخدام.
أمثلة
وفقًا لجرد الموارد الوطنية في الولايات المتحدة، نما نحو 8900 كيلومترًا مربعًا (2.2 مليون فدان) من الأراضي في الولايات المتحدة بين عامي 1992 و2002. حاليًا، يصنف جرد الموارد الوطنية نحو 100,000 كيلومترًا مربعًا (40,000 ميلًا مربعًا) (ما يقارب مساحة ولاية كنتاكي) على أنها مناطق نماء، زيادةً عن تصنيف مكتب الإحصاء الوطني. السبب في ذلك الاختلاف أن جرد الموارد الوطنية يشمل الأراضي التي نمت في المناطق الريفية، والتي بحكم تعريفها لا تعتبر تمددًا حضريًا. حاليًا، وفقًا لإحصاء عام 2000، نحو 2.6% من مساحة الأراضي في الولايات المتحدة حضرية.[12] نحو 0.8% من الأراضي في 37 منطقة حضرية تأوي أكثر من 1,000,000 نسمة. في عام 2002، دعمت هذه المناطق الحضرية البالغ عددها 37 نحو 40٪ من سكان الولايات المتحدة.[13]
ومع ذلك، توسعت بعض المناطق الحضرية مثل ديترويت جغرافيًا حتى مع خسارتها للسكان. علمًا أن المناطق الحضرية في الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي خسرت السكان مع تمددها الكبير. وفقًا لبيانات كتاب «المدن والاعتماد على السيارات» كينوورثي ولوب (1999)، حدثت الخسارة السكانية في المناطق الحضرية بالتزامن مع التوسع في التمدد بين عامي 1970 و1990 في أمستردام بهولندا؛ بروكسل في بلجيكا؛ كوبنهاغن في الدنمارك؛ فرانكفورت وهامبورغ وميونخ في ألمانيا؛ زيورخ في سويسرا، علمًا أن هذا لم يترافق بتفكيك البنية التحتية كما حدث في الولايات المتحدة.
الخصائص
على الرغم من عدم وجود وصف واضح متفق عليه لما يُعرّف التمدد، فإن معظم التعريفات تربط الخصائص التالية به.
الاستخدام الواحد
يشير الاستخدام الواحد إلى الفصل بين المناطق التجارية والسكنية والمؤسساتية والصناعية. أي تخصيص مساحات كبيرة من الأراضي لغاية واحدة وتُفصَل المناطق عن بعضها بمساحة مفتوحة أو بنى تحتية أو حواجز أخرى. نتيجةً لذلك، تكون الأماكن التي يعيش ويعمل ويتسوق ويترفه فيها الأفراد بعيدة عن بعضها البعض كثيرًا، عادةً إلى حد يجعل المشي ووسائط النقل العامة والدراجات أمرًا غير عملي، لذا يتطلب التنقل بغية ممارسة هذه الأنشطة السيارة.[14] تُستخدم درجة اختلاط الاستخدامات المختلفة للأراضي باعتبارها مؤشرًا على التمدد في الدراسات الخاصة بهذا الموضوع.
التمدد المهني وعدم التوافق المكاني
يعد التمدد المهني أحد مظاهر استخدام الأراضي في مجتمعات التمدد العمراني التي تعتمد على السيارات. يُعرّف على أنه أنماط توظيف منخفضة الكثافة ومتناثرة جغرافيًا، إذ توجد غالبية الوظائف في منطقة حضرية خارج المنطقة التجارية المركزية للمدينة، وبشكل متزايد في الضواحي المحيطة. يرجع ذلك غالبًا إلى نقص الاستثمار في المناطق الحضرية، والحرية الجغرافية التي يتمتع بها مكان العمل بفضل الاعتماد الكبير على السيارات في الكثير من الضواحي الأمريكية، ورغبة الكثير من الشركات في انتقاء موقعها في المناطق منخفضة الكثافة الأقل كلفة والتي توفر إمكانية التوسع في المستقبل. يرتبط عدم التطابق المكاني بالتمدد المهني والعدالة البيئية الاقتصادية. ويُعرَّف بأنه الحالة التي يُترك فيها الفقراء في المناطق الحضرية، وغالبيتهم من الأقليات، دون قدرة على الوصول إلى الوظائف من المستوى المبتدئ، نتيجة لزيادة التمدد المهني ومحدودية خيارات النقل التي تسمح بسهولة التنقل العكسي من المدن إلى الضواحي.
وُثق التمدد المهني وخضع للقياس بطرق مختلفة. وظهر أنه اتجاه متزايد في المناطق الحضرية الأمريكية.[15] نشرت مؤسسة بروكينغز مقالات متعددة حول هذا الموضوع. في عام 2005، حدد المؤلف مايكل ستول التمدد المهني ببساطة بأنه الوظائف التي تبعد أكثر من 5 أميال (8.0 كم) عن المركز التجاري للمدينة، وقاس المفهوم بناءً على بيانات الإحصاء الأمريكي للعام 2000.[16] من الطرق الأخرى لقياس هذا المفهوم الحلقات المحيطة بالمركز التجاري للمدينة، والتي تكون أكثر تحديدًا، استُخدمت هذه الحلقات في مقال نُشر عام 2001 بقلم إدوارد جلايسر[17] ومقال آخر كتبته إليزابيث نيبون 2009، يوضح مقال نيبون أن المناطق الحضرية مترامية الأطراف تستحوذ على المزيد من فرص العمل بينما تخسر المناطق القريبة من المركز التجاري للمدينة الوظائف.[18] استخدم هذان المؤلفان ثلاث دوائر تحصر ثلاث حلقات جغرافية، يصل نصف قطر الدائرة الأكبر إلى 35 ميلًا (56 كم) حول المركز التجاري للمدينة، والحلقات بالترتيب: الحلقة التي تضم محيط المركز التجاري للمدينة ضمن دائرة نصف قطرها 3 أميال (4.8 كم)، الحلقة الثانية بين 3 و10 أميال (16 كم)، والثالثة بين 10 و35 ميلاً (56 كم). أظهرت دراسة نيبون التوزع المهني على مستوى البلاد في أكبر المناطق الحضرية في عام 2006: 21.3% من الوظائف موجودة في الحلقة الداخلية، و33.6٪ من الوظائف في الحلقة المتوسطة، و45.1٪ في الحلقة الأبعد. مقارنةً مع عام 1998 - 23.3٪، 34.2٪، 42.5٪ على التتالي. أظهرت الدراسة انكماش نسبة التوظيف في المركز التجاري للمدينة، وتركز نمو الوظائف في الحلقات الحضرية الخارجية في الضواحي وخارجها.
