سينية البحتري
صنتُ نفسي أو سينية البحتري هي قصيدة من البحر الخفيف قافيتها السين في العصر العباسي للبحتري (821–897 م، 206–248 هـ) نظمها استلهامًا من إيوان كسرى.
سينية البحتري | |
---|---|
المؤلف | البحتري |
البحر | الخفيف |
القافية | سينية |
ويكي مصدر | |
مناسبة القصيدة
يقف البحتري على إيوان كسرى، فيستلهم الحادثات كنوزًا من العبر، فينظم أبياتًا تزداد بريقًا بالبلاغة، وضياء المعرفة، وفي الحديث عن مناسبة سينية البحتري فلقد كان إيوان كسرى مضرب المثل في الأنس والعمران، وفي مناسبة سينية البحتري أو كما تُسمى قصيدة إيوان كسرى، فقد كان مقر الملك في عاصمة بلاد الفرس يدعى بالقصر الأبيض، وفي وسطه إيوان كسرى وهي قاعة عرش كسرى، أما عن البحتري فقد كان هو الشاعر المقرب للخليفة العباسي المتوكل، فلما قُتل حزن عليه البحتري ورثاه في شعره وذلك كان السبب الأهم في مناسبة سينية البحتري، إضافةً إلى أنه امتلأت نفسه همًّا وغمًّا فذهب إلى المدائن عاصمة بلاد الفرس، ووقف أما الإيوان يصفه وصفًا حسيًا رائعًا، وانتقل إلى وصف تاريخهم وعظمتهم. تقع قصيدة سينية البحتري في ستة وخمسين بيتًا، توزع عشرة منها في ذكره حاله وشكوى دهره، وستة من الأبيات في السبب التاريخي لهذه الوقفة، ثم ستة من الأبيات في ذكر عظمة الفرس، وستة في ذكر أحوال خاصة، ويذكر رحلته إلى بلاد الفرس ونفسه مليئة بالحزن على وفاة المتوكل واغتياله، أما ما بقي من أبيات جعلها في وصف إيوان كسرى، وقد تفنن البحتري في هذا الوصف، وهذا هو توزيع مناسبة سينية البحتري حيث فاضت خواطره وتأملاته، وآلامه في شعره.
القصيدة
صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي | وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ | |
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـ | ـرُ التِماساً مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي | |
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي | طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ | |
وَبَعيدٌ ما بَينَ وارِدِ رِفَهٍ | عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ | |
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو | لاً هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ | |
وَاِشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ | بَعدَ بَيعي الشَآمَ بَيعَةَ وَكسِ | |
لاتَرُزني مُزاوِلاً لِإِختِباري | بَعدَ هَذي البَلوى فَتُنكِرَ مَسّي | |
وَقَديماً عَهِدَتني ذا هَناتٍ | آبِياتٍ عَلى الدَنِيّاتِ شُمسِ | |
وَلَقَد رابَني اِبنُ عَمّي | بَعدَ لينٍ مِن جانِبَيهِ وَأُنسِ | |
وَإِذا ماجُفيتُ كُنتُ جَديراً | أَن أَرى غَيرَ مُصبِحٍ حَيثُ أُمسي | |
حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّهـ | ـتُ إِلى أَبيَضَ المَدائِنِ عَنسي | |
أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى | لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ | |
أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي | وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي | |
وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ | مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي | |
مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَبـ | ـقِ إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ | |
حِلَلٌ لَم تَكٌ كَأَطلالِ سُعدى | في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ | |
وَمَساعٍ لَولا المُحاباةُ مِنّي | لَم تُطِقها مَسعاةُ عَنسٍ وَعَبسِ | |
نَقَلَ الدَهرُ عَهدَهُنَّ عَنِ الـ | ـجِدَّةِ حَتّى رَجَعنَ أَنضاءَ لُبسِ | |
فَكَأَنَّ الجِرمازَ مِن عَدَمِ الأُنـ | ـسِ وَإِخلالِهِ بَنِيَّةُ رَمسِ | |
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللَيالي | جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُرسِ | |
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَومٍ | لا يُشابُ البَيانُ فيهِم بِلَبسِ | |
