عبيد بن الأبرص
عَبيد بن الأبرص الأسدي شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات ويعد من شعراء الطبقة الأولى، قتله المنذر بن ماء السماء حينما وفد عليه في يوم بؤسه. عاصر امرؤ القيس وله معه مناظرات ومناقضات، وهو شاعر من دهاة الجاهلية وحكمائها، وأحد أصحاب المجمهرات المعدودة طبقة ثانية عن المعلقات. وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية وحكمائها ودهاتها، وقرن به طرفة وعلقمة بن عبدة وعدي بن زيد، وكان شاعر بن أسد غير مدافع، قديم الذكر، طائر الشهرة، شهما، كريما مع ضيق ذات يده.[1]
عبيد بن الأبرص | |
---|---|
معلومات شخصية | |
تاريخ الميلاد | سنة 400 |
تاريخ الوفاة | سنة 598 |
الحياة العملية | |
المهنة | شاعر |
اللغات | العربية |
عبيد بن الأبرص - ويكي مصدر | |
نسبه
عَبيد (بفتح العين)[2] بن الأبرص بن حنتم بن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد، وقيل عبيد بن عوف بن جشم الأسدي من قبيلة بني أسد الخندفية المضرية، وزمن مولده غير معروف.
موته
مات في (25 ق هـ / 598 م) هي روايتان ألأولى: مسندةٌ على الشرقيّ بن القطامي، قال: كان المنذر بن ماء السماء ــ ابن ماء السماء مات في معركة يوم حليمة سنة 554م نرجو مراجعة هذا ــ قد نادمه رجلان من بني أسد، أحدهما خالد بن المضلِّل والآخر عمرو بن مسعود بن كَلَدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحفر لكلّ منها حفيرة بظهر الحيرة ثمّ يجعلا في تابوتين ويدفنا في الحفرتين، ففُعل بهما ذلك، حتى إذا أصبح سأل عنهما فأُخبر بهلاكهما، فندم على ذلك وغمّه، ثم ركب حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغَرِيّين فبنيا عليهما، وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريّين أحدهما يوم السعد والآخر يوم التعس، فأوّل من يطلع عليه في يوم نعيمه (يوم السعد) يعطيه مائة من الإبل شؤماً، أي سوداً، وأول من يطلع عليه يوم بؤسه (يوم التعس) يعطيه رأس ظَرِبان أسود، ثم يأمر به فيذبح ويغرّى بدمه الغريّان. فلبث بذلك برهة من دهره. ثم إن عبيد بن الأبرص كان أوّل من أشرف عليه يوم بؤسه فقال: هلاّ كان الذّبحُ لغيرك، يا عبيد فقال: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلاً. فقال المنذر: أو أجلٌ بلغ أناه. ثم قال له: أنشدني فقد كان شعرك يعجبني. فقال حال الجريض دون القريض، وبلغ الحِزام الطِّبيين، فأرسلها مثلاً. فقال له آخر: ما أشدّ جزعك من الموت! فقال: لا يرحلُ رحلك من ليس معك، فأرسلها مثلاً. فقال له المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك! فقال عبيد: من عزّ بزّ، فأرسلها مثلاً. فقال المنذر: أنشدني قولك: «أقفر من أهله ملحوب» فقال:
أقفر من أهله عبيدُ | فليس يُبدي ولا يُعيدُ | |
عنّت عنّةٌ نَكودُ | وحان منه لها وُرودُ |
فقال له المنذر: يا عبيد! ويحك أنشدني قبل أن أذبحك. فقال عبيد:
واللهِ إن متُّ لما ضرّني | وإن أعِش ما عشتُ في واحدة |
فقال المنذر: إنّه لا بدّ من الموت، ولو أن النعمان، أي ابنه، عرض لي في يوم بؤس لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل، وإن شئت الأبجل، وإن شئت الوريد. فقال عبيد: ثلاث خصال كسحابات عاد واردها شرّ وُرّاد، وحاديها شرّ حاد، ومعادها شرّ معاد، ولا خير فيها لمرتاد، وإن كنتَ لا محالة قاتلي، فاسقني الخمر حتى إذا ماتت مفاصلي وذَهِلت ذواهلي فشأنك وما تريد. فأمر المنذر بحاجته من الخمر، حتى إذا أخذت منه وطابت نفسه دعا به المنذر ليقتله، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
