الإعلام العسكري (مصر)
الإعلام العسكري المصري أو الإعلام الحربي للقوات المسلحة المصرية يعتبر الإعلام الحربي، فرع متخصص في مجالات الإعلام العام للدولة، بل وأحد أدواته وليس منفصلا عنه، فالإعلام الحريي عبر عن الدور الذي تقوم به القوات المسلحة من أجل تنفیذ الهدف السياسي العسكري للدولة ودعم الفكر الحربي لدى قوى الشعب وقواته المسلحة، وكذا لمواجهة الدعاية المعادية من القوى الخارجية المناهضة للدولة.[1]
- تعريف الإعلام الحربي
- الإعلام الحربي يعنى: جمع وتحلیل ومعالجة البيانات، والمعلومات، والصور، والحقائق، والرسائل، والتعليمات من كافة المصادر عن أنشطة القوات المسلحة، والتأكد من مصداقیتها وصياغتها بأسلوب یتقبله المجتمع ونشرها محليا وخارجياًً، باستخدام كافة وسائل الإعلام، وذلك بهدف تزويد الشعب والقوات المسلحة بالمعلومات الصحيحة، ٕ واحباط نوايا الحملات المضادة التي تهدف إلى ضعف الروح المعنوية، أو التأثیر على التلاحم بین الشعب والجيش، مع التأكید على الولاء والانتماء للوطن.
- تلك العملية التي یترتب علیها نشر الأخبار والمعلومات الدقيقة التي ترتكز على الصدق والصراحة، ومخاطية الجماهیر وعواطفهم السامية، والارتقاء بمستوى ال أري."يمعنى أن الإعلام الحربي منوط بتقديم المعلومات الدقيقة والصادقة والحقائق، التي تساعد على إدراك ما یجري في المجال الحربي وتكوين ارء صائبة في الأمور الهامة المعنية به، وبحیث لا تتعارض تلك الحقائق والمعلومات مع الأهداف العسكرية العليا، التي تخدم قضايا القوات المسلحة والدولة في آن واحد.
- ومن ثم يمكننا القول بأن الإعلام الحربي، هو الإعلام الذي يمثل أوجه النشاطات الاتصالية والتي تستهدف تزويد الجمهور الداخلي والخارجي بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة عن القوات المسلحة، من أجل تكوين رأي صائب لدى الجماهیر عن مدى كفاءة وقد ارت هذه القوات، وفي الوقت نفسه مواجهة الإعلام المعادي.
مناهج الإعلام الحربي
الإعلام الحربي كأحد الأفرع المتخصصة للإعلام العام - له مناهجـه ومداخله المتميزة ومنها:
- المنهج التاريخي: حيث يبرز مراحل التطور التاريخي للحدث وأسلوب معالجته، والتعبير عن تطور مراحل هذه الظاهرة أو "الحدث"، وما يستجد من متغيرات.
- المنهج الاجتماعي: يركز على عملية التفاعل، ويحاول متابعة العناصر المختلفة للموقف وتحديد وزن كل متغير في عملية التفاعل، وتحليله ورده إلى مقوماته.
- المنهـج النفسي: يركز على تتبع ظاهرة الرأي العام لدى الجماهير والحالة النفسية، للشعب إزاء التطورات التي تحدث حوله داخلياً وخارجياً، وهل هو في حالة توتر أم لا
- المنهج السياسي: وهو المنهج الذي يرى في الرأي العام الاتجاه الوحيد الذي تنصهر في بوتقته -جميع الاتجاهات المعبرة عن حالة المجتمع سياسياً. والمنهج السياسي يخاطب الرأي العام سواء داخل أو خارج الدولة، كما لابد أن يكون دقيقاً وصريحاً حتى يمكنه حشد الجماهير من أجل تحقيق الهدف. ومن ثم يمكن القول: أن الإعلام الحربي يرتبط عمله بجميع عناصر تحقيق الأمن الوطني للدولة، ومن ثمّ تبرز أهميته في تبنى السياسة الوطنية للدولة وربطها بواقع المتغيرات والتحديات في إطار نظام سياسي متوازن ونظام اقتصادي فعال، وعلاقات دولية مبنية على أسس سليمة.
