السيف أصدق أنباء
السيف أصدق أنباءً هي قصيدة من البحر البسيط في العصر العباسي لأبي تمام (188 - 231 هـ / 803-845م) يصف فيها معركة عمورية، ضد الروم ويُكذب المنجمين الذين نصحوا المعتصم بأنه لا يستطيع فتحها إلا في الصيف.
السيف أصدق أنباء | |
---|---|
القافية | بائية |
ويكي مصدر | |
مناسبة القصيدة
أغار الروم في أيام المعتصم بالله بن هارون الرشيد على بلدة زِبَطْرَة المسلمة وعاثوا فيها فسادًا، واعتدى رُومِي من أهل عمّورية على امرأة عربية مسلمة فصاحت مستنجدة بعبارتها المشهورة بين العرب إلى هذا اليوم «وامعتصماه» بمعنى أغثني أيها المعتصم، ولي أمري، فسخر منها الرومي، ووصل خبر ذلك إلى المعتصم فأقسم أن ينصرها، وغزا بلاد الروم، حيث وقعت معركة عمورية الشهيرة بين الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية في رمضان من عام 223 هـ الموافق لآب من عام 838 م. وكانت هذه المعركة من أهم المعارك الإسلامية – البيزنطية.
وكان الجيش العباسي بقيادة الخليفة المعتصم بالله الذي حكم فيما بين 833 -842 م، وأما الجيش البيزنطي فقد كان بقيادة توفيل بن ميخائيل سليل الأسرة العمورية والإمبراطور البيزنطي.
انتصر العرب المسلمون نصرًا مؤزرًا، وفُتحت عمّورية، وأُسر ذلك الرومي، وأُحضرَت المرأة لتراهُ ويراها، رغم أن المُنجِّمِين كانوا قد نصحوا المعتصم بالانتظار حتى ينضج التين والعنب، لأنه لن يستطيع فتح عمّورية قبل ذلك، لكنه لم يستمع لنصيحتهم، وغزاها وانتصر، فأنشد أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في هذه المناسبة قصيدته المحتفية بالعقل والتدبير والحزم والعزم ضد ظلماء الخزعبلات والرجم بالغيب والتطيّر بجانب ثنائها على نجدة الضعفاء وضحايا الحروب والدفاع عن الوطن والحق.
القصيدة
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ | في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ | |
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في | مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ | |
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً | بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ | |
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا | صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ | |
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقةً | لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ | |
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلةً | عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ | |
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَةٍ | إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ | |
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبةً | مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ | |
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة | ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ | |
لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه | لم تُخْفِ ما حلَّ بالأوثان والصلُبِ | |
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ | نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ | |
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ | وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ | |
يَا يَوْمَ وَقْعَة ِ عَمُّوريَّة َ انْصَرَفَتْ | منكَ المُنى حُفَّلاً معسولة ََ الحلبِ | |
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ | والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ | |
أُمٌّ لَهُمْ لَوْ رَجَوْا أَن تُفْتَدى جَعَلُوا | فداءها كلَّ أمٍّ منهمُ وأبِ | |
وبرْزة ِ الوجهِ قدْ أعيتْ رياضتُهَا | كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِي كَرِبِ | |
بِكْرٌ فَما افْتَرَعَتْهَا كَفُّ حَادِثَةٍ | ولا ترقَّتْ إليها همَّة ُ النُّوبِ | |
مِنْ عَهْدِ إِسْكَنْدَرٍ أَوْ قَبل ذَلِكَ قَدْ | شابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ | |
حَتَّى إذَا مَخَّضَ اللَّهُ السنين لَهَا | مَخْضَ البِخِيلَة ِ كانَتْ زُبْدَة َ الحِقَبِ | |
أتتهُمُ الكُربة ُ السَّوداءُ سادرةً | منها وكان اسمها فرَّاجة َ الكُربِ | |
جرى لها الفالُ برحاً يومَ أنقرةِ | إذْ غودرتْ وحشة ََ الساحاتِ والرِّحبِ | |
لمَّا رَأَتْ أُخْتَها بِالأَمْسِ قَدْ خَرِبَتْ | كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْدَى من الجَرَبِ | |
كمْ بينَ حِيطانها من فارسٍ بطلٍ | قاني الذّوائب من آني دمٍ سربِ | |
بسُنَّة ِ السَّيفِ والخطيَّ منْ دمه | لا سُنَّة ِ الدين وَالإِسْلاَمِ مُخْتَضِبِ | |
لقد تركتَ أميرَ المؤمنينَ بها | للنَّارِ يوماً ذليلَ الصَّخرِ والخشبِ | |
غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحىً | يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ | |
حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ | عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ | |
ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفةٌ | وظُلمة ٌ منَ دخان في ضُحى ً شحبِ | |
فالشَّمْسُ طَالِعَة ٌ مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ | والشَّمسُ واجبة ٌ منْ ذا ولمْ تجبِ | |
تصرَّحَ الدَّهرُ تصريحَ الغمامِ لها | عنْ يومِ هيجاءَ منها طاهرٍ جُنُبِ | |
لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيهِ يَومَ ذَاكَ على | بانٍ بأهلٍ وَلَم تَغْرُبْ على عَزَبِ | |
ما ربعُ ميَّة ََ معموراً يطيفُ بهِ | غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبى ً مِنْ رَبْعِهَا الخَرِبِ | |
ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْمينَ مِنْ خجَلٍ | أَشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّرِبِ | |
سَماجَة ً غنِيَتْ مِنَّا العُيون بِها | عنْ كلِّ حُسْنٍ بدا أوْ منظر عجبِ | |
وحُسْنُ مُنْقَلَبٍ تَبْقى عَوَاقِبُهُ | جاءتْ بشاشتهُ منْ سوءٍ منقلبِ | |
لوْ يعلمُ الكفرُ كمْ منْ أعصرٍ كمنتْ | لَهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّمْرِ والقُضُبِ | |
تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ | للهِ مرتقبٍ في الله مُرتغبِ | |
ومُطعَمِ النَّصرِ لَمْ تَكْهَمْ أَسِنَّتُهُ | يوماً ولاَ حُجبتْ عنْ روحِ محتجبِ | |
لَمْ يَغْزُ قَوْماً، ولَمْ يَنْهَدْ إلَى بَلَدٍ | إلاَّ تقدَّمهُ جيشٌ من الرَّعبِ | |
لوْ لمْ يقدْ جحفلاً، يومَ الوغى، لغدا | منْ نفسهِ، وحدها، في جحفلٍ لجبِ | |
رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدَّمها | ولوْ رمى بكَ غيرُ اللهِ لمْ يصبِ | |
مِنْ بَعْدِ ما أَشَّبُوها واثقينَ بِهَا | واللهُ مفتاحُ باب المعقل الأشبِ | |
وقال ذُو أَمْرِهِمْ لا مَرْتَعٌ صَدَدٌ | للسارحينَ وليسَ الوردُ منْ كثبِ | |
أمانياً سلبتهمْ نجحَ هاجسها | ظُبَى السيوفِ وأطراف القنا السُّلُبِ | |
إنَّ الحمامينِ منْ بيضٍ ومنْ سُمُرٍ | دَلْوَا الحياتين مِن مَاءٍ ومن عُشُبٍ | |
لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ | كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ | |
عداك حرُّ الثغورِ المستضامة ِ عنْ | بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ | |
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً | وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ | |
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً | ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ | |
لمَّا رأى الحربَ رأْي العينِ تُوفلِسٌ | والحَرْبُ مَشْتَقَّة ُ المَعْنَى مِنَ الحَرَبِ | |
غَدَا يُصَرِّفُ بِالأَمْوال جِرْيَتَها | فَعَزَّهُ البَحْرُ ذُو التَّيارِ والحَدَبِ | |
هَيْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِهِ | عن غزْوِ مُحْتَسِبٍ لا غزْو مُكتسبِ | |
لمْ يُنفق الذهبَ المُربي بكثرتهِ | على الحصى وبهِ فقْرٌ إلى الذَّهبِ | |
إنَّ الأُسُودَ أسودَ الغيلِ همَّتُها | يوم الكريهة ِ في المسلوب لا السَّلبِ | |
وَلَّى ، وَقَدْ أَلجَمَ الخطيُّ مَنْطِقَهُ | بِسَكْتَة ٍ تَحْتَها الأَحْشَاءُ في صخَبِ | |
أَحْذَى قَرَابينه صَرْفَ الرَّدَى ومَضى | يَحْتَثُّ أَنْجى مَطَاياهُ مِن الهَرَبِ | |
موكِّلاً بيفاعِ الأرضِ يُشرفهُ | مِنْ خِفّة ِ الخَوْفِ لا مِنْ خِفَّة ِ الطرَبِ | |
إنْ يَعْدُ مِنْ حَرهَا عَدْوَ الظَّلِيم، فَقَدْ | أوسعتَ جاحمها منْ كثرة ِ الحطبِ | |
تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ | جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ | |
يا رُبَّ حوباءَ لمَّا اجتثَّ دابرهمْ | طابَتْ ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْكِ لم تَطِبِ | |
ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بِهِ | حيَّ الرِّضا منْ رداهمْ ميِّتَ الغضبِ | |
والحَرْبُ قائمَة ٌ في مأْزِقٍ لَجِجٍ | تجثُو القيامُ بهِ صُغراً على الرُّكبِ | |
كمْ نيلَ تحتَ سناها من سنا قمرٍ | وتَحْتَ عارِضِها مِنْ عَارِضٍ شَنِبِ | |
كمْ كان في قطعِ أسباب الرِّقاب بها | إلى المخدَّرة ِ العذراءِ منَ سببِ | |
كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْدِي مُصْلَتَةً | تهتزُّ منْ قُضُبٍ تهتزُّ في كُثُبِ | |
بيضٌ، إذا انتُضيتْ من حُجبها، رجعتْ | أحقُّ بالبيض أتراباً منَ الحُجُبِ | |
خَلِيفَة َ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ | جُرْثُومَة ِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ | |
بصُرْتَ بالرَّاحة ِ الكُبرى فلمْ ترها | تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ | |
إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ | موصولة ٍ أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ | |
فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا | وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ | |
أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ | صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ |
طالِع أيضًا
- أبو تمام
- المعتصم بالله
- توفيل بن ميخائيل
- معركة عمورية