وخيّرني ذو البؤس في يوم بؤسه | خَصالاً أرى في كلّها الموتَ قد برَق | |
كما خُيّرتْ عادٌ من الدّهر مرّةً | سحائبَ ما فيها لذي خِيرةٍ أنَقْ | |
سحائب ريحٍ لم تُوكَّل ببلدةٍ | فتتركها إلاّ كما ليلةِ الطّلَقْ |
فأمر به المنذر ففصد، فلما مات غذي بدمه الغريّان. وقد يضرب المثل بيوم عبيد، عند العرب، لليوم المشؤوم الطالع. أما رواية مقتله في الديوان، فقد رويت في الأغاني أيضاً عن هشام بن الكلبي، على شيء من الاختلاف، كما أشرنا إليه سابقاً، قال: وكان من حديث عبيد وقتله أن المنذر بن ماء السماء بنى الغريّين، فقيل له: ماذا تريد بهما وكان بناهما على قبري رجلين من بني أسد كانا نديميه: أحدهما خالد بن نضلة الفقعسيّ، وكان أُسر يوم جبَلة، والآخر عمرو بن مسعود. فقال: ما أنا بملك إن خالف الناس أمري؛ لا يمرّ أحد من وفود العرب إلا بينهما. وكان له في السنة يومان معروفان بيوم بؤس ويوم نعمة، فكان إذا خرج في يوم بؤسه يذبح فيه أوّل من يلقاه كائناً من كان؛ وإذا خرج في يوم نعمته يصِل أوّل من يلقاه ويحبوه ويُحسن إليه. فبينما هو يسير في يوم بؤسه إذ أشرف له عبيد، فقال لرجل ممّن كان معه: من هذا الشقيّ فقال له: هذا عبيد بن البرص. فأُتي به فقال له الرجل: أبيت اللعن اتركه، فإن عنده من حسن القريض أفضل ممّا تدرك في قتله، مع أنّه من رؤساء قومه وأهل النجدة والشأن فيهم، فاسمع منه وادعه إلى مدحك، فإن سمعت ما يعجبك كنت قد عفت له المنّة فإن مِدْحَته الصنيعة. فإن لم يعجبك قوله كان هنيئاً عليك قتله، فإذا نزلنا فادع به! قال: فنزل المنذر، فطعِم وشرب، وبينه وبين الناس حجاب يراهم منه ولا يرونه، فدعا بعبيد من وراء الستر فقال له رديفة: ما ترى يا أخا أسد. قال: أرى الحوايا عليها المنايا. قال: فعليك بالخروج له ليقرّبك ذاك من الخلاص. قال: ثكلتك الثّواكل، إنّي لا أعطي باليد، ولا أُحضر البعيد، والموت أحبّ إليّ. قال له الملك: أفقلت شيئاً. قال: حال الجريض دون القريض. قال المنذر: أنشدني من قولك «أقفر من أهله ملحوب». قال عبيد:
أقفر من أهله عبيدُ | فليس يُبدي ولا يُعيد |
قال: أنشدنا أيضاً! فقال:
هي الخمر تكنى بأمّ الطّلاء | كما الذّئبُ يدعى أبا جعدةِِ |
فقال: قل فيّ مديحاً يسير في العرب! قال: أمّا والصَّبّار فيما عجل فلا! قال: نطلقك ونحسن إليك. قال: أمّا وأنا أسير في يديك فلا. قال: نردّك إلى أهلك ونلتزم رفدك. قال: أمّا على شرط المديح فلا! قال عبيد:
أوَصيِّ بَنِيّ وأعمامهم | بأنّ المنايا لهُم راصده | |
لها مدّةٌ، فنفوسُ العِباد | إليها، وإن جهَدوا، قاصِده | |
فوالله إنْ عشتُ ما سرّني | وإن متُّ ما كانت العائده |
فقال بعض القوم: أنشِد الملك! قال: لا يرجى لك من ليس معك. قال بعضهم من القوم: أنشد الملك! قال: وأُمِرَّ دون عبيده الوَذَمُ. قال له المنذر: يا عبيد أي قتلة أحبّ إليك أن أقتلك. قال: أيّها الملك روّني من الخمر وافصدني، وشأنك وشأني. فسقاه الخمر ثم أقْطَعَ له الأكحل فلم يزل الدم يسيل حتى نفد الدم وسالت الخمر، فمات.