الإعلام العسكري وحرب 1967
منذ أوائل عام 1967 بدأ التوتر يتخذ أبعاداً جديدة[2]، نتيجة لتحول قادة إسرائيل إلى مرحلة التهديد العلني المباشر، بغزو الأراضي السورية، حيث توفرت المعلومات عن إعلان التعبئة الجزئية في الجيش الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه أبلغت مصر من أكثر من مصدر من بينها الاتحاد السوفييتي عن وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية. وابتلعت مصر الطعم وسهل من ابتلاعه تلك الرغبة الكامنة لدى القيادة السياسية بإزالة ما نجم عن العدوان الثلاثي عام 1956م من مزايا تتمتع بها إسرائيل، ونقصد هنا منحها حرية المرور في مضيق تيران وخليج العقبة. واعتباراً من 14 مايو 1967م أسرعت القيادة السياسية المصرية باتخاذ عدة قرارات غاية في الخطورة وهي: " إعلان حالة الطوارئ، ورفع درجة استعداد القوات المسلحة إلى الدرجة القصوى، وإعلان حالة التعبئة العامة ". وفي 15 مايو 1967م، طلبت مصر من الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ التابعة لها من نقاط الحدود وتجميعها في قطاع غزة. وفي 23 مايو 1967م أعلنت مصر رسميا عدم سماحها بمرور السفن الإسرائيلية في مضيق خليج العقبة، وكان هذا القرار بمثابة الضربة القاضية لأي جهود تتعلق بوقف الحرب، فقد اعتبرته إسرائيل تهديداً لوجودها.
السياسة الإعلامية في فترة ما قبل الحرب
تمثلت هذه الملامح في اتجاهين أساسيين: الأول ويختص بالأسس التي حكمت العمل الإعلامي، والثاني المحاور التي بحثت فيها ووسائل الإعلام، سنتناول كل اتجاه بشكل تفصيلي.
- الأسس التي قامت عليها السياسة الإعلامية:
- التخبط وعدم التخطيط على الرغم من الحديث المستمر في تلك المرحلة عن أهمية التخطيط، إلا أن العمل الإعلامي والثقافي في أغلب أوقات هذه المرحلة ساده التخبط والخضوع للصدفة، وظهر ذلك بوضوح في الصحافة. إذ شهدت تلك الفترة تغيرات كثيرة وسريعة، وشملت أحياناً الهياكل الإدارية والتحريرية في بعض المؤسسات الصحفية، وأدى هذا إلى الارتباك والخلافات بين الصحفيين والسياسيين الذين تولوا مناصب الإشراف على هذه المؤسسات.
- تزايد دور الدولة في النشاط الإعلامي والثقافي تزايد دور الدولة في النشاط الإعلامي بعد صدور قانون تنظيم الصحافة، فالاتحاد الاشتراكي، وهو التنظيم السياسي القائم وقتها والمسؤول عن الصحافة، كان تنظيماً حكومياً في جوهره شعبياً في مظهره. في الوقت الذي فتحت السلطات فيه لرئيس الدولة- الذي هو رئيس الاتحاد الاشتراكي - الباب لتعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير وعزلهم من مناصبهم، مما أدى إلى اندماج الصحافة في سلطة الدولة، وبالتالي لم تستطع في معظم الأحوال أن تقوم بالدور المنوط بها، وهو أن تكون رقيبة على الإدارة الحكومية. كذلك كان للدولة سيطرتها القوية على الإذاعة المسموعة والمرئية، وبرر ثروت عكاشة - وزير الثقافة حينئذ - ذلك: " بأن الدولة تصدت للقيام بتأدية الخدمات الثقافية التي ينوء بها الأفراد، كمتابعة الموضوعات التي يحجم القطاع الخاص عن الخوض فيها لأنها تكبد الكثير من النفقات".
- سيطرة طابع العلاقات الشخصية على العمل الإعلامي والثقافي حيث قامت عملية اختيار القيادات والكوادر الإعلامية والثقافية على الاعتبارات الشخصية، وكان يحكمها في الغالب مبدأ أهل الثقة وليس الخبرة.
- سيطرة أسلوب الكم على الكيف أصبح الاهتمام مركزاً على إنتاج العديد من الأفلام والمسرحيات وطباعة عدد كبير من الكتب، وذلك بغض النظر عن مستوى هذه الأعمال، وشهدت تلك الفترة دعاية واسعة لهذا الأمر، بحيث وصلت إلى حد الإعلان عن صدور كتاب كل ست ساعات وتقديم مسرحية كل أسبوع.