انظر أيضا
المراجع
- ما هو الزحف العمراني؟. SprawlCity.orgنسخة محفوظة 05 يناير 2010 على موقع واي باك مشين.نسخة محفوظة 05 يناير 2010 على موقع واي باك مشين.
- Audirac, Ivonne؛ Shermyen, Anne H.؛ Smith, Marc T. (31 ديسمبر 1990)، "Ideal Urban Form and Visions of the Good Life Florida's Growth Management Dilemma"، Journal of the American Planning Association، 56 (4): 470–482، doi:10.1080/01944369008975450.p. 475.
- Batty, Michael؛ Besussi, Elena؛ Chin, Nancy (نوفمبر 2003)، "Traffic, Urban Growth and Suburban Sprawl" (PDF)، UCL Centre for Advanced Spatial Analysis Working Papers Series، 70، ISSN 1467-1298، مؤرشف من الأصل (PDF) في سبتمبر 26, 2015، اطلع عليه بتاريخ مايو 17, 2015.
- Bhatta, B.؛ Saraswati, S.؛ Bandyopadhyay, D. (ديسمبر 2010)، "Urban sprawl measurement from remote sensing data"، Applied Geography، 30 (4): 731–740، doi:10.1016/j.apgeog.2010.02.002.
- Chin, Nancy (مارس 2002)، "Unearthing the Roots of Urban Sprawl: A Critical Analysis of Form, Function and Methodology" (PDF)، University College London Centre for Advanced Spatial Analysis Working Papers Series، 47، ISSN 1467-1298، مؤرشف من الأصل (PDF) في مارس 4, 2016، اطلع عليه بتاريخ أبريل 19, 2015.
- Ewing, Reid (1997)، "Is Los Angeles-Style Sprawl Desirable?"، Journal of the American Planning Association، 63 (1): 107–126، doi:10.1080/01944369708975728.
- Gordon, Peter؛ Richardson, Harry (1997)، "Are Compact Cities a Desirable Planning Goal?"، Journal of the American Planning Association، 63 (1): 95–106، doi:10.1080/01944369708975727.
- "Growth in Urban Population Outpaces Rest of Nation, Census Bureau Reports"، US Census، مؤرشف من الأصل في 5 سبتمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 20 أكتوبر 2013.
- Barragan, Bianca (17 فبراير 2015)، "Los Angeles is the Least Sprawling Big City in the US"، Curbed، Vox Media، مؤرشف من الأصل في 29 سبتمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 25 يناير 2017.
- Eidlin, Eric، "What Density Doesn't Tell Us About Sprawl"، ACCESS، The Regents of the University of California، مؤرشف من الأصل في 20 مارس 2017، اطلع عليه بتاريخ 29 يناير 2017.
- Monkkonen, Paavo (2011)، "Do Mexican Cities Sprawl? Housing Finance Reform and Changing Patterns of Urban Growth"، Urban Geography، 32 (3): 406–423، doi:10.2747/0272-3638.32.3.406.
- Lubowski, Ruben N.; Marlow Vesterby, Shawn Bucholtz, Alba Baez, and Michael J. Roberts (May 31, 2006). Major Uses of Land in the United States, 2002 نسخة محفوظة April 9, 2007, على موقع واي باك مشين.. دائرة البحوث الاقتصادية, . Retrieved on February 7, 2008.
- USA Urbanized Areas: 2000 Ranked by Population. Demographia, August 25, 2002. Retrieved on February 8, 2008. نسخة محفوظة 25 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
- Frumkin, Howard (May–June 2002). Urban Sprawl and Public Health. مراكز مكافحة الأمراض واتقائها. Retrieved on February 7, 2008. نسخة محفوظة 6 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
- "Residential Construction Trends in America's Metropolitan Regions"، Smart Growth، Washington, D.C.: U.S. Environmental Protection Agency (EPA)، 27 يوليو 2016، مؤرشف من الأصل في 6 نوفمبر 2018.
- Stoll, Michael A. (2005)، Job Sprawl and the Spatial Mismatch between Blacks and Jobs، Washington D.C.: Brookings Institution, Metropolitan Policy Program، مؤرشف من الأصل في يوليو 6, 2008، اطلع عليه بتاريخ يناير 22, 2010.
- Glaeser, Edward (2001)، Job Sprawl: Employment Location in U.S. Metropolitan Areas، Washington D.C.: Brookings Institution, Metropolitan Policy Program.، مؤرشف من الأصل في 15 مايو 2016، اطلع عليه بتاريخ 22 يناير 2010.
- Kneebone, Elizabeth (2009)، Job Sprawl Revisited: The Changing Geography of Metropolitan Employment، Washington D.C.: Brookings Institution، مؤرشف من الأصل في فبراير 22, 2010، اطلع عليه بتاريخ يناير 22, 2010.
- بوابة طبيعة
- بوابة علم البيئة
- بوابة عمارة