معلّقة عبيد بن الأبرص
لعبيد بن الأبرص قصيدة شهيرة ألحقها بعضهم بالمعلقات، ويقول في تلك القصيدة:
أقفـرَ من أهلهِ مَلْحـوبُ | فالقُطبيَّــات فالذَّنوبُ | |
فَراكِـسٌ فثُعَيـلٍبــاتٌ | فَـذاتَ فَـرقَـينِ فالقَـلِيبُ | |
فَعَـرْدةٌ، فَقَفــا حِـبِرٍّ | لَيسَ بِها مِنهُــمُ عَـريبُ | |
وبُدِّلَتْ مِنْ أهْلِها وُحوشًا | وغًـيَّرتْ حالَها الخُطُــوبُ | |
أرضٌ تَوارَثَهـا الجُدوبُ | فَكُـلُّ من حَلَّهـا مَحْـروبُ | |
إمَّـا قَتيـلاً وإمَّـا هَلْكـًا | والشَّيْبُ شَـيْنٌ لِمَنْ يَشِـيبُ | |
عيناك دمعهما سروب | كأن شأنيهما شعيب | |
واهية أو معين ممعن | من هضبة دونها لهوب | |
أوفلج ببطن واد | للماء من تحته قسيب | |
أو جدول في ظلال نخل | للماء من تحته سكوب | |
تصبو وأنى لك التصابي | أنى وقد راعك المشيب | |
أن يك حول منها أهلها | فلا بدي ولا عجيب | |
أو يك قد أقفر منها جوها | وعادها المحل والجدوب | |
فكل ذي نعمة مخلوسها | وكل ذي أمل مكذوب | |
وكل ذي إبل موروث | وكل ذي سلب مسلوب | |
وكل ذي غيبة يؤيب | وغائب الموت لايؤوب | |
أعاقر مثل ذات رحم | أو غانم مثل من يخيب | |
من يسأل الناس يحرموه | وسائل الله لايخيب | |
بالله يدرك كل خير | والقول في بعضه تلغيب | |
والله ليس له شريك | علام ما أخفت القلوب | |
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضعـ | ـف وقد يخدع الأريب | |
لا يعظ الناس من لا يعظ الدهـ | ـر ولا ينفع التلبيب | |
إلا سجيات ما القلوب | وكم يصيرن شانئا حبيب | |
ساعد بأرض إذا كنت بها | ولا تقل إنني غريب | |
قد يوصل النازح النائي | وقد يقطع ذو السهمة القريب | |
والمرء ما عاش في تكذيب | طول الحياة له تعذيب | |
بل رب ماء وردته آجن | سبيله خائف جديب | |
ريش الحمام على أرجائه | للقلب من خوفه وجيب | |
قطعته غدوة مشيحا | وصاحبي بادن خبوب | |
عيرانة موجد فقارها | وكأن حاركها كثيب | |
أخلف ما بازلا سديسها | لا حقة هي ولا نيوب | |
كأنها من حمير عانات | جون بصفحته ندوب | |
أو شبب يرتعي الرخامى | تلفه شمأل هبوب | |
فذاك عصر وقد أراني | تحملني نهدة سرحوب | |
مضبر خلقها تضبيرا | ينشق عن وجهها السبيب | |
زيتية نائم عروقها | ولين اسرها رطيب | |
كأنها لقوة طلوب | تخر في وكرها القلوب | |
باتت على إرم عذوبا | كأنها شيخة رقوب | |
فأصبحت في غداة قرة | يسقط عن ريشها الضريب | |
فابصرت ثعلبا سريعا | ودونه سبسب جديب | |
فنفضت ريشها وولت | فذاك من نهضة قريب | |
فاشتال وارتاع من حسيس | وفعله يفعل المذؤوب | |
فنهضت نحوه حثيثة | وحردت حرده تسيب | |
فدب من رأيها دبيبا | والعين حملاقها مقلوب | |
فأدركته فطرحته | والصيد من تحتها مكروب | |
فرفعته فوضعته | فكدحت وجهه الجبوب | |
فعاودته فرفعته | فأرسلته وهو مكروب | |
يضغو ومخلبها في دفه | لا بد حيزومه منقوب |
مراجع
- "ص60 - كتاب رجال المعلقات العشر - عبيد بن الأبرص - المكتبة الشاملة الحديثة"، al-maktaba.org، مؤرشف من الأصل في 20 يناير 2022، اطلع عليه بتاريخ 06 مارس 2022.
- محمد العدناني، معجم الأغلاط اللغوية،ص428،427
وصلات خارجية
- بوابة أدب عربي
- بوابة أعلام
- بوابة شعر