- التأكيد نظرياً على حرية الصحافة نص الميثاق الوطني الصادر عام 1962م، أن حرية الكلمة هي التعبير عن حرية الفكر في أية صورة، كما أن حرية الصحافة يجب أن تتوافر لها كل الضمانات. ولكن الحقيقة أن الصحافة لم تمارس حريتها بصورة كاملة، فكانت هناك قيود على بعض ما ينشر، بل وفرضت الرقابة في أحيان كثيرة فعملت على حذف أو إلغاء بعض الآراء. ولم يكن مسموحاً التعرض للنظام أو الحكومة.
قبل وأثناء الحرب
اتجه الإعلام الحربي المصري خلال فترة الستينيات إلى التحرك دون خطة محددة، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على منهجه في عملية الاتصال. وبالرغم من ذلك لا يمكن إنكار أن الإعلام كان يقوم بهذا الدور مدفوعا من القيادة السياسية الحربية وخاضعا لسيطرتها، فلم تتح له الفرصة ليعبر بموضوعية عن الوقائع التي سبقت الحرب.
- أثناء الحرب:
- خلق جو من الدعاية الشديدة: عند إعلان حالة الطوارئ وصدور القرار بحشد القوات المصرية في سيناء، كانت الأوامر التي أصدرتها القيادة السياسية والحربية في ذلك الوقت هي خلق جو من الدعاية الشديدة؛ لأن عبد الناصر كان حريصاً على ألا يظن الإسرائيليون وغيرهم أن الجيش المصري متورط في حرب اليمن إلى الحد الذي يمنعه من معاونة سورية إذا تعرضت للعدوان الإسرائيلي. واستمر دور الصحافة المضلل للجماهير - من خلال المقالات التي يكتبها متخصصون في المجال الحربي - في الحديث عن الانتصارات المصرية المتتالية على إسرائيل. والخسائر الإسرائيلية الضخمة، بالرغم أن نتائج الحرب كانت قد حسمت لصالح إسرائيل.
- التهويل في قدرات قواتنا والتهوين من قدرات العدو: ففي الساعات الأولى من صباح الخامس من يونيه، أعلنت بيانات الإعلام الحربي المصري، أن القوات المسلحة أسقطت 250 طائرة، بينما كان "موشى ديان" وزير الدفاع الإسرائيلي يعلن على العالم من خلال المراسلين الأجانب أن إسرائيل دولة لا تقوى على الحرب ولا تريدها.
- التصريحات غير المدروسة لبعض المسؤولين العسكريين المصريين والتي يعلنون فيها بصفة دورية أن مصر هي أقوى دولة في الشرق الأوسط وأن لديها أقوى قوى بحرية وجوية وبرية في المنطقة بل وذهب البعض إلى القول بأن القوات المصرية ستلقى بإسرائيل في البحر.
- استخدام أسلوب التخاطب من خلال نهج دراماتيكى أُستغل بشكل واضح من الإذاعات المعادية للتشهير بمصر وقدراتها الحربية.
- الإجراءات الرقابية على البرقيات الصحفية ومراجعة المادة الصحفية، قبل إصدارها.
- الاعتماد على استخدام الأسلوب الحماسي من أجل تأجيج المشاعر، من خلال الأغاني الحماسية ومن خلال المبالغة في عناوين الصحف. وعلى سبيل المثال ما جاء في بعض الصحف خلال شهر مايو 1967م: "أنواع جديدة من المقاتلات انضمت للقوات العربية في سيناء - سندخل المعركة بأكبر قوة من النيران - المشير عامر في المواقع المتقدمة".
- التوجيه والرقابة المباشرة على وسائل الإعلام المختلفة بما حد من حرية وسائل الإعلام ومصداقيتها.
- كما قام الإعلام الحربي المسموع والمرئي - من خلال البرامج الإذاعية والمرئية - قبيل الحرب بعمليات شحن معنوي، من خلال تكثيف التصريحات والأحاديث المبالغ فيها للمسؤولين.