وَإِذا مارَأَيتَ صورَةَ أَنطا | كِيَّةَ إِرتَعتَ بَينَ رومٍ وَفُرسِ | |
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَر | وانَ يُزجى الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ | |
في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى أَصـ | ـفَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ | |
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ | في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغماضِ جَرسِ | |
مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمحٍ | وَمُليحٍ مِنَ السِنانِ بِتُرسِ | |
تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحيا | ءٍ لَهُم بَينَهُم إِشارَةُ خُرسِ | |
يَغتَلي فيهِم إِرتِابي حَتّى | تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ | |
قَد سَقاني وَلَم يُصَرِّد أَبو الغَو | ثِ عَلى العَسكَرَينِ شَربَةَ خُلسِ | |
مِن مُدامٍ تَظُنُّها وَهيَ نَجمٌ | ضَوَّأَ اللَيلَ أَو مُجاجَةُ شَمسِ | |
وَتَراها إِذا أَجَدَّت سُروراً | وَاِرتِياحاً لِلشارِبِ المُتَحَسّي | |
أُفرِغَت في الزُجاجِ مِن كُلِّ قَلبٍ | فَهيَ مَحبوبَةٌ إِلى كُلِّ نَفسِ | |
وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَرويـ | ـزَ مُعاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنسي | |
حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَيني | أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَدسي | |
وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنـ | ـعَةِ جَوبٌ في جَنبِ أَرعَنَ جِلسِ | |
يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبـ | ـدو لِعَينَي مُصَبِّحٍ أَو مُمَسّي | |
مُزعَجاً بِالفِراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ | عَزَّ أَو مُرهَقاً بِتَطليقِ عِرسِ | |
عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ الـ | ـمُشتَري فيهِ وَهوَ كَوكَبُ نَحسِ | |
فَهوَ يُبدي تَجَلُّداً وَعَلَيهِ | كَلكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهرِ مُرسي | |
لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الديـ | ـباجِ وَاِستَلَّ مِن سُتورِ المَقسِ | |
مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُرُفاتٌ | رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُدسِ | |
لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُبـ | ـصِرُ مِنها إِلّا غَلائِلَ بُرسِ | |
لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ | سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ | |
غَيرَ أَنّي يَشهَدُ أَن لَم | يَكُ بانيهِ في المُلوكِ بِنِكسِ | |
فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَو | مَ إِذا ما بَلَغتُ آخِرَ حِسّي | |
وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَسرى | مِن وُقوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخِنسِ | |
وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصيـ | ـرِ يُرَجِّعنَ بَينَ حُوٍ وَلُعسِ | |
وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمـ | ـسِ وَوَشكَ الفِراقِ أَوَّلَ أَمسِ | |
وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ إِتِّباعاً | طامِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَمسِ | |
عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهراً فَصارَت | لِلتَعَزّي رِباعُهُم وَالتَأَسّي | |
فَلَها أَن أُعينَها بِدُموعٍ | موقَفاتٍ عَلى الصَبابَةِ حُبسِ | |
ذاكَ عِندي وَلَيسَت الدارُ داري | بِإِقتِرابٍ مِنها وَلا الجِنسُ جِنسي | |
غَيرَ نُعمى لِأَهلِها عِندَ أَهلي | غَرَسوا مِن زَكائِها خَيرَ غَرسِ | |
أَيَّدوا مُلكَنا وَشَدّوا قُواهُ | بِكُماةٍ تَحتَ السَنَّورِ حُمسِ | |
وَأَعانوا عَلى كَتائِبِ أَريا | طَ بِطَعنٍ عَلى النُحورِ وَدَعسِ | |
وَأَراني مِن بَعدُ أَكلَفُ بِالأَشـ | ـرافِ طُرّاً مِن كُلِّ سِنخِ وَأُسِّ |