الحطيئة
أبو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي المشهور بـ الحطيئة. شاعر مخضرم أدرك الجاهلية وأسلم في زمن أبي بكر. ولد لدى بني عبس من أَمةٍ اسمها (الضراء) دعِيًّا لا يُعرفُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت، ويدفع به العدوان، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس، ولم يكن يسلم أحد من لسانه فقد هجا أمّه وأباه حتى إنّه هجا نفسه.
الحطيئة | |
---|---|
معلومات شخصية | |
تاريخ الميلاد | القرن 6[1] |
تاريخ الوفاة | سنة 674 [2] |
مواطنة | الخلافة الراشدة |
الكنية | أبو مُليكة |
الحياة العملية | |
المهنة | شاعر[3]، وكاتب[4] |
اللغات | العربية |
بوابة الأدب | |
أدبه
للحطيئة ديوان شعر طبع في إسطنبول سنة 1890، ثمّ في ليبسيغ سنة 1893، ثمّ في مصر سنة 1905، وهو يتضمّن مدحاً وهجاءً وفخراً وغزَلاً.[5]
حبسه في السجن
كان سبب حبسه أن الزبرقان بن بدرالتميمي سيد قومه عَمِل للنَبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر، وكان يجمع زكاة قومه ويؤديها لهم. وقد أشتكى لعمر لما هجاه الحطيئة. فقال له عمر: وما قال لك ؟ قال: قال لي:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها | واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي |
فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة. فقال الزبرقان : أو لا تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشد عليَّ منه. فدعا عمر حسان بن ثابت وسأله: أتراه هجاه؟ قال حسان : نعم وسلح عليه! فحبس عمر الحطيئة، فجعل الحطيئة يستعطفه ويرسل إليه الأبيات، فمن ذلك قوله:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ | زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ |
فلم يلتفت إليه عمر، حتى أرسل إليه الحطيئة:
ألقيت كاسبَهم في قعر مُظلمة | فاغفر، عليك سلام الله يا عمر | |
أنت الإمامُ الذي من بعد صاحبه | ألقى إليك مقاليدَ النُّهي البشرُ | |
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها | لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ | |
فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم | بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ | |
نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ | من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ |
فبكي سيدنا عمر رضي الله عنه لما سمع الابيات ورحم الحطيئة واولاده ورق لحالهم ،وكان الصحابة رضوان الله عنهم يتعجبون من رحمه عمر للحطيئة ورقت قلبه له فقال له سيدنا عمر : فإياك والمقذع من القول فقال الحطيئة: وما المقذع؟ قال عمر: أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان؛ قال الحطيئة: فأنت والله أهجى مني. ثم قال له عمر : والله لولا أن تكون سُنّة لقطعت لسانك . فاشترى عمر منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وأخذ عليه عهداً ألا يهجو أحداً فقال الحطيئة لك عهد الله يا امير المؤمنين . فقال عمر : لكأني بفتىً من قريش قد نصب لك نمرقة، فاتكأت عليها، وأقبلت تنشده في أعراض المسلمين. قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين.
فأطلقه الخليفة واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، فتوقف عن الهجاء،قال بعض الرواة: فوالله لقد رأيته عند عبيد الله بن زياد على الحال التي ذكر عمر رضي الله عنه، فقلت له: لكأن أمير المؤمنين عمر كان حاضراً لك اليوم، فتأوه. وقال: رحم الله ذلك المرء، فما أصدق فراسته.