- اعتماد الإعلام الحربي على ما يذاع من معلومات غير دقيقة عن تطورات المعارك دون تأكيد هذه البيانات من المصادر المختلفة، مع إذاعة بيانات حربية تحتوي على الأكاذيب وتضليل الشعب.
الإعلام العسكري وحرب أكتوبر
لعب التمهيد السياسي لحرب أكتوبر 1973م، وكذا استخدام الإعلام المصري على أسس علمية سليمة، في تقبل الرأي العالمي للحرب، فكان قرار الحرب. وكان للتعاون المصري السوري لشن الهجوم في توقيت واحد، أثره الكبير في نجاح وتطوير العمليات. وكان لاستخدام سلاح البترول دوره الفعال في تشكيل ضغط عربي كبير على الغرب بما أسهم بفاعلية في تحقيق الأهداف السياسية القومية. وخلال الفترة من عام 1967 وحتى عام 1973م، كان للإعلام الحربي المصري دوره الهام ومساهمته في إعداد الدولة للصراع المسلح المقبل، وفي تهيئة الجبهة الداخلية للوقوف بجانب القوات المسلحة استعدادا للمعركة المصيرية من أجل تحرير الأرض، وخلال هذا المبحث سنتطرق إلى دور الإعلام الحربي المصري سواء خلال فترة الإعداد أو خلال إدارة الحرب.[3]
الإعلام الحربي منذ 1970 - 1973
من المؤكد أن الدور الذي لعبه الإعلام الحربي المصري في تلك الفترة الممتدة من وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، وحتى نشوب الحرب في السادس من أكتوبر 1973م، قد مثل مرحلة جديدة تختلف تماماً عن الوضع الذي كانت عليه في مرحلة النكسة وما بعدها، ويرجع هذا التغير إلى مجموعة من العوامل نذكر أهمها:
- تخفيف القيود التي كانت مفروضة وبشكل تدريجي على الصحافة، العمل على تصفية الأجواء المرتبطة بالصحافة باعتبارها السند الرئيسي لتهيئة الرأي العام المصري للمعركة القادمة.
- كان لعودة العلاقات الطبيعية بين مصر والدول العربية، وزيادة حركة ونشاط الدبلوماسية المصرية، أثره الواضح على الإعلام الحربي المصري، حيث أصبح مجالاً خصباً لكي تجد آليات تحرك الإعلام الحربي مادة هامة للكتابة والنشر يمكن أن تتحرك فيه وتدلى بدلوها.
دور الإعلام الحربي المصري في مرحلة ما قبل الحرب
تحرك الإعلام الحربي المصري ووجه نشاطه لكشف حقيقة النوايا التوسعية لإسرائيل والتي كشفت حرب يونيه 1967م عن الكثير من أطماعها.
كما استطاع الإعلام الحربي المصري من خلال برامجه في الوسائل المرئية والمقروءة والمسموعة- في ذلك الحين - أن يتجه إلى الجماهير التي تباينت خصائصها تباينا واضحاً، وفي الوقت نفسه استطاع أن يستعيد الثقة أو المصداقية التي فقدها في حرب يونيه 1967م. كما أصبح الهدف الذي يسعى الإعلام الحربي لتحقيقه واضحاً تماماً، كما أصبح مضمون الرسالة الإعلامية واضحاً لا غموض فيه، فهي موجهة أساساً ضد العدو.
فمن خلال الصحافة: بدأت تبرز المقالات التي كتبها العسكريون والسياسيون والتي توضح وقوف الجماهير المصرية خلف قواتها المسلحة للدفاع عن تراب مصر وتحرير أرضها، وإحباط المخطط الإسرائيلي لبث دعايته المضادة والتي تهدف إلى تفتيت الوحدة الوطنية وبث روح اليأس، كما بدأت المجلة الحربية تركز على إعداد القوات المسلحة والتصميم على القتال من أجل تحرير الأرض، وأنه لا بديل آخر عن خوض حرب التحرير.
ومن خلال الإذاعة والتليفزيون: بدأ الإعلام الحربي يركز على الندوات والتعليقات من القيادات السياسية والحربية، ونقل الأخبار عن إعداد القوات المسلحة وصمود الجبهة، وأهمية الدور العربي والمساندة العربية لدول المواجهة ومنها مصر. كما أبرزت بشكل واضح طبيعة الدفاعات الإسرائيلية ونواياها وأهدافها والصعوبات التي تواجه قواتنا خلال مرحلة العبور. وبمعنى آخر كانت هناك واقعية في تحليل الأحداث وتعرية إسرائيل وكشف مخططها والعمل على عزلها على الساحتين الإقليمية والعالمية. كما ركزت برامج الإعلام الحربي من خلال الإذاعة والتليفزيون على نقل صورة حية عن مناورات وتدريب القوات المسلحة وإعدادها للمعركة القادمة.
هذا وقد تميز الإعلام الحربي المصري خلال هذه المرحلة باختفاء الفجوة بين اتخاذ القرارات المتعلقة بالمنطق الإعلامي والتنفيذ، وأصبحت الرسالة الإعلامية واضحة لدى مخططيها. ولعل من أبرز ما حققه الإعلام الحربي في تلك الفترة ما يلي:
- استطاع الإعلام الحربي كسب تأييد الرأي العام إلى جانب إقناع الجماهير بحرية المقال والكلمة والحديث.
- بدأت الحركة الفكرية - خاصة في المجال الحربي- تتسع لتأخذ مكاناً على صفحات الجرائد من خلال الاختلافات في الرأي بين المفكرين والمتخصصين.
- نجح الإعلام الحربي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، في تعميق مفاهيم الصمود والتحدي، وبدأت أحزان وذكريات الهزيمة تختفي تدريجياً، وكان لنشر المقالات والتحقيقات للحديث عن الشعوب التي تعرضت للمحن واستطاعت تجاوزها، أكبر الأثر في إعطاء الجماهير دفعة معنوية هائلة لمواجهة احتمالات الموقف في المستقبل القريب.
- تمشى المنهج الإعلامي الحربي مع سياسة القوات المسلحة وسياسة الدولة الداخلية والخارجية، فخرج معبراً عن الحقائق الحربية والسياسية.
- ركز الإعلام الحربي على إيضاح أن أية مواجهة قادمة مع إسرائيل، يجب أن يوضع في الاعتبار دور الولايات المتحدة المساند لإسرائيل.
- رغم أن الإعلام الحربي كان موجهاً لمتابعة أخبار الاستعدادات للمعركة، إلا أنه بدأ يأخذ خطاً متوازياً، حيث وزع اهتماماته بين الموقف الخارجي وموقف الجبهة الداخلية، من أجل أن يساير الإعلام الحربي من استعداد للمعركة مع التحرك المصري الخارجي ومع ما يدور من أحداث سياسية.
- اهتم الإعلام الحربي المصري والعربي في تلك المرحلة بنشر الدراسات الجادة عن العدو والمتعاونين معه، وشرح تحركاته واتصالاته. ونشر بعض ما كتب عنه، خاصة من الناحية الحربية، ولم تؤخذ هذه الدراسات والكتابات بلهجة الاستخفاف أو التهوين، كما لم تؤخذ بشكل مبالغ فيه، بل سلكت طريقاً متوازناً يهدف إلى توضيح صورة العدو الحقيقية.
- كما اهتم الإعلام الحربي بالتأكيد على أن ما حدث في يونيه 1967م كان غفلة من الزمن، وأن أبناء مصر قادرون على تصحيح الأوضاع مرة أخرى.
كما اتجهت القيادة الحربية نحو إعداد خطة إعلامية حربية متكاملة، وإعداد القوات نفسياً ومعنوياً استعداداً للحرب، وقد تجلى ذلك في كتابات كبار الكتاب على صفحات الجرائد وفي مجلة النصر وتأكيدهم بأن الحرب مع إسرائيل قادمة لا محالة. وأن استعادة التراب الوطني أمر مفروغ منه، والمسألة تتعلق بالوقت والاختيار الجيد لتوقيت التنفيذ وقد التزمت وسائل الإعلام بهذه الخطة.
الإعلام الحربي المصري خلال فترة الحرب
يمكن تقسيم إنجازات الإعلام الحربي خلال الحرب إلى قسمين:
الأول: ويختص بالتغلب على النتائج المعنوية والنفسية التي خلفتها حرب 1967م، حيث نجح بصورة كبيرة في القضاء على أسطورة التفوق الحربي الإسرائيلي الذي لا يمكن التغلب عليه، وأثبت قدرة الإنسان المصري على الوصول إلى مستوى عالٍ من التقدم واستيعاب التكنولوجياً الحديثة، وإثبات كفاءة الجندي في القتال، والقدرة على الإعداد والتخطيط لمعركة مثالية يخرج منها منتصراً.