قال عن أمه:
تنحي فاقعدي مني بعيداً | أراح الله منك العالمينا | |
ألم أوضح لك البغضاءَ مني | ولكن لاأخالُكِ تعقلينا | |
أغربالاً إذا استودعت سراً | وكانوناً على المتحدثينا | |
جزاك الله شراً من عجوز | ولقاك العقوق من البنينا | |
حياتكِ ماعلمت حياةُ سوء | وموتُكِ قد يـسرُّالصالحينا |
وقال عن أبيه:
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي | وبئس الشيخ أنت لدى المعالي | |
جمعت اللؤم لا حياك ربي | وأبواب السفاهة والضلال |
وقال يهجو نفسه:
أبت شفتاي اليوم إلا تلكماً | بهجو فما أدري لمن أنا قائله |
فرأى وجهه في الماء فقال:
أرى اليوم لي وجهاً فلله خلقه | فقبح من وجه وقبح حامله |
وعندما مات أوصى أن يعلق هذا على كفنه:
لا أحدٌ ألأم من حطيئة | هجا البنين وهجا المريئة |
الشعر القصصي
الحطيئة رائد الشعر القصصي كما هو واضح في قصيدته قصة كرم:
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل | بتيهاء لم يعرف بها ساكن رسما | |
أخي جفوة فيه من الأنس وحشة | يرى البؤس فيها من شراسته نعمى | |
وأفرد في شعب عجوزاً إزاءها | ثلاثة أشباح تخالهم بهما | |
حفاة عراة ما اغتذوا خبز ملّة | ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما |
وبعد هذه الإضاءة لبيئة القصة، وشخوصها تبدأ حبكة القصة وتأزم الحدث:
رأى شبحاً وسط الظلام فراعه | فلما بدا ضيفاً تسوّر واهتمّا |
ويأخذ التأزم في التطور وتشتد عقدة القصة حتى تصل منتهى الشد:
فقال ابنه لما رآه بحيرة | أيا أبتي اذبحني ويسّر له طعما | |
ولا تعتذر بالعدم عل الذي ترى | يظن لنا مالاً فيوسعنا ذما | |
فروّى قليلاً ثم أحجم برهة | وإن هو لم يذبح فتاه فقد همّا | |
وقال هيا ربّاه، ضيف ولا قرى؟ | بحقك لا تحرمه تاالليلة اللحما |
ثم تأخذ الأزمة في الانفراج، ويبدأ حل العقدة:
فبينا هما عنت على البعد عانة | قد انتظمت من خلف مسحلها نظما | |
عطاشاً تريد الماء فانساب نحوها | على أنه منها إلى دمها أظما | |
فأمهلها حتى تروت عطاشها | فأرسل فيها من كنانته سهما | |
فخرّت نحوص ذات جحش سمينة | قد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحما |
وانحلت العقدة .. ثم تليها الإضاءة الأخيرة :
فيا بشره إذ جرّها نحو قومه | ويا بشرهم لما رأوا كلمها يدمى | |
فباتوا كراماً قد قضوا حق ضيفهم | فلم يغرموا غرماً وقد غنموا غنما | |
وبات أبوهم من بشاشته أباً | لضيفهمُ والأم من بشرها أما |
المدح والثناء
يعتبر نقاد الأدب العربي القدماء، أن أبياته التالية في المدح مما لا يلحق له غبار، أما النقاد المحدثون، فمنهم الدكتور محمد غنيمي هلال الذي أعتبرها من القصائد التي امتازت بالجزالة التي تتوافر للفظ إذا لم يكن غريباً ولا سوقياً.. وهي كما نرى تنبض بالحكمة من داخلها وإن كان ظاهرها الاستجداء والمدح:
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها | وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدُّ | |
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم | من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدوا | |
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى | وإن عاهدوا أوفوا ونىنىإن عقدوا شدوا | |
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها | وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا |
كما قال الحطيئة:
زوامل للأخبار لا علم عندها | بمثقلها إلاّ كعلم الأباعر | |
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا | بأوساقه أو راح ما في الغرائر |
من أشعاره
أرى ليَ وجهاً قبّح الله شكله | فقبّح من وجـهٍ وقبّـح حاملـه | |
الشعر صعب وطويل سلمّه | إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه | |
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل | ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما | |
رأى شبحا وسـط الظـلام فراعـه | فلما بدا ضيفا تسور واهتمـا | |
وقـال ابنه لـما رآه بحيـرة | أيا أبت اذبحني ويسر له طعما |
المصادر
- مُعرِّف الموسوعة العالمية: https://www.universalis.fr/encyclopedie/al-hutay-a/
- مُعرِّف موسوعة بريتانيكا على الإنترنت (EBID): https://www.britannica.com/biography/al-Hutayah
- العنوان : بوَّابة الشُعراء — مُعرِّف شاعر في موقع بوابة الشعراء: https://poetsgate.com/poet.php?pt=43 — تاريخ الاطلاع: 5 أبريل 2022
- مُعرِّف الملفِّ الاستناديِّ المُتكامِل (GND): https://d-nb.info/gnd/102371407 — تاريخ الاطلاع: 17 يوليو 2021
- انظر : حنا الفاخوري، تاريخ الأدب العربي - الأدب القديم - دار الجيل - بيروت لبنان ص276.