الثاني: ويتعلق بالقدرة على نقل صورة حقيقية للخسائر الإسرائيلية في الحرب.
هذا وقد تعددت الكتابات والمقالات عن قدرة الجيش المصري على تحطيم أسطورة التفوق الحربي الإسرائيلي، واستخدم الإعلام الحربي كل الوسائل لتوضيح الحقائق المدعمة بالصور فعلى سبيل المثال:
- جلوساً على أرض المعسكر الذي خصص لهم، والصورة تنطق بسقوط الأسطورة".
- استخدام الإعلام الحربي اعترافات قادة العدو أنفسهم للحديث عن هزيمتهم والقدرات الحربية المصرية، فقد نشرت صحيفة الأهرام تصريحاً على لسان الجنرال "حاييم هرتزوج" قال فيه "إن مصر تستخدم تكتيكا جديداً في الحرب يفوق أسلوب الكوماندوز" "وأن القوات المصرية الخاصة تدخل سيناء من كل مكان ومن كل اتجاه وبكل الوسائل".
- كما نقل الإعلام الحربي تقريراً عن مراسل جريدة التايمز اللندنية في الشرق الأوسط قال فيه:"لقد أصبح واضحاً للجيش الإسرائيلي تصميم الجنود المصريين وتزايد قدراتهم على القتال الشرس، وكما برزت قدراتهم وكفاءتهم في إدارة شبكة الصواريخ على طول القناة وداخل الضفة الشرقية من سيناء"، كما نقلت أيضاً عن الأوبزرفر البريطانية قولها: "إن أسطورة الحربية الإسرائيلية قد تحطمت هذه المرة على أيدي الجنود المصريين".
لقد كان من الواضح أن الإعلام الحربي طوال فترة الحرب، خاض حرباً خاصة، من أجل استعادة الثقة المفقودة. كما وضع عدة محددات للتعامل مع الخسائر الإسرائيلية وحجم الانتصارات المصرية ومن أهمها:
- أن تكون البيانات والبلاغات الحربية هي الوسيلة الإعلامية الرئيسية في إظهار الانتصارات والخسائر.
- أن تركز البلاغات الحربية على ذكر الخسائر الإسرائيلية، دون التعرض للخسائر المصرية، باعتبار أن ذكر الخسائر المصرية، كان من الممكن أن يؤثر على الروح المعنوية للشعب ولقواته المسلحة.
- استخدام الإعلام الحربي للأساليب الموضوعية لتوضيح الخسائر الإسرائيلية، من خلال عرض الصور أو اللجوء إلى اعترافات العدو، أو الاعتماد على المراسلين الأجانب بهذا الشأن.
- تركيز البلاغات الحربية المصرية والتي تناولتها وسائل الإعلام من خلال الإعلام الحربي على الموضوعات التي تتمثل في: " عنف المعركة - الاستبسال الذي يقاتل به الجندي المصري - خسائر الجانب الإسرائيلي".
العمل الحربي المصري كان مفاجأة للإعلام الحربي المصري
كان العمل الحربي المصري في السادس من أكتوبر مفاجأة للإعلام الحربي المصري، ولعل ذلك قد جاء نتيجة لرغبة القيادة في المحافظة على سرية وقرار الحرب لأسباب إستراتيجية، وذلك نتيجة لعقدة هزيمة يونيه 1967م، ونتيجة للصدمة التي تلقاها الإعلام الحربي والإعلام المصري في تلك الحرب، ومن ثم ظل الإعلام الحربي متردداً خلال الأيام الأولى من الحرب في إظهار النتائج الضخمة التي حققتها القوات المصرية وحجم الخسائر الإسرائيلية. ومن الواضح أن هذه الحرب قد أتت بأرضية واقعية، كان الإعلام الحربي بل والإعلام الشامل في انتظارها من أجل استعادة الثقة.
تحرى الدقة في نقل المعلومات
لم ينقل الإعلام الحربي كثيراً من الوقائع الحقيقية والنتائج الباهرة التي حققتها القوات المصرية، ولعل أهم مثال على ذلك تقصيره في نقل البطولات المصرية العديدة أثناء القتال، ونقل الواقع الذي يجرى من خلال صورة حقيقية مباشرة ومؤثرة. فبينما كان الإعلام الإسرائيلي خلال حرب يونيه 1967م يتابع انتصاراته ويبالغ فيها ويستفيد منها، كان الإعلام الحربي والإعلام الشامل المصري حذراً في التعامل مع المعلومات برغم مصداقيتها وبرغم توفر الصور التليفزيونية العديدة والتي صورتها الكاميرات الأجنبية من أجل إثبات الواقع.
اعتماد الإعلام الحربي المصري على ما يردده الإعلام الأجنبي
توافرت للإعلام الحربي المصري خلال حرب أكتوبر مصادر إعلامية محلية ضخمة ذات أبعاد هائلة ومجالات لا تنتهي، ولكنه مع ذلك كان يركز اهتماماته ومصادره على نقل ما يكتبه الآخرون، ويرجع ذلك إلى اعتماد الإعلام الحربي المصري على الإعلام الأجنبي لإثبات موضوعيته وصدقه، ولكنه لم يقم في هذا المجال إلا بنقل ما يورده الإعلام الأجنبي والذي كان في كثير من المواقف حريصاً على ألا يظهر إسرائيل بمظهر الدولة المنهارة في ميادين القتال، حيث كان الغرب لا يزال متعاطفا معها، وبالتالي لم يستطع الإعلام المصري أن يستغل ما كان يحصل عليه من مادة علمية في فضح إسرائيل وبيان أكاذيبها. وكذلك لجوئه في عرض المنجزات التي تمخضت عنها الحرب مثل: سقوط أسطورة التفوق الإسرائيلي وإثبات جدارة المقاتل المصري مستشهداً بشهادات المراسلين الأجانب دون أن يجعل من هذه الأمور قضايا مؤثرة على غرار ما فعلته أجهزة الإعلام الإسرائيلية في حرب يونيه 1967م، حيث كان يقارن باستمرار بين ما كان الزعماء العرب يقولونه قبل الحرب وما حدث بالفعل أثناءها. إذا فالإعلام الحربي المصري كانت لديه فرصة كبيرة لأن يجعل من "سقوط أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.. أسلحة نفسية مؤثرة على المجتمع الإسرائيلي"، إلا أنه أفسح للإعلام الإسرائيلي مجالاً واسعاً لمعالجة الأمر بهدوء وروية والخروج من المفاجأة المذهلة التي وجد نفسه فيها عند بدء الحرب.
قيام الإعلام الحربي المصري بنقل مظاهر التأييد العالمي
قام الإعلام الحربي المصري بنقل مظاهر التأييد العالمي، لكنه لم يعط لهذا التأييد أبعاده الحقيقية التي توضح حقيقة الصراع الدائر في الشرق الأوسط من خلال الفهم العالمي له. كما قصرت الصحافة المصرية في شرح الدور الذي لعبته القوات العربية المصرية والسورية، ولعل ذلك كان مقصوداً حتى لا يتحول التأييد لجانب إسرائيل التي تواجه الجيوش العربية كلها، كما كانت تقول إسرائيل وتستخدم هذه النغمة في دعايتها.
الإعلام الحربي المصري كان موضوعياً
الواقع أن الإعلام الحربي بكل آلياته، كان موضوعياً في نقل الوقائع عن الحرب، وبالرغم من الملاحظات السلبية التي وردت في بعض وسائل الإعلام.. إلا أن الإعلام الحربي شهد خلال هذه الحرب عصراً من الرزانة والعمق والموضوعية والصدق، استطاع من خلالها أن يحقق طفرة كبيرة نحو الأمام وحاز من جديد ثقة الرأي العام المحلي.
مراجع
- الإعلام الحربي نسخة محفوظة 03 مايو 2017 على موقع واي باك مشين.
- الإعلام العسكري وحرب 1967 نسخة محفوظة 29 أبريل 2017 على موقع واي باك مشين.
- الإعلام الحربي المصري وحرب أكتوبر 1973م نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- بوابة مصر
- بوابة حرب أكتوبر
- بوابة القوات المسلحة المصرية